قضايا إقليمية

من هو الرجل؟

غونين سيغيف، وزير وضابط إسرائيلي سابق، ولد في العام 1956 في مستعمرة كريات موتسكين‎. بدأ خدمته العسكرية الإجبارية في الجيش الإسرائيلي باتباع الدورة التدريبية للقوات الجوية الإسرائيلية، لكنّه تركها وانتقل إلى وحدة قتالية، حيث حصل على رتبة نقيب. التحق بجامعة بن غوريون في النقب ودرس طب الأطفال. وفي بداية التسعينيات تعرّف إلى الجنرال رفائيل إيتان، زعيم حزب «تسوميت» اليميني المتطرّف ورئيس أركان العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 1982، فالتحق بحزبه وانتخب للكنيست عن قائمته، وفي كانون الثاني 1995 انشقّ عن الحزب لينضم إلى حكومة رابين، فأصبح وزيرًا للطاقة والبنى التحتية وعضوًا في «الكابينت» – المجلس الوزاري المصغّر ما بين العامين 1992 و1996. هذا المنصب هو من أهم المناصب التي يطمح أي سياسي إسرائيلي للوصول إليها، الأمر الذي دفع زميله في الحزب، الجنرال احتياط موشيه بيلد، للقول إنه لم يستغرب «قيام سيغيف بخيانة إسرائيل»، فقد سبق له أن خان الناخبين ورفاقه وانشقّ عن الحزب وأتى بالويلات على إسرائيل عندما صوّت لمصلحة اتّفاق أوسلو ومنح رابين غالبية أتاحت له تمرير الاتّفاق». بعد مقتل رابين استمر سيغيف وزيرًا حتى حزيران 1996، حين خرج من الحياة السياسية، وتوجّه للقطاع الخاص مستثمرًا علاقاته التي أقامها خلال عمله وزيرًا للطاقة.
ارتكب عدة مخالفات جنائية، من بينها تهريب مخدرات وتزوير جواز سفر دبلوماسي. وفي العام 2003 أدين بتهمة التحايل على شركة «يسرا كارت»، إذ سحب عشرات آلاف الشواكل وادّعى سرقة بطاقته. وفي العام 2004 ضبط في مطار أمستردام بمحاولة تهريب كمية كبيرة من الأقراص المخدّرة (الإكستازي) داخل قطع الشوكولا. أدين وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وسحبت منه رخصة مزاولة الطب في العام 2007. وفي العام نفسه أفرج عنه بعد تخفيض ثلث مدة محكوميته. وفي العام 2008 اتّهم بتوقيع تحويلات مالية من دون رصيد كمدير لشركة استثمارية، وقبل صدور الحكم بإدانته هاجر إلى نيجيريا وأقام في عاصمتها أبوجا، وعمل فيها كطبيب وكمستثمر، وفي العام 2012 أدانته المحكمة في قضية التحويلات المالية، وحكمت عليه بغرامة مالية قدرها مليون شيكل.
كان لديه غضب شديد على إسرائيل، وشعور بتعرضه للظلم والإهانة، خصوصًا بعد سحب السلطات الإسرائيلية منه شهادة مزاولة مهنة الطب. في أثناء وجوده في نيجيريا، ساعد أعضاء الجالية اليهودية وكذلك الدبلوماسيين الإسرائيليين هناك، وتلقّى رسالة تقدير وشكر رسمية من رئيس الأمن في وزارة الخارجية الإسرائيلية لإنقاذه حياة دبلوماسي إسرائيلي. وفق تقرير للقناة العاشرة الإسرائيلية، فقد أغرته السفارة الإيرانية في أبوجا وجنّدته تحت غطاء تعليم أطفال الموظفين الإيرانيين، ما شكّل صفعة إيرانية كبيرة للمنظومتين الأمنيّة والسياسيّة الإسرائيليتين، لاسيّما وأنّ عملية الاختراق دامت ست سنوات وطاولت شخصية كبيرة، في سابقة تاريخية خطيرة لم يعتد عليها كيان العدو.
في آذار 2018، أجرت القناة العاشرة لقاء مع سيغيف، أظهر فيه رغبته بالعودة إلى إسرائيل والعيش فيها، لكنه أعرب عن خشيته من الملاحقات القانونية. وفي نيسان من العام نفسه سافر إلى دولة غينيا الاستوائية فاعتقل في المطار، ورفضت السلطات السماح له بدخول أراضيها وتحفّظت عليه بناءً على طلب الشرطة الإسرائيلية التي تسلّمته لاحقًا وأحضرته إلى تل أبيب، حيث اعتقله جهاز المخابرات العامة واستجوبه على مدى أكثر من شهر في تكتّم كامل على اعتقاله. وقبل فترة وجيزة أعلن «الشاباك» – الأمن العام - عن الاعتقال ونشر جزءًا من لائحة الاتهام الموجهة إليه وأبقى بعضها سريًا، ومما جاء من تهم في اللائحة: «تقديمه مساعدة للعدو في أثناء الحرب والتجسس ضد إسرائيل».

كيف تحوّل إلى «تفاحة فاسدة» وسقط بعيدًا من الشجرة؟
تزعم عوفرا مايرسون، أرملة رفائيل إيتان مؤسس حزب تسوميت، أنّ سيغيف خدع إيتان لدرجة أنّه رشّحه لتمثيل الحزب في الكنيست، وقام بمناورات خادعة ليجذب انتباه إيتان والترويج لنفسه كصهيوني قومي متشدّد. وتضيف أرملة إيتان أنها تظن أن سيغيف خطّط مبكرًا لهذه الخطوة، إثر الخلافات مع زملائه في مستشفى العفولة، ثم بدأ بالتخطيط للتوجّه نحو الحقل السياسي، وهكذا انتقل إلى منطقة إيتان وعلّق علمًا صهيونيًا أكبر من حجم بيته، وكان ذلك بمثابة طريق سريع لنجاحه السياسي الجديد.
تصفه مايرسون بالرجل الطموح الذي تمكّن من التسلّل فعليًا إلى «تسوميت» ثم الكنيست، ليتبيّن لاحقًا أنه جاسوس ساعد «العدو في زمن الحرب».
كطبيب وضابط سابق، لم يكن سيغيف مجهولًا تمامًا في مطلع التسعينيات، فقد سمع عنه إيتان وفتح له أبواب الحزب والكنيست، ويقول موشيه بيلد، من الـ«تسوميت»، إنّ سيغيف عمل مع إيتان ورابين ومع الذين «أسقطهم بخبثه». ويزعم بيلد أنّه اكتشف احتيال سيغيف بعدما انشقّ عن الحزب ليدعم اتّفاق أوسلو.
من جهة أخرى تزعَم ليمور ليفنات التي دخلت الكنيست لأول مرة مع سيغيف عدم تفاجئها بأنه جاسوس بعد نجاحه الباهر والمشبوه وغير المبرر بشكلٍ لا يصدّق. فهو بـ«خيانته» أيديولوجيّة «تسوميت» والتحاقه برابين، وجد المجال مفتوحًا أمامه للحصول على منصب وزير للطاقة والبنى التحتية في الحكومة. ويقول أفيغدور كهلاني، الذي عارض اتّفاقات أوسلو واستبعد من الكنيست لمصلحة سيغيف، إن خيانة سيغيف لا تعني أنه قدّم الكثير من المعلومات المهمة للإيرانيين، «فالوزير لا يعرف الكثير» ولكن «خيانته لها طابع وأثر أخلاقيان».
تكلّم زملاء سيغيف في حزب «تسوميت» عن طبيعته الإشكالية، ولم يكن لديهم كلمة طيبة واحدة عنه. وتزعم زميلته إستر سالموفيتش التي انشقّت معه عن «تسوميت» إلى جانب أليكس غولد فارب أنّ سيغيف كان بإمكانه حماية ظهر من يقف معه، ولكنه رجل متغطرس وإشكالي، ويملك الكثير من المواهب. وتضيف في مقابلة مع إذاعة الجيش أنها حاولت خلال أسبوعٍ التذكير باحتيال سيغيف، لكن لا أحد يريد أن يسمع عن ذلك بسبب مساهمته في اتّفاق أوسلو.
من ناحية أخرى ترى صحيفة «ماكور ريشون» اليمينية أنّ سيرة سيغيف مليئة بالحفر والفضائح، وتعبّر عن «نمط إجرامي واضح».

كيف تجسّس؟
كان سيغيف يغيب عن نيجيريا في رحلات عمل يدّعي أنها لاستيراد أدوية ومعدات طبية، وهو الستار نفسه الذي كان قد توسّله عند اتصاله لأول مرة بالاستخبارات الإيرانية في السفارة الإيرانية في نيجيريا، ومن ثم في اللقاءات التي عقدها، سواء في نيجيريا أو في عواصم مختلفة بين رجال أعمال إسرائيليين، بعضهم من ذوي خلفيات أمنية سابقًا، وبين عناصر الاستخبارات الإيرانية الذين قدّمهم على أنّهم رجال أعمال.
وبحسب «يديعوت أحرونوت»، كان بحوزة سيغيف جواز سفر دبلوماسي إسرائيلي كونه وزيرًا سابقًا في الحكومة الإسرائيلية. ومع إنهائه مهمات منصبه، رفض تسليم جواز السفر إلى وزارة الخارجية رغم الطلبات المتكررة بإعادته. وتبيّن لاحقًا أنّه زوّر تاريخ انتهاء صلاحية الجواز وواصل التنقّل في العالم بواسطته إلى حين تمّ ضبطه في نيسان من العام 2004 في مطار أمستردام، عندما حاول تهريب المخدرات إلى إسرائيل.

لماذا يتجسّس؟
أعاد الكشف عن اعتقال الوزير الإسرائيلي السابق غونين سيغيف، في 18/6/2018، بتهمة التجسّس لمصلحة إيران، إلى الأذهان سلسلة من محاولات عربية وغير عربية لتجنيد عملاء إسرائيليين للتجسّس ضد الاحتلال الصهيوني مطلع الخمسينيات. وعلى الرغم من أن محاولات التجنيد شهدت بعض النجاحات، خصوصًا من قبل دول الكتلة الشرقية الأوروبية والاتحاد السوفياتي السابق، إلّا أنّ تجنيد سيغيف من قبل الاستخبارات الإيرانية يظل أكبر اختراق في هذا المجال، لاسيما من الناحية المعنوية، بما يشكّله من ضربة قاسية لـ«المناعة الأمنية الإسرائيلية»، وبخاصةٍ مع تنامي روح الفاشيّة والنزعات اليمينية الشوفينيّة المتطرفّة في المجتمع والسياسة الإسرائيليين خلال السنوات الأخيرة.
في التحليل النفسي لشخصية الرجل يقول الكاتب الإسرائيلي رون بن يشاي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنّ د. غونين سيغيف يتمتّع بصفتين أساسيتين يتميز بهما الكثير من الإسرائيليين: الصفة الأولى هي السعي إلى تحقيق ضربة يكسب بها مبلغًا ضخمًا من المال من دون بذل أي مجهود، والصفة الثانية تكمّل الأولى، وهي اقتناعه بقدرته على التآمر على العالم كله، طوال الوقت، بفضل قدراته العقلية الخارقة وسحره الشخصي غير العادي. ويضيف الكاتب: «سيغيف، نرجسي مفتون بذاته ومقتنع بتمتّعه بتفوق ذكائي، وبعدم استطاعة الآخرين مقاومته ببساطة، ولذلك فهم يقعون في شباكه. وبالتالي فإنه حتى حين عمل في صفوف المخابرات الإيرانية، اعتقد بأنه هو من يخدعهم وليس هم من عملوا على توريطه».
لكن سيغيف يتمتع بصفة نفسية ثالثة يسمونها «غياب الأنا العليا»: فهو ليس لديه الآلية العقلية والأخلاقية التي تحكمنا لمعرفة متى يحظّر علينا تجاوز الخط الأخلاقي أو القانوني الأحمر وإهمال القواعد الاجتماعية المقبولة. وبعدم وجود الأنا العليا هذه، يتوّرط سيغيف مرة تلو الأخرى في الجرائم، فهو يرى في المخدرات، والخيانة، وحتى التجسس ضد بلاده، وسائل شرعية للوصول إلى حلمه بتحقيق الضربة الكبرى. لكن الفجوة بين قدراته الذهنية الحقيقية وبين ما يفكر به هو عن نفسه يمكن أن يتم إدراكها فورًا بناءً على الطريقة السطحية، بل والسخيفة، التي أدار بها القضايا الجنائية التي تورّط بها، والتي بسببها ألقي القبض عليه مرة بعد أخرى بسهولة تامة، على يد الشرطة و«الشاباك». وينطبق هذا أيضًا على قوات إنفاذ القانون في الخارج مثل شرطة هولندا، وخدمات الأمن العام في نيجيريا وغيرها».
علّقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني على اعتقال غونين سيغيف قائلة بأنه ليس من اليمين ولا من اليسار بل هو انتهازي. ووصف عضو الكنيست السابق بيني باداش سيغيف قائلًا: «لقد كان يعاني جنون العظمة، فقد تحول من عضو جناح أقصى اليمين في الكنيست إلى بيع إسرائيل كرشوة للحصول على مقعد في حكومة رابين». وأضاف: «جلسنا بجانب بعضنا في جلسات الكنيست مرارًا، لكننا لم نكن أصدقاء قط. كان متعطشًا للمال، وكان من الواضح أنّه يمكن شراؤه». وأضاف باداش: «أراد أن يدمّر الدولة، ومن المدهش أنه تمّت المصادقة على اتّفاق أوسلو الثاني عبر رشوته...».
وقال موشيه بيليد، عضو الكنيست السابق في حزب «تسوميت»، إنّه «إذا قام سيغيف بالتجسس لمصلحة إيران فعلًا، فستكون واحدة من خيانات سيغيف المتعدّدة، وأسوأها اتفاق أوسلو، لأن صوته تسبب في كارثة». ولفتت نظيرته في الكنيست إستير سالموفيتش، إلى «أنّ آراء سيغيف كانت دائمًا مدمرة، لكنّ الصحفيين الذين عرفوا اتجاهاته قرروا عدم نشر ما يقوله في كثير من الأحيان حفاظًا على استمرار عملية السلام وتقدّمها». أمّا الكاتب رون بن يشاي فقال: يمكن التقدير بأن الضرر الحقيقي الذي سببه سيغيف لأمن إسرائيل ليس كبيرًا، لكنه يثير كثيرًا من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول حقيقة أن شخصًا كهذا يميل إلى الخيانة. في الواقع هو ليس الأول، لكنه المسؤول الأكبر في المؤسسة الحكومية في إسرائيل الذي ساعد أعداء إسرائيل، فهل هناك المزيد؟

التبرير
من جهته، حاول سيغيف نفي التّهم الموجّهة إليه بالقول إنّه ليست لديه أي دوافع مادية أو عقائدية للقيام بذلك، ثم برّر ما فعل بقوله: «أردت أن أخدع الإيرانيين وأعود إلى إسرائيل بطلًا. وحاول تبرير ما فعله من خلال سيره في أعقاب الحنان تيننباوم الذي قال لمحققيه، في حينه، بأنّه توجّه إلى بيروت للحصول على معلومات عن مساعد الطيار الإسرائيلي المفقود في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي، رون أراد. ويدّعي سيغيف بأنّ الإيرانيين طلبوا التباحث معه في مسألة شراء عتاد طبي، وأنهم لاحقًا عرّفوا عن أنفسهم أنّهم مسؤولون في المخابرات الإيرانية، وأضاف: أردت أن أكون عميلًا مزدوجًا وقد أطلعت مسؤولين أمنيين إسرائيليين على الاتصالات الإيرانية معي. زاعمًا أنّه أراد من خلال ذلك أن يحسن صورته أمام الرأي العام بعد الضربة الكبيرة التي وُجّهت إليه إثر إدانته بتهريب المخدرات». لكن بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإنه من خلال علاقاته مع الإيرانيين، زار إيران عدة مرات مع معرفته بهوية مشغّليه. كما التقى بهم في أماكن أخرى من أنحاء العالم، في فنادق وشقق سرّية. وفي إحدى اللقاءات حصل على منظومة اتصال لتشفير الرسائل. ولفت التقرير إلى أنّه لا يزال من غير الواضح حجم المعلومات السرية التي كانت بحوزته، وبخاصة أنه كان بعيدًا عن النشاط السياسي مدة 20 عامًا. لكن تبين خلال التحقيق معه، بحسب الشاباك، أنّه قدّم لمشغّليه الإيرانيين معلومات تتصل بمجال الطاقة والمواقع الأمنيّة الإسرائيلية والمباني وذوي المناصب العليا في الهيئات السياسية والأمنية.

الأضرار
يقول معلّق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الإسرائيلية أور هيلر، إنّ قضية سيغيف تسلّط الضوء على الحرب السرّيّة الدائرة يوميًا وعلى مختلف المستويات بين الاستخبارات الإسرائيلية بتفرعاتها كلها والاستخبارات الإيرانية، مضيفًا أنّها: «حرب عقول على طول الجبهة بأكملها، فتشغيل وزير سابق على مدى ست سنوات أمر لم نشهده من قبل». وأفاد معلّق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، بأنّ «قضية سيغيف أخطر من قضية فعنونو (عالم الذرّة اليهودي المغربي الذي كشف أسرار إسرائيل النووية)، لأنّ فعنونو سلّم معلومات إلى صحيفة، بينما سيغيف تعامل مع دولة عدوّة تدّعي أنّه ليس لإسرائيل الحق في الوجود، وهذا الرجل حضر في جلسات حكومية ويعرف عن منشآت الطاقة والمياه السرّية، هذا إنجاز هائل لإيران التي نجحت في تجنيد وزير سابق لمصلحتها».
من جهتها ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنّ الأضرار ذات الطبيعة المعلوماتية الأمنية التي ألحقها سيغيف بالدولة هي أضرار محدودة، لأن المعلومات التي لديه هي من فترة بعيدة، وقد جرت عليها تغييرات كثيرة، لكنّ هذه الوسائل تتجاهل أنّ سيغيف كان عضوًا في الكابينت الأمني - السياسي، وكان وزيرًا للطاقة والبنى التحتية، وأنّه ظلّ على تواصل تام بأصدقائه ومعارفه في إسرائيل، ومن بينهم من هم داخل المنظومة الأمنية، وربما داخل الصناعات العسكرية، كما أنّ أبواب السفارة كانت مفتوحة أمامه بشكل دائم، وقد أقام علاقات قوية مع العاملين فيها، ومع طبقة واسعة من الدبلوماسيين والأمنيّين الأجانب. وبالتالي، فالتقدير هو أنّ الضرر الأكبر الذي لا يمكن قياسه ومعرفة حدوده إنّما يكمن في مساعدته الإيرانيين بالوصول والتواصل مع رجال أمن إسرائيليين، وفي كشف طريقة عمل المؤسسات والنظام في إسرائيل. وقد كشف وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق عمير بيرتس في هذا السياق «أنّ زلزالًا سيصيب إسرائيل عندما يتم الكشف عن حجم الضرر الذي ألحقه سيغيف بالأمن الإسرائيلي من خلال معلومات بالغة الحساسية قدمها لإيران».
أخيرًا وضمن هذه الأجواء السلبية اشتكى ستة رؤساء «موساد» سابقون، خلال مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ممّا وصفوه بـ«وضع إسرائيل الحرج». وقال رئيس «الموساد» السابق شبتاي شافيط: «أشعر ببؤس شديد إزاء ما يحدث في إسرائيل اليوم. الفساد متعمّق جدًا، وممتّد جدًا. ليس هناك خطوط حمر ولا محظورات، أضف إلى ذلك الانشقاق الذي أصاب الشعب». وقال رئيس الموساد السابق تامير باردو بدوره: «المشكلة هي مشكلة قيم، وصدوع»، وانتقد الحكومة برئاسة نتنياهو قائلًا «نحن بحاجة إلى قيادة قادرة على التنقّل بين الأزمـات والأماكـن المناسبـة. للأسف الشديد، هذا غير موجود اليوم».