- En
- Fr
- عربي
بمنأى عن السياسة
ليست السياسة في المطلق، كلمة ومضمونًا، مصدر شكّ وحذرٍ لدى المؤسسة العسكرية، فهي بكلّ بساطة فن تولّي أمور الشعوب، وأسلوب حلّ مشاكلها وأزماتها، أمّا ما يتجنبّه العسكريون في هذا المجال، فهو الانخراط في السياسة بأيّ شكل كان، وبالتالي الانحياز إلى فريق من دون الآخر، أو تأييد هذا الفريق ومقاطعة ذاك، أو محاولة فرض رأي معين على الآخرين.
ولمّا كانت رسالة الجيش أن يوجّه جهوده للوطن بأكمله، وأن يكون رمزًا لوحدته، جامعًا للنقاط المشتركة بين مواطنيه، واصلاً ما بين المصالح الشاملة والإمكانات المتوافرة والتطلّعات المستقبلية التي تهمّ الجميع، كائنة ما كانت التوجهات السياسية، من المحتّم استبعاد أن يكون الجيش جزءًا من السياسة أو سائرًا في تفرّعاتها وميولها. وإلاّ خسرت المؤسّسة ثقة المواطنين بها، وفقدت دورها الطبيعي كمدماك أساسي في بنيان الصرح الوطني الكبير.
نحن نتحدّث أحيانًا عمّا يعرف برفع الغطاء السياسي عن جماعة ما أخلّت بالأمن، وذلك بهدف وضع حدّ لتجاوزاتها، وإحالة أفرادها إلى القضاء المختص. هذا يعني أن الجيش لن يكون طرفًا، من خلال خوض معركة داخلية مع هذه الجهة أو تلك، وما يمكن معالجته هنا بالجدية والتنبيه والتحذير ومنع الحمايات الجانبية، لا داعي لحلّه بالقوة، أو باللجوء إلى ما يمكن أن يتحوّل إلى معركة. والفرق كبير بين أن تكون المؤسسة محايدة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، وأن تكون متساهلة، أو مهملة، لا سمح اللـه، بحيث تبدو وكأنّها تخلّت عن دورها الفاعل والحازم والضروري في حماية الاستقرار الوطني الشامل، وبذلك يتمّ ضرب الوطن بأكمله.
نخلص من ذلك إلى أنّ هذه المؤسسة تبقى ملتزمة بقضايا مجتمعها بشكل دائم، حريصة على متابعة ما يرتبط باختصاصها من شؤون وأمور، من باب المسؤولية المباشرة، والحرص الأكيد، والاستعداد الواضح للبذل والتضحية في سبيل المجتمع، انسجامًا مع الواجب الوطني، واحترامًا للأنظمة والقوانين.