رحيل

ثمة رجال تمتد قاماتهم لتصبح على مدى الوطن. وفي بلد تتآكله الأزمات والانقسامات يصبح هؤلاء الرجال علامات فارقة، ومنهم البطريرك الراحل نصرالله صفير الذي كان وسيبقى علامة فارقة في تاريخ لبنان.

رأس الكنيسة المارونية على مدى عقود حفِلت بالمحطات المصيرية، كان رجل المواقف الوطنية الشجاعة. وكاردينال العيش المشترك. غاب عن عمر قارب المئة سنة. لبنان بجميع طوائفه نعاه وحضر لوداعه في الصرح البطريركي.
عُرِف البطريرك صفير بانفتاحه وبعمله لإرساء المصالحة بين اللبنانيين ومواجهة الانقسام، بالانفتاح على مختلف الطوائف والدعوة إلى المحبة، كما عُرِف بتعمّقه في اللاهوت وبشمولية ثقافته، وبتقشفه، وبأسلوبه السلمي رغم مواقفه الصلبة، فكان أبًا للكنيسة المارونية وللبنانيين جميعًا.

سطور من مسيرة
وُلد نصرالله صفير في 15 أيار 1920، في بيت عُرف بالتقوى. والده مارون صفير من غوسطا، والدته حنه فهد، وله خمس شقيقات.
أتمّ دروسه الابتدائية والتكميلية في مدرسة مار عبدا-هرهريا في عرمون - كسروان، ثم دروسه الثانوية في المدرسة الإكليريكية البطريركية المارونية في غزير- كسروان، وفي المعهد الإكليريكي الشرقي التابع للجامعة اليسوعية، حيث تابع دروسه الفلسفية واللاهوتية.
رُقّي إلى درجة الكهنوت في العام 1950 وإلى الدرجة الأسقفية في العام 1961 وعُيّن نائبًا بطريركيًا فمدبّرًا بطريركيًا ورئيسًا للّجنة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (1975).
انتخبه مجلس المطارنة بطريركًا في 19 نيسان 1986، وهو البطريرك السادس والسبعون في سلسلة البطاركة الموارنة. شغل منصب رئيسٍ لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان.
عقد المجمع البطريركي الماروني سنة 2003 وهو الأول بعد المجمع اللبناني الذي انعقد سنة 1736. وعُيّن كردينالًا في 26 تشرين الثاني 1994، ثم عضوًا في المجلس الحبري لتفسير النصوص التشريعية وعضوًا في المجلس الحبري لراعوية الخدمات الصحية.
شارك في السينودس من أجل لبنان الذي عُقد في العام 1995 وأعقبته زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان (1997).
كانت له إنجازات كبيرة على الصعيد الكنسي، من بينها دوره البارز في إعلان تطويب وتقديس عدد كبير من أبناء الكنيسة المارونية، وزياراته الرسمية والراعوية إلى مختلف أنحاء العالم.
أما على الصعيد الوطني، فكانت له مواقف جعلت بكركي مرجعًا في الأزمات والمحطات الصعبة.
في مطلع 2011، تقدّم باستقالته طالبًا إعفاءه من المهمات البطريركية والانصراف إلى التأمل والصلاة.
توفي صباح 12 أيار 2019 وأُقيم له وداع رسمي وشعبي على مستوى الوطن بأسره.

التحرير