قضايا إقليمية

في محاولتنا لتعريف مصطلح «الإرهاب» بالمعنى الضيق للكلمة، يمكن القول انه: القيام بأعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب لتحقيق غرض ما مثل بث الرعب في قلب سكان منطقة ما ليرحلوا عنها، أو لتتم الهيمنة عليهم وتوظيفهم وإجبارهم على قبول وضع قائم مبني على الظلم والإكراه.

ويمكن أن يتسع مفهوم الإرهاب ليشمل مختلف الممارسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، المادية والمعنوية. أما في حالة تعريف مصطلح «الإرهاب الصهيوني» فإنه بالإضافة إلى ما سبق، يتضمن سرقة الأراضي بالاحتلال والاحتيال والتزوير والقوانين التعسفية قصد طرد أصحابها بقوة السلاح وتشريدهم في اربع رياح الأرض، لإحلال مجموعات بشرية غير متجانسة مكان الشعب الذي تم طرده. وإذا كان الإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ يتمثل بأشهر مقولة صهيونية كاذبة ومخادعة وهي: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهذا بحد ذاته يشكل عنفًا إدراكيًا، فإن الإرهاب الصهيوني هو «الممارسات التي تُحوِّل النظرية والإدراك إلى واقع قائم، وتخلق حقائق جديدة على الارض» بحسب قول موشيه ديان أحد أبرز قادة هذا الإرهاب.
والإرهاب الصهيوني، كما يرى المفكر والمؤرخ المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، في موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية»، ليس حدثًا عابرًا عرضيًا وإنما هو أمر كامن في المشروع الصهيوني الاستيطاني في مسيرته التاريخية بأكملها، وفي الصيغة الصهيونية الأساسـية الشـاملة.
من ناحية أخرى وضعت الصهيونية يدها على الأفكار الدينية وقامت باستغلال الميثولوجيا اليهودية بشكل كامل، فأصبحت الصهيونية وكأنها امتداد للديانة اليهودية، وكل ذلك بعد أن ربطت بين التعاليم الدينية والفكرة القومية والمفاهيم السياسية الأخرى. وبهذا أضفت الشرعية الدينية على أهدافها وغاياتها العدوانية، وأهمها احتلال أرض الآخرين والتوسع على حساب دول قائمة، وذلك على اساس الاساطير الدينية المزعومة. وهي استعانت بكل شيء لتحقيق مآربها هذه ومنها التحالف مع الدول الإستعمارية الكبرى، وإنشاء المنظمات المسلحة المتخصصة في ممارسة الارهاب بابشع صوره.
في هذا السياق ألصق اليهود بكتبهم -مثل التلمود والتوراة- روايات مزيّفة أبرز ملامحها:

1- إدّعاء أنهم شعب الله المختار.
2- ان فلسطين هي أرض الميعاد.
3­ إباحة الزنا والرشوة والقتل والغدر والتجسس لتكوين الثروات وممارسة الغزو والاحتلال والسيطرة.

وفي ظل هذه الادعاءات نشأت قواسم مشتركة بين مختلف التيارات والاحزاب الدينية الاصولية والقومية التي تشكل اليوم روح الصهيونية المعاصرة، والتي بذريعة تحقيق الامن، تبيح لنفسها اعتناق ابشع الافكار العنصرية والارهابية. من بين هذه الأفكار اعتبار أن:
1­- أسلوب العنف هو الأفضل في التعامل مع العرب والعربي الجيد هو العربي الميت.
2­- وجود العرب على أرض إسرائيل يلوّث جوهر اليهودية، لذلك فإن طردهم ضروري من أجل الخلاص.
3­- ضرورة تدمير المسجد الأقصى (الذي يزعم اليهود بانه أقيم فوق أنقاض الهيكل اليهودي الثاني لاقامة الهيكل الثالث).
4- الدعوة إلى ضمّ الضفة الغربية أو الاجزاء الاستراتيجية منها إلى إسرائيل كضرورة توراتية وامنية.
5­- اعتبار أن الشعب اليهودي يرقى فوق مستوى البشر.
6­- اعتبار ان اليهودي مكلّف بتعليم باقي الأجناس الطهارة والقداسة.
7­- الديمقراطية وحقوق الإنسان هي قيم لا معنى لها في اليهودية الأصلية، وبقاء اليهود في أميركا يعرّضهم لخطر الذوبان في المجتمع الأميركي، وبالتالي لابد من عودتهم إلى إسرائيل حتى لا يفقدوا هويتهم وينصهروا في «الأفران الأميركية».
8­- إن إسرائيل بشكلها الحالي ليست دولة يهودية وهي لن تصبح كذلك بالمفهوم الديني إلا إذا عاد إليها جميع اليهود من أنحاء العالم وخرج منها كل العرب.
9­- إن الفلسطينيين في داخل الدولة اليهودية أو خارجها هم مجرد «حشرات» ينبغي إخراجهم أو قتلهم، وهذا يعني بالمفاهيم السياسية إسقاط حق العودة للمشردين الفلسطينيين وتثبيت مقولة لا مواطنة ولا هوية من دون ولاء، ولا مكان لشعبين في دولة اسرائيل اليهودية.
10- اعتماد الانتهازية والابتزاز من خلال تخويف الولايات المتحدة والدول الغربية بالمدّ الشيوعي سابقًا والخطر الإسلامي الأصولي لاحقًا، مما يشكل ذريعة لارتكاب ابشع الجرائم في ظل تغطية اخلاقية مزيفة اسمها مكافحة الارهاب بالارهاب.
لقد حرصت إسرائيل دائمًا على تنفيذ جرائمها الأبشع في حقّ العرب والإنسانية، تحت سحابة كثيفة من دخان التعمية والتضليل، مالئة الأجواء الإعلامية بكلام معسول عن السلام وحماية حقوق الإنسان. ولعلّ أحد الأمثلة الصارخة في هذا الصدد، الاعتداءات الوحشية على لبنان التي بلغت ذروتها في مجزرة قانا (18/4/1996) بأوامر مباشرة من رئيس وزراء إسرائيل يومها شيمون بيريس، بعد حوالي شهر واحد من مؤتمر شرم الشيخ الذي حضره، وللاسف، الكثير من العرب والذي اظهر نفسه فيه «حمامة سلام» بوجه من اسماهم «قوى الشرّ والإرهاب» اي قوى رفض الهيمنة والتسلط والاحتلال. والمستغرب ان هذا العمل الإجرامي البشع لم يتسبّب بانهيار شعبيته، بل رفع من رصيده الشعبي والسياسي وأعطاه أمام الإسرائيليين (وحسب الصحافة الإسرائيلية) مظهر «الرجل الذي يضرب في كل اتجاه وبلا تردد لحماية المواطن الإسرائيلي»!
والأمر الخطير، هو أننا إذا نظرنا اليوم إلى بعض الحركات السياسية والإقتصادية العالمية، يسارية كانت أم يمينية، نجد اليهود مندسين في قياداتها. والحركة الصهيونية ترتبط بكل هذه التنظيمات وتؤثّر عليها بشكل سافر أو من وراء ستار. ومن يعارض أو يعترض من أفراد هذه التنظيمات على ما تخطط له اسرائيل من عدوان وتوسع يكون مصيره التشهير أو الاغتيال.

من ناحية اخرى، تجتهد الصهيونية بالإرهاب لمنع الدول العربية والإسلامية من الاستحواذ على عناصر القوة عسكريًا وسياسيًا وإقتصاديًا، ومن ذلك كانت حربها على لبنان ومؤامراتها المتواصلة ضده في تغذية المشاعر الطائفية والفتن المذهبية وإحداث الشرخ بين أهاليه، ورفضها حتى الآن القرارات الدولية بإعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وبالانسحاب التام من جميع الأراضي اللبنانية ولا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

وبالنسبة الى سوريا يؤكد الباحث السياسي سعيد دودين (مدير مؤسسة عالم واحد للبحث والاعلام) أن ما يُطلق عليه استراتيجية أوباما في سورية حاليًا ليس هو في الواقع استراتيجية أوباما بل استراتيجية الملياردير الاسرائيلي حاييم تسبان. ويضيف دودين قائلًا: علينا أن ندرك ما هي البنية الحقيقية التي تضع الاستراتيجيات التي تلتزم بها الادارة الاميركية، فالرئيس أوباما لا يمتلك المعلومات أو القدرات بل ينفذ ما يضعه معهد بروكنجز المسيطر عليه من قبل اليهود بكل تفاصيله. واعتبر دودين أن اختلاق الذرائع لمهاجمة سورية حاليًا انما ينطوي على هدفين، الأول هو خدمة أمن اسرائيل، والثاني هو السيطرة على الشرق الأوسط الكبير وتسخير ثرواته من اجل تحقيق الأحلام الهتلرية للنازيين الجدد، أو من تطلق عليهم تسمية المحافظين الجدد الذين يتبنون سياسات ارهابية متطرفة، هي على يمين سياسات الليكود الصهيونية في النظام العالمي الجديد، وخصوصًا لناحية بسط الهيمنة الاقتصادية والأمنية على العالم.
وقد أشار دودين إلى أن الحرب على سورية هي أول حرب لم يخسر فيها الأميركيون والإسرائيليون جنودًا، وهي أول حرب يحصلون فيها من اثرياء العرب على ترليونات الدولارات، كهبات أو كقروض من دون فوائد، وهذا ما دفع أوباما ووزير خارجيته كيري إلى المغامرة في سوريا بسبب ما تعانيه اميركا من حالة افلاس فعلي. وكشف دودين أن اخطر ما تم في هذه الأجواء هو تجنيد اكثر من 200 الف مرتزق من 38 دولة تصدر لهم الأوامر بـ17 لغة لارتكاب المجازر من دون أن تخسر الولايات المتحدة او اسرائيل جنديًا واحدًا، بل ان كبريات المؤسسات الطبية الإسرائيلية تقوم بدور المستشفيات الميدانية التي تعالج على نفقتها الخاصة ومن دون أي حرج أو خجل عشرات المصابين من المنتمين إلى جبهة النصرة ومنظمات أخرى متفرعة عن القاعدة، بالإضافة إلى تقديم المعلومات الإستخبارية والأسلحة والمعدات والتجهيزات اللوجستية الضرورية لاستمرار المعارك والاشتباكات بين أبناء الوطن الواحد، إلى أطول مدة زمنية ممكنة.