- En
- Fr
- عربي
لبنان في العالم
«Sólo merece vivir quién por un noble ideal está dispuesto a morir»
هو شعار القوات الخاصة الجوية في الجيش الإسباني، ويعني أنّه يستحق أن يحيا فقط من هو مستعد للموت في سبيل مهمة شريفة... هذا الشعار هو في أساس عقيدة جيشنا اللبناني، المستعد في كل زمان ومكان للتضحية بالغالي لأشرف مهمة ملقاة على عاتقه، ألا وهي أمن وطننا وسلامة أبنائه ضدّ أي نوع من التهديدات. هذا الجيش الصغير بحجمه والكبير بمناقبيته واحترافه ومعنويات عسكرييه، لا ينفكّ يلفت أنظار العالم ويدفع أكبر الدول إلى تقديره واحترامه، لا بل أكثر، إلى مشاركته بأهم مناسباتها!
تأهبْ... وإلى مدريد انطلق!
المهمة: رسالة من لبنان تأكيدًا على تثمين الجهود المبذولة في تعزيز السلام والأمن، ورفع العلم اللبناني في احتفال العيد الوطني الإسباني والدول الناطقة باللغة الإسبانية Dia de España y de la Hispanidad.
التنفيذ: مجموعة من فوج المغاوير.
مرّ عامان ولم تنسَ إسبانيا لفتة الجيش اللبناني، الذي رفع علمها على تلة ١٥٦٤ في جرود رأس بعلبك بعد استعادتها من الإرهابيين خلال معركة «فجر الجرود» ٢٠١٧، تضامنًا مع ضحايا مجزرة برشلونة التي تبناها تنظيم «داعش» الإرهابي.
لفتة ثمّنتها الدولة الإسبانية وعبّرت عن تقديرها لها من خلال دعوة الجيش اللبناني إلى المشاركة في عيدها الوطني. وهي لم تكتفِ بالدعوة فقط، إذ أرسلت طائرتها الملكية Reino de España لنقل الوفد اللبناني إلى مدريد، للمشاركة في التدريبات المشتركة مع الجيش الإسباني، ووحدات عسكرية من السنغال وموريتانيا ومالي (وهي الدول التي يشارك فيها الجيش الإسباني بمهمات حفظ السلام)، استعدادًا للاحتفال الرسمي الذي أُقيم في حضور الملك الإسباني فيليبي السادس، والذي تزامن مع مرور ثلاثين عامًا على مشاركة إسبانيا في مهمات خارجية.
زوادة القائد
«لقد اخترناكم لأنّكم تمثلون الجيش اللبناني ولبنان خير تمثيل، فكونوا على قدر المسؤولية تجاه بزّتكم وجيشكم ووطنكم. المشاركة في العيد الوطني لدولةٍ كبيرة هو فخر لنا، وأملنا كبير بأنّكم سترفعون رؤوسنا في المحافل الدولية». زوّادة حمّلها القائد لعسكرييه قبل مغادرتهم إلى مدريد، إذ التقاهم وأعطاهم توجيهاته، وحثّهم على الاستفادة من هذه التجربة.
فوج النخبة
بعد تجربة العام ٢٠١٧ ورفع علم لبنان في المناسبة نفسها في مدريد من قبل ضابط لبناني كان يتابع دورة قائد كتيبة في المملكة، والصدى الإيجابي الذي أحدثته، وجّهت وزارة الدفاع الإسبانية الدعوة إلى الجيش اللبناني، ووقع الاختيار على فوج المغاوير لتنفيذ المهمة.
تألّف الوفد المشارك من ٣٠ عنصرًا، هم: ضابط (نقيب) يحمل العلم اللبناني مع خمسة عناصر حرس له، ضابط (ملازم أول) آمر فصيلة العرض المؤلفة من ٢١ عنصرًا، وعنصران من مديرية التوجيه لتأمين التغطية الإعلامية للوفد. اخْتيرَ العناصر من مختلف سرايا الفوج، بمعدل ٣ عسكريين من كل سرية، معظمهم من المشاركين في العرض العسكري لمناسبة عيد الاستقلال، والذي حقق فيه الفوج لقب السرية المجلّية في العامَين السابقَين.
تحضير مُتقن
منذ تلقّي الأمر للمشاركة في هذه المهمة، بدأ تحضير العناصر معنويًا وجسديًا، بالإضافة إلى تجهيزهم بالأعتدة اللازمة لتمكينهم من تنفيذها. لم تكن المعلومات عن مكان الإقامة ونوع التدريبات قد توافرت، فاتُّخذت جميع الاحتياطات للكفاية الذاتية، وتمّ تحضير المعاملات للسفر في غضون يومَين، وانتقل الوفد إلى إسبانيا (بتسهيل من قبل السفارة الإسبانية في بيروت).
هناك، بدأت التمارين منذ صباح اليوم التالي للوصول، فكان برنامج التدريب اليومي يمتد من الساعة السابعة صباحًا وحتى الثالثة بعد الظهر. تدرّب عسكريونا على توقيع خطواتهم مع النشيد الوطني الإسباني وبالأسلوب الخاص بالمملكة. وفي أقل من يوم واحد أتقن المغاوير المشية وباتوا جاهزين للعرض. تضمّن التدريب أيضًا تمارين سير لأكثر من ١٥ إلى ٢٠ كلم يوميًا، نفّذها مغاويرنا بشكلٍ رائع.
تفوّق في مختلف المهمات
يتدرّب فوج المغاوير على تنفيذ المهمات النوعية والخاصة باستمرارٍ، وهو طالما أثبت كفاءته في أصعب المهمات في مواجهة العدو، لكن لم يكن في الحسبان تكليفه بالمشاركة في عرض عسكري في دولة أجنبية. إلّا أنّه وكعادته نفّذها بكل احتراف مدركًا المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه برفع اسم لبنان وإظهار الصورة المميزة لجيشه المحترف في المحافل الدولية.
لهذه المشاركة أهمية كبرى، يقول قائد الفوج العميد الركن مارون القبياتي، كونها تجسّد قدرته على التفوق في مختلف الأوقات والظروف والمهمات، في السلم والحرب والمعارك، كما في المراسم البروتوكولية.
اهتمام فريد
برز الاهتمام الإسباني بالوفد اللبناني منذ اللحظة الأولى للمهمة، حين أُرسلت طائرة حكومية لتُقلّه، في حين أقلّت طائرة عسكرية الوحدات الأخرى المشاركة، علمًا أنّ Reino de España هي مخصّصة للحكومة الإسبانية والشخصيات الرسمية فقط.
كذلك، تمّت استضافة الوفد اللبناني بمفرده في ثكنة اللواء المظلّي Paracaidista، أحدث ثكنة في الجيش الإسبانـي من حيث التجهـيزات.
وحظي اللبنانيــون باهتمـامٍ ومتابعة خاصة، فعلى سبيل المثـال، وبناءً على طلب القائد العسكري لمدريد، تم التعاقد مع شركة مدنية لتأمين خدمة الإنترنت في مكان إقامة العسكريين اللبنانيين لتمكينهم من التواصل مع عائلاتهم، وهي خدمة غير متوافرة في الجيش الإسباني. كما حرص الضباط والعسكريون الإسبان على أن تكون التجربة اللبنانية ممتازة وأن يشعر الجنود اللبنانيون باهتمام وحفاوة الشعب الإسباني.
لم يتعجّب عناصر اللواء المظلّي الإسباني من أداء الوفد اللبناني، والتزام العسكريين، وقوتهم ولياقتهم البدنية. فهذا اللواء هو من قوات النخبة وسبق أن شارك معظم ضباطه وعناصره في مهمات أمن وسلام في لبنان، وقد عهدوا الاحترافية والتميّز لدى جيشنا.
كذلـك، حظي الوفـد باهتمـامٍ كبير من السفيرة اللبنانية في إسبانيا هلا كيروز، التي تابعت أوضاع العسكريين بشكلٍ يومي.
لبنان في الطليعة
في يوم العيد الوطني، سار علم لبنان وفصيلة من المغاوير في طليعة القوى المشاركة بالعرض العسكري، مباشرةً خلف الحرس الملكي الإسباني. تقدّموا شامخي الرؤوس مشدودي الصدور، بِطَلّتهم البطولية المعتادة، يحملون لبنان أمام إسبانيا وملكها وضيوفها. أداؤهم المدهش استحق التقدير، فتوجّه قائد اللواء المظلي والعرض البرّي الجنرال Luis Sáez Rocandio إليهم أمام باقي الوفود قائلًا: لقد لفتنا تميّزكم منذ لحظة وصولكم، وزادت دهشتنا بمشيتكم وخصوصًا عند الـ«مِلْ يسارك» وصرخة المغاوير التي أذهلت الجموع وفي مقدّمهم ملك البلاد.
رفرف عاليًا
حرص المغاوير على تكريم العلم اللبناني بمظاهر الوقار اللائقة به، فبقي مرفوعًا أثناء التمارين وضمنًا الإستراحات ولم يلامس الأرض إطلاقًا.
وقد لاحظ الإسبان هذا الأمر، وعرضوا على الوفد أن يخصّصوا مكانًا لرفع علمنا وأن يحمل العسكريون علمًا آخر خلال التمارين، فرفض المغاوير ذلك، لأنّ «اللون الأحمر في هذا العلم هو دلالة على دم شهدائنا، وعلمنا لا يفارقنا وسنبقيه مرتفعًا يرفرف أبدًا».
ذهبنا فصيلة وعدنا جيشًا كاملًا
هي تجربة فريدة عنوانها العريض بالنسبة إلى الضباط والعسكريين الذين اختبروها: «رسالة سلام مـن لبنـان إلى العالم أجمع». لقد تركت في نفوس المغاوير المشاركين مشاعر عظيمة، يقولون: إنّه شعور رائع أن نرفع علم لبنان ونمثّله في الخارج، رهبة وفخر واعتزاز... شعور تعزّزه المكانة الخاصة للبنان لدى القوات الإسبانية العاملة إلى جانب الجيش في الجنوب، وتعبير الضباط الذين كانت لهم تجربة في لبنان، عن محبّتهم وتقديرهم لهذا البلد العزيز ولجماله. أضف إلى ذلك الانطباعات الرائعة التي عبّر عنها البلد المُضيف تجاه وجودنا وأدائنا، والتنويه الذي وجّهه إلينا قائد العرض أمام الجميع... لقد سافرنا فصيلة وعدنا بقلوب جيش كامل ودولة!