- En
- Fr
- عربي
كورونا والتعليم
بعد مرور شهرٍ ونيّف على دخول الجامعات والمدارس الخاصة والرسمية منظومة التعليم عن بُعد، جراء الحجر المنزلي المفروض على اللبنانيين بسبب فيروس الكورونا، بات من الممكن تحديد الثغرات في التطبيق، والتي ظهرت من خلال التجارب الخاصة التي خاضها المعلمون والطلاب في المدارس والجامعات، كما أصبح بالإمكان تقييم التجربة بما لها وما عليها.
في الخامس والعشرين من آذار الماضي، أطلق وزير التربية طارق المجذوب برنامج التعليم عن بُعد في المدارس والجامعات اللبنانية، بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العام الدراسي، وقد حدد ثلاثة مسارات للطلاب اللبنانيين كي يتابعوا تعليمهم عن بُعد:
أولًا، البث التلفزيوني لحصص تعليمية تلحظ صفوف الشهادات على وجه التحديد عبر تلفزيون لبنان.
ثانيًا، المنصات الإلكترونية بعد أن قدّمت شركة «مايكروسوفت» تطبيق Microsoft Teams بشكلٍ مجاني للأساتذة.
ثالثًا، الوسائل التقليدية أو الورقية عبر تبادلها بين المدارس والطلاب عن طريق الأهل، ثم إعادتها من جديد لتصحيحها.
منذ إعلان الخطة، تباينت الآراء بين مؤيد للفكرة باعتبارها خطوة إيجابية لإنقاذ العام الدراسي، وبين معارضٍ لها بسبب عدم جهوزية معظم الجامعات والمدارس لا سيما الرسمية منها والجامعة اللبنانية.
بالنسبة إلى الجامعة اللبنانية، فقد خاضت التجربة الجديدة، انطلاقًا من ثلاثة تطبيقات Microsoft Teams Zoom ،Google Classroom. أما أبرز المشكلات فكانت عدم التدريب المسبق للطاقم التعليمي على البرامج الإلكترونية المعتمدة، كما أنّ الأساتذة والمعلمين هم من أجيال متفاوتة، ويتعذر على بعضهم التعامل مع المنصات الإلكترونية، بالإضافة إلى عدم وجود قوانين واضحة تنظّم عملية التعليم عن بُعد في القطاع الرسمي. المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الطلاب كانت ضعف الإنترنت، وعدم توافره مجانًا، خصوصًا وأن التعلّم عن بُعد يتطلب سرعة في خدمة الإنترنت، وكلفتها عالية. وبناءً عليه، قام الطلاب بعدة حملات على مواقع التواصل الاجتماعي منها ما طالب وزارة الإتصالات بزيادة خدمة الإنترنت للطلاب تحت شعار «5Gb ما بتكفي»، بما أن الخدمة الحالية لا تكفي سوى لأسبوعٍ واحد من المحاضرات المتوافرة على المنصات المعتمدة، ومنها ما طالب بإعطاء إفادات وإنهاء العام الدراسي.
المدارس الرسمية
واقع المدارس الرسمية لم يكن أفضل حالًا، بل على العكس، فقد كان الوضع مؤسفًا في المناطق النائية، حيث ساعات تقنين الكهرباء طويلة وكلفة الإنترنت أكبر من أن يتحملها الأهالي. في هذا الإطار، يروي مدير إحدى المدارس الرسمية الواقع المؤسف الذي يعيشه طلاب مدرسته، حيث غالبيتهم من الطبقة الفقيرة ولا يملكون هواتف ذكية ولا أي وسيلة تواصل مع معلميهم. أما من استطاع منهم الاستعانة بهاتف والده، فعليه أن يستخدمه مداورة مع إخوته، ما يمنعه وإياهم من متابعة الصفوف بأكملها. ويشير أيضًا إلى أنّ وضع المعلمين ليس أفضل حالًا من وضع الطلاب، فهم بالكاد قادرون على تعبئة خطوطهم الخلوية علمًا أنّهم يضطرون إلى إعادة التعبئة أكثر من مرة في الشهر، في حين أنّ رواتبهم بالكاد تكفيهم لسد مستلزمات الحياة اليومية.
ويقول أحد الأهالي وهو أب لثلاثة أولاد، من بينهم اثنان يجب أن يتقدّما لامتحانات الشهادة الرسمية: «أعمل في الأرض طوال النهار كي أحصل على مبلغ أربعين ألف ليرة لبنانية، فمن أين لي أن أزوّد أولادي الثلاثة بهواتف نقالة معبأة وجاهزة للتعليم؟! ما أجنيه في اليوم لا يكفي لإطعامهم فما بالك بباقي متطلبات الحياة اليومية»!
من جهتها، تؤكّد مديرة مدرسة بطرام الرسمية السيدة بلبلة سرحان أنّ تجربة التعلّم عن بعد كانت مميزة، وقد أبعدت التلامذة عن همّ الكورونا وساعدتهم في الانشغال بما يفيدهم ويملأ وقتهم بشكلٍ إيجابي. كذلك، فقد اعتاد الطالب من خلالها على الاستقلالية واستعمال طرق الاكتشاف والتعلّم الذاتي. لكنها في المقابل لا تحل مكان التعليم في الصف، فوسائل التكنولوجيا لا يمكن أن تلغي دور المعلم، لأنّ دور الأخير لا يقتصر على التدريس وإنّما هو مربٍّ في الوقت نفسه، من ضمن واجباته توجيه الطلاب وتعليمهم القيم والمبادىء. وعن طرق التدريس تقول أنّها تتم بالوسائل المتاحة مشيرة إلى أنّ المدرسة انطلقت أولًا من تطبيق Facebook إذ كانت تنشر على صفحتها الأنشطة والبطاقات التعليمية فينجزها الطلاب في بيوتهم، ومن ثم افتُتحت حلقات تعليمية على تطبيق الـ Whatsapp، حيث كان يتم شرح الدرس من خلال التواصل المباشر والفيديوهات المصوّرة، ومن بعدها تابع معلّمو المدرسة دورة على برنامج Microsoft Teams وبدأ التعليم من خلاله، ما أفسح المجال لمشاركة أكثر فعالية لأنّه فتح المجال للطلاب في المناقشة والحوار.
ومن بين الصعوبات التي اعترضتهم تقول إنّ بعض التلامذة ينسحبون من داخل الصف في منتصف الحصة التعليمية، وحين تتم مساءلتهم يوضحون أنّ الحصة تستنفد كمية ال Megabytes في هواتفهم، أو أنّ أحد إخوتهم يحتاج إلى الجهاز الإلكتروني لمتابعة صفّه.
بالنسبة إلى الامتحانات توضح أنّ وزير التربية أعلن عدم اعتراف الوزارة بنتائج الامتحانات التي تُجرى عبر الإنترنت، لذلك تقوم المدرسة بتقييمٍ تكويني من دون علامات لمعرفة مكتسبات التلميذ.
وترى السيدة سرحان أنّ هذه التجربة أظهرت الثغرات في النظام التعليمي، مشيرة إلى أنّه حان الوقت لتعديل المناهج وتطويرها، وإدخال حصص خاصة باستخدام وسائل التكنولوجيا التربوية مع مراعاة العمر والصفوف.
المدارس الخاصة
فيمــا يعانــي بعــض المدارس ولا سيما الرسمية منها الصعوبات في التعلّم عن بعد، فإن معظم المدارس الخاصة دخلت هذه المنظومة بارتياحٍ شديد، إذ سبق لها أن اختبرت البرامج والوسائل الإلكترونية في التعليم، ولم يعد الأمر يشكّل صعوبة بالنسبة إليها.
في هذا الإطار، يؤكد السيد ميشال خوري مدير مدرسة إيستوود إنترناشونال - المنصورية، أنّ متابعة الصفوف الإلكترونية لم تشكل صعوبة تُذكر بالنسبة إلى الطلاب أو الأساتذة، وذلك بسبب خبرتهم السابقة في هذا المجال، موضحًا أنّه سبق للمدرسة أن أدرجت البرامج والوسائل الالكترونية في منهجها التعليمي منذ العام ٢٠١١، وبات استخدام اللوحات الإلكترونية من ضروريات التعليم اليومي. وإذ يشير إلى أنّ معظم التلامذة تأقلموا مع الواقع الجديد وأنّ الشرح يتم على أفضل ما يرام في ظل تفاعل واضح من قبل غالبية الطلاب، فإنّه يلفت في المقابل إلى أنّ مسألة إجراء الامتحانات عن بُعد ما زالت موضع دراسة واختبار، بغية إيجاد أفضل الطرق التي تضمن نزاهتها. ويضيف أنّه على الرغم من نجاح البرنامج، يبقى التعلّم في المدرسة أكثر فعالية لأنّ وجود الطلاب في الصف يتيح أمامهم مناقشة العديد من المواضيع، والتعلّم من خبرات بعضهم البعض، فالعملية التعليمية لا تقتصر على متابعة المنهج الدراسي، بل إنّها تشمل أيضًا عناصر أخرى من بينها تعزيز القيم والمبادىء الإنسانية والاجتماعية، وتنمية القدرة على الخلق والتفكير النقدي، الأمر الذي لا يتوافر إلا في صف فعلي يسمح بتبادل الآراء ووجهات النظر والخبرات الشخصية، ويتيح المجال للتحليل وابتكار الحلول. كذلك، فإن انخراط التلامذة بعضهم مع بعض خارج الصف في أثناء الاستراحة هو جزء من العملية التعليمية، وهو ما تفتقده عملية التعلّم عن بُعد. من هنا يمكن القول إنّ المنصات الإلكترونية أثبتت فعاليتها في الأوضاع الحالية، أما على المدى البعيد، فإن هذه الوسيلة قد تكون فعّالة لطلاب الصفوف الثانوية وصف الشهادة المتوسطة، ولكنّها ليست كذلك بالنسبة إلى التلامذة في الصفوف الابتدائية أو في الصفوف الأولى من المرحلة المتوسطة، ولا بالنسبة إلى التلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية الذين يحتاجون إلى أسلوب خاص في التعليم والتواصل الشخصي مع المدرّس.
وبالنسبة إلى الامتحانات الرسمية، يعتبر السيد خوري أنّ طلابه مؤهلين لإجرائها، ولكنّه يتساءل ما إذا كان الوضع كذلك بالنسبة إلى طلاب المدارس الرسمية أو بعض المدارس الخاصة التي ما زالت غير مؤهلة للتعليم عن بُعد، مؤكّدًا أنّ هذه المشكلة مطروحة على صعيدٍ عام ويجب إيجاد الحل الشامل الذي يناسب الطلاب جميعًا.
صعوبات في الدروس التطبيقية
الدكتــور دانــي بــدران أستاذ محاضر في جامعة LAU يرى أن نجاح هذا الأسلوب التعليمي يرتبط إلى حد كبير بالمادة التعليمية ومستلزماتها. ويقول: كوني مدرّس في قسم اللغات، لم أواجه صعوبات تُذكر في عملية التعليم عن بُعد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى طلابي الذين يتخصصون في اللغة أو الترجمة، إلا أنّ الأمر يختلف بالنسبة إلى الطلاب الذين يتخصصون في مجالات أخرى مثل الإخراج والتصوير والإنتاج والمختبر، فهؤلاء يعانون عدة صعوبات لأنّ برنامجهم يعتمد إلى حد كبير على الدروس المخبرية والتطبيقية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاختصاصات التي تستدعي التدريب في المؤسسات، وهو ما لا تتيحه الدروس على المنصات الافتراضية. ويضيف: «من جهة الطلاب، فقد تأقلموا بغالبيتهم مع هذا الأسلوب التعليمي، علمًا أنّ التحضير له تم بسرعةٍ قياسية نظرًا للظروف الطارئة التي فرضته، في حين أنّ الدول التي سبقتنا إليه يستغرقها التحضير له عادة ما لا يقل عن عام كامل».
ماذا يقول الطلاب؟
جول هازمان (الصف الثانوي الأول) يرى أنّ التجربة لا بأس بها نظرًا للظروف الراهنة، مبديًا اعتقاده أنّ التعلّم عن بُعد سيتخذ منحى أكثر أهمية في المستقبل. ويوضح أنّ هذا النوع من التعليم يفرض مستوى عاليًا من التنظيم وحس المسؤولية والاتكال على الذات، وهو في هذه الحال غير مجد للطلاب الذين لا تتوافر فيهم هذه الصفات. فالصف الفعلي يخضع لإشراف مباشر من المعلمين، ما يضمن الانضباط وحسن المتابعة، ووجود الطالب في الوقت المحدد داخل صفه، في حين أن هذه المسؤوليات تُلقى على كاهل التلميذ في المنصات الإلكترونية لأنّ المعلم لا يستطيع التأكد من الحضور الذهني للطلاب خلال الحصة التعليمية، ولا يمكنه التكهن ما إذا كان الطالب يتلهّى بأمورٍ أخرى غير الصف في أثناء الشرح. ويضيف أنّ الطلاب يعانون عدة صعوبات من بينها الدروس والواجبات المنزلية المكثّفة التي يرهقهم بها المعلمون، لاعتقادهم أنهم خسروا الكثير من العام الدراسي، إضافة إلى الضغط النفسي الذي يعانيه التلميذ بسبب الحجر المنزلي ما يجعله أقل قدرة على التركيز والاستيعاب، لا سيما وأن الصفوف الإلكترونية ينقصها التفاعل بين المعلم والطلاب.
راشيل عون (سنة أولى علاج فيزيائي - الجامعة الأنطونية) ترحّب بالفكرة معتبرة أنّها تسهم في إنجاز جزء من البرنامج الدراسي، ولكن المشكلة في الدروس التطبيقية التي تحتاج إلى ممارسة على أرض الواقع ولا يمكن تعلّمها عن بُعد.
أندرو ساروفيم (الصف الثانوي الثاني)، يعتبر أنّ أسلوب التعلّم عن بُعد غير مجد لأنّ الصف الإلكتروني يفتقر إلى التفاعل بين الطلاب والأساتذة. فالمعلم يجلس أمام الكاميرا ويشرح الدرس، فيما يتلقّى الطالب المعلومات من دون أي مشاركة فعلية أو حوارٍ بنّاء كما هو الحال في الصف. ويؤكد أنّ الطلاب يولون اهتمامًا أكبر للدروس في الصفوف المدرسية التقليدية. ويشير إلى نقطة أخرى، وهي أنّ استيعاب التلميذ مرتبط بمدى قدرة المعلّم على إيصال الفكرة عبر الإنترنت، موضحًا أنّ بعض المعلمين يشرح بطريقةٍ ممتازة، فيما يفتقر البعض إلى الخبرة الكافية في هذا المجال. ويلفت أندرو إلى ناحية إيجابية في التعلّم عن بُعد، وهي أنّ الحصص التعليمية تستغرق وقتًا أقل من الحصص المدرسية العادية.
كاترين النصراوي (سنة ثانية - صيدلة - جامعة البلمند) تشير إلى أنّ وجود الطلاب في المنزل وليس في الجامعة يؤدي إلى نوع من الكسل، ولا يعطيهم الحافز للمشاركة الفعلية في عملية التعلّم، هذا بالإضافة إلى المشاكل التقنية الناتجة عن ضعف الإنترنت والتي تؤدي إلى عدم الاندماج الكلي في أثناء الشرح.
رأي الأهل
الصعوبات التي يواجهها الطلاب في برامج المنصات الإلكترونية تُلقي بثقلها على الأهل أيضًا، إذ يعاني هؤلاء عدة ضغوطات جراء مواكبة أولادهم في هذه العملية. السيدة جنى معلوف أم لولدَين في المرحلة المتوسطة، تؤكد أنّ هناك ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الأهل والأولاد، وكأنّ التلامذة لا يكفيهم ما يعانوه من ضغوطات بسبب الحجر المنزلي، ليأتي ضغط التعلّم بما فيه من معاناة ناتجة عن ضعف الإنترنت وانقطاع التيار الكهربائي، والصعوبة في فهم بعض الشروحات. ثم تبدأ معاناتنا كأهلٍ إذ نجد أنفسنا مضطرين لإعادة «درس» كتب العلوم والرياضيات والاجتماعيات كي نشرح لأولادنا ما لم يفهموه من شرح المعلمة على المنصة الإلكترونية. قد يقول البعض إنّ هذا الحل أفضل بكثيرٍ من أن يضيّع الأولاد وقتهم على الأجهزة الإلكترونية، لكنّني أعتقد أنّ الأولاد لا تنقصهم ضغوطات إضافية في هذه الفترة الحرجة.
السيد رامي خليفة والد لتلميذة في الصف التاسع يتساءل عن مصير العام الدراسي في ظل التفاوت في قدرة المدارس على التعليم عن بُعد، فبعض المدارس أنهت المنهج من خلال التدريس عن بُعد، فيما أنهت مدارس أخرى قسمًا كبيرًا منه، وما زال بعضها في نقطة البداية. فكيف يمكن التوفيق بين حاجات كل منها في تعيين الامتحانات الرسمية؟ فإذا تمت مراعاة المدارس المتأخرة في برامجها، سيكون على الطلاب الذين أنهوا المنهج انتظار الآخرين وخسارة العطلة الصيفية، وإذا تم مراعاة هؤلاء، ماذا سيحل بالتلامذة الذين لم ينهوا البرنامج؟
كلمة علم النفس
تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي السيدة غيلان أبي عقل إلى أنّ هذا العام الدراسي لم يبدأ بشكلٍ طبيعي في الأساس، إذ انقطع التلامذة عن المدارس أولًا بسبب الثورة، ولاحقًا بسبب فيروس الكورونا. وتوضح أنّ النقطة الإيجابية في عملية التعلّم عن بُعد أنّها أتاحت حدًّا أدنى من التواصل بين المدرسة والمعلمين من جهة والطلاب من جهةٍ أخرى، مشيرة إلى أنّ الهدف من التعليم في هذه المرحلة، ليس ضخ المعلومات والضغط على الطلاب بالواجبات المدرسية، وإنّما استمرارية التواصل والتفاعل ولو عبر المنصات الإلكترونية، ولذلك هناك أسس معينة يجب مراعاتها ومن بينها أن لا يكون عدد الطلاب كبيرًا في الصف الواحد كي تتاح عملية التواصل، وأن لا تكون ساعات التعليم طويلة كما هو الحال في الصفوف الفعلية، بحيث لا تستغرق أكثر من ثلاث ساعات في اليوم بمعدل أربعة أيام في الأسبوع. وهي تشرح أنّ هناك عدة أسباب لذلك، أولها تقني لأن هناك أكثر من تلميذ واحد في كل عائلة، ولأن الأهالي بمعظمهم يعملون من المنزل، لذلك لا يمكن تزويد كل فرد بجهاز كمبيوتر أو لوحة إلكترونية، كما أن مساحة المنزل قد لا تتيح إمكانية تخصيص غرفة لكل فرد للتواصل عبر المنصة الإلكترونية. إلى ذلك، لا يجوز إرهاق التلامذة الذين يعانون ظروفًا صعبة بسبب الحجر الصحي بضغوطاتٍ إضافية جراء الدروس المكثفة، لا سيما وأنّ هناك الواجبات المدرسية التي يجب إنهاؤها بعد انتهاء الصفوف، والتي يستغرق إنجازها ساعة أو أكثر. كما يستحسن أن يتم التعليم صباحًا من التاسعة وحتى الثانية عشر ظهرًا لأنّه خلال الفترة الصباحية يكون تركيز الطلاب في أوجه.
وتشير السيدة أبي عقل إلى الضغط النفسي الذي يعانيه الأهالي موضحة أنّ الأهل ليسوا جميعًا مؤهلين لمواكبة تعلّم أولادهم عن بُعد، كما أنّ الأهل الذين يعملون من المنزل لا يستطيعون أن يتركوا عملهم ليتابعوا مع أولادهم الصفوف عبر المنصات الإلكترونية. وتضيف مؤكدة أنّ واجب الأهل في هذه المرحلة مواكبة الولد وتصويب المعلومة التي لم يفهمها وليس تعليمه. ولعل الفرصة مناسبة كي يعتاد التلامذة الاتكال على الذات وتنمية حس المسؤولية، لأنّ هذَين العاملَين أساسيين في عملية التعلّم عن بُعد. وهنا تُطرح مشكلة الأولاد الذين يعانون صعوبات تعلمية فهؤلاء يحتاجون إلى أسلوب تدريبي خاص وإلى مواكبة من قبل مدرسين واختصاصيين، وهو ما لا يتيحه التعلم عن بُعد.
وتوضح السيدة أبي عقل أنّ المرحلة التي نعيشها حاليًا استثنائية، والكل يقدّم ما في وسعه لإنجاح عملية التعلّم، لذلك على الأهل ألا يشعروا بالذنب إذا عجزوا عن تأمين ظروف مثالية لهذه العملية. ولعل أفضل ما يمكنهم فعله لتخفيف الضغوطات اليومية هو وضع روتين يومي لتنظيم حياة أولادهم، يبدأ صباحًا بالاهتمام بالنظافة الشخصية والفطور قبل البدء بالدروس عن بُعد، وحين الانتهاء تبدأ فترة استراحة يتناولون خلالها طعام الغداء ثم ينهون دروسهم ويشاركون في الأعمال المنزلية، ومن بعدها يمارسون هواية معينة لحين موعد العشاء والنوم. وتشير إلى إمكان اعتماد بعض المرونة في موعد النوم بما يتناسب مع توقيت الدروس عن بُعد، كونها لا تستدعي النوم أو النهوض في ساعات مبكرة. إضافة الى هذا النشاط الروتيني، تقترح السيدة أبي عقل وضع برنامج يومي يحمل عناوين رئيسية تشمل عدة أنشطة منها الفنية (موسيقى، رسم، رقص)، الاجتماعية (التواصل مع الأصدقاء والأقارب عبر التطبيقات الهاتفية)، الجسدية (ممارسة الرياضة)، الفكرية (المطالعة أو التعلم عن بعد)، والترفيهية (مشاهدة فيلم تلفزيوني)، والعائلية (المشاركة في أي نشاط عائلي)، المنزلية (المشاركة في الأعمال المنزلية)، إضافة إلى الأنشطة المتعلقة بتعلّم مهارة جديدة (الأشغال اليدوية على اختلافها). كما تنصح بأن تجتمع العائلة ليضع كل فرد أفكاره الخاصة تحت كل عنوان، وبعد غربلة الأفكار، يمكن وضع برنامج أسبوعي يشمل ما لا يقل عن ثلاثة أنشطة مختلفة يوميًا. وتلفت السيدة أبي عقل إلى ضرورة وضع حد للعب على الأجهزة الإلكترونية ومشاهدة التلفاز لفترةٍ طويلة، وفي مقابل ذلك، تخصيص وقت للراحة يلعب خلاله الأولاد بمفردهم من دون تدخّل الوالدين لأن هذا الأمر يفيد الطرفَين، إذ يفرض على الأولاد إيجاد وسيلة للتسلية ما يحفزهم على الخلق والابتكار، ويتيح في الوقت نفسه المجال أمام الوالدَين للراحة، ولتمضية بعض الوقت كثنائي، ومناقشة الأمور المنزلية والاستمتاع ببعض الهدوء بعيدًا عن ضجيج الأولاد ومتطلباتهم اليومية.
قد تكون تجربة التعلّم عن بُعد هي أفضل الحلول لاستمرارية عملية التعلّم في ظل الظروف الحالية، ولكنّ التجربة نفسها أظهرت مدى حاجة النظام التعليمي في لبنان ولا سيما الرسمي منه، إلى اللحاق بُركب التطور في مجال التكنولوجيا الرقمية والاستفادة من وسائلها المختلفة في الأبحاث وجمع المعلومات وتوظيفها في العملية التعليمية.
والصغار أيضًا
إقفال دور الحضانة كان حافزًا لبعض السيدات لابتكار أفكار خلّاقة لمتابعة التواصل مع الأطفال. من بين هؤلاء السيدة كارلا دحدوح التي تملك دارًا للحضانة، وقد أعدّت برنامجًا خاصًا للأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين السنة والنصف والثلاث سنوات، يمكّنهم من مواصلة النشاطات المقررة لهم كما لو كانوا في الدار. يشمل البرنامج دروسًا تطبيقية في الرياضيات والعلوم، بالإضافة إلى النشاطات التطبيقية التي تُسهم في تنشيط النمو الحسي الحركي، والتعلّم البصري والسمعي، والإرشادات اليومية المتعلقة بالنظافة الشخصية والاتكال على الذات. وتوضح السيدة دحدوح أنّها تُرسل البرنامج إلى الأهل عبر البريد الإلكتروني أو تطبيق الواتساب، حيث يتابعونه مع أطفالهم في المنزل، مشيرة إلى أنّه يتناول في كل شهر موضوعًا معينًا تدور في فلكه النشاطات المقرّرة، وتذكر في هذا الإطار أنّ الأطفال نفّذوا خلال فترة عيد الفصح أشغالًا يدوية رائعة، من بينها تزيين شمعة أحد الشعانين وتحضير سلّة الفصح من الورق الملوّن.