- En
- Fr
- عربي
لبنان ومحيطه
بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي الست، المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والكويت، ومملكة البحرين، وسلطنة عمان، وقطر، علاقات أخوة وتعاون عميقة وجدت ترجمتها خلال عقود طويلة من الزمن في أوجه عديدة ومتنوعة.
في العدد الماضي كانت لنا إطلالة على أوضاع الجالية اللبنانية في الكويت، وفي هذا العدد أضواء على تجربة رائدة أخرى، إنّها تجربة الجالية اللبنانية في الإمارات العربية المتحدة.
أسهمت الجالية اللبنانية في دولة الإمارات العربية المتحدة في بناء النهضة الاقتصادية – الثقافية بمختلف وجوهها، ونجحت في أن تكون دعامة أساسية للاقتصاد اللبناني، واحتلّت مراكز مرموقة في المؤسسات المصرفية، والتجارية والخدمات. «الجيش» التي زارت دولة الإمارات، التقت العديد من رجال الأعمال اللبنانيين واطلعت على مختلف أوجه نشاطاتهم، وعادت بانطباعاتٍ تعكس المكانة التي يحتلونها.
وجهة المؤهلات والاختصاصات
عندما ازدان «برج دبي» بألوان العلم اللبناني، بمناسبة ذكرى الاستقلال في ٢٢ تشرين الثاني الماضي، كان هناك نحو ٢٠٠ ألف يتبادلون التهاني والتمنيات. يُقال بأنّ العدد أكبر، وليس من إحصاء رسمي حديث، لكن اللبنانيين يشكّلون واحدًا من أكبر التجمعات العربية في دولة الإمارات، وغالبيتهم من الشباب خرّيجي كُبريات الجامعات، ويتقنون إلى جانب الاختصاصات والمهارات عدة لغات أجنبية، في طليعتها الإنكليزية والفرنسية، وقد انخرطوا بدأبٍ وعصامية في ورشة الإعمار والازدهار.
وكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرف لبنان جيدًا، السبّاق في دعوة الشباب اللبناني إلى اقتناص فرص العمل المتوافرة، كي يبدع وفق مجالات اختصاصه في الإمارات وبشروطٍ مغرية، وهو الطامح إلى بناء دولة الفرص. وقد كان له الدور الكبير في توحيد الدولة مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وتحقق لهما ذلك في ٢ كانون الأول ١٩٧١.
يعود الحضور اللبناني في الإمارات إلى الحرب العالمية الأولى، إذ انتشر اللبنانيون اعتبارًا من العام ١٩١٥ ، كمهنيّي حرفة، في أبوظبي، ودبي، والشارقة ورأس الخيمة ، ولكن الإقبال الكبير قد تحقق بُعيد توحيد الإمارات السبع كدولةٍ واحدة، برئاسة الشيخ زايد. وكان العدد في مطلع العام ١٩٧٥ بحدود ٤٥ ألفًا، ومع بداية الإعصار المدمّر الذي ضرب لبنان اعتبارًا من ١٣ نيسان من ذلك العام، انفتحت الأبواب وكرّت السبحة، ليرتفع العدد إلى ٨٠ ألفًا، ثم إلى ١٥٦ ألفًا والآن يدور الحديث حول الـ٢٠٠ ألف، وليس من استقرار على رقم نظرًا إلى حرية التنقل من جهة، وتوافر فرص العمل من جهة أخرى.
مجالس وأندية
يحتل «مجلس العمل اللبناني» في الإمارات حيزًا متقدّمًا في توحيد جهود الجالية وإبراز طاقاتها وإمكاناتها، إنه المتقدّم بين أندية، ومجموعات تنظيمية أخرى منتشرة في الإمارات السبع، والتي تشكّل بتنوّعها القاعدة الهرمية «للمجلس» و«الهيئات التنفيذية»، لما يصدر عنه من توجهات تصبّ في خدمة العلاقات اللبنانية – الإماراتية، وتزيدها رسوخًا وتفاعلًا.
كانت الفترة الزمنية الممتدة ما بين ١٩٧٥ و١٩٩٠ كافية أمام اللبنانيين كي ينقلوا أعمالهم ونشاطاتهم إلى دبي، وأبوظبي، والشارقة، وإمارات أخرى، وتشاء الصدف ربما أن يتزامن وصولهم مع بداية تنفيذ خطط واستراتيجيات طموحة في الإمارات، إن في البنى التحتية، أو في الهندسات الماليّة، والإقتصادية، والمعمارية، والتجارية، والمصرفية. ففتحت أمامهم فرص العمل، وكانوا من المبدعين، فقد انخرطوا في الإعلام كمقدّمي برامج، ونشرات أخبار، وفي المهن الحرة على أنواعها، من الطب إلى الهندسة، وصولًا إلى جراحة التجميل والفن. ويكفي أن تنتشر أكثر من ١٧ ألف شركة لبنانية في المنطقة الحرة في جبل علي، وهي مدينة اقتصادية في دبي، للتأكيد على مكانة النجاح.
الشخصيات الأكثر تأثيرًا
ينشر موقع أرابيان بيزنس، قائمته السنوية لأكثر ١٠٠ شخصية تأثيرًا في إمارة دبي، وتضمّنت قائمة العام ٢٠١٩ العديد من الأسماء الإماراتية، والعربية والأجنبية من مختلف القطاعات والاختصاصات، وكان للبنان حصة كبيرة. فبحسب الترتيب الذي وضعته أرابيان بيزنس، كان للبنانيين ٩ مراكز ضمن قائمة الشخصيات الأكثر تأثيرًا في دبي.
العلاقات الثنائية
ينعطف هذا التفوّق على العلاقات الممتازة والمميزة بين البلدَين. كان لبنان السبّاق في تهنئة الشيخ زايد بتحقيق الاتحاد، وله سفارة ناشطة في أبوظبي، وقنصلية عامة في دبي، وباقة واسعة من الأصدقاء على مستوى من هم في مراكز القيادة والمسؤولية، أو من هم في عالم المال والأعمال، بالإضافة إلى مجالس إدارة الشركات والمؤسسات الكبرى، ولعل عديد الطائرات الخاصة المتنقلة ما بين مطار رفيق الحريري الدولي ومطارات الإمارات المتحدة، يعكس خصوصية العلاقات بأبعادها الإنسانية - الاجتماعية، وأيضًا ببعدها الاقتصادي، وعالم «البيزنس». وتجدر الإشارة إلى بعض المحطات المضيئة من تاريخ رئيس قائد اشتهر بحكمته وذكائه المتقد، وفيض كرمه، ليس تجاه لبنان فقط، بل تجاه الكثير من الدول التي كانت بحاجةٍ إلى لمسات مروءة صافية وعطاءات سخية.
• في أيار ١٩٧٤، قدّم الشيخ زايد ٥١٠ ملايين ليرة لبنانية كمساعدةٍ لتمويل مشروع الليطاني. هذا المبلغ كان يساوي يومذاك أكثر من ربع مليار دولار.
• في العام ذاته قرر الشيخ زايد الإسهام في الخطة الدفاعية للبنان بمساعدةٍ قيمتها ٦٠٠ مليون ليرة لبنانية، أي ما يوازي ٣٠٠ مليون دولار.
• في العام ١٩٩٠ ، قرر الشيخ زايد التبرع بـ ٥ ملايين دولار لإعادة ترميم القصر الجمهوري في بعبدا.
• في العام ١٩٩٣، قررت دولة الإمارات العربية المتحدة، بتوجيهٍ من الشيخ زايد، منح لبنان مساعدات بقيمة ٣٠ مليون دولار، وقام السفير الإماراتي في بيروت آنذاك، محمد عبد الله عامر الفلاسي بنقل القرار إلى المسؤولين اللبنانيين.
• في أيار ١٩٩٨، قدّمت دولة الإمارات للبنان وديعة مالية بقيمة ١٠٠ مليون دولار وُضعت في المصرف المركزي اللبناني.
• في كانون الثاني ٢٠٠٣، اكتتبت دولة الإمارات بسندات خزينة بقيمة ٣٠٠ مليون دولار لدعم الخزينة اللبنانية، وتنفيذًا لمقررات مؤتمر باريس – ٢.
• في آذار ٢٠٠٧، قدّمت ٩ طائرات هليكوبتر عسكرية من طراز غازيل مع قطع التبديل هدية للجيش اللبناني، وأسهمت أيضًا في إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
ويقول السفير الحالي حمد سعيد الشامسي في منتدى الاستثمار الإماراتي – اللبناني: «إنّ دولة الإمارات العربية المتحدة حافظت على مكانتها كمستثمرٍ رئيسيٍ في لبنان، في قطاع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبةٍ بلغت ١١ في المئة من إجمالي تدفقات هذا الاستثمار المباشر للبنان»...أليس في هذا الكلام التمام.. مسك الختام؟!...