- En
- Fr
- عربي
الحرية النقابية في لبنان في ضوء معايير منظمة العمل الدولية
المقدّمة
أدت الظروف المعيشية الصعبة إلى تكتّل العمال دفاعًا عن مصالحهم، وإلى توحيد صفوفهم مطالبة بحقوقهم. وعبر الزمن، تطورت تحركات العمال، وبدأت تظهر على شكل تجمعات أو تكتلات مطلبية، إلى أن وصلت شيئًا فشيئًا إلى تنظيمها فكانت النقابات. ولكنها تبقى كيانًا مجردًا من الفعالية، لا بل هيكلًا بلا مضمون، ما لم تنمُ في مجتمعات تعترف بالحق النقابي، كحقٍ فردي وجماعي، يسمح للعمال بممارسة حقوقهم النقابية بحريةٍ، من أجل تحقيق إطار فعال لتكتلاتهم وتحركاتهم.
كرّس المفهوم الليبرالي الحق النقابي الذي تميّز باستقلال النقابات عن الدولة، وأعطاه قيمة أساسية من خلال الحرية النقابية. وفي إطار تعريفها، تشمل الحرية النقابية "كل الحقوق والحريات الأساسية الضرورية لوجود نقابات عمالية مستقلة، وكفوءة، وقادرة على الدفاع عن الحقوق النقابية، الاقتصادية والاجتماعية". وتساهم هذه الحقوق والحريات في ولادة النقابات كوسيلة ضغط تحقق التوازن بين العمال وأصحاب العمل والدولة. كيف انعكست المفاهيم الليبرالية على ولادة النقابات؟ ولماذا احتلت النقابات وحرياتها أهمية دولية؟
أولًا: التطور التاريخي
شهدت حقبات التاريخ على ولادة النقابات بعد مخاض طويل، تقلّب مع تقلّبات السياسة ومع تخبّط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. وتحت وطأة الحرمان والخوف، تجمّع العمال ضمن تكتلات وتجمعات نمت مع الوقت، وامتزجت مع الأحداث إلى أن حازت أهمية وطنية ودولية. نتعرف، بشكلٍ موجز، على التطور التاريخي للنقابات العمالية في لبنان، وننتقل إلى مدى الاعتراف الدولي بالنقابات وحرياتها من خلال منظمة العمل الدولية.
في لبنان، مرت الحركة النقابية العمالية في عدة مراحل، نبدأها مع صدور قانون الجمعيات تاريخ 3 آب 1909 [1]، في ظل الحكم العثماني، الذي عرّف الجمعية بأنها "مجموعة مؤلفة من عدة أشخاص لتوحيد معلوماتهم أو مساعيهم بصورةٍ دائمة ولغرضٍ لا يقصد الربح". ولم يشترط، هذا القانون، الترخيص المسبق لإقرار شرعيتها، وإنما اكتفى بحصولها على علم وخبر من وزارة الداخلية، وحصر أهداف الجمعية بتقديم خدمات طوعية مجانية وجمع العمال وأرباب العمل في منظمة واحدة[2]. وقد استفاد العمال من هذا القانون، وأسسوا جمعيات عمالية تحت ستار نقابي.
وسمح قانون 24 نيسان 1912، المعدل سابقًا، بإنشاء الجمعيات المهنية وبكل ما يلزم لتنمية المهنة[3]، فتأسست جمعيتان مهنيتان، بين سنتَي 1912 و1913 وهما: "تعاضدية مستخدمي وعمال سكة الحديد"[4] و"جمعية عمال المطبعة الأميركية"[5]. وخلال الحرب العالمية الأولى، توقف نشاط الجمعيات المهنية بظل تطبيق الأحكام العرفية.
في عهد الانتداب الفرنسي، ونتيجة لتدنّي القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، طالبت "جمعية التعاضد في سكة الحديد" بزيادة الأجور في لبنان وسوريا. ومن جراء عدم الانصياع لمطالبها، توقف العمال عن العمل، فحصل أول إضراب عمالي[6]. وفي هذه المرحلة، تأسس حزبان سياسيان على أساس عمالي، وهما: حزب العمل في العام 1921، وحزب الشعب اللبناني في العام 1924 [7] الذي أدى دورًا أساسيًا في تنظيم النشاط العمالي وتطويره. ومع صدور الدستور اللبناني في 23 أيار 1926، ظن العمال بأن تكريسه الحريات العامة كحرية الفكر والقول، والاجتماع سيشكّلان مدخلًا لإنشاء جمعياتهم العمالية. ولكن ما لبث أن أجاز قانون 26 أيار 1928 [8] للحكومة رفض العلم والخبر لأي جمعية لا ترغب في تشجيعها. وأمام هذا الواقع، قامت السلطة برفض منح العلم والخبر للعديد من الجمعيات، وحاولت محاربة إنشاء الجمعيات العمالية، ولاحقت المسؤولين خوفًا من تكتلات عمالية كبيرة تقف ضد الشركات الكبرى والمصالح الفرنسية، إضافة إلى قلقها من تحوّل هذه التكتلات العمالية إلى تجمعات وطنية تطالب باستقلال البلاد[9].
وفي سنة 1939، تأسس "اتحاد نقابات مستخدمي وعمال لبنان"، برئاسة مصطفى العريس، الذي جمع العمال ووحّد صفوفهم من أجل إقرار قانون العمل. ونتيجة تخوّف السلطة من قوّته، حاولت إضعافه عن طريق تأسيس "جبهة العمل"[10].
أما المنحى الذي أخذه العمال، خلال الحرب العالمية الثانية، فتخطى مرحلة المطالبات الضيقة والمؤقتة، وشكّل مرحلة المطالبة بتشريعٍ للعمل، يمنح العمال حقوقًا لم تتطرق إليها التشريعات السابقة. لذلك، وفي 14 شباط 1945، طالب وفد عمالي رئيس الحكومة بإصدار قانون للعمل وقانون خاص للنقابات المهنية؛ وفي 11 آذار 1946، ألحّ وفد عمالي، في أثناء مقابلته رئيس الجمهورية، بوجوب إيجاد تشريع للعمل في لبنان[11]. وفي 23 أيلول 1946، دخلت النقابات في مرحلة الاعتراف والشرعية مع صدور قانون العمل.
أما على الصعيد الدولي، فتدخل النقابات وحرياتها في قيم منظمة العمل الدولية وفي صميم معاييرها، وذلك منذ تأسيسها في العام 1919. وكونها من حقوق العمال، تناولتها المنظمة في دستورها، وفي إعلان فيلادلفيا من العام 1944 الذي أصبح جزءًا من دستورها في العام 1946. ومن أجل تدعيمها، تناولت المنظمة موضوع الحرية النقابية من خلال اتفاقيتَين دوليتَين: الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم في العام 1948، والاتفاقية رقم 98 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية في العام 1949. هذا، وقد تضمّن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 حق العمال بتأسيس النقابات والانضمام إليها. وفي العام 1998، دخلت الاتفاقيتان الآنفتا الذكر في مضمون "إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل" الذي خرج عن مبادئ القانون الدولي العام إذ ألزم الدول الأعضاء بالحقوق والمبادئ الأساسية التي يتضمنها ولو بغياب التصديق[12].
هذا، وأولت المنظمة الحرية النقابية بنظام إشراف خاص بها من خلال لجنة الحريات النقابية، ولجنة تقصّي الحقائق والتوفيق المعنية بالحرية النقابية.
تسعى منظمة العمل الدولية، وهي وكالة متخصصة من وكالات منظمة الأمم المتحدة منذ العام 1946، إلى تحقيق هدفَين أساسيَين وهما: السلم العالمي والعدالة الاجتماعية. وتُشدد، من خلال معايير الحرية النقابية، على أهمية تعزيزها في القانون والواقع، كونها الطريق إلى تحسين أحوال العمال، وتدعيم مشاركتهم في صنع القرار باستقلاليةٍ وديموقراطية.
وتجدر الإشارة، إلى أنه يقتضي أن نوضح إطار الدراسة بنقابات قانون العمل التي تنشأ بموجب ترخيص مسبق من وزير العمل، وليس بالنقابات المهنية كنقابة الأطباء أو المحامين، وإن تلاقت هذه الأخيرة مع نقابات قانون العمل العمالية في الدفاع عن مصالح المهنة، إلا أنها تختلف عنها كونها تنشأ بموجب قانون. إضافة إلى ذلك، تكرس النقابات العمالية مبدأ حرية الانتساب أو عدمه، في حين تخضع النقابات المهنية لمبدأ إلزامية الانتساب من أجل ممارسة المهنة المعنية، ولا تملك صلاحية إبرام عقود عمل جماعية.
لا يمكن أن نفهم مفهوم الحرية النقابية وإطارها ما لم نقارنها مع مضمون معايير منظمة العمل الدولية، وكون لبنان من الدول الأعضاء في المنظمة، منذ العام 1948، نتساءل عن رؤيتها للحرية النقابية وعن مرتكزات النقابات الحرة، المستقلة والفاعلة. وعليه، فإننا سنعالج في هذه الدراسة المسائل الآتية؛ ماهية النقابات بدرجاتها والحرية النقابية، ومدى توافق تشريعات العمل مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحرية النقابية. ونتناول، أخيرًا، الإشكاليات التي تطرحها الحريات النقابية في لبنان.
ثانيًا: النقابات - من القاعدة حتى القمة
كتجمّعٍ عرفه القانون الروماني[13]، تعد النقابة "منظمة ديموقراطية ومستقلة، يُنشئها الأجراء ويديرونها تحقيقًا لمصالحهم ودفاعًا عنها[14]، أو لحماية المهنة والدفاع عن مصالحها[15]، أو حتى لحماية مصالح العمال"[16]. فالنقابة بشكلها المهني الجماعي، يجب أن تتمتع بشخصيةٍ معنوية متمايزة عن مؤسسيها، والدولة، وغيرها من الجماعات، لما لهذا التمايز من أهمية تفرضه طبيعة النقابات كأداةٍ لخلق وعي جماعي[17].
في القانون، تناول الباب الرابع من قانون العمل موضوع النقابات بخمسة فصول. حدد الفصل الأول تأليف النقابة والغاية المرجوة منها والرابطة المهنية التي تجمع أعضاء النقابة؛ وارتبط الفصل الثاني بتأسيس النقابات والترخيص لها؛ وتطرّق الفصلان الثالث والرابع إلى الانتساب إلى النقابة وإدارة أعمالها؛ وعالج الفصل الأخير حل النقابة وتكوين الاتحاد النقابي.
وفي تعريفها، نصت المادة 4 من قانون العمل اللبناني على أن النقابة "جماعة من الأجراء أو أصحاب العمل أو الحرف ينتمون إلى إحدى الفئات المنصوص عليها في المادة التالية، وتضمهم جمعية تحدد شروطها في الباب الرابع من هذا القانون"[18]. وعلى هذا الأساس، أشارت المادة 83 إلى "حق كل فئة من فئات المهن[19] أن تؤلف نقابة خاصة يكون لها الشخصية المعنوية وحق التقاضي"، وحصرت المادة 84 غاية النقابة في الأمور التي من شأنها "حماية المهنة وتشجيعها ورفع مستواها والدفاع عن مصالحها والعمل على تقدّمها من الوجوه الاقتصادية والصناعية والتجارية كافة"[20]، وحظرت عليها العمل السياسي.
لا ينحصر تنظيم النقابات في قانون العمل فقط، وإنما تتعدد التشريعات التي تناولتها، نذكر أهمها: المرسوم رقم 7993 الصادر في 3/4/1952 الذي حدد أصول تنظيم النقابات وطريقة تسيير أعمالها وعلاقتها بالسلطة العامة[21]؛ القرار رقم 1/199 تاريخ 30/4/1958 الذي أسس الاتحاد العمالي العام؛ المرسوم 18071 في 12/12/1957 الذي حدد أصول صرف الإعانات المالية للنقابات العمالية وإلى اتحاداتها؛ المرسوم 16293 في 11/5/1964 الذي أنشأ لجنة دائمة للتدريب النقابي والتثقيف العمالي؛ وقانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم تاريخ 2/9/1964 الذي نظّم عقود العمل الجماعية وآلية حل نزاعاتها. كيف يُمارِس التجمع العمالي نشاطه النقابي؟
يعرف لبنان ثلاث مستويات من التجمع النقابي: النقابات، اتحادات النقابات، والاتحاد العمالي العام. في النقابات، لم يعتمد التنظيم النقابي على قاعدة محددة، بل تنوع نتيجة تطور القطاعات والصناعات، فبدأ مع نقابات المهنة، ثم ظهرت نقابات المؤسسة والنقابات القطاعية. واكتفى قانون العمل بالسماح للنقابات بالتكتل ضمن اتحادات، لكنه لم يذكر أنواعها، وإنما يمكن توزيعها على أربعة أنواع: الاتحادات العامة ذات الطابع الوطني كاتحاد النقابات المتحدة الذي يُعرف بأنه من أقدم الاتحادات اللبنانية، الاتحادات القطاعية كاتحاد النقابات للطباعة والإعلام في لبنان[22]، الاتحادات الجغرافية كاتحاد نقابات العمل والمستخدمين في لبنان الجنوبي، واتحادات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة كنقابة مؤسسة كهرباء لبنان.
يتمثل رأس الهرم النقابي في الاتحاد العمالي العام الذي لا يقبل في عداد أعضائه سوى الاتحادات النقابية المصرح بها رسميًا، وفق المادة الثانية من نظامه. نجد العديد من النقابات التي تنطبق عليها شروط العمالة ولكنها غير منضمة إلى اتحادات نقابية، فبقيت خارج الاتحاد العمالي العام[23]، ونجد اتحادات منضمة إليه تضم نقابات إما غير مترابطة ومنسجمة مع بعضها البعض كاتحاد يضم نقابة المطابع، نقابة البلاط، نقابة الأحذية[24]، وإما لا تنطبق على بعضها صفة الأجراء كنقابة السائقين العموميين، ونقابة الزجل.
هذا ويمارس الاتحاد مهامه من خلال هيئتَين: مجلس المندوبين الذي يتكون من أربعة مندوبين، المجلس التنفيذي الذي يعد الهيئة التشريعية والهيئة الناخبة، ويتمثل كل اتحاد من الاتحادات الأعضاء من خلال مندوبين. نتساءل عن موقع الحرية النقابية في التشريعات اللبنانية، وانعكاسات تركيبة النقابات على نشاطها النقابي.
ثالثًا: مفهوم الحرية النقابية
يختلف مفهوم الحرية النقابية باختلاف الأنظمة السياسية التي ينمو بظلّها[25]. ففي الدول الليبرالية، تتجلى مظاهر الحرية النقابية، كحقٍ من الحقوق المدنية الأساسية للإنسان من خلال حرية التجمع، حرية التعبير وغيرها. على خلاف الدول التي تمنع النشاط العمالي أو تقيّده، إذ لا تقر بمشروعية النقابات خارج سلطانها، أو تستبعد النقابات كهيئاتٍ مستقلة عن الدولة؛ ففي الحالتَين، لا تكون النقابات المنبثقة حرة ومستقلة[26].
في لبنان، لم تعطِ تشريعات العمل تعريفًا محددًا، ولكن الانقسام العالمي بين الرأسمالية والاشتراكية ترك انعكاسات واضحة ليعطي مبدأ الحرية النقابية جوانب متمايزة في كل من النظامَين[27]. فقد ذكرَت المادة 29 من قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم عبارة الحرية النقابية من دون تعريفها. إلا أنه يمكن التعرف عليها من مضمونها[28] الذي يظهر من خلال مفهومَين: الأول، جماعي يسمح بحرية تكوين النقابات، والاعتراف لها بالشخصية المعنوية (المادة 83)، والحق في ممارسة النشاط النقابي (المادة 84 من قانون العمل ومختلف مواد المرسوم 7993/52). أما المفهوم الثاني فذو طابع فردي يتناول حرية كل أجير بالانتساب إلى النقابة أو عدمه (المادة 90)، وحرية الاستقالة (المادة 97)، وحرية اختيار النقابة المناسبة (المادة 83 و 85)[29].
أما مضمون الحرية النقابية في اتفاقيات منظمة العمل الدولية، فنتعرف عليه من خلال الاتفاقيتَين رقم 87 ورقم 98، وهو: "حق العمال من دون أي تمييز بتكوين منظمات من دون الإذن المسبق"؛ "حق العمال من دون أي تمييز في تكوين منظمات يختارونها وينضمون إليها بهدف تعزيز مصالحهم والدفاع عنها"؛ "حق المنظمات بصوغ دساتيرها ولوائحها الإدارية وبانتخاب ممثليها بحريةٍ كاملة وفي تنظيم إدارتها ونشاطها وفي إعداد برامج عملها وعلى السلطات العامة أن تمتنع عن أي تدخّل من شأنه أن يقيّد هذا الحق أو أن يعيق ممارسته المشروعة"؛ "لا يجوز للسلطة العامة حل هذه المنظمات أو وقف نشاطها"؛ "الحق للمنظمات تكوين اتحادات والانضمام إليها بنفس الحقوق والضمانات وبالانضمام إلى المنظمات الدولية"؛ "لا يخضع اكتساب المنظمات للشخصية المعنوية لشروطٍ تقييدية"؛ "حماية العمال الذين يمارسون حقهم بالتنظيم من كل عمل ينطوي على تمييز في مجال الاستخدام بسبب انتمائهم النقابي"؛ "حماية المنظمات العمالية ومنظمات أصحاب العمل من الأعمال التي تنطوي على تدخّل من قبل بعضها إزاء الأخرى، وبالأخص الأعمال التي تنطوي على تشجيع سيطرة أصحاب العمال أو منظماتهم على منظمات العمال أو تمويلها أو إخضاعها لمراقبتها".
تبدو الحريات النقابية من حريات الصف الأول. فما هي نقاط الاختلاف والتوافق ما بين مضمون الحرية النقابية في لبنان واتفاقيات منظمة العمل الدولية؟
رابعًا: الحقوق والحريات النقابية
تتوافق المادة 50/د من قانون العمل، مع المادة الأولى من الاتفاقية 98، لجهة حماية العامل من أي تمييز في الاستخدام من قبل صاحب العمل، بسبب انتمائه إلى نقابة أو لعدم انتمائه تبعًا لمبدأ حرية الانتساب إلى النقابة أو عدم الانتساب[30]، ويتلاقى قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم، في نقاط كثيرة، مع معايير منظمة العمل الدولية كمدة العقود القصيرة، وكاعترافه بتوسيع العقود... [31]. إلا أن القوانين التي عالجت النقابات وأنشطتها تتعارض، بعدة أمور، مع مبدأ الحرية النقابية. وعليه، يقتضي معالجة مدى الحقوق والحريات النقابية من خلال الشخصية المعنوية، سلطة النقابة في إدارة أعمالها، والمرجع القضائي المختص.
1- الشخصية المعنوية
أسست المادة 83 من قانون العمل مبدأ حرية إنشاء النقابات، من خلال حق الأجراء بتأسيس نقابات تتمتع بالشخصية المعنوية وحق التقاضي. ولكن يجب معرفة مدى هذه الحرية من خلال مختلف النصوص القانونية التي تنظّم هذا الحق. ففي حين أقر القانون للعمال الحق بإنشاء نقاباتهم، إلا أنه قيده بوجوب الحصول على ترخيص من وزير العمل بعد استطلاع رأي وزارة الداخلية بهذا الخصوص[32]، بموجب المادة 86 من قانون العمل، وبوجوب نشر قرار التأسيس بالجريدة الرسمية، بموجب الفقرة الثانية من المادة 87 منه، لتُعدّ نقابة شرعية.
وفي هذا المجال، أعربت منظمة العمل الدولية عن وجوب عدم تقييد تأسيس النقابة بشروطٍ، لمنحها الشخصية المعنوية أو الاعتبارية، إذ نصت المادة 7 من الاتفاقية رقم 87، على أنه "لا يخضع اكتساب منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل واتحاداتهم الشخصية الاعتبارية، لشروطٍ من شأنها أن تقيّد تطبيق أحكام المواد 2، 3 و4 من هذه الاتفاقية". فهل ترقى اشتراطات المادتَين المنوه عنهما أعلاه إلى درجة التقييدات غير المقبولة؟
بهذا الخصوص، أشار "نيكولا فالتيكوس" Nicolas Valticos إلى أنه "لا يجب تقويم الصفة الاختيارية أو الإلزامية للشكليات المنصوص عليها في القانون مع مدى معادلته للترخيص المسبق، بل يجب ارتكاز التقدير على المعايير التي قد يُرفَض الترخيص على أساسها، وعلى ما تملكه السلطة المعنية من سلطة استنسابية، وعلى علاقة النقابات غير المرخصة مع تلك المرخصة"[33].
وبهدف توضيح موقفها من الترخيص المسبق، أشارت لجنة الحريات النقابية والعلاقات الصناعية، في تقرير لها، في العام 1948، أنه "في وسع الدول أن تبقى حرة في اشتراط الشكليات في تشريعها وفقًا لما تراه مناسبًا لضمان قيام المنظمات المهنية على نحو طبيعي. على الرغم من ذلك، ينبغي ألا تعادل هذه الشروط، في سياق الممارسة، شروط الترخيص المسبق أو أن تشكّل في ذاتها عائقًا يعترض سبيل إنشاء المنظمة بما يجعلها تبلغ عمليًا حد الحظر التام"[34].
لذلك، يعد الترخيص المسبق، بالشكل الذي فرضه المشرع في قانون العمل، خرقًا للحرية النقابية، إذ تملك وزارة العمل الصلاحية المطلقة أو الاستنسابية بالقبول والرفض. ولا يستوجب القانون هذا الشرط بحدود إجراءات شكلية للإعلام، أو لتسهيل المراقبة القضائية، أو لتنبيه الغير على إنشاء النقابة[35]. لذلك، تعد بمثابة الشكليات المقبولة تلك التي لا تؤدي إلى إضعاف الضمانات الواردة في الاتفاقية رقم 87. وبمعنى آخر، إنها "الشكليات التي لا يكون من شأنها أن تُضعف حرية العمال في إنشاء منظماتهم أو أن تكون كطريقةٍ لتأخير إنشاء المنظمات المهنية أو منعها"[36].
ولا يختلف "حل النقابة عما هو معمول به في ولادتها، فأشار المشرع إلى الحل والإلغاء.
أشارت المادة 105 من قانون العمل إلى الحل، ونصت على أنه "إذا أخلّ مجلس النقابة بالواجبات المفروضة عليه أو أتى عملًا لا يدخل في اختصاصه، يحق للحكومة أن تحل هذا المجلس على أن يجري انتخاب المجلس الجديد في مدة 3 أشهر من تاريخ الحل...". وأيضًا، نصت المادة 12 من المرسوم 7993 أنه "في حال حُلّ المجلس استنادًا للمادة 105، يعهد إلى رئيس مصلحة النقابات في وزارة العمل القيام بالأعمال الإدارية الصرف، المنوطة برئيس مجلس النقابة، وذلك ريثما يجري انتخاب هيئة المجلس الجديد". وقد حددت المادة 13 من المرسوم المذكور، الإجراءات المتخذة في وزارة العمل بحالة الحل، والتي تتراوح بين تبليغ المعنيين بالأمر (المصرف، رؤساء دوائر الشرطة، رئيس النقابة)، وتكليف أحد مفتشي العمل بجرد سجلات النقابة وأوراقها.
أما الإلغاء فتناولته المادة 14 من المرسوم عينه، والتي نصت أنه "في حالة إلغاء القرار الصادر بإنشاء النقابة تكلف مصلحة النقابات في وزارة العمل بتصفية أموالها وفقًا لنظامها الداخلي".
"وعلى هذه المصلحة اتخاذ التدابير الواردة في المادة 12، بالإضافة إلى إغلاق دار النقابة، ووضع الأختام على أبوابها، وإلصاق نسخة عن قرار الحل على الباب الخارجي، وذلك بمعاونة قوى الأمن العامة، وإعلان ذلك بالجريدة الرسمية".
في ضوء هذه النصوص، يتناول الحل "مجلس النقابة" من قبل الحكومة، في حين يتم "إلغاء قرار الترخيص" بموجب قرار عن وزارة العمل[37].
نصت المادة 4 من الاتفاقية رقم 87 حول الحل والإلغاء، على أنه "لا يجوز للسلطة الإدارية حل منظمات العمال وأصحاب العمل أو وقف نشاطها". وبهذا الصدد، تضمّن مـــوجــز أعـــمال لــجنة الحـــريات النقابــية من الـــعام 1985، ما يأتي "حتى في حال تبرير بعض الظروف لاتخاذ التدابير الآيلة إلى سحب الشخصية القانونية من نقابة عمالية وتجميد أموالها، ينبغي أن تتم هذه الإجراءات من خلال القضاء وليس من خلال الإدارة، وذلك لتفادي أي قرارات اعتباطية"[38]، بشرطٍ "أن يكون القضاء الناظر بالقضية جهازًا قضائيًا مستقلًا وحياديًا له السلطة في النظر بالقضية بالأساس، وأن يكون للطعن المقدم مفعولًا موقفًا"[39].
2- سلطة النقابة في إدارة أعمالها
تناولت المادة 3 من الاتفاقية رقم 87 صراحة هذا المبدأ، إذ نصت على أنه "لمنظمات العمال الحق في صوغ دساتيرها ولوائحها الإدارية، وفي تنظيم إدارتها ونشاطها، وفي انتخاب ممثليها بحريةٍ كاملة.
تمتنع السلطات العامة عن أي تدخّل من شأنه أن يقيّد هذا الحق أو أن يعوق ممارسته المشروعة".
في ضوء هذه المادة، أوجبت منظمة العمل الدولية تمتع النقابات العمالية بالحرية التامة والاستقلالية عن السلطة العامة في صياغة دستورها وقوانينها الداخلية، من خلال عدم إلزامها بقائمةٍ مفصلة بالأعمال والأهداف، وعدم خضوع هذه الدساتير والقوانين الداخلية للموافقة المسبقة من قبل السلطات العامة [40].
نظّم كل من قانون العمل عمومًا، والمرسوم 7993 خصوصًا، آلية وضع النظام الداخلي للنقابة، وطريقة إجراء الانتخابات، وكيفية إدارة شؤونها الداخلية والمالية. وبهذا الصدد، نجد العديد من المواد التي تقيّد حرية النقابة في وضع نظامها الداخلي بحريةٍ، كالمادة 88 مـــن قانـــون العــــــــمل التي ألــزمت أن "يُرفق طلـــب الترخيص بــنُسخٍ عن النظام الداخلي"، والمادة 89 منه التي أوجبت "مصادقة من وزارة العمل ليكون النظام الداخلي نافذًا"، والمادة الأولى من المرسوم 7993 التي أوردت، بشكلٍ تفصيلي، ما يجب أن يتضمنه النظام الداخلي لكيفية تسيير أعمالها.
في ما يتعلق بحق العمال في تنظيم إدارة النقابة المالية، نجد نقاط توافق ونقاط اختلاف. فقد اعتبرت لجنة الحريات النقابية، بأن التشريع الذي يجيز حيازة دفاتر محاسبة مرقمة ومختومة من قبل الوزارة بهدف "منع التلاعب بمالية النقابة"، لا يشكّل خرقًا للحقوق النقابية. وكذلك، سمحت بإجراء المراقبة الإدارية فقط، في حدود الظروف الاستثنائية[41]. وحول تنظيم الإدارة المالية للنقابة، حدد المشرع اللبناني أنواع السجلات وكيفية مسكها، فنصت المادة 9 من المرسوم 7993: "إن السجل المختص بقيود المنتسبين وسجل الواردات والمصاريف، يجب قبل العمل به أن ترقّم كل صفحة من صفحاته بأرقام متسلسلة وأن تُختم بخاتم مصلحة النقابات في وزارة العمل". وحسب لجنة الحريات النقابية، لا يشكّل إجراء مراقبة مالية بإطار تقديم تقارير دورية تجاوزًا من قبل التشريع. وفي هذا الإطار، نصت المادة 10 من المرسوم 7993 على أنه " يقدّم مجلس النقابة لمصلحة النقابات في وزارة العمل نسخة عن حسابها الختامي خلال 3 أشهر على الأكثر من تاريخ انتهاء السنة المالية...".
ولكن يصبح الأمر على خلافه، فيشكّل التشريع انتهاكًا للحريات النقابية متى أجاز للسلطة العامة، بموجب حقها الاستنسابي، القيام بعمليات التفتيش وطلب معلومات في أي وقت كان. وترى اللجنة انتهاكًا للحرية النقابية من خلال التدخل في إدارة الشؤون الداخلية، ومنها الشؤون المالية للنقابات العمالية[42]. وبهدف مراقبة ماليتها، سمحت، الفقرة الثانية من المادة التاسعة من المرسوم 7993، لمفتشي العمل الاطلاع على سجلات النقابات بناء لتكليفٍ من مصلحة النقابات عند تقديم الحساب النهائي أو عند شكوى من أحد أعضاء مجلس النقابة".
تشدد منظمة العمل الدولية على وجوب تمويل النقابات من اشتراكات المنتسبين، ولكن تناولت المادة الثانية من المرسوم 18071، الصادر في 12 كانون الأول من العام 1957، إمكانية منح الهيئات النقابية، بناء على طلب خطي منها، إعانة مالية لتدارك نفقاتها الإدارية، ضمن حدود الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية في موازنة وزارة العمل.
ويُضاف إلى قائمة الحقوق والحريات التي يجب أن تتمتع بها النقابات، "حق المنظمات العمالية في انتخاب ممثليها بحريةٍ"، إذ يعد حقها هذا شرطًا لا غنى عنه، حتى تتمكن من العمل بحريةٍ تامة، ومن تعزيز مصالح أعضائها فعليًا. لذلك، وفي سبيل الاعتراف بهذا الحق على نحو تام، تُطالب منظمة العمل الدولية بضرورة إحجام السلطات العامة، في شكل أساسي، عن أي تدخّل قد يكون من شأنه إضعاف هذا الحق، سواء أكان هذا التدخل قائمًا في تحديد شروط التأهل الانتخابي للقادة، أم في سلوك الانتخابات في حد ذاتها كالتعبير عن رأيها في المرشحين ونتائج الانتخابات.
وفي هذا الإطار، نلاحظ تحديد المادة الثالثة من المرسوم 7993، لآلية إجراء الانتخابات عن طريق تبليغ رئيس مجلس النقابة رئيس مصلحة النقابات، قبل 15 يومًا على الأقل من موعد إجرائها، وبحال تخلّف مجلس النقابة عن تعيين موعد إجراء هذه الانتخابات، يتولى وزير العمل هذه المهمة بعد إنذار رئيس مجلس النقابة أو من يمثله. وكذلك، حددت المادتان الخامسة والسادسة منه، طريقة إشراف السلطة العامة على العملية الانتخابية من خلال مكتب اقتراع (يعيّن أعضاءه مجلس النقابة)، ومندوب تعيّنه مصلحة النقابات في وزارة العمل، وتوقيع مكتب الاقتراع محضرًا بنتيجة الفرز بعد فرز الأصوات يُرفع إلى مصلحة النقابات في وزارة العمل. ولعل الأهم ما نصت عليه المادة السابعة بأنه "لا يعد الانتخاب نهائيًا ما لم يقترن بتصديق مصلحة النقابات في وزارة العمل".
في ضوء مبدأ حرية انتخاب النقابة لممثليها، تتدخل وزارة العمل في العملية الانتخابية، ابتداء من تحديد موعدها حتى انتهائها بتصديقها، مرورًا بالتعبير عن رأيها بالمرشحين من خلال السجل العدلي، وإدارة العملية الانتخابية من إشراف ومراقبة. وبالتالي، تتعرض الحرية النقابية للانتهاك، بفعل تجاوز السلطة العامة للمبدأ القائل "بحق العمال في انتخاب ممثليهم بحريةٍ تامة"، ما يخالف، بشكلٍ صريح، موقف منظمة العمل الدولية. وقد جاء في موجز صادر عن لجنة الحريات النقابية أنه "لا تتلاءم الأحكام المتعلقة بتدخّل السلطات العامة في المراحل المختلفة للعملية الانتخابية مع الحق في إجراء انتخابات حرة، وهي الآتية: تقديم أسماء المرشحين مسبقًا إلى وزارة العمل، توفير التفاصيل الشخصية، حضور مندوب عن وزارة العمل في أثناء إجراء الانتخابات، إعطاء الموافقة على الانتخابات بموجب قرار إداري، فمن دونها تكون الانتخابات غير شرعية"[43].
3- المرجع القضائي المختص
تخضع النقابات من الولادة مرورًا بممارسة نشاطها حتى زوالها إلى قرارات السلطة العامة، ما يؤدي إلى مراجعة القضاء الإداري. ولكن، ينظر القضاء العدلي في القضايا التي تدخل في إطار الحقوق الفردية والحريات العامة، فنذكر المادة 29 من قانون عقود العمل الجماعية والوساطة والتحكيم التي اعتبرت اللجنة التحكيمية هي المختصة للنظر في نزاع جماعي يتعلق بممارسة الحرية النقابية. وكذلك، أشار قانون العقوبات، في المادة 108 منه، إلى وقف كل نقابة يقترف مديروها وأعضاء إدارتها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة. هذا ويعد القضاء العدلي، من دون سواه، مختصًا بكل نزاع يتعلق بالانتخابات النقابية للنظر بصحتها[44]، أو لرفض وزارة العمل الموافقة على الانتخابات[45]، أو للنظر بالخلافات الناشئة بينها وبين الأعضاء، أو سائر الاتحادات أو النقابات[46].
خامسًا: الإشكاليات
يطرح مضمون الحرية النقابية في لبنان إشكالية الحريات المدنية؛ فترتبط الحرية النقابية بالحريات المدنية كون العلاقة بين احترام حقوق الإنسان والحرية النقابية علاقة ضرورية، لا بل مشروطة من أجل تطبيق الحريات والحقوق النقابية[47]. ولكن هل يمكن التعويل على حرية التجمع المكرسة في الدستور، كحريةٍ مدنية وسياسية، وتفسيرها من أجل توسيع مدى الحرية النقابية؟
تطرح الحرية النقابية، في ضوء تشريعات العمل، إطارًا لا يمكن أن يطبقه المواطن، بشكلٍ عفوي، جراء اشتراط القانون الترخيص المسبق وغيرها من الشروط الشكلية الجوهرية لتأسيس النقابات العمالية في لبنان من جهة،وينمو الحق النقابي من جهة أخرى، بعيدًا عن الحريات المدنية[48]، كحرية التجمع[49]، وحرية التعبير[50]، وغيرها من الحقوق والحريات[51]. وحصر قانون العمل هذا الحق بمَن يخضع لأحكامه، ما عدا الاستثناءات التي يجيزها القانون[52]، أو التي أوجدتها التركيبة الفئوية داخل مجالس الاتحاد العمالي العام. وبهذا الصدد، تشدد هيئات منظمة العمل الدولية على العلاقة الوثيقة بين الحرية النقابية والحقوق المدنية والسياسية[53]. وبالتالي، لا يمكن للنقابات أن تنمو بعيدًا عن حقوق الإنسان، والتي بدورها لا تنمو إلا في المجتمعات الديموقراطية كون "الديموقراطية الاجتماعية مهدًا للديموقراطية السياسية"[54].
يتساءل البعض عن مدى الصفة الملزمة للاتفاقية رقم 87 في العام 1948 لعدم تصديق لبنان عليها، في حين أنه أبرم الاتفاقية رقم 98 في العام 1949 [55]. ولكن لا يجب إهمال الاتفاقية رقم 87 لعلة عدم التصديق[56]، كون المنظمة قد جعلت مضمونها مبادئ وحقوقًا أساسية، توجب على كل دولة عضو بالمنظمة اعتمادها وقبولها ولو لم تصدّق على هذه الاتفاقية.
وكنتيجةٍ لعدم الالتزام بالاتفاقية 87، تتأثر الحرية النقابية سلبًا جراء عدم استقلالية الممثلين النقابيين، وضعف الضمانات المعطاة لهم بالتشريع. وفي هذا الإطار، تشدد المنظمة على موجب الدول باتخاذ التدابير الآيلة إلى تجنّب أي تدخّل، من أي طبيعة كانت سواء من الأفراد، المنظمات، أو السلطات العامة، وفق المادة 11 من الاتفاقية رقم 87. وتؤكد على الدول أن "تسمح للعمال بممارسة الحريات النقابية بجوٍ بعيد عن العنف، الضغوطات، الخوف والتهديد من أي نوع كانت"[57] .
يؤدي منح الهيئات النقابية الإعانات المالية، بموجب المرسوم 18071/1957، أن تكون النقابات تابعة للدولة عن طريق تمويلها ماليًا وإيداع موازنة نفقاتها في وزارة العمل لإجراء مراقبة صرف الأموال العمومية. وهذا ما يمنح السلطة العامة، المتمثلة بوزارة العمل، إمكانية التدخل في شؤون النقابة المالية. واعتبرت لجنة الحريات النقابية أن "نظام تمويل الحركة النقابية التي تجعل نقابات العمال تعتمد ماليًا على إحدى الهيئات العامة، يشكّل محاولة من قبل الدولة في السيطرة على الحركة النقابية".
وليس تركيز منظمة العمل الدولية على "حق النقابة في تنظيم إدراتها المالية" إلا لتحقيق أمرَين: يتمثل الأول بضرورة اعتماد النقابة على التمويل الذاتي، أي على اشتراكات العمال لتعلقه بالنظام العام[58]. ويتعلق الأمر الثاني برقابة إيراداتها بعيدًا عن التبديد أو إساءة استعمالها[59].
على النقابات أن تكون حرة ومستقلة عن باقي الجماعات والهيئات الأخرى من أجل فعالية نشاطها. فنلاحظ تدخلات من قبل الدولة [60]، الأحزاب السياسية[61]، نقابات أصحاب العمل وغيرها[62]، ما أدى إلى تبعية أدائها، وخضوعها لمتاهات السياسة والأحزاب.
على النقابة أن تكون قوة ضغط، ولكي تكون كذلك، عليها أن تكون مستقلة عن الأحزاب السياسية بشكل ٍتشكّل مجموعة ضغط سياسية[63]، وأن تؤثّر على القرارات الحكومية[64]. ومن أجل التأثير، يجب عدم الاكتفاء بالدفاع[65] فقط، وإنما يجب أن تمثّل حركة نقابية فاعلة وفعالة تمتلك الأطر والوسائل كافة.
وقد حدد جورج بوردو Georges Bordeau ستة معايير تساهم في تعزيز دور النقابة كوسيلة ضغط: يتوجه الأول إلى طبيعة المصلحة المعني الدفاع عنها، ويرتكز الثاني على طبيعة النشاط المُمارَس من قبل محركي المجموعة، ويدور الثالث حول طبيعة نشاط النقابة عن غيرها من الجماعات، ويتوجه المعيار الرابع إلى تركيبة المجموعة أو بنيتها، ويرتكز المعيار الخامس على وسائل التحرك المستعملة، ويتمحور المعيار السادس والأخير حول تعامل السلطة العامة تجاه هذه الجماعات"[66]. فأي دور ستؤديه، وهي غارقة في لعبة الأحزاب؟
أمام حظر قانون العمل النقابات من العمل السياسي، وأمام متطلبات النظام الأساسي للاتحاد العام باستقلاليته عن كل حزب سياسي، نجد أن الواقع يختلف عن هذه النصوص. وإن كان قد ارتبط نشوء التجمعات العمالية في لبنان بالمبادرات الحزبية، فقد أدى التمثيل الحزبي الواضح والصارخ إما من خلال "تفريخ النقابات والاتحادات"[67] الموالية (للانتماء الحزبي) لوزير سلطة الوصاية، وإما من خلال التركيبة الداخلية للاتحاد العام، إلى تجاذبات سياسية ومحسوبيات أغرقت النقابات العمالية في الصراعات الحزبية، وولّدت تناحرات واهتمامات سياسية حزبية أبعدتها عن الدفاع عن العمال والعمل.
في هذا الصدد، اعتبرت منظمة العمل الدولية، أن تعرّض النقابات العمالية إلى حظر عام، يحول من دون تعاطيها أي نشاطات سياسية، لا يتلاءم مع مبادئ الحريات النقابية فحسب، بل يعد أمرًا غير واقعي أيضًا، إذ يمكن على سبيل المثال أن ترغب هذه المنظمة النقابية أو تلك في التعبير عن رأيها علانية حول الجانبَين الاقتصادي والاجتماعي لسياسة الحكومة[68].
الخاتمة
تركز منظمة العمل الدولية على الحرية النقابية كشرطٍ جوهري لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولتأمين التوازن في القوة ما بين قوة رأس المال أي أصحاب العمل وقوة العمل أي العمال. ومن أجل ذلك، على النقابات أن تتمتع بالقدر الكافي من الحرية في التأسيس، وفي إدارة أعمالها، وإلا اقتصر دورها على أن تكون مجرد مجموعة من العمال.
في غياب الحرية النقابية، وفق منظمة العمل الدولية، تبقى النقابات كيانًا مجردًا من أي فعالية كونها لا تلبي حاجات العمال في التمثيل، الدفاع، وفي الضغط على سائر أطراف الإنتاج، كالدولة وأصحاب العمل. وككيانٍ منتظم ممثل للعمال، يشوب النقابات، على مستوياتها، عيوبًا ترافق ولادتها مرورًا بإدارة أعمالها وصولًا إلى فعاليتها. فلا يمكن للنقابات أن تزدهر في ظل تدخلات ومصالح متشابكة، أبعدتها من أن تكون قوة ضغط تدافع عن حقوق العمال ومصالح المهنة.
على الدولة، كونها من الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية، أن تمتثل لالتزاماتها الدولية وأن تمنح النقابات واتحاداتها، التي تشكّل الاتحاد العمالي العام، إطارًا منسجمًا مع المعايير الدولية التي تشجع تأسيس نقابات حرة، مستقلة وفاعلة. وكذلك، عليها أن تعيد هيكلة هذا التنظيم ليكون وسيلة يمتلكها العمال بحقٍ، وأداة تمثلهم بحق. وعلى الدولة أن تبعد النقابات عن المكاسب السياسية والمآرب الحزبية التي أغرقت الحركة النقابية وحرياتها في شرذمات وتبعيات لا تمثل لا العمال ولا حقوقهم ولا شؤونهم.
في الدولة المعاصرة، أصبحت النقابات تحتل مكانًا في كل شيء، وعليها أن تكون كذلك، كونها صوت طبقة العمال، وسبيلًا للحقوق الاجتماعية، وطريقًا للعمل اللائق. ولهذه الغاية، عادت منظمة العمل الدولية وأكدت على دور النقابات وحركتها في تحقيق العمل اللائق للجميع من خلال إعلان المبادئ الثلاثية[69]. فيشكّل هذا الأخير، مجموعة مرجعية يمكن تطبيقها، على نطاق عالمي، على سلوك المؤسسات الوطنية والمتعددة الجنسية، ويسمح لنقابات العمال من أن تكون أداة قوية، تستخدمه كملخصٍ لتطبيق المبادئ الواردة في اتفاقيات المنظمة وتوصياتها، في ما يتعلق بالحرية النقابية وغيرها من مواضيع العمل[70].
المراجع العربية
مؤلفات
• إسماعيل محمد أحمد، مبدأ الحرية النقابية لمنظمات العمال- دراسة مقارنة، رسالة في كلية الحقوق في القاهرة، الجامعة العربية، 1982.
• زيدان ضاهر، الحركة النقابية في لبنان، لا طبعة، منشورات فريديريش أيبرت في لبنان، رقم 23، لا سنة.
• صليبي غسان، في الاتحاد كوة، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت، 1999.
• الجباعي يوسف، مساهمات في الثقافة العمالية والنقابية، منشورات فريديريش أيبرت، بيروت، 1995.
• الشخيبي محمد علي، الحرية النقابية (علمًا واجتهادًا)، الطبعة الأولى، منشورات المركز اللبناني للتدريب النقابي، 2002.
• القيسي عصام يوسف، قانون العمل اللبناني، منشورات عشتار، بيروت، 1983.
• مدرسة إعداد الكوادر النقابية، دروس في التدريب النقابي، لا طبعة، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت في بيروت، لا سنة.
• مكتب العمل الدولي- جنيف، الحريات النقابية، الطبعة الرابعة، 1996.
•بدران إسماعيل وزبيب محمد، الاتحاد العمالي العام في لبنان (من يمثل من؟)، المركز اللبناني للتدريب النقابي بالتعاون مع مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت.
دراسات وندوات
• أحمد حسن البرعي، عضو لجنة الخبراء القانونيين بمنظمة العمل العربية وعضو لجنة الخبراء والمستشارين لإعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل بمنظمة العمل الدولية، الحوار الاجتماعي وحماية الحقوق الأساسية في العمل، بيروت، 24-26/10/2000. (ندوة غير منشورة).
• جون تيلور، كتيب الإدارة المالية للنقابات العمالية، الطبعة الثالثة، 1989، مكتب العمل الدولي، جنيف.
• مزيد نوري، دراسة مقارنة لقانون العمل في البلدان العربية الشريكة، لا طبعة، المنتدى النقابي الأورومتوسطي، مدريد، 2004.
مجلات ونشرات
• النشرة القضائية.
• مجلة القضاء الإداري في لبنان.
• مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، منشورات صادر الحقوقية.
المراجع الأجنبية
Ouvrages
• Bureau international du travail, Liberté syndicale et négociation collective, 1ère édition, Genève, 1994.
• Erbes- Seguin Sabine, Syndicat et relations de travail dans la vie économique française, Presses Universitaires de Lille, France, 1985.
• Pélissier Jean, Supiot Alain et Jeammaud Antoine, Droit du travail, 24ieme édition, Dalloz, 2008.
• Schwartzenberg Roger-Gérard, Sociologie politique, 4ieme édition, collection "Précis Domat", Paris, Montchrestien, 1988.
• Valticos Nicolas, Droit international du travail, tome 8, 2ème édition, Dalloz, 1982.
• Verdier Jean Maurice, Syndicats et droit syndical, tome 5, volume 1, 2ème édition, Dalloz, Paris, 1987.
Articles de revue
• Herrera Carlos Miguel, Le socialisme juridique d’Emmanuel Lévy, Revue du Droit et Société, n 56-57, 2004.
• Swepston Lee, Droit de l’homme et liberté syndicale: Evolution sous le contrôle de l’OIT, Revue internationale du Travail, volume 137, 1998, numéro 2.
• Travaux universitaires: Mémoires et thèses.
• Cauchy Helene, Syndicats et partis politiques, mémoire pour l’obtention d’un DEA de Droit Social, sous la direction du professeur Pierre-Yves Verkindt, université Lille II- Droit et santé, faculté des sciences juridiques, politiques et sociales, école doctorale n 74, année universitaire 2001-2002.
• Fraissinier Virginie, La liberté d’entreprendre: Etude de droit privé, thèse pour le doctorat en droit sous la direction du Professeur Christian Jubault, Université de la Réunion, Faculté de Droit et d’économie, 19 juin 2006.
• Sart Audrey, Entre doctrines politiques et théorie juridique: la question de la personnalité morale du syndicat, Mémoire présenté et soutenu en vue de l’obtention du Master recherche mention droit du travail, Sous la direction de Monsieur le Professeur Pierre-Yves Verkindt, Lille 2, université droit et santé, Faculté des Sciences, Juridiques, Politiques et Sociales, Ecole Doctorale n 74, Droit privé, Année universitaire 2005-2006.
• Spyropoulos Georges, La liberté syndicale, thèse, Paris, 1954.
Rapports et recueils
• Rapport du Directeur général, La démocratisation et l’OIT, Conférence internationale du Travail, 79e session, Genève, 1992.
• Liberté d’expression et liberté syndicale: trouver le juste équilibre, prise de position de la Confédération syndicale internationale, CSI, Juin 2013.
• Recueil de décisions et de principes du Comité de la liberté syndicale du Conseil d’administration du BIT, La liberté syndicale, 4ième édition (révisée), Genève, 1996.
• Lien hypertexte (partie de site).
• La Déclaration de principes tripartite sur les entreprises multinationales et la politique sociale (Déclaration sur les EMN). Disponible sur: https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---arabstates/---ro-beirut/documents/publication/wcms_628675.pdf (consulté le 26/12/2019).
• Arrêt de la Cour Européenne de droit de l’homme sur l’affaire de: Matelly c. France, 2 octobre 2014. Disponible sur:
https://blogs.mediapart.fr/patrick-cahez/blog/021014/laction-syndicale-est-un-droit-de-lhomme-civil-et-politique (consulté le 26/12/2019).
• Arrêt de la Cour Européenne de droit de l’homme sur l’affaire de: Sigurdur A. Sigurjónsson c. Islande, 30 juin 1993. Disponible sur: https://www.echr.coe.int/Documents/FS_Trade_union_FRA.pdf (consulté le 26/12/2019).
• Arrêt de la Cour Européenne de droit de l’homme sur l’affaire de: Ognevenko c. Russie, 20 novembre 2018. Disponible sur:
http://www.justice-en-ligne.be/article1148.html (consulté le 25/11/2019).
[1]- أتى هذا القانون متأثرًا بالقانون الفرنسي من العام 1901 كنتيجةٍ لثورة عامَي 1789 و1848 المعلنة لحرية الاجتماع، ولحرية تكوين الجمعيات ومنحها الشخصية المعنوية. عفيف زيناتي، النقابات العمالية تنظيمها ونشاطها في العالم وفي لبنان، الجزء الأول، منشورات فريديريش أيبرت، بيروت، 1973، ص 40.
[2]- يوسف الجباعي، مساهمات في الثقافة العمالية والنقابية، لا طبعة، منشورات فريديريش أيبرت، بيروت، 1995، ص 41.
[3]- - عصام يوسف القيسي، قانون العمل اللبناني، لا طبعة، منشورات عشتار، بيروت، 1983، ص 26.
[4]- ضاهر زيدان، الحركة النقابية في لبنان، لا طبعة، منشورات فريديريش أيبرت في لبنان، لا سنة، ص 8 و9.
[5]- تعد أول جمعية مهنية في الشرق الأوسط العربي، وهناك خلاف حول تاريخ نشوئها. عفيف زيناتي، المرجع مذكور سابقًا، ص 40 و47.
[6]- - المرجع السابق، ص 41 و42.
[7]- تأسس هذا الحزب على يد بعض المفكرين، أبرزهم الشيوعي فؤاد الشمالي. وفي أول أيار 1925، نشر الحزب، في جريدته الخاصة "الإنسانية"، المطالب التي أسفر عنها التجمع العمالي في سينما كريستال في بيروت، وأهمها: خفض ساعات العمل إلى 8 ساعات في اليوم، حماية العمال وتنفيذ مشاريع اقتصادية. يوسف الجباعي، المرجع مذكور سابقًا، ص 60 و61.
[8]- - صدر هذا القانون عن السلطة الفرنسية تنفيذًا لمعاهدة لوزان التي قررت الانتداب، والتي أجازت للدولة المنتدِبة الحق بتعديل القوانين المرعية الإجراء بعد 3 سنوات من بدايته.
[9]- إسماعيل بدران ومحمد زبيب، الاتحاد العمالي العام في لبنان (من يمثل من؟)، المركز اللبناني للتدريب النقابي بالتعاون مع مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت، 2001، ص 27.
[10]- قامت جمعية مستخدمي التجارة مع بعض الجمعيات بتأسيس هذه الجبهة، ولكنها لم تعمّر طويلًا إذ سرعان ما دب الخلاف بين أعضائها، فتوقفت عن النشاط في 27/11/1946. يوسف الجباعي، المرجع السابق، ص 67.
[11]- - عصام يوسف القيسي، المرجع مذكور سابقًا، ص 30 و31.
[12]- صدّق لبنان على سبع اتفاقيات، من أصل ثمانية تشكّل مضمون الإعلان، ما عدا الاتفاقية رقم 87.
[13]- Nathalie Baruchel, La personnalité morale en droit privé: éléments pour une théorie, collection Bibliothèque
.de droit privé, Tome 410, LGDJ, 2004, Paris, p 287
[14]- - مدرسة إعداد الكوادر النقابية، دروس في التدريب النقابي، لا طبعة، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت في بيروت، لا سنة، ص 93.
[15]- يوسف الجباعي، مساهمات في الثقافة العمالية والنقابية، منشورات فريديريش أيبرت، بيروت، 1995، ص 12.
[16]- - ضاهر زيدان، الحركة النقابية في لبنان، منشورات فريديريش أيبرت في لبنان، رقم 23، ص 80.
[17]- Pour Emmanuel Lévy un ins trument des tiné à «créer une conscience collective». Carlos Miguel Herrera, Le
.socialisme juridique d’Emmanuel Lévy, Revue du Droit et Société, n 56-57, 2004, p 114
[18]- يعد هدف النقابة مفروضًا بحكم القانون في الدفاع عن المصالح المهنية للعمال. أما الجمعية فغرضها يتحدد اختياريًا لغرضٍ معيّن لا يتوخى الربح". محمد أحمد إسماعيل، مبدأ الحرية النقابية لمنظمات العمال - دراسة مقارنة، رسالة في كلية الحقوق في القاهرة، في الجامعة العربية، 1982، ص 21.
[19]- "... وقانون العمل اللبناني، شأنه شأن القانون الفرنسي، أقرّ مبدأ الحرية النقابية ولم يمنع الانتساب إلى نقابتَين مختلفتَين".
مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رقم 374/ر/1961 ف1، المجلد 13، منشورات صادر الحقوقية، ص 13186.
[20]- مجلس شورى الدولة، قرار رقم 61-117 تاريخ 30 نيسان 1949، ألفرد حنا حكيم/ وزارة الاقتصاد الوطني، النشرة القضائية، 1968، ص 134.
[21]- اعتبر مجلس شورى الدولة، نتيجة طعن تقدّم به إلياس الهبر نتيجة صدور هذا المرسوم، بأنه "لا يتناقض مع أحكام قانون العمل وباقي القوانين المرعية الإجراء وروح التشريع". مجلس شورى الدولة، قرار رقم 14، تاريخ 5 أيار 1952، السيد إلياس الهبر/ الدولة، النشرة القضائية، 1953، ص 408.
[22]- غسان صليبي، في الاتحاد كوة، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة فريديريش أيبرت، بيروت، 1999، ص 40.
[23]- المرجع السابق، ص 42 و43. كنقابة عمال الصياغة في بيروت ونقابة عمال المدابغ في لبنان.
[24]- غسان صليبي، المرجع مذكور سابقًا، ص 41.
[25]- Virginie Fraissinier, La liberté d’entreprendre: Etude de droit privé, thèse, Université de la Réunion, Faculté de
Droit et d’économie, 19 juin 2006, p 1 et 2.
[26]- .Jean Maurice Verdier, Syndicats et droit syndical, tome 5, volume 1, 2ème édition, Dalloz, Paris, 1987, p157
[27]- محمد أحمد إسماعيل، المرجع المذكور سابقًا، ص 8.
[28]- عصام يوسف القيسي، قانون العمل اللبناني، منشورات عشتار، بيروت، 1983، ص 335.
[29]- .Georges Spyropoulos, La liberté syndicale, thèse, Paris, 1954, p 6 et 7
[30]- تطبيقًا لمبدأ حرية الانتساب أو عدمه، اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرار لها تجاه إيرلندا، تاريخ 30 حزيران 1993، أن إلزام المدعي، وهو سائق سيارة عمومية، بالانضمام إلى تجمّع سائقي السيارات (Frami) تحت طائلة خسارته إجازة السوق، انتهاكًا لحرية الفرد بعدم الانتساب https://www.echr.coe.int/Documents/FS_Trade_union_FRA.pdf.
[31]- محمد علي الشخيبي، الحرية النقابية، الطبعة الأولى، منشورات المركز اللبناني للتدريب النقابي، 2002، ص 96.
[32]- وإن كان رأي وزارة الداخلية لا يلزم وزارة العمل، إلا أنه يجب استطلاع رأيها بهذا الخصوص كونه يشكّل معاملة جوهرية تحت طائلة مخالفته القانون. مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رقم 428/ر/1969، ف 4، المجلد 13، منشورات صادر الحقوقية، ص 13261.
[33]- .Nicolas Valticos, Droit international du travail, tome 8, 2 ème édition, Dalloz, 1982, p 248
[34]- مكتب العمل الدولي- جنيف، الحريات النقابية، الطبعة الرابعة، 1996، ص 79 و80.
[35]- نوري مزيد، دراسة مقارنة لقانون العمل في البلدان العربية الشريكة، لا طبعة، المنتدى النقابي الأورومتوسطي، مدريد، 2004، ص 108.
[36]- .Bureau international du travail, Liberté syndicale et négociation collective, 1ère édition, Genève, 1994, p 37
[37]- "...إن حق السلطة بإلغاء القرار الصادر بإنشاء النقابة هو حق مبدئي مستمد من القاعدة القائلة بأن لمن يُنشئ أن يُبطل بصرف النظر عن حق الطعن بذلك التدبير". مجلس شورى الدولة، قرار رقم 14، تاريخ 5 أيار 1952، إلياس الهبر/ الدولة، النشرة القضائية، 1953، ص 411.
[38]- مكتب العمل الدولي، الحريات النقابية، الطبعة الرابعة، 1996، جنيف، ص 191.
[39]- .Bureau international du travail, op. cit, p 85
[40]- - مكتب العمل الدولي، المرجع السابق، ص 106 و107.
[41]- المرجع السابق، ص 133 و134.
[42]- المرجع السابق، ص 131 و133.
[43]- المرجع السابق، ص 122.
[44]- اعتبر مجلس شورى الدولة، أن تصديق وزارة العمل ليس على الانتخابات من القرارات الإدارية بل له الطابع الاعترافي الذي ليس من شأنه أن ينشئ أو يكسب حقوقًا، بل تترتب النتائج من حالة قانونية مسبقة، فتجد الإدارة نفسها حيال حق أقره القانون يتوجب عليها أن تمنحه عند المطالبة به. قرار رقم 25 تاريخ 18/10/1995، نقابة عمال الأفران ورفاقها/ الدولة، م1، ص 39. مجلة القضاء الإداري في لبنان، مجلة حقوقية تصدر عن مجلس شورى الدولة، العدد العاشر، المجلد الأول، 1997.
[45]- "...إن صلاحية النظر في صحة انتخابات الجمعيات والنقابات تعود للقضاء العدلي، وإن القرار الذي يتضمن رفض وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الموافقة على تلك الانتخابات ليس له صفة القرار المنفصل الذي يعود للقضاء الإداري النظر في الطعون الموجهة إليه...". مجلة القضاء الإداري في لبنان، قرار رقم 165 تاريخ 18/7/1984، قاعي ورفاقه/ الدولة، العدد الأول، مجلة حقوقية تصدر عن مجلس شورى الدولة، 1985، ص 139.
"لا اختصاص لمجلس شورى الدولة للنظر في المنازعات القائمة حول انتخابات هيئات النقابات التي تقوم بنشاطها وفق قواعد الحق الخاص". قرار رقم 1763، تاريخ 8/12/1967، مشرقاني وشعيا/ الدولة، م1، 1968، ص 10.
"وإن المحاكم العدلية هي وحدها الصالحة للنظر بكل ما يتعلق بتنظيم النقابات، وعلى الأخص في صحة انتخابات مجالسها، ولا عبرة لأي نظام داخلي يُعطي الصلاحية لسلطةٍ أخرى". قرار رقم 65، تاريخ 20/3/1967، فاضل سعيد عقل/ الدولة، م1، 1967، ص 96. اجتهاد القضاء الإداري في لبنان، الجزء الأول، اختصاص المحاكم العدلية في القضايا الإدارية، ص 12.
[46]- قرار رقم 25 تاريخ 18/10/1995، نقابة عمال الأفران ورفاقها/ الدولة، م1، ص 39.
مجـلة القضاء الإداري في لبنان، مجلة حقوقية تصدر عن مجلس شورى الدولة، العدد العاشر، المجلد الأول، 1997.
[47]- Recueil de décisions et de principes du Comité de la liberté syndicale du Conseil d’adminis tration du BIT, La
.liberté syndicale, 4ième édition (révisée), Genève, 1996, paragraphe 68
[48]- "من المتفق عليه علمًا واجتهادًا في معظم الدول التي تعتمد تشريعات اجتماعية حديثة أن الحرية النقابية هي من الحريات العامة التي تكرسها عادة الدساتير والتي تراقب ممارستها السلطات القضائية". وفي لبنان، وإن لم يشر الدستور إلى مبدأ الحرية النقابية إلا بقوله في المادة 13 "إن حرية تأليف الجمعيات مضمونة ضمن الحدود التي يرسمها القانون، فمما لا شك فيه فالحرية النقابية تعد من الحريات العامة ولا يمكن الحد من ممارستها إلا بموجب نص قانوني".
مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رقم 48/ر/1977 ف1، المجلد 7، منشورات صادر الحقوقية، ص 7386.
[49]- في قرار لها، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فرنسا بسبب عرقلة حق تكوين النقابات في الجيش، وأكدت على العمل النقابي كحقٍ مدني وسياسي في ضوء الحق في تكوين الجمعيات.
.https://blogs.mediapart.fr/patrick-cahez/blog/021014/laction-syndicale-es t-un-droit-de-lhomme-civil-et-politique
[50]- - في قضية تجاه الولايات المتحدة البريطانية، اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن ممارسة المؤسسات المعروفة بـ closed shop التي تُجبِر عمال فئة معيّنة من المؤسسات الانتماء إلى النقابة أو الانضمام إليه، يشكّل انتهاكًا لحرية العمل النقابي وبالتالي يجب حماية حرية الفكر الفردية https://www.echr.coe.int/Documents/FS_Trade_union_FRA.pdf.
[51]- - اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن المحاكم الروسية التي لم تعتبر صرف الأجير تعسفيًا جراء مشاركته بالإضراب انتهاكًا لحرية العمل النقابي، إذ يشكّل تحريم العمال في سكك الحديد من الإضراب والمشاركة فيه انتهاكًا لهذه الحرية.
http://www.jus tice-en-ligne.be/article1148.html.
[52]- - كالهيئة التعليمية في المدارس الخاصة.
[53]- Lee Sweps ton, Droit de l’homme et liberté syndicale: Evolution sous le contrôle de l’OIT, Revue internationale
du Travail, volume 137, 1998, numéro 2, p 195.
[54]- Audrey Sart, Entre doctrines politiques et théorie juridique: la ques tion de la personnalité morale du syndicat
Mémoire, Lille 2, université droit et santé, Faculté des Sciences, Juridiques, Politiques et Sociales, 2005-2006, p 11.
[55]- "يبدو التصديق على اتفاقية واحدة متناقضًا، فيبدو موقف الدول التي لم تصدق على أي منها أكثر منطقيًا". أحمد حسن البرعي، الحوار الاجتماعي وحماية الحقوق الأساسية في العمل، بيروت، 24-26/10/2000.
[56]- - مع الإشارة إلى أن مندوب الدولة اللبنانية في حينه وافق عليها في مؤتمر العمل الدولي. غسان صليبي، المرجع مذكور سابقًا، ص 20.
[57]- - Liberté d’expression et liberté syndicale: trouver le jus te équilibre, prise de position de la Confédération
.syndicale internationale, Juin 2013, p 3
[58]- - Jean Pélissier, Alain Supiot, Antoine Jeammaud, Droit du travail, 22 ème édition, Dalloz, Paris, 2004, p 670
[59]- - جون تيلور، كتيب الإدارة المالية للنقابات العمالية، الطبعة الثالثة، مكتب العمل الدولي، جنيف، 1989، ص 9.
[60]- "وحيث أنه بعد مراجعة المرسوم 7993، يستنتج وصاية إدارية على النقابات..."، "وحيث أنه من أهم مقومات ممارسة سلطة الوصاية: حق التصديق، حق الحلول، حق الحل وحق الرقابة المالية على الهيئات الموضوعة تحت الوصاية، وبالتالي نرى هذه العناصر متوفرة في ممارسة الإدارة (وزارة العمل والشؤون الاجتماعية) ووصايتها على النقابات. مجموعة اجتهادات هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، رقم 262/ر/1991 ف1، المجلد 9، منشورات صادر الحقوقية، ص 9139.
[61]- طغى التدخل الحزبي في الاتحاد العمالي العام، لدرجةٍ أن كل من هو في الحكم، هو في الاتحاد. وتأكيدًا على ذلك، يتكون المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام من: 14 اتحادًا لحركة أمل، 8 اتحادات من التكتل النقابي المستقل الذي تأسس في العام 2004 بغالبيةٍ مسيحية تضم حزب القوات، المردة والكتائب، 6 اتحادات لحزب اللـه، 4 اتحادات لليسار الشيوعي، 3 اتحادات لتيار المستقبل، 3 اتحادات للمستقلين، اتحادَين للحزب السوري القومي الاجتماعي، اتحادَين لجمعية العزم والسعادة (نجيب ميقاتي)، اتحاد للحزب الاشتراكي، اتحاد للأحباش، اتحاد لحزب البعث.
[62]- نشير إلى "الاتفاق الرضائي"، بين الهيئات الاقتصادية (جمعيات التجار وأصحاب العمل) والاتحاد العمالي العام بخصوص تصحيح الأجور في العام 2012، الذي أضفى إلى الموافقة على حد أدنى للأجور بـ 650 ألف ل.ل، فيما رُفض مشروع وزير العمل شربل نحاس الذي كان قد حدده بـ 875 ألف ل.ل.
[63]- Hélène Cauchy, Syndicats et partis politiques, mémoire pour l’obtention d’un DEA de Droit Social, sous la
direction du professeur Pierre-Yves Verkindt, université Lille II- Droit et sante, faculté des sciences juridiques,
politiques et sociales, école doctorale n 74, année universitaire 2001-2002, p 80.
[64]- - Roger-Gérard Schwartzenberg, Sociologie politique, 4ème édition, collection "Précis Domat", Paris
Montchres tien, 1988, p 520.
[65]- Sabine Erbes- Seguin, Syndicat et relations de travail dans la vie économique française, Presses Universitaires
de Lille, France, 1985, p 120.
[66]- .Hélène Cauchy, Syndicats et partis politiques, op. cit, p 87 et 88
[67] - تعبير، مستعمل من قبل بعض النقابيين، يدل على كثرة إصدار تراخيص التأسيس لنقابات واتحادات موالية للجهة السياسية التي تصدر هذه التراخيص.
[68]- مكتب العمل الدولي، الحريات النقابية، الطبعة الرابعة، 1996، جنيف، ص 137.
[69]- - اعتمده مجلس إدارة مكتب العمل الدولي، في سنة 1977 - وتم تعديله سنة 2000، 2006، و2017.
[70]- - يختصر أبرز ما اشتمل عليه تحديث الإعلان سنة 2017، بما يأتي: شمول إعلان المبادئ الثلاثية، المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، إيلاء المنشآت العناية الواجبة للدور المركزي الذي تؤديه الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية، فضلًا عن العلاقات الصناعية والحوار الاجتماعي، وإضافة مراجع ونصوص جديدة تتعلق بالعمل اللائق، تفتيش العمل، الضمان الاجتماعي والقضاء على العمل الجبري.
https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/---arabs tates/---ro-beirut/documents/publication/wcms_628675.pdf
Freedom of association in Lebanon in the light of ILO standards
Freedom of association, a fully recognized human right, has been a fundamental value enshrined in the statute of the International Labour Organization (ILO) since 1919. This freedom is internationally safeguarded, according to the ILO, by Convention 87 on Freedom of Association and Protection of the Right to Organise of 1948 (not ratified); and Convention 98 on the Right to Organise and Collective Bargaining of 1949. These two conventions form the subject matter of the 1998 Declaration of Fundamental Principles and Rights at Work.
In Lebanon, trade union activity is recognized according to three categories: the trade union, the trade union federation, and the General Confederation of Lebanese Workers (CGTL). The freedom to establish a trade union and the exercise of its activities are characterized by the interference of the Ministry of Labour. In addition, the union's statutes and the list of leaders must be given to the Ministry of Labour, which exercises strict control over its establishment and plays a primary role in the event of its dissolution.
Another problem is the lack of financial transparency within the CGTL, which does not depend on its members' contributions but on the government.
Lebanese trade unions are vulnerable and often politicized. Structural reform of trade union representation is a must. There is a need to exert pressure in an independent and democratic manner. There is also an urgent need to look towards a new structure capable of defending workers' interests and responding to the economic and social needs of this class.
La liberté syndicale au Liban a la lumière à norms de l’OIT
La liberté syndicale, un droit humain reconnu, a une valeur fondamentale consacrée par le statut de l’organisation internationale du travail (OIT), depuis 1919. Cette liberté fait l’objet d’une protection internationale, d’après l’OIT, par la convention 87 sur la liberté syndicale et la protection du droit syndical de 1948 (non ratifiée); et la convention 98 sur le droit d’organisation et de négociation collective de 1949. Ces deux conventions constituent la matière de la Déclaration des principes et des droits fondamentaux du travail en 1998.
Au Liban, l’activité syndicale est reconnue selon trois catégories: le syndicat, la fédération syndicale, et la confédération générale des travailleurs libanais (CGTL). La liberté de créer un syndicat et l’exercice de ses activités sont caractérisés par l’ingérence du ministère du travail. En plus, les statuts du syndicat et la liste des dirigeants doivent être déposés au ministère du travail qui exerce un contrôle strict sur sa création et joue un rôle primordial en cas de dissolution .
Autre problème se pose sur le manque de transparence financière de la CGTL qui ne dépend pas des cotisations de ses membres mais du gouvernement.
Les syndicats libanais sont vulnérables et souvent politisés. Une réforme structurelle de la représentation syndicale est nécessaire. On a besoin d’un mouvement de pression, indépendant et démocratique. C’est un regard vers une nouvelle structure capable de défendre les intérêts des travailleurs et répondre aux besoins économiques et sociaux de cette classe.