تغذية

مَن منا لم يستيقظ يومًا على رائحة الكشك والبيض بقاورما ومكدوس الباذنجان في بيت أجداده؟ هذه الترويقة التقليدية تشتهر بها غالبية العائلات اللبنانية التي اعتادت تحضير «المونة». وفي الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان يبدو الاعتماد على بعض أصناف المؤونة الأساسية ضرورة. قد يكون الكشك بديلًا جيدًا للأجبان بالنسبة للبعض، والقاورما قد تُغني عن اللحوم في الكثير من الأطباق، كما أنّ الحبوب تشكّل مصدرًا جيدًا للبروتيين. مع ذلك ليس الأمر متاحًا للجميع، فالأسعار نار...وبالتالي، ليس من السهل تحضير المؤونة إلا إذا كانت المكونات الأساسية متوافرة في حقولنا.

ففي ظل الغلاء غير المسبوق وتردّي الإمكانات المادية وانتشار فيروس كورونا، عاد كثيرون إلى قراهم للاعتناء بأرضهم والاستفادة من خيراتها. هؤلاء أُتيح لهم أكثر من سواهم تحضير أصناف مختلفة من المؤن التي تساعد العائلة في تأمين حاجاتها الغذائية ومواجهة الغلاء. لكن ما هي القيمة الغذائية لأصناف المؤونة الأساسية؟

الحبوب والمربيات والقاورما

توضح اختصاصية التغذية إلهام الدرزي أنّه يمكن الحصول على البروتينيات عبر مزج الحبوب مع البقول أو المكسرات، ما يوفر للجسم الأحماض الأمينية التي يحتاجها. لكن المشكلة تكمن في أنّ امتصاص الجسم للحديد الموجود في الحبوب مثلًا هو محدود. فامتصاص الحديد من المصادر الحيوانية أسهل. المصدر الأساسي للحديد الذي يمتصه الدم هو اللحوم والخضار والفواكه الطازجة. أما في البيض والألبان والأجبان، فنجد نسبة ضئيلة من الحديد الذي لا يمتصه الدم، وإنما يتحول إلى تغذية الشعر والأظافر. وتشير الدرزي إلى أنّ أصناف المؤونة لا تؤمّن حاجة الجسم من الفيتامينات، ما يحتم الحصول عليها من الخضار والفواكه، سواء في الكبيس أم في المربيات، فقد تفقد حوالى 90% من «الفيتامين سي» بعد الطبخ، لكنّها تعدّ مصدرًا للمواد المضادة للأكسدة وحماية الشرايين.

ماذا عن القاورما كبديل للحوم؟ توضح الدرزي أنّ القاورما يمكن أن تكون إلى حد ما بديلًا للحوم، لكن الطريقة الأصح لتحضيرها بشكلٍ مغذٍّ وصحي تقضي بأن لا تزيد نسبة الدهون فيها عن الثلث والباقي من اللحمة. إضافة إلى ذلك، ينبغي التنبه إلى كمية الملح الذي تحتويه القاورما، وهو ضروري ليتم حفظها خارج البراد وحمايتها من الأكسدة والبكتيريا.

الكشك والمكدوس: قيمة غذائية عالية

وفق الدرزي يُعتبر الكشك من المأكولات الأساسية على السفرة اللبنانية أو في المؤونة البيتية، وهو ذو قيمة غذائية عالية لاحتوائه على بروتينيات القمح واللبن، ما يساعد على نمو العضل بشكل خاص ونمو الجسم بشكل عام. كما أنّه غني بالنشويات الضرورية والكالسيوم. وتختلف أنواعه باختلاف أنواع البرغل المستعمل سواء كان ناعمًا أم خشنًا، أو مصدر الحليب (الماعز، البقر أو الغنم).

في ما خص الباذنجان المكدوس، فهو يساعد على تخفيض نسبة الكوليسترول وتعزيز صحة القلب والشرايين لاحتوائه على مضادات الأكسدة، وهو غني بالألياف، ويعزز وظائف الدماغ الأساسية. وبالتالي، يساعد على الحماية من الأمراض السرطانية. كما أنّ زيت الزيتون مهم للقلب والشرايين والكوليسترول الجيد، ومصدر كبير للطاقة ويساعد على خفض ضغط الدم وتسهيل عملية الهضم. وتشير الدرزي إلى أنّ حشوة الباذنجان المكونة من الثوم والمكسرات والفليفلة غنية بالفيتامينات وضرورية للجسم، لكن يجب تناول المكدوس بشكل معتدل كي لا نقع في فخ الدهون والسعرات الحرارية.

المقانق المقددة غنية بالحديد

إلى جانب الأصناف الأساسية، بدأ البعض الاعتماد على نوع جديد من المؤونة كمخزونٍ إضافي في أيام الغلاء والبرد، كاللحمة المقدّدة أو المقانق المقدّدة، التي تحتوي على نسبة عالية من الحديد، ويمكن حفظها خارج البراد أيضًا.

من الموجود...

العم سعداللـه حزين هذه السنة، فهو الذي اعتاد توزيع مكدوس الباذنجان على جيرانه لم يستطع أن يخزّن سوى كمية متواضعة لمؤونته الشتوية. فكِيلو الجوز بـ50 ألف هالسنة، وزيت الزيتون غالي كتير. اضطر إلى خلط الزيت النباتي وزيت الزيتون، ليوفر في كلفة المكدوس. المؤونة أساسية بالنسبة له «البيت اللي ما فيه خزانة للمونة هو بيت فقير، خصوصًا في فصل الشتاء».

أمّا سعاد التي كانت تعتمد على بيع مربى التين والمشمش والكرز وشراب الرمان والتين المطبوخ كمصدر رزق لها، فقد وجدت نفسها عاجزة عن تحضير هذه الأصناف بسبب الغلاء. لكنّها حضرت شراب البندورة وأنواعًا مختلفة من الكبيس معتمدة على ما زرعه زوجها من البندورة والخيار واللفت والقثاء.

أم أسعد استفادت من تخفيض وزارة الاقتصاد لأسعار اللحوم، فحضّرت كمية مضاعفة من القاورما، تقول: سنعتمد على القاورما في المحاشي وأطباق أخرى، إذ على ما يبدو سترتفع أسعار اللحمة مجدّدًا.

في النهاية، الظروف صعبة جدًا، ولا بد من التكيّف معها بما توافر من إمكانات...