الجيش والمجتمع

«قلبو عالكل»!
إعداد: ندين البلعة خيرالله

حلّت الأعياد في أصعب الظروف والأزمات، لكن من وسط الظلام أطلت شعلة أمل أضاءت ليالي أكثر من ٧٠ قرية حدودية على امتداد ٣٥١ كلم! هذه السنة وجد الصائمون إنارة في الكنائس والجوامع التي يقصدونها للصلاة، وتمكّن أهالي القرى من التجمّع والاحتفال في الساحات ليلًا من دون خوف... ففي المشهد المظلم، ثمة من يحمل همّ المواطنين ويُدرجها ضمن خطوط جهده وعلى لائحة أولوياته... إنه جيشنا الذي يثبت كل يوم أنّه أقوى من الصعوبات، وذلك لأن «قلبو عالكل»!

 

«قلبو عالكل» ليس بالكلام بل بالفعل الواضح والخطوات العملية. وها هو يمدد مفاعيل أي مشروع مُخصّص لدعم المؤسسة العسكرية ليشمل أهله ومجتمعه، وهذه المرة جاءت الخطوة مبنية على دراسات واستطلاعات رأي خاصة بالمناطق الحدودية، قام بها الفريق الاستشاري البريطاني. 

يشرح العقيد الركن الياس عاد، مدير التخطيط للتواصل الاستراتيجي في الجيش اللبناني، أنّ هذا الاستطلاع يشمل الكثير من الأسئلة وخصوصًا تلك المتمحورة حول مدى شعور الأهالي بالأمان خلال النهار والليل، وخوفهم من الأوضاع والتهريب والأحداث الحاصلة على الحدود، وكيف يتأقلمون مع الأزمات، وكيف يعالجون مشاكلهم الأمنية، وإلى من يلجأون، ورأيهم بدور الجيش وأدائه... تُجرى هذه الدراسة منذ سنوات، وفي كل مرة كانت المؤسسة العسكرية تترجم التوصيات الصادرة عنها تدابير أمنية مُعزَّزة، ولكنّها تطوّرت لتتم الاستفادة أكثر من نتائجها وتحليلاتها. 

 

نثق بجيشنا

اللافت في استطلاع هذه السنة هو نجاح المؤسسة العسكرية في الحفاظ على ثقة الشعب على الرغم من الأزمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، والنظر إليها على أنّها أكثر الجهات الأمنية موثوقية عند الحاجة إلى مساعدة. كذلك يبيّن الاستطلاع أنّ اللبنانيين يرون الجيش قوة قتالية محترفة (٦٨٪) قادرة على الدفاع عن لبنان في حال الصراعات العسكرية (٦٧٪)، وهو يدعم المواطنين (٧٥٪). ويتفق غالبية المُستطلعين على أنّ أفواج الحدود البرية قامت بعملٍ جيد في مجال مكافحة التهريب (٦٤٪)، والجرائم (٦٢٪) والعنف السياسي أو الطائفي (٦٤٪). إضافة إلى ذلك، ينظر ٨٠٪ إلى الجيش على أنّه «جهة فاعلة»، و٨٦٪ منهم يوافقون على أنّه «جهة موثوقة»، و٨٣٪ وافقوا على أنّه «أهل للمسؤولية» قادر على الدفاع عن المناطق الحدودية وتأمين بيئة مسالمة وآمنة. 

في المقابل، أظهرت أرقام الاستطلاع هذا العام تراجعًا في شعور الأهالي بالأمان، فهم يشكون من ازدياد الجرائم والسرقات، ويلجأون لعائلاتهم وعشائرهم لحل مشاكلهم نظرًا إلى التراجع الذي أظهرته الدراسة نفسها من ناحية ثقتهم بدولتهم. وقد قامت هيئة تنسيق عمليات المعلومات بتحليل هذه المعطيات، وكانت إحدى أبرز النتائج اللافتة هي الشعور بعدم الأمان ليلًا (٨٢٪) أكثر منه نهارًا (١٤٪) نظرًا لانقطاع الكهرباء وعدم توافر الإنارة. وبالتالي كان من الضروري التفكير بنشاطات تفيد المناطق المُستهدفة وتعزّز الثقة بالجيش، وخصوصًا بالوحدات المنتشرة في هذه القرى.

 

مشروع حيوي

تقوم هيئة تنسيق عمليات المعلومات (التي تضم ممثلين عن مختلف أجهزة القيادة) بتوجيه وتنسيق الجهود والنشاطات في مجال المعلومات بين أركان الجيش وأجهزته ووحداته لتكون متوائمة، إضافة إلى تقييم هذه النشاطات وأثرها، وإجراء التعديلات اللازمة بشكلٍ يخدم الغاية النهائية التي تحددها قيادة الجيش. وانطلاقًا من كون «الجيش مؤسسة وطنية جامعة، ومتماسكة، وشفافة وموضع ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي». اجتمعت الهيئة مع ممثلين عن أفواج الحدود البرية الأربعة المنتشرة في المناطق المُستهدَفة، وخلُصَت إلى ضرورة إيلاء موضوع إنارة القرى أهمية قصوى. لكن من أين التمويل؟ عندما توجد الإرادة تهون الصعوبات، وهكذا وجد الحل من ضمن برنامج الحكومة البريطانية لدعم أفواج الحدود، إذ تم تخصيص مبلغ لتمويل مشروع إنارة على الطاقة الشمسية يشمل الساحات العامة ودور العبادة، بهدف دعم التفاعل بين عسكريي هذه الأفواج والمواطنين من جهة، وتعزيز الأمن من خلال إنارة الحواجز العسكرية في هذه المناطق من جهة أخرى.

قامت أفواج الحدود بدراسة الحاجة لإفادة المناطق الممتدة من العريضة شمالًا، مرورًا بمختلف القرى الحدودية، وصولًا إلى البقاع الغربي حتى دير العشائر، وتم تركيب كل أنظمة الإنارة في مشروع هو الأول من نوعه، وذلك في غضون ٢٠ يومًا فقط (من ١٠ وحتى ٣١ آذار ٢٠٢٣). وسيستمر العمل في مراحل لاحقة على تأمين المزيد من المشاريع لمختلف المناطق النائية بالتنسيق مع الدول الداعمة، وذلك انطلاقًا من جهود المؤسسة العسكرية في مجال تحسين ظروف الحياة اليومية للمواطنين والعسكريين ضمنًا، وتعزيز التعاون العسكري-المدني من خلال تنفيذ نشاطات تنموية في المناطق اللبنانية كافة بالتعاون والتنسيق مع البيئة المدنية، خدمةً لها وتلبيةً لحاجاتها وخصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة.

كل هذه الجهود تؤول إلى تعزيز علاقة الثقة بين المواطنين وجيشهم، وتبذلها المؤسسة من خلال مديرية التعاون العسكري-المدني ومشاريعها المخصصة لهذا الهدف، ومن خلال تعميم ثقافة هذا التعاون على العسكريين في مختلف الوحدات المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، فيطبّقونها في مهماتهم الأمنية والإنمائية بين أهلهم، خدمة لهذه الغاية المرجوة.