مناسبة

«كلّية أبي»
إعداد: ندين البلعة خيرالله

يوم تكريمي لأبناء الضباط الشهداء في الكلّية الحربية

هنا، في عرين الأسود، مدرسة الشرف والتضحية والوفاء، أمضى الضباط الشهداء ثلاث سنوات من حياتهم العسكرية يتدرّبون ويكتسبون المهارات التي خرّجتهم قادة وزرعتهم أبطالاً على درب الشهادة دفاعًا عن لبنان. هنا الكلّية الحربية، التي قرّرت تنظيم يوم تكريمي لأبناء الضباط الشهداء تحت عنوان «كلّية أبي».

 

نعم إنها كلّية آبائهم
نعم، إنها كلّية آبائهم. دخلوا من بوّابتها رافعين الرؤوس، النقيب جوزف سلّوم استقبلهم، ورافقهم إلى ساحة الشرف لتكريم العلم. وقفوا بصمت واحترام أثناء عزف النشيد الوطني اللبناني، تأهّبوا مع العسكريين وهم يصغون إلى معزوفة الشهداء، ورافقت عيونهم انتظام الخطوات وشموخ الهامات في عرض النظام المرصوص. بعدها، تناولوا الفطور مع قائد الكلّية العميد الركن فادي غريّب وضباطها، ثم جالوا في الأرجاء التي أمضى آباؤهم ثلاث سنوات فيها: هنا سرير والدي وغرفته، في هذه القاعة كان يأكل، وفي هذه الساحة كان يتدرّب. في هذا الملعب كان يمارس الرياضة، وهنا نفّذ «بزّة ميدان»...
جال الأولاد في كل هذه الأماكن بتأثّر واضح. من هنا تخرّج أبي وحمل راية البطولة وضحّى بحياته لتبقى الحربية تخرّج الأبطال أبدًا وليبقى الجيش والوطن، يقول أحدهم.
المحطّة التالية كانت في متحف الكلّية الذي يختصر تاريخها وأهمّ محطّات مسيرتها، بعدها تابعوا التدريبات المقرّرة للتلامذة الضباط في السنة الثانية، وتناولوا معهم الغداء. في هؤلاء التلامذة رأى كل من الأولاد صورة والده، وبدورهم استمدّ التلامذة الضباط قوة معنوية من جراح ضيوفهم. قوّة تشكّل زادًا يعينهم على أن يبقوا دائمًا أوفياء لدماء الشهداء، وأن يلبّوا النداء متى دعاهم الواجب، مهما قست الظروف وصعُبَت المواقف، متماهين بالأبطال الذين سبقوهم.

 

زهور الشهادة
في ختام هذا اليوم، التقى الضيوف في القاعة الوسطى ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي، العميد الركن الياس ساسين، الذي وجّه إليهم كلمة القيادة قائلاً:
بمشاعر مفعمة بالفخر والاعتزاز والذكريات الغالية، نستقبلكم أيها الأحبّة، أبناء الضباط الشهداء، هنا في الكلّية الحربية، حيث القاعات والملاعب والساحات، التي كانت في أيامٍ خلَت، تضجّ بنشاط آبائكم وآمالهم وطموحاتهم، وأصواتهم التي تهتف عاليًا باسم الجيش ولبنان. هنا، حيث بذلوا التعب والعرق والجهد، وأقسموا بأن يقوموا بالواجب كاملاً دفاعًا عن هذا الوطن، فكانوا عند قسمهم، أبطالاً في ساحات الوغى، ثم شهداء أبرارًا، تنحني لهم الهامات إجلالاً وإكرامًا. أهلاً وسهلاً بكم في الكلّية الحربية.
أيها الأعزاء، إن المؤسسة العسكرية وبقدر ما تحرص على تكريم شهدائها وتخليد ذكراهم، واستعادة مآثرهم وبطولاتهم في كلّ لقاء أو مناسبة، خصوصًا في مناسبة عيد الجيش، تحرص على احتضان عائلاتهم وتكريمها، والوقوف إلى جانبها في مواجهة أعباء الحياة، وذلك ليس بداعي صلة القرابة فحسب، بل أيضًا لأنّ أفراد هذه العائلات، أبًا وأمًا، أخًا وأختًا، زوجةً وأبناء، هم في ضمير الجيش شركاء في التضحية والعطاء في سبيل الوطن.
وأنتم بالتحديد أيها الأبناء الأعزاء، أشبه بزهور شجرة الشهادة، والتي ستكتمل وتثمر لا محالة، لأنها من هذه الشجرة، بجذورها الراسخة في الأرض وأغصانها الشامخة نحو السماء.
على الرغم من جسامة الجراح، أرى في عيونكم بشائر الأمل، التي لا بدّ أن تترجم في الغد القريب، سنابل خير في بيادر الوطن، والمؤسسة العسكرية تشجّع كل واحدٍ منكم على الانخراط في صفوفها، ولا شكّ في أنّ كثيرين من بينكم، تشدّهم الرغبة لاقتفاء مسيرة الآباء الأبطال.
ختامًا، باسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، أحيّيكم وأشكركم على حضوركم، وأعاهدكم بأن يبقى الجيش عائلتكم الكبرى، عائلة الشرف والتضحية والوفاء.
بعدها سلّم العميد الركن ساسين الدروع التذكارية للأولاد عربون وفاء وتقدير، شاكرًا إياهم على مشاركتهم ولافتًا إلى أنّ هذا اليوم سيصبح تقليدًا سنويًا، على أمل اللقاء في العام المقبل من دون أن يزداد عددهم.