- En
- Fr
- عربي
العلاقات الحائرة بين تركيا والاتحاد الاوروبي
المقدمـة
دخلت مفاوضات الانضمام الرسمية بين تركيا والاتحاد الأوروبي[1] مرحلة مجهولة منذ خريف 2005 حتى اليوم، ومن المرشح أن تستمر تلك المفاوضات لعقود أو أن تتوقف، خاصة وأن كل دولة من الاتحاد يتبدّل موقفها من تلك القضية مع تبدل السلطة فيها، كما أن تركيا بالمقابل غير حاسمة أمرها نهائيًا من ملف الانضمام خاصة مع التباين في المواقف لديها بين الحكومة والمؤسسة العسكرية.
تبدو العلاقات بين تركيا وأوروبا حاليًا تقترب من منعطف جديد، خاصة وأن الأولى تعتمد على سياسة عدم المواجهة مع مختلف الدول العربية، الآسيوية والأفريقية والدخول في استراتيجيات مزدوجة مع روسيا وإيران والصين، مما زاد من أهميتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية، الأمر الذي حيّر الأوروبيين في طريقة التعامل معها، فهم لا يريدون عضويتها الكاملة في الاتحاد بل شراكة مميزة معها على عكس ما تسعى اليه تركيا.
تقدمت الجمهورية التركية بطلب رسمي للانضمام إلى الجماعة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) في 14 نيسان 1987. وقّعت معه اتفاقية اتحاد جمركي في 31 كانون الأول 1995. في 12 كانون الأول 1999(قمة هلسنكي)، اعْتُرِفَ بتركيا رسميًا كمرشح للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي وبدأت المفاوضات الرسمية بين الفريقين من أجل الانضمام في 3 تشرين الأول 2005.
وعلى الرغم من مرور تسعة عقود تقريبًا على تأسيس تركيا الحديثة والإصلاحات التي نفذت، خصوصًا مع حزب العدالة والتنمية ابتداءً من العام 2002، في مجالات حقوق الانسان والاقلية الكردية؛ قضية الأرمن؛ قضية قبرص؛ العلاقة مع اليونان؛ دور الدين في الدولة؛ الحد من سلطة المؤسسة العسكرية من التدخل في مؤسسات المجتع المدني؛ فإن مقومات تركيا السياسية، الاجتماعية والاقتصادية لا تزال تختلف بشكل بارز عن نظيراتها الدول الاوروبية وبالاخص التي تعدّ دولاً أساسية في الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة.
يستقطب العالم الأوروبي اليوم، الأنظار إليه، بخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيات (1991) وانتهاء الحرب الباردة، إذ اعتبره البعض بأنه سيحقق التوازن الدولي في وجه الولايات المتحدة الاميركية غير أن مراقبين دوليين وخبراء، يجمعون على أن القطب المهيأ للعب هذا الدور، قد يكون الصين أو اليابان.
اتخذ معظم الاتراك قرارًا استراتيجيًا وهو التحاقهم بالاتحاد الأوروبي، مركّزين على أهمية موقعهم الجيوسياسي، معتبرين أن التحاقهم هذا ينطوي على مصالح أساسية واستراتيجية للطرفين، في حين أن الاتحاد الأوروبي يفرّق بين المصالح نفسها ومواقف أعضائه متباينة حول ما ستكون أوروبا عليه مع تركيا أو من دونها. إن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي أكبر وأوسع من المصالح الأمنية والاقتصادية المتبادلة، وترتبط بالتعامل والتقابل بين نظرتين للعالم وهويتيَن مختلفتَين أي أن العامل الديني يمثل عائقًا جديًّا وحقيقيًا أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
تحاول هذه الدراسة استعراض مسيرة تركيا الحثيثة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خلال الفترة 1959-2011 ورصد المواقف المتبادلة بين الطرفين، فضلاً عن محاولة استشراف التوقعات المحتملة لتأثير انضمام تركيا أو عدم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
1- لماذا تريد تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
تريد تركيا الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي لعدة دوافع أهمها:
أ- الدافع الجغرافي والتاريخي
إن أكثرية النخب التركية، من سياسية وتجارية وثقافية، تنظر إلى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في سياق يتجاوز اعتبارات السياسة الخارجية، لأنها تعتقد بأن مستقبل بلادها ومصالحها الاستراتيجية ستعتمد بصورة كبيرة على قوة هذه العلاقات ومتانتها، وبالتالي تريد الحصول على الاعتراف بأن تركيا هي دولة أوروبية. لذلك فهي اعتمدت على الجغرافيا الطبيعية، وإن كان 3٪ فقط من مساحتها (779452 كلم2) تقع في الجزء الأوروبي، إلا أنها اعتبرت باقي المساحة امتدادًا طبيعيًا لأوروبا. كما أن تركيا نفسها اعتبرت الجزء الأوروبي منها هو الأهم. أما تركيا ككل، فهي جسر بين الشرق والغرب.
وفيما يتعلّق بالجغرافيا الثقافية، فإن مصطفى كمال، أراد إضفاء معايير الحضارة الغربية المعاصرة على تركيا. وقد تعذّر على الأتراك تصور أوروبا دون تركيا، وأدرجوا مشاكلهم مع الاتحاد الأوروبي ضمن المشاكل الداخلية لا الخارجية. هذا الشعور ولّد قناعة لدى النخب التركية المختلفة بأن مستقبل تركيا إنما يرتبط بأوروبا، وبالتالي فلا بديل عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي[2].
ب- الدوافع السياسية
تنقسم الدوافع السياسية التي تقف وراء رغبة تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى قسمين: داخلية وخارجية. فالداخلية تتمثل في توافق معظم التيارات السياسية التركية، من علمانيين وإسلاميين وليبراليين ويمين ويسار والنخب التجارية والثقافية الأقليات، على تأييد انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب نقمتهم على السياسة الداخلية التي يتّبعها العسكر. السلطة الكبيرة التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية التركية سوف تتطلب وقتًا طويلاً ليتم تغييرها بنظر هؤلاء. لذا، فإن انضمام تركيا إلى الاتحاد سوف يساعد على إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة، ونشر الديومقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وتقليص سلطة العسكر وسيطرته على المقاليد السياسية في تركيا، كما سيتيح الأقليات والحركات والأحزاب السياسية التعبير عن الرأي وممارسة الحياة السياسية والثقافية بشكل أفضل.
أما الدوافع السياسية الخارجية فيتمثل أبرزها في التنافس مع اليونان، خاصة وأن هذه الأخيرة توظف وضعها كعضو في الاتحاد الأوروبي لإبقاء تركيا مفصولة عن أوروبا. كما أن الولايات المتحدة الأميركية شجّعت تركيا على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وذلك من أجل ضمانتها في الحلف الغربي في مواجهة أعدائها. غير أن تركيا بالمقابل لا تريد الاتكال على الولايات المتحدة في كل شيء لكي لا تصبح هذه الأخيرة مسيطرة عليها، لذا فضلّت الانضمام إلى الأوروبيين لكي يدافعوا عنها في حال الخلاف مع الولايات المتحدة الأميركية.
ت- الدوافع الاقتصادية
يمثّل الاتحاد الأوروبي سوق التصدير الرئيسة لمجمل المنتجات الزراعية والصناعية التركية. كما أن التزود المستمر بالسلع الرأسمالية من الاتحاد، والتي تعتبر سلعًا ضرورية للتنمية والتحديث الاقتصادي في تركيا، يشكل مطلبًا أساسيًا لسياسة تركيا التجارية. وتشكّل أوروبا منفذًا مهمًا للعمال الأتراك، وإن ارتفعت أحياناً معدّلات البطالة فيها، غير أن الأمر، يبقى من حيث المبدأ، أداة من أدوات رفع الضغط عن سوق العمل في تركيا نفسها التي تعاني أعباء البطالة. يمكن لهجرة قوة العمل التركية أن تضمن أيضًا قدرًا معينًا من تدفق العملة الأجنبية عبر تحويلات العمال. كما أن تركيا تهدف من انضمامها إلى الجماعة الأوروبية أن تتدفق إليها الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الشركات الأوروبية؛ فمن شأن ذلك أن يعوض تدني الادخار وأن يساعد على حيازة خبرات وتكنولوجيا جديدة تحتاج إليها تركيا لمتابعة التحديث المستمر لاقتصادها.
ث- الدوافع الأمنية
شكّل الهاجس الأمني السبب الرئيسي الذي دفع تركيا بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلى الاندماج في نظام الأمن الغربي (الأوروبي-الأميركي) عبر قبول العرض الذي وفّره لها مبدأ ترومان عام 1947، والخاص بالتزامات الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط[3]. وبعد تطور العداء بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، اندمجت تركيا بالنظام الأمني والاقتصادي الغربي عبر دخولها مجموعة من أحلافها، منها: صندوق النقد الدولي، اتفاقية الغات (GATT) وحلف شمال الأطلسي. كلّها اعتبرت أساسية لتطور البلاد سياسيًا واقتصادياً. وخلال الاستياء التركي من الولايات المتحدة خاصة في قضية قبرص سنة 1974 وبعدها (1975-1979)، شعرت الأولى مدى حاجتها إلى التقرب من أوروبا الغربية على الرغم من الخلاف معها لأن الولايات المتحدة حظّرت توريد الأسلحة إليها[4].
أدركت تركيا من خلال مشاركتها في حلف شمال الأطلسي، أنها عنصر مهم لأوروبا أكثر مما هي بالنسبة للولايات المتحدة، فباتت تطمع في الحصول على مساعدات أوروبية على الصعيد العسكري تعوّض المساعدات الأميركية المقلّصة لها. لكن وبعد انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات، أهملها الجانب الأوروبي لانشغاله بتطوير نوع جديد من السياسة الأمنية والدفاعية في إطار الوحدة الأوروبية. لكن تركيا حرصت على إبقاء أمنها القومي شديد الارتباط والاعتماد على الأمن الأوروبي في أطره الدفاعية والأمنية ما يدفعها إلى تمتين روابطها مع الأوروبيين[5].
2- الإنقسام الأوروبي حيال ملف تركيا وأبعاده
انقسم أعضاء الاتحاد الأوروبي حيال ملف تركيا بين مؤيد لانضمامها ومعارض. وكان لكل فريق براهينه.
فمعارضو الانضمام، يسندون حجتهم الأولى إلى الجغرافيا، إذ أن 97٪ من تركيا يقع في آسيا الصغرى وكذلك العاصمة. كما إن تاريخ الأتراك مغاير لتاريخ الأوروبيين، ولطالما شكّل العثمانيون تهديدًا لأوروبا باحتلالهم أجزاءً منها. وبحسب مناهضي انضمام تركيا، فإن الهوية التاريخية لأوروبا لا تفصل عن النموذج الثقافي السياسي الذي صيغ خلال خمسة عشر قرنًا من المسيحية، فتركيا غريبة عن كل التجارب الكبرى التي بَنَت أوروبا كحضارة، من الارتداد إلى المسيحية وإبداعات القرون الوسطى، النهضة والإصلاح، عصر التنوير والرومنطيقية. كما أنها لم تقم إلاّ بتقليد الحياة السياسية التي ولدت في القرن التاسع عشر مع قرن من التأخير عن أوروبا مثل الدولة، القوة البرلمانية والديمقراطية الليبرالية[6]. رفض هذا الفريق أيضاً أن يكون أكبر بلد إسلامي كتركيا في الاتحاد الأوروبي وهو الأقل أوروبياً والذي يُعدّ كحصان طروادة إسلامي داخل أوروبا، هدفه قلب القيم الغربية والتغلغل في الاتحاد الأوروبي لهدم تجربته[7]، كون الثقافة الإسلامية لا تتوافق والقيم الأوروبية، بالتالي الخوف من اجتياح 70 مليون مسلم بلدان الاتحاد الأوروبي، ما يسّرع ويرفع من وتيرة صراع الحضارات ويغيّر الهوية الأوروبية، ويزعزع الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في أوروبا، مما يسهّل السيطرة التركية على المؤسسات الأوروبية، فتنال تركيا أكبر عدد من النواب في البرلمان الأوروبي الذي يقوم على نسبة عدد السكان في كل بلد، وسيتأثر بهذا الوضع عمل الأكثرية الموصوفة في المجلس الأوروبي الذي يأخذ بالاعتبار المعطيات الديموغرافية، ما يؤكد أن تركيا ستصبح عضوًا يكون له ثقل ألمانيا التي هي أكثر سكانًا في الاتحاد وستحصل مثلها على 96 مقعداً بين سنتي 2025و2050 مقابل 84 لفرنسا من أصل 750 مقعدًا. بالإضافة إلى كل تلك الأسباب، إن تركيا، بنظر هذا الفريق، لا تحترم القانون، والديموقراطية وحقوق الأقليات ولديها مشاكل مستعصية مع بعض الدول الأوروبية وبخاصة اليونان حول المسألة القبرصية. من الممكن أيضًا في نظر هذا الفريق، أن تكون تركيا حصان طروادة أميركيًا لأنها تمثّل مصالح الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى منع بروز أوروبا كقوة عظمى لذلك تصرّ الولايات المتحدة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لشل مؤسساته[8].
يعتمد مناصرو انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على عدّة براهين، منها الجغرافيا الثقافية والاقتصادية التي لا تمنع الاندماج كون تركيا منتمية إلى حلف شمال الأطلسي وإلى المجلس الأوروبي. بالنسبة إلى الجغرافيا الطبيعية، فإنه من الصعب تحديد حدود أوروبا من جهة الشرق حيث لا خطوط تماس واضحة بينها وبين آسيا. استند هذا الفريق أيضًا على أراضٍ فرنسية ما وراء البحار، وممتلكاتٍ بريطانية في المالويين أما جزيرة القديسة هيلينة فهي أكثر بعدًا عن بروكسل أو ستراسبورغ من أنقرة. فلماذا تعتبر تركيا في آسيا في حين أن قبرص التي دخلت الاتحاد، والواقعة شرق أنقرة، تعتبر أوروبية؟
ويستند هذا الفريق أيضًا إلى أن تركيا هي الدولة الوحيدة البعيدة عن الشريعة القرآنية في العالم الإسلامي إذ ألغت من الدستور الخلافة والمحاكم الدينية والإسلام كدين للدولة، وأدرجت في المقابل علمانية الدولة التي لا خوف عليها لأنها بحماية العسكر، وبذلك جعلت الإسلام يتصالح مع الديمقراطية[9]، وأسقطت فرضية صراع الحضارات[10]. وتبرهن تركيا، إذا دخلت الاتحاد، بأنه ليس بنادٍ مسيحي، غير أنها تصبح هدفًا للأصوليين الذين يرون فيها بلدًا يمارس إسلامًا «رخوًا»[11]. لذا يمكن لتركيا أن تبدو حليفًا نافعًا جدًا للاتحاد الأوروبي في مكافحته للإرهاب، وباستطاعتها أن تنقل القيم الأوروبية إلى البلدان المجاورة وكأنها حصان طروادة للغرب، إذ تبرهن للإسلام الراديكالي بأنها بلد مسلم في دولة علمانية، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي وتقيم علاقات استراتيجية مع إسرائيل، وإن حكومتها الإسلامية عازمة على أن تبرهن أن الإسلام يتوافق والديمقراطية، كل ذلك سيكون بالنسبة للإسلام الراديكالي هزيمة نكراء، وبالتالي على العالم الغربي، وأوروبا بصورة خاصة، أن يبذلا جهدًا في الدفاع عن تركيا ضد العنف الإسلامي. ومقولة أن تركيا هي حصان طروادة أميركي خطأ، لأن تركيا عارضت الولايات المتحدة خلال الحرب الأخيرة على العراق سنة 2002، ورفضت نقل الجنود الأميركيين عبر أراضيها لفتح جبهة ثانية في شمال العراق، على الرغم من مساعدة مادية مهمة وعدهم بها الأميركيون، في حين أن بعض دول الاتحاد الأوروبي شاركت في الاتحاد العسكري بقيادة الأميركيين. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي فعلاً تحقيق الاستقلالية الكاملة عن هيمنة الولايات المتحدة الاميركية وتأثيرها فإن ذلك لن يتم إلاّ بضم تركيا إليه، ذات الجيش القوي والموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي المهم. هذا فضلاً عن أن تركيا تشكّل سوقًا اقتصاديًا مهمًا للسلع الأوروبية، وتقدّم ملايين العمال الشباب، ويمكن أن تصبح تركيا الرباط الأساس بين الاتحاد الأوروبي ودول القوقاز وآسيا الوسطى[12] ودول الشرق الأوسط.
3- نبذة عن المحاولات التركية للانضمام إلى الجماعة الأوروبية بين 1959 و1987
أرادت تركيا الانضمام أولاً إلى الجماعة الأوروبية للفحم والصلب CECA منذ 1959، لكنها لاقت صعوبات جمة خصوصًا بعد الانقلاب العسكري الأول لديها في 27 أيار 1960، فتم انتهاك الديمقراطية وحقوق الإنسان بفعل العنف الذي استعمل. وقد كان سبب هذا الانقلاب ديكتاتورية الحكم الذي مارسه الحزب الديمقراطي بين عامي 1950 و1960 مما شجع عودة التوجه الإسلامي.
سيق المئات إلى السجون عبر محاكمات لم تكن نزيهة، تم التنكيل بالعشرات من السياسيين والمثقفين وصدرت جملة من أحكام الإعدام. بلغت ذروة انتهاك حقوق الإنسان في هذا الانقلاب، عند إعدام عدنان مندريس رئيس الحكومة التركية
(1950-1960) من خلال محاكمة وصفت بأنها «هزيلة»، ليساق بعدها إلى جزيرة «أمرالي» لينفذ فيه حكم الإعدام. والأكثر صدفة أن تكون الجزيرة نفسها المكان المعتقل فيه الآن «عبد الله أوجلان» زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية، منتظرًا حكم الإعدام الذي لم ينفذ بالطبع في حال أرادت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. على أثر الانقلاب، وُضع دستور جديد تم التأكيد فيه على أن تركيا دولة علمانية ديموقراطية. لم تعطِ أوروبا الغربية اهتمامًا كبيرًا للأحداث والفوضى في تركيا، على الرغم من أنها كانت تشكل خطرًا على ملفها لديها، إذ فضّلت التركيز على المصاعب الاقتصادية التي تمر بها تركيا لأنها تشكّل سوقًا واسعًا أمام الصادرات الأوروبية كما أنها فضّلت التركيز على التوسع السوفياتي المخيف والمتاخم لها عبر حلف وارسو.
عاودت تركيا من جديد تقديم طلب للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة (CEE) أو الجماعة الأوروبية الاقتصادية سنة 1960، فحصلت في 12 أيلول 1963 على صفة العضوية المشاركة بموجب اتفاقية أنقرة[13]، وألقى رئيس المفوضية «والتر هلستين»، خلال توقيع اتفاقية الشراكة، خطابًا جاء فيه «إن تركيا هي جزء من أوروبا. وفي يوم من الأيام ستصبح تركيا عضوًا فاعلاً في الأسرة وستحقق الخطوات الأخيرة يومًا فتصبح عضوًا كامل العضوية في المجموعة»[14]. ولهدف تهيئة تركيا لنيل العضوية الكاملة، تضمّنت اتفاقية أنقرة مراحل ثلاث: تحضيرية وانتقالية ونهائية، تبدأ في العام 1973 وتنتهي في العام 1995. لكن ذلك لم يحصل، إذ أن كل ما تمّ هو إبرام اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 6 آذار 1995 لإقامة اتحاد جمركي بينهما مع حلول الأول من كانون الثاني 1996، ونصّ الاتفاق على إلغاء الحواجز الجمركية وفتح حوار سياسي وتقديم قروض ومساعدات مالية لتركيا لتنفيذ المشاريع التنموية، شرط قيام تركيا بمزيد من الإصلاحات الدستورية خصوصًا في مجالي حقوق الإنسان وحماية الأقليات، وبخاصةٍ الأكراد والأرمن[15].
إن الإصرار التركي على طلب الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة ينطلق من أن مسألة الانضمام هي مسألة «حق» كونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي منذ العام 1952، وأن أسواقها الرئيسة تقع في أوروبا، كما أنها شكّلت سوقاً مفتوحاً على مصراعيه للواردات الأوروبية، مقابل فتح بعض البلدان الأوروبية أبوابها للعمالة التركية. وقد أشارت الحكومات التركية المتعاقبة إلى أن العضوية في «الاتحاد الأوروبي» هي طبيعية بسبب موقع بلادهم الجيوسياسي الفريد كحائط دفاعي لأمن أوروبا[16]. غير أن الأوروبيين فكّروا في طريقة مغايرة وهي أن تركيا كبيرة وفقيرة وبلد إسلامي، تقع معظم أراضيه (97٪) في آسيا. كما تعني عضويته بأن لدى الاتحاد حدودًا مشتركة مع العراق وسوريا.
شهدت تركيا خلال السبعينات تراجعًا اقتصاديا ملحوظاً بالرغم من تنامي التبادل التجاري مع بلدان أوروبا الغربية. بعد حرب تشرين التحريرية بين العرب وإسرائيل سنة 1973، ازدادت أسعار النفط بشكل كبير مما ترك آثارًا سلبية على الاقتصاد التركي، فازدادت البطالة، وتراجع احتياطي البلاد من العملات الصعبة، وتدهور معدل النمو الاقتصادي السنوي مقابل تضاعف عدد السكان[17].
أما على صعيد الحياة السياسية، فقد شهدت تركيا مشاكل طلاّبية ومواجهات مع السلطة بدءًا من سنة 1970، مما اضطر الجيش إلى التدخّل وتعيينه حكومة جديدة سنة 1972. ومع تدخّل تركيا عسكريًا في شمال قبرص سنة 1974، بدأت أعمال العنف تزداد داخل البلاد وبشكل مرعب، حتى وصل متوسط أعمال العنف السياسي، نتيجة للصراع الدموي بين اليسار واليمين القومي المتطرف منذ نهاية عام 1977 إلى ثلاثة قتلى يوميًا، هذا بالإضافة إلى الأحكام العرفية التي كانت مفروضة في 20 إقليمٍ من أقاليم البلاد.
ومع حكومة سليمان ديميرل (1979-1980)، ازدادت حدة الخلافات مع حزب الشعب الجمهوري الذي طالب بالتحالف مع دول العالم الثالث ومع الشيوعيين على عكس توجه الحكومة التي زادت من تحالفاتها مع الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية. عندها وقع الانقسام الشديد، وجرى انقلاب عسكري ثالث في الجمهورية الكمالية في 12 أيلول 1980 وعُيّن الجنرال كنعان ايفرين (Kenan Evren) رئيساً للجمهورية، والأميرال بولنت اولوسو (Bülent Ulusu) رئيساً للحكومة. وفور تسلّم الجيش الحكم، علّق العمل بالدستور، وأطلقت الأحكام العرفية، كما مُنعت ممارسة النشاطات السياسية وفُرضت الرقابة على الصحافة وسجن الكثيرون.
اختلفت ردود الفعل الدولية على هذا الانقلاب بين مؤيد ومعارض. فالولايات المتحدة الأميركية أيّدت الانقلاب العسكري، وحثّ الرئيس الأميركي رونالد ريغان الأتراك على انتهاج الديمقراطية، مما أثار مخاوف دول أوروبا الغربية التي شنّت حملة على تركيا ضد انتهاكات حقوق الإنسان وعسكرة السلطة السياسية التركية التعسفية.
في العام 1981، انضمت اليونان إلى الجماعة الأوروبية، لكن، هل إن هذا الانضمام كان نتيجة الانقلاب العسكري في تركيا؟ أم نتيجة طبيعية لمسار مفاوضات الانضمام؟ مهما يكن فإن انضمام اليونان إلى الجماعة الأوروبية أثّر على تركيا وزاد من صعوبة تحقيق هدفها.
وبعد ذلك، ضاعفت أوروبا الغربية إدانتها لتركيا، إذ طالبت في العام 1982، الجماعة الاقتصادية الأوروبية بإيقاف المعونات والمساعدات على أنواعها عن تركيا لحين التزامها باحترام حقوق الإنسان. دعا المجلس الأوروبي القادة الأتراك إلى أن يكون الدستور التركي المزمع صياغته وإقراره متفقاً مع الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، ووجّه تحذيراً للنظام التركي بالطرد من عضويته في حال عدم استجابته للمطالب الأوروبية الغربية في ميدان حقوق الإنسان وإضفاء الصبغة الديمقراطية على النظام الحاكم.
عمدت تركيا إلى رد فعل سريع اتسم بالحدة والعنف وتبلور في رفضها الإعتراف بقرار الإدانة الأوروبية واعتباره تدخلاً في صميم الحياة الوطنية التركية. وهددّت بالإنسحاب النهائي من المجلس الأوروبي بعد أن كانت قد سحبت برلمانيّيها. كما رفضت تركيا الدعوة الأوروبية الى تسليم الحكم لمدنيين.
وبهذا الإنقلاب، خرجت العلاقات التركية-الأوروبية من محورها الإقتصادي، لتظهر متشعبة في إتجاه أكثر من محور، مثل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. غير إن تركيا، وفي العام 1982، خطت خطوة كبيرة باتجاه تأليف حكومة مدنية، وأقرّت دستوراً جديداً بعد أن إستعانت بأساتذة الجامعات والخبراء القانونيين، وعيّن بموجبه الجنرال ايفرين، قائد الإنقلاب، رئيساً للجمهورية. وقد جرت انتخابات في العام 1983، فإز فيها حزب الوطن الأم الذي يتزعمه «تورغوت اوزال»، وكلّف بتشكيل حكومة استمرت حتى سنة 1991.
تقدّمت تركيا بأول طلب رسمي لانضمامها إلى الجماعة الأوروبية عام 1987، مرفقةً ذلك بحملة دعائية كبيرة لمصلحة الانضمام، ومصورةً لأوروبا مدى الأهمية التي تكتسبها في حال موافقتها على طلبها. ومما قاله رئيس الوزراء التركي آنذاك، «تورجوت اوزال»، عن هذا الموضوع ما يلي: «إن أوروبا تستفيد كثيرًا بقبول تركيا في السوق الأوروبية المشتركة، لأنها ستعطي طاقة حيوية جديدة لها عن طريق منحها فرصًا للاستثمارات في الطرق والموانئ ومحطات توليد الطاقة وغير ذلك... وعلينا أن نعمل كثيرًا ريثما نستطيع رفع تركيا إلى مصاف الدول الأوروبية المعاصرة وجعلها عضوًا قويًا ومساويًا في أوروبا وعضوًا كاملاً في المجموعة الاقتصادية الأوروبية...وإننا لا نستند في مطالبتنا أوروبا بضرورة قبولنا في الجماعة الأوروبية إلى وضعنا الجيوبوليتيكي، وإلى المخاطر التي تفرض علينا مواجهتها، وفي ذلك تضحيات جسام، ولكن هناك الحقيقة الثابتة المتعلقة بحيوية إقليمنا للدفاع الغربي، بخاصةٍ أن أحداث أفغانستان وأزمة النفط والثورة الإسلامية في إيران وحرب الخليج تبرز من جديد أهمية هذه المنطقة التي توجد فيها مصالح حيوية لأوروبا وتجاورها تركيا جغرافيًا»[18].
هذا وردّت المفوضية الأوروبية طلب تركيا في العام 1989، موضّحة أن تركيا «تعاني نقصًا في الديمقراطية بسبب دور العسكر المحوري في الحياة السياسية، وكذلك بسبب القيود القانونية التي تحد من حرية العمل السياسي، والقمع الثقافي الذي يعانيه الأكراد في شرق البلاد، فضلاً عن انتهاك حقوق الإنسان فيها»[19].
4- أهم المشاكل السياسية التي تعترض تركيا لانضمامها الى «الاتحاد الاوروبي»
أ- القضية القبرصية
شهد العام 1960 إقامة جمهورية قبرص ذات المجموعتين الطائفيتين اليونانية (80٪) والتركية (20٪) وبضمانات كل من إنكلترا وتركيا واليونان، بحيث لا يمكن تغيير صيغة الدولة دون موافقة الأطراف الضامنين للاتفاقية. لكن وفي العام 1974، نفّذ القبارصة اليونانيون انقلابًا عسكريًا وأطاحوا برئيس الجمهورية، المطران مكاريوس[20]، بهدف توحيد البلاد مع اليونان وتم استهداف القبارصة الأتراك[21] ما استدرج التدخل العسكري التركي، بأمر من بولنت اجيفيت (Bülent Ecevit) رئيس الحكومة آنذاك والمعارض لانضمام تركيا للسوق الأوروبية، لتحتل ثلث الجزيرة وفقًا «لعملية السلام» ولتبدأ علاقات تركيا مع أوروبا الغربية مرحلة مغايرة إذ نتج عن اجتياح القوات التركية الأراضي القبرصية أزمات اقتصادية بفعل وقف المساعدات الأوروبية والغربية لتركيا، وأزمات دبلوماسية تمثلت بالمقاطعة الغربية والدولية.
أيّدت أوروبا الغربية رؤية الجانب اليوناني في الجزيرة التي باتت مقسّمة على طول الخط، وصعّدت حملاتها الدعائية والإعلامية والنفسية على الأتراك وندّدت بشدة بسلوكهم. ونظراً للرواسب التاريخية بين الأتراك واليونانيين، لجأت اليونان إلى إثارة قضية قبرص في المحافل الدولية والأوروبية، وذلك لإغلاق الأبواب الأوروبية في وجه تركيا، معتمدةً في دعايتها على أن تركيا ليست أوروبية بل آسيوية وأن القسم الأوروبي منها مجرد مستعمرة صغيرة من العهد العثماني. واتهمت أثينا أنقرة بأنها تغذي النـزاعات في بلاد البلقان[22]، وتشجّع الأقليات التركية على المطالبة بحقوقهم والحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية.
وتبدو الدعاية اليونانية الرامية إلى استعداء الرأي العام الأوروبي ضد تركيا، وكأنها تلقى بعض الصدى الإيجابي في الأوساط اليمينية الأوروبية، بخاصةٍ مع تنامي التيار الإسلامي في تركيا إعتبارًا من السبعينات وتمكنه من إحراز نجاحات في الانتخابات البرلمانية والمحلية مما جعله طرفًا سياسيًا بارزاً على الساحة التركية. لذا حذّرت اليونان «الاتحاد الأوروبي» من الموافقة على عضوية تركيا العلمانية لأنه سيفاجأ غداً بظهور تركيا الإسلامية، ونصحته بالتريث حتى معرفة ماذا سيحدث في المستقبل من تغيّرات سياسية على الساحة التركية.
وبالفعل، تردّت العلاقات كثيراً بين تركيا وبلدان أوروبا الغربية بعد تلك الحادثة، أخذت الفجوة بينهما تتسع أكثر فأكثر، وبات الأتراك يصفون المواقف السياسية والاقتصادية والتنظيمية التي اتخذتها أوروبا الغربية تجاه بلادهم بالسلبية والانحياز والعنصرية. من هنا بدأ يتساقط رهان أنقرة الأول الهادف إلى الالتحاق بأوروبا وتحديدًا بالسوق المشتركة. لكن، ولكي لا يصيب تركيا الضعف في حال أصبحت أوروبا القوة الثالثة بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي (قبل سقوطه)، قرّرت تركيا البقاء في حلف شمال الأطلسي لكن بتوجه أكبر نحو أوروبا التي تستطيع أن تكون حلقة وصل بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية. كما أن تركيا أرادت من انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة أن تقلل من اعتمادها على الولايات المتحدة الاميركية التي خذلتها مع أزمة الصواريخ الكوبية وإخلاء صواريخ «جوبيتر» الأميركية من الأراضي التركية بعد وعد من الرئيس الأميركي كيندي للزعيم الروسي خروتشوف. كان على صانعي القرار في أنقرة التعلم من تلك الحادثة، وعدم مراهنتهم على تبديل الموقف الأميركي من قضية قبرص[23] الذي كان معارضًا التدخل العسكري. لقد تصوّرت النخبة التركية أن الموقف الأميركي من تركيا بخصوص قبرص هو موقف مبدئي، لكن الوقائع أثبتت بأنه غير صحيح، إذ فرضت الولايات المتحدة الأميركية حظراً على صادرات السلاح إلى تركيا في كانون الأول 1974، وقد تحول هذا الحظر اعتباراً من 5 شباط 1975 عقابًا على اجتياح شمال الجزيرة، لكنه لم يستمر أكثر من أربع سنوات بسبب مجمل المتغيّرات الإقليمية التي باتت تؤثر سلبًا على المصالح الاميركية، ولعلّ أهمها وأخطرها سقوط شاه إيران، محمد رضا بهلوي، الحليف القوي للولايات المتحدة، ونجاح الثورة الإسلامية واعتلاء الخميني حكم إيران عام 1979، وانكشاف منطقة الخليج مع بدء الحرب العراقية-الإيرانية سنة 1980. لذا تبدلّت وجهة النظر الأميركية التي أصبحت تعطي تركيا مكانة عظمى في سياستها الخارجية، ويفسر ذلك قيام الولايات المتحدة بنقل محطات الاستماع الإلكترونية التي كانت على الحدود الإيرانية-السوفياتية إلى الحدود التركية-السوفياتية.
وابتداء من سنة 1980، لم تعد الولايات المتحدة تولي أهمية كبيرة للمشكلة القبرصية، وهو أمر عضد من موقف تركيا تجاه اليونان. وستكون الولايات المتحدة صاحبة دور عظيم في إقرار قبول تركيا كدولة مرشحة «للاتحاد الأوروبي».
ب- المؤسسة العسكرية التركية
بدأ توجه الجيش التركي نحو الغرب مع تأسيسه للجمهورية التركية الحديثة سنة 1923، ورغم ذلك شهدت تركيا ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة (1960-1971-1980). إلا أن بنية هذا الجيش قد تغيّرت بعد انقلاب 1980 وإعلان دستور 1982. لقد ساهم هذا الدستور في تنظيم الجيش للنظام السياسي في تركيا. وفي الحقيقة فإن تركيا تدار حتى الآن من قبل دستور جاء به الانقلابيون. أصبح الجيش التركي سيد نفسه وهو قوة بحد ذاته، كما أنه قوة مالية مهمة. يكفي أن شركة OYAK التابعة للجيش، هي واحدة من أهم وأضخم خمس شركات في تركيا، غير خاضعة لأي رقابة، لأن لها قوانينها الخاصة التي تنظم نشاطها وعملها، إضافة إلى ميزانية خاصة بها. «وحسب البيانات الرسمية فإن حصتها هي 11٪ من الميزانية، بينما تشير المصادر الغربية إلى أن نسبة هذه الحصة تبلغ 30٪ وهي غير خاضعة لديوان الرقابة المالية. وبذلك فالجيش هو قوة اجتماعية واقتصادية ومدنية وسياسية»[24].
يتدخل العسكر التركي في عملية اختيار شخصية لمنصب رئيس الجمهورية، خصوصًا إذا كانت تلك الشخصية معروفة بهويتها الإسلامية، لأنه يعتبر ذلك بحد ذاته مشكلة للعسكر وللنظام القائم في تركيا. يضطلع الجيش بدورٍ مؤثّرٍ على الصعيدين السياسي والاجتماعي معاً. فهو لا يدافع عن البلاد فقط، بل يسهر أيضًا «على ضمان المحافظة على مبادئ مصطفى كمال مؤسس الدولة التركية»[25].
يمارس الجيش السياسة من خلال مجلس الأمن القومي، ويعمل كأنه حزب سياسي، بذلك يكون هو أكبر الأحزاب في تركيا. لكن إذا كان الجيش التركي غربيًا في طرازه وتوجهاته، وهو يحمي العلمانية، فما هي إذًا المشكلة مع الاتحاد الأوروبي؟ السلطة الحقيقية في تركيا هي في يد القوات المسلحة، أما الفائزون في الانتخابات فإنهم يشكلون الحكومة، بينما الخيوط الحقيقية هي بيد الجيش، وهو ما يشكل جوهر المشكلة الأساسية مع الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، بقي الجيش التركي يتظاهر ولمدة طويلة بأنه على الحياد في مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكنه كان يحاول في الخفاء عرقلة المشروع لأنه أدرك بأنه سيخسر جميع سلطاته في حال انضمت تركيا إلى الاتحاد الأوروبي[26].
ت- الأكراد
بدأت المشاكل والمواجهات العسكرية بين تركيا والأكراد منذ العام 1984، وذلك بسبب حرمان تلك الأقلية التي يبلغ عددها 15 مليون نسمة حقوقها وحريتها[27]. لذلك عمد الأكراد إلى التمرد وبخاصة مع حزب العمال الكردستاني الذي يترأسه عبد الله أوجلان فوقعت المواجهات العسكرية بين الطرفين في جنوب شرق البلاد وامتدت إلى سنة 1999 حتى توقيف رئيس حزب العمال الكردستاني، ما أوقع 30،000 ضحية[28].
أصدرت السلطات التركية حكم الإعدام بحق أوجلان في تشرين الثاني 1999، غير أن ذلك الحكم لم ينفّذ بسبب تدخل الاتحاد الأوروبي الذي طالب تركيا باحترام حقوق الإنسان، وبالتالي إلغاء عقوبة الإعدام كشرط أساسي من شروط قبول تركيا في الاتحاد. وفي شباط سنة 2000، أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار، والنضال سلميًا من أجل قضيتهم. لكن الأكراد لم ينالوا كامل حقوقهم وحريتهم بعد، بانتظار المفاوضات السرية بين الأتراك وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي وصف المفاوضات الجارية بالأهمية التاريخية وأعلن أنها وصلت إلى مرحلة حساسة للغاية، املاً أن تكون سنة 2011 سنة تسوية القضية الكردية في تركيا[29].
5- تركيا وأوروبا بعد انتهاء الحرب الباردة حتى قمة لوكسبورغ عام 1997
توحّدت ألمانيا بعد سقوط جدار برلين سنة 1989، واندلعت حرب الخليج الثانية سنة 1990، وانتهت الحرب الباردة سنة 1991 بين العملاقين، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، فتفكك هذا الأخير وانهارت الشيوعية، وخرجت الدول الأوروبية الوسطى والشرقية من دائرة السيطرة السوفياتية؛ كل ذلك أثّر على العلاقة بين تركيا والجماعة الأوروبية التي انشغلت بالإعداد لمقترح الإصلاح الداخلي الذي أفضى إلى معاهدة ماستريخت عام 1992 بهدف المساهمة في عملية إعادة بناء الدول الأوروبية بعد انتهاء الحرب الباردة[30]. كما أقرّت قمة كوبنهاغن الشروط والإجراءات الواجبة على الدول الأوروبية الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي[31]. من هذا المنطلق، استجابت تركيا لمتطلبات أوروبية عدّة بهدف الحصول على رضى الاتحاد الأوروبي. واضطلع البرلمان الأوروبي بدورٍ متنامٍ في الحياة السياسية التركية، إذ طالبها بإدانة الانتهاكات المتعدّدة للحريات السياسية، ودعم الحقوق الثقافية للكرد واحترامها وفقًا للمقاييس المعتمدة في أوروبا، وإلغاء حكم الإعدام، وكفْ يد العسكر عن التدخل في الشؤون السياسية، وإجراء إصلاحات اقتصادية[32].
وبعد انتهاء الحرب الباردة، بدأت مسألة التحالفات تطرح من جديد، إذ واجهت تركيا حلفًا جديدًا تمثّل بين روسيا وبلغاريا واليونان وقبرص وصربيا بسبب المطامع الروسية في الادرياتيكي والمتوسط، بالإضافة إلى دعمها اليونان في مطالبها الإقليمية. في حين تقاطعت مصلحة تركيا مع مسلمي كرواتيا والبوسنة وألبانيا ومقدونيا ومقاطعة كوسوفو. كما طرح مصير حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة، لكن نشاطه تجدد في الحرب التي جرت في يوغوسلافيا سابقًا بين عامي 1991 و1995، إذ تبيّن للولايات المتحدة وبريطانيا، أن قيمة تركيا الرئيسة للحلف تظل في كونها موقعًا أماميًا لتجميع القوات والمعدات على حافة الشرق الأوسط، لكن هذا الأمر لا يمثل أولوية للأوروبيين ولا للناتو ككل، ولا حتى لتركيا نفسها التي اختلفت مع حلفائها في الناتو خلال أزمة البوسنة، وندّدت بحروب الإبادة التي وقعت بحق فئات ذات جذور تركية على أيدي الصرب. وبالتالي لم يكن الأمر مصادفة أن يتصاعد الإيقاع الإسلامي في تركيا العلمانية المتعاطف مع البوسنة في الوقت الذي تصعّد فيه أوروبا من اتهاماتها لتركيا بشأن حقوق الإنسان، وهي الاتهامات التي تطلقها أوروبا لتبرير رفضها لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ما يدل على الازدواجية لدى أوروبا. لكن الولايات المتحدة الأميركية أبقت على الناتو ودعمت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لان باعتقادها أن تركيا قادرة على حماية المصالح الاستراتيجية الأميركية والغربية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز[33]. فالولايات المتحدة الأميركية تخاف في حال عدم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أن تلجأ تركيا إلى رد فعل معادٍ للغرب مما يعرّض مصالحه الأمنية والاستراتيجية للخطر[34].
في أواخر عام 1994 وبداية عام 1995، ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على الدول الأوروبية للموافقة على إدخال تركيا في اتفاقية الوحدة الجمركية كما أقرتها اتفاقية أنقرة لعام 1963. غير أن تنفيذ هذه الإجراءات ظلّ متعثرًا بسبب الرفض اليوناني بإعطاء أي مساعدات مالية أوروبية لتركيا وفقًا لما نصّت عليه اتفاقية أنقرة. فضلاً عن ذلك، استطاعت اليونان الضغط على شركائها لاعتماد سياسة مشتركة تعكس آثار القضية القبرصية على سير العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى استياء تركي من هذه السياسة. عندها ضغطت الولايات المتحدة على الأوروبيين من أجل تحييد النـزاعات التركية – اليونانية، وهؤلاء بدورهم ضغطوا على اليونانيين الذين أذعنوا للأمر وتم التوقيع على الوحدة الجمركية بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 6 آذار 1995، ونفذّت ابتداءً من 1 كانون الثاني 1996. كما اعتبرت الوحدة الجمركية بالنسبة لتركيا، الخطوة الأخيرة على الطريق إلى الاتحاد الأوروبي، أما هذا الأخير فقد اعتبر العلاقات بين الفريقين قد بلغت مستوى أعلى، يتعين أن يبقى مستقبلها مفتوحًا.
بعد شهر واحد من إطلاق الوحدة الجمركية، حصل توتر في العلاقات اليونانية-التركية على اثر مشاكل حدثت في قبرص، فطلب الاتحاد الأوروبي من تركيا في 15 تموز 1996، قبول التحكيم الدولي في المسألة القبرصية من جانب محكمة العدل الدولية في لاهاي، وفقًا للمطالب اليونانية، ما زاد تعقيد العلاقات مع تركيا[35]، التي غضبت أكثر عندما اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارًا رسميًا في قمة لوكسمبورغ في 11 كانون الأول 1997، يقضي بعدم ضمّها إلى قائمة الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد، لكنه وضعها في خانة خاصة بوصفها طالبة انتساب. وأقر الاتحاد تطبيق «استراتيجية أوروبية» خاصة بتركيا يمكن أن تؤدي إلى عضوية لاحقة في الاتحاد الأوروبي[36].
إتهم رئيس الوزراء التركي آنذاك، مسعود يلماز، الاتحاد الأوروبي بممارسة التمييز ضد بلاده، واتهم أيضًا المستشار الألماني هيلمونت كول بالسعي سرًا لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى «نادٍ مسيحي» يستبعد تركيا التي يشكل المسلمون الأغلبية الساحقة لسكانها، وإنه لا مجال لها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأنها لا تشترك معه في الهوية الدينية[37]. ومع إعلان الموقف الألماني، قرّرت الحكومة التركية في 14 كانون الأول 1997 قطع الحوار السياسي مع الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بسحب طلب الانضمام ما لم يتراجع الاتحاد عن موقفه الرافض لضمها[38]، كما رفضت الولايات المتحدة الأميركية بقوة أن يكون الاتحاد الأوروبي «مشروعًا مسيحيًا»، لأنها لا تريد أن تقوم علاقات تركيا مع أوروبا على أساس ديني أو عرقي، إنما على أساس المصالح[39].
6- قمة هلسنكي عام 1999 والتحول التاريخي
وافق دول أعضاء الاتحاد الأوروبي في قمة هلسنكي التي انعقدت في 10-12 كانون الأول 1999 على مبدأ قبول طلب تركيا[40]، ومنحها وضع المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ذلك بعد أن ألغت اليونان تحفظاتها بضغط أميركي. لكن تلك الدول وضعت شروطًا أساسية لبدء المفاوضات الرسمية مع تركيا، من بينها احترام الأقليات وحقوق الإنسان، بإلغاء عقوبة الإعدام، وتحسين علاقتها مع اليونان وكف يد الجيش التركي من التدخل في الشؤون السياسية. قد ساهم الموقف الفرنسي كثيرًا في اتخاذ هذا القرار بسبب تأييد الرئيس جاك شيراك لمسار انضمام تركيا للاتحاد، إذ اعترف بالجهود التي بذلتها تركيا من أجل إصلاح الدولة والنظام السياسي، كما أصرّ على ضرورة تحقيق التقارب بين شطري المتوسط[41].
كما وقّعت تركيا على وثيقة شراكة الانضمام في آذار 2001 والمتضمنة تنفيذ إجراءات عديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، تتوافق مع معايير كوبنهاغن، كشروط على تركيا من أجل الانضمام.
وفي سياق تنفيذ الالتزامات والشروط، أقرّ البرلمان التركي سلسلة من الإصلاحات السياسية والديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية بما يتفق مع معايير كوبنهاغن. من أهم هذه الإصلاحات[42]:
تتعهد تركيا بتغيير قانون الانتخابات والأحزاب السياسية ونظامها من زاوية خفض نسبة التمثيل النسبي من 10٪ إلى 5٪ لإتاحة الفرصة لمزيد من الأحزاب للدخول في البرلمان، بخاصةٍ الأحزاب السياسية المتعاطفة مع القضية الكردية.
الإفساح في المجال لحرية الرأي والتعبير وإنهاء حالة الاعتقالات السياسية بسبب مقولات أو خطب أو أفكار سياسية معارضة، وإنشاء جمعيات ومنتديات سياسية.
السماح باستخدام لغات غير تركية، مثل الكردية والعربية، في الإعلام والنشر ومحطات البث الإذاعي والتلفازي، وتعليمها في المدارس العامة والخاصة ولكن تحت إشراف الدولة.
تخفيف القيود على أنشطة المنظمات الطلابية والشبابية، والسماح للمشتبه فيهم في المحاكم بإلتقاء المحامين.
عدم حظر نشاط أي حزب سياسي وإغلاق مقاره بسبب آرائه السياسية.
إلغاء عقوبة الإعدام إلاّ في أوقات الحرب والطوارئ، واستبدالها بعقوبة مشددة.
منح حقوق للأقليات الدينية غير المسلمة بامتلاك أوقاف وأموال خاصة بدور العبادة، وحرية التملك وشراء العقارات في البلاد.
تعديل قانون الصحافة والمطبوعات، ولا سيما ما يتعلق بالعقوبات الخاصة بانتقاء القوات المسلحة وأقطاب المؤسسة السياسية، وتعديل قانون الجمعيات الأهلية.
السماح بتنظيم مسيرات وتظاهرات سلمية.
فرض عقوبات رادعة في عمليات تهريب الأفراد، وهو ما يخفف من قلق الأوروبيين بالنسبة إلى تزايد ظاهرة الهجرة غير المشروعة والتي تتدفق عبر حدود تركيا وسواحلها الطويلة.
إيقاف إجراء عمليات الدهم والتوقيف والاعتقال بدون أذون خاصة، وإعادة محاكمة من تحكم لصالحه محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في تركيا.
نتيجة انهيار سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار بنسبة 50٪، قدّم صندوق النقد الدولي لتركيا تسهيلات ائتمانية بقيمة 16 مليار دولار عام 2001، واشترط تعيين كمال درويش، من اللوبي الموالي للغرب، وزيرًا للاقتصاد، وضرورة رضوخ الحكومة لشروطه ولبرنامجه الإصلاحي، وهذا ما حصل.
فصل البنك المركزي عن سيطرة الحكومة التركية وتعويم العملة المحلية، لتستطيع البنوك تقديم التسهيلات، كما بيعت وخُصخصت بعض البنوك العامة وتمّ دمج البعض الآخر، وخُصخصت بعض الصناعات، وأنهيت احتكارات أخرى وتمّ إصلاح القطاع الزراعي وتقليص حجم العمالة في القطاع العام. وبالرغم من كل هذا، ظل الوضع الاقتصادي متدهورًا[43].
وقد رحّب الاتحاد الأوروبي بهذه الإصلاحات التشريعية، لكنه اعتبرها بأنها لا تفي بالمستوى المطلوب وفق معايير كوبنهاغن، وراح يماطل في تحديد موعد رسمي لبدء مفاوضات الانضمام.
7- حكومة حزب العدالة والتنمية وتطور العلاقات التركية-الأوروبية بين 2002-2005
جرت في تركيا، في 3 تشرين الأول 2002، انتخابات برلمانية، فاز فيها حزب العدالة والتنمية[44]، ذو التوجه الإسلامي المعتدل، فعيّن رئيس الحزب، رجب طيب أردوغان، رئيسًا للحكومة، الذي قام بجولة أوروبية شملت الدول الـ15 الأعضاء في الاتحاد لتشجيعها على تحديد موعد لبدء تركيا مفاوضات العضوية. أضحى بالنسبة لأردوغان، انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أولوية في برنامجه، كما أنه اعتمد على سياسة براغماتية حديثة، وخاصة في السياسة الخارجية عنوانها «عدم المواجهة مع كل دول الجوار، وتعدد العلاقات ومزيج من الاستراتيجيات السياسية»[45].
أكد أردوغان خلال جولته الأوروبية أن «تركيا موجودة بالفعل في أوروبا من خلال أربعة ملايين مهاجر تركي (معظمهم في ألمانيا)[46] وبأنها ليست مصدر مخاوف للأوروبيين»، مضيفًا أن «نجاح تركيا كدولة إسلامية يمكن أن يجعلها قدوة لدول إسلامية أخرى»، وطالب ألا «يكون الاتحاد الأوروبي ناديًا مسيحيًا»، كما أعرب عن موافقته على خطة السلام الشامل في قبرص، وفق الخطة التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، لأن ذلك سيساعد في الإسراع بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
و أكّد رفض أنقرة لأي صيغة شراكة خاصة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بدلاً من انضمام هذه الأخيرة إلى الاتحاد.
عارض مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسيع، جونتر فيرهوجن، أن يتم خلال قمة كوبنهاغن في كانون الأول 2002 تحديد موعد لبدء المفاوضات مع تركيا للانضمام إلى الاتحاد بسبب عدم استكمال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وأضاف: «ما دام العسكريون يسيطرون على السياسة وليس السياسة على العسكريين فلا يمكنني تصور تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي»[47].
وبالفعل أرجأت قمة كوبنهاغن في كانون الأول 2002 قرار تاريخ بدء المفاوضات إلى نهاية عام 2004، بالرغم من الضغوط الأميركية الشديدة على دول الاتحاد الأوروبي. أما سبب هذه الضغوط فهو محاولة الأميركيين الحصول على دعم تركيا في الحرب على العراق مقابل دعم انضمامها للاتحاد الأوروبي. لكن القادة الأوروبيين انزعجوا من التدخل الأميركي الذي ألحق ضررًا بالغًا بالقضية التركية، وعبّروا عن ذلك في أثناء حفل عشاء القمة الأوروبية في كوبنهاغن[48]. وقد أقّرت القمة توسيع الاتحاد الأوروبي بضم عشر دول جديدة منها قبرص، اليونان ومالطا.
لم يثنِ قرار قمة كوبنهاغن تركيا عن قطع الأمل، بل عمدت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية حتى انعقاد القمة الأوروبية في بروكسل في كانون الأول 2004. وقد شملت الإصلاحات السياسية زيادة الضمانات التي تحمي الحريات السياسية والثقافية وحقوق الإنسان، منع محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، إلغاء جرائم الرأي وعقوبة الإعدام نهائيًا والسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس والبث الإعلامي باللغة الكردية. وقد اعترف أردوغان بوجود مشكلة كردية في البلاد، وأشاد بحزب العدالة والتنمية لأنه أفضل الأحزاب تمثيلاً لمصالح الأكراد السياسية والتقى بمثقفين أكراد من أجل التباحث معهم في سبيل تسوية النـزاع الكردي، كما أنه اعترف علنًا بوجود أخطاء ارتكبتها الدولة بحقهم، وصرّح لهم، أي للأكراد البالغ عددهم 15 مليون مواطن، بأن المشكلة الكردية تعنيه شخصيًا في المقام الأول[49]. وبالفعل، فإن مفاوضات رسمية تجري بين عبد الله أوجلان والسلطات التركية، وقد وصلت تلك المفاوضات إلى مرحلة حساسة جدًا، من الممكن أن تصل إلى حلّ نهائي للقضية الكردية في تركيا سنة 2011، كما صرّح أوجلان[50].
كما تضّمنت تلك الإصلاحات تشريعات تحد من سلطات المؤسسة العسكرية من خلال إخضاع ميزانيتها للرقابة البرلمانية والحد من الوجود العسكري في مجلس الأمن القومي الذي تحوّل إلى جهة استشارية تخضع أمانتها لرئيس الوزراء المنتخب.
ووافق أردوغان على إجراء مفاوضات بإشراف الأمم المتحدة من أجل تسوية الصراع حول جزيرة قبرص من خلال توحيد شطري الجزيرة مع ضمان حقوق الأقلية التركية فيها.
غير أن هناك مسائل كثيرة لم يتم إصلاحها، وقد تطرق الاتحاد الأوروبي إليها، مثل استمرار تمثيل القوات المسلحة في هيئة الإذاعة والتلفزيون وفي مجلس التعليم العالي، والتراخي في التحقيق حول انتهاك حقوق الإنسان، والقيود التي تحد من هوية الأقليات غير المسلمة، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة بالإضافة إلى ربط الاتحاد بين المسألة القبرصية وتطلعات تركيا الأوروبية وهذا ما أثار حفيظة السلطات التركية.
أما بالنسبة للاقتصاد[51]، فقد انخفض معدل التضخم إلى أدنى مستوياته منذ 25 عامًا، وصل معدل النمو إلى 5،9٪ عام 2003، رفعت الحكومة دخول أكثر الفئات تهميشًا وتضررًا في المجتمع التركي، بالرغم من معارضة الاتحاد الأوروبي لذلك وخفّضت الإنفاق العام بنسبة 2،4٪ وتم إصدار الليرة التركية الجديدة بحذف ستة أصفار منها، إذ أصبحت تساوي 0،5 يورو أو 0،7 دولار[52]، وخفّضت نسبة ارتفاع الأسعار الاستهلاكية من 68٪ عام 2001 إلى 9،8٪ عام 2005، وخفّضت الفوائد بشكل كبير. نتيجةً لتلك الإصلاحات، استقرّ الاقتصاد التركي بعد فترة طويلة من الاضطراب، وازدادت نسبة الاستثمارات الأجنبية، وانتعشت القطاعات التجارية والصناعية والزراعية وتوافرت فرص العمل في البلاد.
على أثر هذه الإصلاحات، صرّح أردوغان بما يأتي: «إذا ما أغلق الأوروبيون الباب في وجه الأتراك فعندئذٍ سوف نعلن عن تحويل معايير كوبنهاغن السياسية إلى معايير أنقرة، ومعايير ماسترخيت الاقتصادية إلى معايير اسطنبول، وسنتابع طريقنا»[53]. وفي 15 كانون الأول 2004، أيّدت أغلبية النواب الأوروبيين في البرلمان الأوروبي بدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقبل انعقاد قمة بروكسل في 16-17 كانون الأول 2004 صرّح أردوغان بما يأتي: «ستجمد تركيا ترشيحها إلى الاتحاد الأوروبي في حال فرض القادة الأوروبيون شروطًا غير مقبولة على تركيا لانضمامها إلى الاتحاد. سنضع هذه المسألة في الثلاجة ونتابع طريقنا. فلن يكون ذلك نهاية العالم»[54].
غير أن القمة اتخذت قرارًا حدّد فيه الثالث من تشرين الأول 2005 موعدًا لبدء المفاوضات مع تركيا بشأن مسألة العضوية، لكن ذلك لا يعني دخول تركيا إلى عضوية الاتحاد، فقد تستمر المفاوضات حتى عام 2015 لحين استيفاء تركيا شروط الانضمام.
رحّب أردوغان بالقرار معتبرًا «أن المشروع التركي لتحقيق مصالحة بين الحضارتين المسيحية والمسلمة بات يرتكز على أسس ملموسة»[55]. كما رحّبت الدول الأوروبية بهذا القرار، وبالأخص فرنسا مع الرئيس جاك شيراك، وألمانيا مع مستشارها جيرهارد شرويدر، وبريطانيا مع رئيس وزرائها طوني بلير، الذين أيّدوا دخول تركيا الاتحاد الأوروبي. إلا ان هؤلاء الرؤساء تبدّلوا، وتبدلّت الأوضاع عام 2005 وما بعد. فماذا جرى؟
8- قبل بدء المفاوضات
بدأت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالتحسن مع مطلع عام 2005، إلاّ أن هذا الأخير طالب الجانب التركي بإجراء إصلاحات أكثر في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وجوانب سياسية واقتصادية وعسكرية وقضائية واجتماعية[56]، وأثار القضية الأرمنية[57] واعتبرها أحد المعوقات الكبيرة في طريق الانضمام. كان اللوبي الأرمني قد مارس ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية للضغط على تركيا للاعتراف بالمجازر التي ارتكبتها ضد الأرمن عام 1915 والتي ذهب ضحيتها حوالي المليون ونصف المليون أرمني. تفاجأ الأتراك بإثارة تلك القضية من قبل الجانب الأوروبي الذي لم يثرها من قبل، لا بل أنه اشترط على أنقرة الاعتراف بوقوع «إبادة جماعية» للأرمن في العهد العثماني عام 1915، كشرط مسبق لانضمام تركيا. حاولت تركيا التملّص من ذلك، إلاّ أن الضربة الثانية جاءت من داخلها، إذ نشرت صحيفة «حرييت التركية في 22 نيسان 2005 مذكرات رئيس الوزراء العثماني السابق طلعت باشا وهي بخط يده، وذكر فيها إحصائية مهمة تؤكد أن عدد الأرمن الذين تمّ تهجيرهم من قراهم ومدنهم في الأناضول باتجاه سوريا بلغ حوالي 924،158 أرمنياً، وإن عملية التهجير هذه بدأت بالقانون الذي أصدرته الحكومة العثمانية في أيار 1915. وقد شكّلت هذه المذكرات وثيقة بالغة الأهمية بيد الاتحاد الأوروبي إزاء تركيا بشأن هذه القضية»[58].
بالرغم من ذلك، رفضت أنقرة الاعتراف بهذه القضية وسجنت العديد من الكتاب والصحافيين الأرمن والأتراك الذين تناولوا القضية الأرمنية، مما أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي الذي اعتبره انتهاكًا للديمقراطية ولحرية الرأي والتعبير ولقانون حقوق الإنسان، وحثّ أنقرة على إجراء تحقيق مستقل حول تلك المذابح[59].
رفضت أنقرة أيضًا الاعتراف بقبرص التي يمثلها القبارصة اليونانيون وصرّحت بأنها «لن تفتح موانئها أمام السفن القادمة من شطر قبرص اليوناني التابع للاتحاد الأوروبي، طالما لم يخفف الاتحاد الأوروبي من قيود الحصار الإقتصادي الذي يفرضه على الشطر التركي من الجزيرة»، زد على ذلك الخلاف، إرادة القبارصة اليونانيين البحث عن النفط في المياه المحيطة بالجزيرة، الأمر الذي لا يجوز إجراؤه حسب رأي تركيا من دون موافقة القبارصة الأتراك[60].
وخلال تلك الفترة، اقترح حزبَان ألمانيان معارضان وهما الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والإتحاد الإجتماعي المسيحي، بأن تكون تركيا «عضوًا مميزًا»، وطالبت النمسا بأن تكون تركيا شريكًا للاتحاد الأوروبي على أن لا ترقى إلى مستوى العضوية الكاملة. الأمر الذي رفضته تركيا بشدّة، وصرّح أردوغان بما يأتي: «إن هدف تركيا هو العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي...ولسنا مستعدين لقبول شيء آخر. إن الاقتراحات المقدمة كتلك التي تم التقدم بها...تعرض العلاقات بين تركيا والإتحاد الأوروبي للخطر...وإن تركيا ماضية قدمًا في الإصلاحات...»[61].
وبالرغم من كل تلك القضايا التي أثيرت، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في 3 تشرين الأول 2005، ووافقوا، بعد محادثات صعبة، على بدء محادثات الانضمام مع تركيا التي «عيّنت جهازًا بشريًا كاملاً متخصصًا بملف الاتحاد، هو الامانة العامة لشؤون الاتحاد، في أنقرة. وعلّقت داخل كل من تلك المكاتب أعلام، نصفها يتضمن رسمًا للعلم الوطني لتركيا، مع رسم علم الاتحاد في النصف المقابل له على القماشة نفسها»[62].
9- مصير المفاوضات وسياسة تركيا الدولية بين 2006 و2011
بعد بدء المفاوضات، طرأت تبدلات في بعض دول الاتحاد الأوروبي، أثّرت على مسار التفاوض وأعادت طرح تساؤلات عن ملف الإنضمام الى الواجهة، مما أدى إلى «تباطؤ المحادثات بين الفريقين من دون أي تسوية في الأفق إذ ليس هناك أمل واقعي لا في أوروبا ولا في تركيا بأن تنضم الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب. والاقرار بفقدان هذا الأمل مؤلم جدًا بقدر رؤية العلاقات مع أوروبا تنهار بالكامل، ولذلك لا يتحلى أحد بالشجاعة للتفوّه بهذه الكلمات»[63]. مما يؤكد أن أسباب عدم الإنضمام ليست فقط سياسية واقتصادية إنما أيضًا ثقافية ودينية، مع العلم أن اسطنبول هي العاصمة الأوروبية للثقافة عام 2010.
في العام 2006، أوصت المفوضية الأوروبية بوقف مفاوضات الإنضمام الجارية مع تركيا، ولو جزئيًا، بسبب تواصل رفض أنقرة لفتح موانئها البحرية والجوية أمام السفن والطائرات القبرصية، ورفضها أيضًا الاعتراف بعضوية قبرص في الاتحاد الأوروبي. لذا طُلب من تركيا الإعتراف الأحادي الجانب بقبرص[64]. فرفض الطلب.
لم تكن تلك القضية الوحيدة التي وتّرت المفاوضات بين الجانبين، بل أعيد طرح مسألة الأكراد والأرمن وصلاحيات الجيش، لكن الأبرز الذي حصل هو انتخاب رئيس جديد لفرنسا، وهو نيكولا ساركوزي خلفًا لجاك شيراك. عارض الرئيس الجديد علنًا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مما بدّل السياسة الفرنسية تجاه تركيا رأسًا على عقب. صرّح ساركوزي بأن تركيا لا تنتمي إلى أوروبا، ونظر إلى مسألتها على أنها محض مسألة متعلقة بالحدود الجغرافية. وهدف من ذلك، الحفاظ على نفوذ فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، لهذا فإنه يريد منع تركيا من الانضمام كونها دولة كبيرة سيبلغ تعداد سكانها 80 مليون نسمة بالإضافة لكونها تملك طاقات اقتصادية تنمو على نحو ديناميكي فعّال[65]. واقترح ساركوزي حلاًًّ يقضي بإنشاء مجموعة الدول المتوسطية على أن تتبوأ تركيا مركز الصدارة داخلها، كل ذلك بهدف إقناع الأتراك بالتخلي عن مشروع انضمامهم للاتحاد الأوروبي. وقام ساركوزي باستخدام لجنة خبراء، شكّلها من أجل مستقبل الاتحاد الأوروبي بغية الحصول على توصية تعارض قبول تركيا في الإتحاد الأوروبي[66].
لم تكن فرنسا وحدها هي التي بدّلت موقفها، بل أيضًا ألمانيا، مع مستشارتها أنجيلا ميركيل التي رفضت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ودعت إلى «الشراكة الممتازة» بدلاً من العضوية الكاملة[67]. ودعت ألمانيا أيضًا إلى طرح موضوع خرق حقوق الانسان في تركيا للنقاش المفتوح، على أن تشمل مواضيع مثل جرائم القتل بإسم الشرف ودور المرأة في المجتمع[68]. لكن أليست الجالية التركية في ألمانيا هي الأكبر وأظهرت صورة مثالية عن تركيا، أو أن ألمانيا تتخوف مثل فرنسا من انضمام تركيا الكثيفة السكان، فتزاحمها على السلطة داخل الاتحاد ويكون لها مقاعد نيابية مثلها.
بيّنت نتيجة استطلاعات للرأي أن الموقف من انضمام تركيا إلى الاتحاد لدى دول أوروبا الوسطى والشرقية المنضوية في العام 2004، منقسم بين الرسمي والشعبي، ومن كان لديه مؤشرات إيجابية حيال انضمام تركيا المحتمل إلى الاتحاد، تحوّل إلى موقف حافل بالشك لا بل حتى الرافض، كسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، وإستونيا، ونوعًا ما بولندا، وسلوفينيا، أما لتفيا وليتوانيا والمجر فتتسم مواقفهم بالحذر. أما التأييد الواضح لانضمام تركيا فيقتصر على بلدين إثنين هما بلغاريا ورومانيا اللذان التحقا بالاتحاد الأوروبي عام 2007؛ ولعلّ ذلك يعود إلى كون رومانيا مدينة بالشكر لتركيا بسبب الدعم الذي قدمّته لها في سياق انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. وفي بلغاريا فإن الحزب الذي يمثل مصالح الأتراك البلغاريين أي «حركة الدفاع عن الحقوق والحريات»، يشكل أحد أطراف الإئتلاف الحكومي[69].
وقد سيطر الغموض على الموقف الأوروبي منذ العام 2007 مما أضعف اهتمام أنقرة، ولم تعد بالنسبة لتركيا مفاوضات دخول الإتحاد الأوروبي موضوعًا رئيسًا، وانخفضت فيها نسبة مؤيدي الإنضمام بسرعة هائلة، من 66٪ الى 33٪[70] تمامًا كما انخفضت نسبة المؤيدين في أوروبا[71]. لا عجب من ذلك، لأن الاتحاد الأوروبي لا يتحدث بصوت واحد، كما أنه بشكله الحالي لا يريد ولا يستطيع استيعاب تركيا بالرغم من إدراكه الأهمية التي تتمتع بها تركيا من الناحية الجيوسياسية والجيواستراتيجية. بالمقابل أيضًا، فإن تركيا لا تستطيع أن تفي بشروط الدخول للاتحاد بسرعة، كما أنها لم تحسم أمرها بشكل كامل، إذ أن الجيش التركي لا يزال متحفظًا إزاء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأنه يخاف على فقدان صلاحياته وعدم تمكنه من التدخل في الشؤون السياسية وأن يصبح السياسيون هم المسيطرين عليه على عكس دوره التاريخي، لذا نراه يشجّع الأتراك على رفض الإنضمام مصورًا لهم مساوئه، كما أنه عارض أردوغان حين حاول تغيير الدستور الذي أتى به الانقلابان عام 1980 بقانون أساسي مدني، وحاول حظر حزب العدالة والتنمية من خلال المحكمة الدستورية التركية في آب 2008، بسبب التعديل القانوني الذي أجراه بشكل شرعي والذي سمح بارتداء الحجاب في الجامعات[72]. وقد اعتبر الجيش ذلك التعديل خطرًا على نظام الدولة العلماني وعلى الدستور.
وهناك فريق داخل تركيا متحفظ أيضًا على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لأن باعتقاده إذا نجح ذلك، سيعمد الأوروبيون إلى سلخ منطقة جنوب شرق تركيا وضمها إلى شمال العراق لتحويلها إلى دولة كردية.
في ظل غموض الموقف الأوروبي في السنوات الأخيرة حيال ملف الإنضمام، وفي ظل الخوف الثقافي من الإسلام الذي يسود حاليًا في أوروبا، ما يشير إلى ذلك قضية الحجاب في فرنسا وألمانيا، والخلاف حول الرسوم الكاريكاتورية وغيرها، عمدت تركيا إلى اعتماد سياسة دولية منفتحة مع عدم المواجهة، أي سياسات استراتيجية مزدوجة، مما أقلق الأوروبيين من جهة وأَرَاحهم من جهة أخرى.
تدخّلت تركيا لحل الصراعات العربية الداخلية بعد أن كانت تنأى بنفسها عن ذلك، وبعد التباعد النسبي بينها وبين العرب منذ الحرب العالمية الثانية عند اعتراف تركيا بإسرائيل، وانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي وحلف بغداد. نجحت تركيا أحيانًا في مهمتها الجديدة بسبب تطور اقتصادها ونجاح الديمقراطية في داخلها هذا فضلاً عن اهتمامها الكبير بشؤون الشرق الأوسط عبر الإعتماد على الإقتصاد المتبادل مع دوله، فازدادت نسبة تلك البلدان في التجارة الخارجية التركية 12٪، في حين ازدادت النسبة مع باقي المناطق من آسيا 26,5٪[73]. وعمدت تركيا إلى إقامة التفاهمات الأمنية المشتركة وإجراء حوار استراتيجي من أجل التعايش بين الثقافات والأديان وكل ذلك بهدف أن يعم الإستقرار في تلك المناطق مما يسمح بأن تكون تركيا من أغنى البلدان الصاعدة[74]. وقد اتهم البعض تركيا بأنها تحاول أن تشتري تذكرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي عبر علاقاتها الوطيدة بالشرق الأوسط، بينما رأى آخرون أن غاية سياستها الحالية إعادة الهيمنة العثمانية على المنطقة. هدفت تركيا من خلال تحركاتها السلمية في الشرق الاوسط إلى تثبيت الاستقرار وإيجاد حلول للمشاكل المستعصية، كقضية فلسطين التي وقفت إلى جانبها ودعمتها بالرغم من تحالفها الإستراتيجي مع إسرائيل والذي اهتزّ في 31 أيار 2010 مع حادثة أسطول الحرية المتوجه إلى قطاع غزة لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه، إلاّ أن هذه الأخيرة تعرّضت له في المياه الدولية، وقتلت تسعة ناشطين أتراك. على أثرها طالبت تركيا إسرائيل بالاعتذار الرسمي والتعويض على أهالي الضحايا، وسحبت سفيرها من تل أبيب، ومنعت تركيا أيضًا إسرائيل من المشاركة في التمارين العسكرية التي تجري فوق أراضيها، ومن تحليق طائراتها في أجوائها.
وفي ما يخص الملف الإيراني، تحاول تركيا أن تقوم بدور الوسيط بين الدول الغربية وإيران لحل الخلاف بينهما حول هذا الملف. من وجهة نظر تركيا، لا تريد أن يكون هناك تسلح نووي في المنطقة بغض النظر عمن يملك هذا السلاح، لكنها في الوقت ذاته فهي تدافع عن حق كل دولة في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. هذا الموقف دفع بالغرب إلى أن يقترح بأن تكون تركيا دولة ثالثة يستبدل فيها اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب بوقود عالي التخصيب[75]، غير أن مفاوضات اسطنبول التي جرت خلال شهر كانون الثاني 2011 حول هذا الموضوع، لم تُسفر عن أي نتيجة.
رأى وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو أن دور الوساطة الذي تلعبه بلاده في الصراع الشرق اوسطي، جعل الاتحاد الأوروبي يستفيد من امكانيات تركيا في استقرار المنطقة، ويؤكد على ذلك قائلاً: «أن قدرات أنقرة في التأثير الإيجابي على الأوضاع في الشرق الأوسط من أهم المزايا التي قد تنتج عن التعاون المشترك بين الإتحاد الأوروبي وتركيا في مجال السياسة الخارجية؛ ذلك أن الاتحاد الأوروبي أصبح بالفعل بمثابة المرشد في قضايا التغيير داخل تركيا، ومن الممكن أن يصبحوا معًا مرشدًا للآخرين في المنطقة كلها»[76]. بيد ان العالم العربي يراقب في هذه الأثناء التطورات في تركيا يإهتمام، وكثير منهم يتحدث عن «النموذج التركي» ويعتبر تركيا قدوة بسياستها الديناميكية الواثقة بنفسها. وقد دعا أردوغان الدول العربية في 11/1/2011 إلى شراكة سياسية واقتصادية مع تركيا، بخاصة مع بدء تغيير الأنظمة في معظم البلدان العربية، إذ بدأت الشعوب العربية حاليًا تعيش «فترة ربيعية» بمطالبتها بإصلاحاتٍ سياسية واقتصادية واعتماد الديمقراطية، ومنح الحريات، وإلغاء الديكتاتورية واحتكار السلطة، ومثال على ذلك ما قام به الشعب التونسي من خلال «ثورة الياسمين»، إذ أجبر الرئيس «زين العابدين بن علي» على التنحي وذلك في كانون الثاني 2011 بعد حكمٍ دام منذ سنة 1987؛ كما نجح الشعب المصري في إجبار الرئيس «حسني مبارك» على التنحي بعد حكمٍ دام منذ سنة 1981؛ والشعب اليمني أيضًا يحاول إسقاط الرئيس «علي عبدالله صالح» الحاكم منذ سنة 1990، وكذلك الامر في البحرين، لكن تلك شهدت مساندةً عسكرية خليجية للسلطة فيها منعًا لسقوطها، بخاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، وبموافقةٍ من سوريا التي تجري إصلاحاتٍ اجتماعية وعسكرية واقتصادية وأمنية تلبيةً لشعبها المتظاهر في عدّة مناطق منها. وفي الاردن طالب الشعب بإجراء اصلاحاتٍ دستورية وإجتماعية، كذلك الامر في الجزائر والمملكة العربية السعودية التي قمعت وحظّرت وحرّمت التظاهر.
شجّعت تركيا مطالب الشعوب العربية، وانذرت حكّامهم وطالبتهم بالإصغاء الى شعوبهم وتنفيذ مطالبهم لأن الشعب هو الأساس ومصدر السلطات. كما طالب اردوغان مباشرةً كل من حسني مبارك والعقيد معمر القذافي، رئيس ليبيا، بالرحيل فورًا، غير أن هذا الأخير لم يستجب لا لأردوغان، ولا للدول العربية والغربية، ولا لشعبه الذي عمد إلى قتله وسحق كل من يخالفه، فنشبت حرب اهلية بين كتائب القذافي والثوار، وكاد الفريق الاول أن يسحق الفريق الثاني بسبب تفوقه في السلاح الجوي. غير أن جامعة الدول العربية طالبت مجلس الامن في بداية آذار 2011 بفرض حظر جوي على ليبيا إنقاذًا للمدنيين؛ عندها اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 1973، أجاز فيه تشكيل قوات تحالف دولية، عربية وغربية، لفرض حظر جوي على ليبيا ووقف إطلاق النار بين المتحاربين، وأجاز القرار أيضًا بقصف جوي لاماكن محدّدة في ليبيا، وبالاخص السلاح الجوي الليبي في حال خرق القذافي الحظر الجوي. ترأس قيادة القوات التحالف الدولية كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا، الامر الذي عارضته تركيا التي طالبت أن تكون تلك القوات بقيادة الناتو. وبعد يومٍ من قرار مجلس الامن، تمّ خرق الحظر الجوي، فبدأت الدول المتحالفة وعلى رأسهم فرنسا بقصف جوي للمطارات الليبية والسلاح الثقيل، ما مهّد الطريق للثوار لإعادة سيطرتهم على المناطق المهمّة داخل ليبيا، وبالاخص النفطية منها، ريثما يتمكنون من إسقاط الحكم بعد تزوّدهم بالسلاح، وهذا ما أعلنه قائد الجيش الوطني الليبي التابع للثوار في 24/3/2011. في الوقت ذاته أيضًا أعلن وزير خارجية تركيا، داوود اوغلو، «أن قوات التحالف وافقت على تولي الناتو إدارة العمليات العسكرية في ليبيا بدلاً من الولايات المتحدة الاميركية»[77]، عندها وافقت أيضًا الحكومة التركية على إرسال خمس سفن حربية وغواصة إلى السواحل الليبية للمشاركة في الإشراف على الحظر الجوي. هذا يعني أن تركيا عارضت أن تتولى الولايات المتحدة الاميركية او الاتحاد الاوروبي، وبالاخص فرنسا، قيادة العمليات العسكرية، وهي طالبت مرارًا أن يتولى حلف الناتو هذا الأمر، من أجل استبعاد فرنسا التي تعارض انضمامها إلى الاتحاد كما صرّح أردوغان في 25/3/2011.
كان البعض في السابق ينظر الى تركيا كشخصية قوية العضلات، ضعيفة المعدة، تعاني من مشاكل في القلب، متوسطة الفكر، أي أن تركيا ذات جيش قوي واقتصاد ضعيف وتفتقد إلى الثقة بالنفس وتعاني من عجز في التفكير. أما اليوم فلتركيا وجودها في السياسة العالمية على مختلف الميادين، وتقوم بدور الوسيط لتسوية الصراعات، كما في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز. هذا الدور المتميّز قوّى مكانة تركيا في المنطقة. وأصبح أعداؤها القدامى من حلفائها المقربين، مثل سوريا بعد أن حلّت معها مشكلة الإسكندرون مؤخرًا، وساعدتها على الصمود، بين 2005 و2010 أمام القطيعة الدبلوماسية الدولية التي اعتمدتها كل من الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الأوروبية والعربية التي سعت إلى محاصرة نظام بشار الأسد، وربما إسقاطه، على خلفية استشهاد رئيس وزراء لبنان، رفيق الحريري، كما لعبت تركيا الدور القيادي بين 2008 و2010 في محادثات السلام السريّة بين سوريا وإسرائيل. ومن حلفاء تركيا الجدد، العراق، خاصة بعد أن رفضت الحرب الأميركية عليه في العام 2002، ومنعت قوات الولايات المتحدة من التمركز والإنطلاق عبر أراضيها؛ كما حرّكت العلاقات الباردة مع منطقة الحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق، إذ رفضت فدرلته، أي العراق، لكي لا تنشأ دولة كردية على حدودها. تقرّبت تركيا أيضًا من روسيا التي أصبحت أهم شريك للطاقة والتجارة. وفي أثناء الأزمة الجورجية، قامت تركيا بدور قيادي للوصول إلى اتفاقية السلام بين جورجيا وروسيا سنة 2008. وفي ما يختص بالملف الأرمني، أعادت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع أرمينيا إذ قام الرئيس «عبد الله غول» بزيارة للبلاد وتطرق لأول مرة للحديث عن فتح الحدود بين البلدين.
يبقى السؤال، ماذا يعني التوجه التركي الدولي الجديد، وبخاصة نحو العالمين العربي والإسلامي، في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي؟ من الممكن ان تطول عملية المفاوضات بين الجانبين التركي والأوروبي حتى العام 2015 أو 2020، ومن الممكن ان لا تنتهي. ان التحاق تركيا بالإتحاد الأوروبي أو عدم التحاقها قد يخلق مشاكل متعدّدة الاّ انه سيحقق في الوقت نفسه منفعة.
10- الأثر من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي
إن انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي سوف يكون له تأثيرات وإنعكاسات جيوبوليتيكية واستراتيجية واسعة على الفريقين كما على الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي وعلى روسيا والولايات المتحدة الأميركية. فالاتحاد الأوروبي سوف يتأثر بالتجمع السكاني الكبير لتركيا البالغ حوالى 80 مليون نسمة، إذ ستتوزع من جديد مقاعد البرلمان الأوروبي للدول الأعضاء الـ 28 لتحصل تركيا على 82 مقعدًا، أي حوالى 11،2٪ من نسبة الأصوات في عام 2015، وهو ما يتقارب مع ألمانيا، لكن من دون تمكّنهما من السيطرة في البرلمان في حال تحالفا؛ وإذا كان الاتحاد الأوروبي سيستفيد من اليد العاملة التركية، الكثيرة والمتدنية الأجر، إلاّ أن هذا الأمر سيوّلد تنافسًا لليد العاملة الأوروبية التي لن تكون راضيةً، ما يزيد من معدّلات البطالة. هذا بالإضافة إلى توقع انتشار السلع التركية الرخيصة في دول الاتحاد، مما سيؤثر على الصناعة المحلية في هذه الدول فضلاً عن تأثيره على مستوى الجودة؛ لكن تركيا ستشكّل أكبر أسواق أوروبا وستتيح للمستثمرين الأوروبيين القيام باستثمارات فيها، بخاصة في المناطق الكردية كما تسعى حكومة أردوغان؛ وستسمح تركيا بتعزيز العلاقات الإقتصادية بين أوروبا والعالمين العربي والإسلامي ما سيؤدي إلى تطور إجتماعي لدى هؤلاء. بالإجمال إن التأثير الاقتصادي للإنضمام سوف يكون إيجابيًا، لكن صغيرًا نسبيًا، لأن الاقتصاد التركي متواضع أمام الأوروبي، وهو يحتاج إلى دعمه في الاعتمادات المالية ولفترة طويلة من الزمن، كما أن تركيا ستحتاج إلى وقت طويل لتجعل القطاعات الزراعية أكثر تنافسية داخل السوق الأوروبية لتجنب فقدان إيرادات حقيقية للفلاحين الأتراك. وعلى تركيا تحسين الوضع الصحي الحيواني حسب مواصفات الاتحاد الأوروبي. هذا الأخير سيضمن أفضل قنوات تجهيز الطاقة عبر ترتيب مصادر المياه وتطوير البنية التحتية.
أما من الناحية الجغرافية، فإن حدود الاتحاد الأوروبي في حال انضمت تركيا إليه، ستصل إلى القوقاز وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وإيران والعراق وسوريا[78]، الأمر الذي سيجعل الاتحاد الأوروبي يدخل بصورة أكبر في معمعة المشاكل
المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وينقل إليه بعض مشاكل الجوار[79] بالرغم من الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي تتمتع بهما تركيا في تلك المنطقة. وهكذا سيلتصق الاتحاد الأوروبي بأكثر مناطق العالم خطورة، وهو بغنى عن مواجهة مشاكل معقدة بخاصة أنه ما زال يجد اليوم صعوبة في التغلب على النـزاعات القائمة داخل البلقان والتي تعتبر بحكم الهينة والتافهة لو قورنت بالحال في منطقة الشرق الأوسط، والدليل على ذلك فشل الاتحاد الأوروبي، عسكريًا وسياسيًا، في حلّ النـزاعات التي اندلعت في البوسنة والهرسك وكوسوفو. لقد جاءت التسوية من قبل حلف الناتو وتحت القيادة الأميركية. إن انضمام تركيا سيسمح لها أن تؤدي دورًا رئيسًا في سياسة الأمن والدفاع المشترك للاتحاد الأوروبي، لأنها بيّنت أنها تحتل مركزًا بارزًا في هذا المجال بفضل موقعها الجغرافي، الأمر الذي يجلب منافع لأمن الاتحاد وللعمليات الدولية في مناطق عديدة من الكونغو إلى غرب البلقان، ومن أفغانستان إلى السودان[80].
بالنسبة للقضية الفلسطينية، ستضطر أوروبا إلى حماية أفضل للشعب الفلسطيني لأنها ستصبح على حدود الصراع العربي (سوريا، لبنان وفلسطين) - الإسرائيلي، وبخاصة في ظل تشنج الأوضاع الديبلوماسية بين تركيا واسرائيل.
وفي حال الإنضمام، على تركيا السيطرة على الحدود الشرقية لتجنب مشكلات حدودية، وعليها تطوير نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية لكي تستطيع منح ذلك الدور أيضًا للاتحاد الأوروبي.
إن ترتيب الحدود الداخلية الجديدة للإتحاد سوف يمثّل تحديًا، ويتطلب استثمارًا مهمًا وتعاونًا وثيقًا بين تركيا والاتحاد الأوروبي في إطار قضايا تنظيم الهجرة والنـزوح، والملاجئ، والمستشفيات، ومكافحة منظمات الجريمة والإرهاب، وتجارة الأعضاء البشرية، والمخدرات، وتهريب السلاح وغيرها.
وفي حال انضمامها، ستكون تركيا نموذجًا مهمًا للدول الإسلامية، تلتزم بمجموعة من المبادئ التي يعدّها الأوروبيون أساسية؛ مثل الليبرالية والديمقراطية، كاحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية وحكم القانون مما سيدفع بهذه الدول إلى إيجاد حلول لبعض مشكلاتها على هذه الأصعدة ولاسيما في قضايا الأقليات الدينية، المذهبية، العرقية، وتداول السلطة، ومكافحة الفساد وردم الهوات الطبقية. غير أنها، ستحوّل القضايا الإسلامية فيها إلى قضايا أوروبية نظرًا لأن الديانة الرئيسة في تركيا هي الإسلام وإن كانت علمانية، فها هي قضية الحجاب قد أقرّت مؤخرًا في تركيا وسمح بارتدائه في الجامعات على عكس ما أوصى به الاتحاد الأوروبي.
ما من شك أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي له انعكاسات وتداعيات إيجابية كثيرة على العلاقة الأوروبية مع العالمين العربي والإسلامي. إن مجرد قبول أوروبا المسيحية في معتقدها الديني، لتركيا المسلمة، هو إشارة إلى أن العامل الديني لا يقع في أساس التعامل الأوروبي مع المسلمين، مما يفسح في المجال أمام مرحلة جديدة في علاقة جيدة بين المسلمين والمسيحيين، ويطوي صفحات ماضية سلبية طبعت تاريخ العلاقة بين الجانبين. وهنا يكمن الحوار الحقيقي والتفاعل بين الحضارات والأديان، وتعيش الجاليات الإسلامية باستقرار داخل أوروبا والعكس صحيح. بذلك يتأكد أن الاتحاد ليس بنادٍ مسيحي حصري، لكن على الأغلب هو اتحاد للقيم الديموقراطية، وبضم تركيا إلى عضويته، يكون مثالاً لتجنب صراع الحضارات. إن النموذج التركي سيكون فرصة للعالم الإسلامي للإستفادة منه، كما سيستفيد الإتحاد الأوروبي، خصوصاً مع ربطه تصاعد الإرهاب «بالدين الإسلامي»، من خلال الدعوة إلى شرق أوسط جديد ديموقراطي. لكن نجاح النموذج التركي ضمن المظلة الأوروبية، مشروط بمدى محافظته على الهوية الإسلامية والخصوصيات الثقافية للمجتمع التركي[81]. لكن على تركيا ذاتها أن تُكسب العلاقات الدينية طابعًا مدنيًا وتحقق الفصل الكامل بين الدين والدولة أكثر وضوحًا ما هو عليه اليوم، وتتخلى عن تسيير الشؤون الدينية، وعدم إعاقة الطوائف غير المسلمة عن ممارسة طقوسها الدينية كما طالبها البابا العام 2006 في أثناء زيارته لها[82].
12- تأثير عدم انضمام تركيا الى الإتحاد الأوروبي
ستفقد أوروبا صدقيتها في حال لم تنضم تركيا إليها بعد أن تنفذ جميع الشروط المطلوبة منها، عندها ستتأكد الاسباب الحضارية والدينية. لكن الخوف أن تعود تركيا إلى وجهها القديم الذي حاولت علمانية أتاتورك[83] أن تعدّل من ملامحه في اتجاه ليس فقط أن يكون أوروبيًا بل ألاّ يكون أيضًا مسلمًا، بذلك تكون العلمنة مجرد أداة لنوع الهوية الإسلامية لتركيا، وليس رافعة باتجاه الاوربة والحداثة. وفي حال عدم انضمامها، ستجد تركيا نفسها من جديد خط تماس دينيًا مع أوروبا مما سيؤكد واقعية صدام الحضارات. من الممكن أن يخلق حاجزًا دينيًا خطيرًا أمام استمرار التواصل بين المجتمعات الأوروبية المسيحية وبين المجموعات الإسلامية فيها.
أما على صعيد العالم الإسلامي، فإن رفض عضوية تركيا سيحدث نتائج عكسية وسلبية على محاولات إقامة ديمقراطيات وحريات بالمفهوم الغربي[84]، كما ستفقد أوروبا في ظل استمرار الصراع العربي-الإسرائيلي، تعاطف المسلمين الذين يقدّرون عاليًا موقفها الحالي المتمايز عن أميركا، وسيضعونها في الموقع ذاته مع واشنطن. ومن المتخوف أيضًا، أن تتجه تركيا في حال عدم انضمامها، إلى تأسيس عالم خاص بها، مع القوقاز وآسيا الوسطى، عبر إعادة إحياء فكرة الطورانية من جديد بعد ما سعى أتاتورك لطيّها عبر تطلّع تركيا الجمهورية إلى الحضارة الأوروبية. تعي تركيا اليوم أهمية آسيا الوسطى فيما تأخذ في الاعتبار وجود مصالح روسية وإيرانية وصينية في المنطقة. من هذا المنظار، اعتمدت تركيا سياسة براغماتية منذ سنة 2005، وهي تبني عليها عبر منح الأولوية بطريقة منهجية ومنظمة للتنمية الاقتصادية، وتفادي التلهّي باعتبارات محض سياسية. لكن هذا لا يعني على الاطلاق أن تركيا تنخرط مع جيرانها الشرقيين في آسيا الوسطى على حساب البقية. بل على العكس تمامًا. تهدف تركيا إلى أن تكون بلدًا مركزيًا عند تقاطع منطقة تحتل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، وقوة اوراسية أساسية داخل الاتحاد الأوروبي. ومن هنا تدرك انقرة أن عمليّتي الدمقرطة والاوربة اللتين ساعدتاها على تحقيق انجازات اقتصادية وسياسية لافتة في الاعوام العشرة الاخيرة، ساهمتا في توليد تأثيرات تجارية وديبلوماسية تمتد إلى علاقاتها مع جيرانها في آسيا الوسطى. جلبت تركيا الاستقرار الاقتصادي والسياسي الى ذلك الجزء الاساسي من العالم الذي يشكل رابطًا حيويًا بين أوروبا الغربية وآسيا.
وإذا لم تدخل تركيا الاتحاد الأوروبي، على الأرجح فإنها على الأرجح ستأخذ خيارات إقليمية ودولية جديدة، وهذا ما بدأت به مع روسيا وإيران والصين، إذ سيمسكون، في حال اتفاقهم، بمفاتيح اوراسيا، جغرافيًا واقتصاديًا، وسيحتلّون موقع المتحكم في الاقتصاد العالمي وطرق إمداد الطاقة إلى أوروبا، خصوصًا وأن عبور الغاز إلى الاتحاد الأوروبي سيجري عبر تركيا، عبر «خط أنابيب نابوكو»[85].
كما أن الشراكة الاستراتيجية الصينية-التركية بدأت بالفعل عام 2010، عندما استضافت تركيا الصين كضيف شرف في تدريبات «نسر الاناضول» الجوية العسكرية بين 20 ايلول و4 تشرين الاول 2010، وهي المرة الاولى التي تقوم فيها الصين بتدريبات جوية مشتركة مع عضو في الناتو، أي تركيا التي تستضيف تلك المناورات سنويًا منذ عام 2001 في قاعدة «قوينا» الجوية وسط الاناضول. إن تلك التدريبات هي محطة أساسية في جهود تركيا الهادفة إلى الحفاظ على جهوزيتها العسكرية وتعزيز العلاقات مع القوات الجوية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الاطلسي[86]. زار رئيس وزراء الصين، «وين جياباو» نظيره التركي اردوغان في تشرين الاول 2010 من أجل تعزيز الروابط التجارية الثنائية. أثنى جياباو على انطلاقة ما وصفه بأنه «شركة استراتيجية» جديدة، وأعلنت الصين وتركيا أن هدفهما هو زيادة التجارة الثنائية من 17 مليار دولار إلى 50 مليار دولار بحلول سنة 2015، و100 مليار دولار بحلول سنة 2020. ورغبت تركيا بشدّة في إرساء توازن عبر استقطاب مزيد من الاستثمارات الصينية وترويج نفسها بوّابة للاسواق في أوروبا، فوقّعت مع الصين ثمانية اتفاقات حول الاستثمار في قطاعات البنى التحتية والمواصلات والاتصالات السلكية والاسلكية. وقال اردوغان أن تركيا تنوي أيضًا إنشاء سكة حديد تربط اسطنبول بالعاصمة الصينية بيجينغ. وفيما يحافظ الجانبان على تنافسيّتهما في قطاعيَ الاقمشة والالكترونيات، أعربا عن التزامهما تشجيع الاعمال الصينية والتركية لتنفيذ مشاريع مشتركة في الاسواق الناشئة في الشرق الاوسط وأفريقيا وآسيا[87]. اقترحت الصين وتركيا التطوير المشترك لروابط حديثة في قطاع المواصلات من أجل تسهيل التواصل مع البلدان التي تقع بينهما. أعلنت تركيا سنة 2011 عام الصين التي سارعت بدورها الى التعبير عن امتنانها لتركيا عبر إعلان سنتها في 2012. من المقرر أن يزور رئيسا البلديَن بعضهما خلال سنة 2011، كما أعلن وزير خارجية تركيا، أحمد داود اوغلو، أن بلاده تنوي توسيع حضورها الدبلوماسي في مختلف أنحاء الصين عبر زيادة عدد القنصليات، وأعلن عن دعم أنقرة لمحاربة القوى الارهابية في تركستان الشرقية، أي في شينجيانغ، وأيّد مبدأ «الصين الواحدة» الذي يعتبر تايوان جزءًا سياديًا من الصين. وفي كلام مبطّن تضمن على الارجح تلميحًا إلى تحرّكات ناشطي الجالية الاويغورية في تركيا، جدّد اوغلو التزام بلاده التصدي لأي نشاطات تحصل داخل تركيا وتهدّد سيادة الصين وسلامة أراضيها[88].
إن فهم الخلفية الكامنة وراء النـزعات الاخيرة في العلاقات الصينية-التركية يعطي فكرة واضحة عن الاستراتيجية الجديدة بين البلدين والتي تلوح في الافق. تأتي مشاركة الصين في مناورات «نسر الاناضول» كضيفة على دولة عضو في الناتو وسط تصاعد الانتقادات في واشنطن للسياسات الاقتصادية الصينية، ولا سيما للطريقة التي تدير بها الصين عملتها، والتشنجات المحتدمة بين الصين وجيرانها، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، على خلفية النـزاعات على الاراضي في بحر الصين الجنوبي. يشكّل الموقف الأميركي من البرنامج النووي الإيراني عنصرًا خلافيًا كبيرًا آخر يعكّر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وربما يدفع ببيجينغ إلى التقرب أكثر من انقرة التي تتوافق معها حول الملف الإيراني النووي. إن الجهود التي تبذلها الصين للتودّد إلى تركيا، هي جزء من استراتيجيا أوسع للتصدّي للخطوات التي تتخذها واشنطن في شرق آسيا وأماكن أخرى حيث تعتبر الصين مصالحها مهدّدة[89].
إن تركيا حليفة مقرّبة من الولايات المتحدة والغرب، لكن روابطها معهم تعرّضت في الاعوام الأخيرة لضغوط متزايدة بسبب خلافات حول السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الاوسط، وحول عدم وضوح موقف الاتحاد الأوروبي من مسألة انضمام تركيا إليه. نتيجةً لذلك، يبدو أن تركيا اختارت سياسة خارجية أوسع نطاقًا تبتعد عن التركيز التقليدي على الغرب وتتحوّل نحو مقاربة أكثر توسّعًا تشمل التودّد إلى الخصوم السابقين مثل الصين لتصبح من شركائها الجدد.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإنه سيخسر استراتيجيًا قوة إقليمية في ظل تزايد دور تركيا في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، وسيخسر سوقًا كبيرًا، ويدًا عاملة شابة، كما إنه من الممكن استعادة الصراع التاريخي والحضاري والجغرافي بين كل من تركيا من جهة واليونان وأرمينيا من جهة ثانية.
على أي حال، فإذا لم تنجح تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فذلك لن يخلو من فائدة بالنسبة إليها، لقد اعتبر اردوغان بأن المجهود الذي يبذله في سبيل ضم بلاده إلى الاتحاد لا يتعلق نجاحه بـ «نعم» أو «لا» الأوروبية، بل بمقدار ما يحرر تركيا من قبضة المؤسسة العسكرية، وفتح مجال واسع للمجتمع المدني التركي في التعبير عن نفسه، لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية قدر المستطاع.
الخاتـمة
تركيا بحاجة الى الإتحاد الأوروبي، و«تريد» عضوية كاملة معه و«ليس» شراكة مميزة.
الإتحاد الأوروبي بحاجة إلى تركيا، و«يريد» شراكة مميزة معها و«ليس» عضوية كاملة.
بالفعل إنها علاقة حائرة. فتركيا والاتحاد الأوروبي: إلى أين؟
[1]- من هو الاتحاد الأوروبي: دعا وزير الخارجية الفرنسية روبرت شومان في 9 أيار 1950 إلى إنشاء «الجماعة الأوروبية للفحم والصلب»، على أساس أنهما مادتان أساسيتان في صناعة أدوات الحرب، من عضوية كل من فرنسا وألمانيا الغربية لتطوير آلية للتعاون السلمي بينهما، ومنع قيام حرب جديدة بينهما على أن يترك الباب مفتوحًا للدول الأخرى. وهكذا تمّ توقيع «معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب»(CECA) في باريس في 18 نيسان 1951 بين كل من فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، اللكسمبورغ وإيطاليا. كانت جهود الاندماج الأوروبي على الصعيد الاقتصادي تسير بوتيرة أسرع منها على الصعيدين العسكري والسياسي، فتمّ توقيع معاهدة روما في 25 آذار 1957 وإنشاء الجماعة الأوروبية التي ضمت جماعة الطاقة الذرّية الأوروبية التي يطلق عليها اختصاراً اليوراتم Euratom والجماعة الاقتصادية الأوروبية (CEE) التي دخلت حيّز التنفيذ في الأول من كانون الأول 1958.
انضمت إلى الجماعة الأوروبية في العام 1973 كل من بريطانيا، الدانمارك وايرلندا. وفي كانون الثاني 1981 انضمت اليونان. في كانون الثاني 1986 انضمت إسبانيا والبرتغال. في كانون الثاني 1995 انضمت السويد، فنلندا والنمسا، في أيار 2004 انضمت بولندا، المجر، سلوفاكيا، سلوفينيا، جمهورية التشيك، لاتفيا، ليتوانيا، استوفيا، قبرص ومالطا وفي كانون الثاني 2007 انضمت رومانيا وبلغاريا.
قامت الجماعة الأوروبية بتدعيم مجالات الاندماج إذ أنشئت آلية للتعاون في العام 1970 في مجال السياسة الخارجية، أقيم النظام النقدي الأوروبي في العام 1979 لتحقيق الاستقرار المالي بين الدول الأعضاء، واستكمل مشروع السوق الموحدة عام 1987 بنهاية عام 1992. وقّعت «معاهدة ماستريخت» أو معاهدة الاتحاد الأوروبي في 7 شباط 1992، التي دخلت حيّز التنفيذ في الأول من تشرين الثاني 1993 أعطت للجماعة اسمها الجديد وهو «الاتحاد الأوروبي» ودعّمت الوحدة الاقتصادية والنقدية والسياسة الخارجية والأمنية والسياسات الداخلية. وأنشأ البنك المركزي الأوروبي في تموز 1998 في مدينة فرانكفورت الألمانية، وتم إصدار أول عملة أوروبية موحدة «اليورو» في كانون الثاني 1999. أما أهم الأجهزة الإدارية في الاتحاد الأوروبي هي المجلس الأوروبي، مجلس الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي. راجع، Christophe Degryse, "Dictionnaire de l’Union Européenne", 3ème éd., De Boeck, Bruxelles, 2007.
[2]- لقمان عمر النعيمي، "تركيا والاتحاد الأوروبي"، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، عدد 120، أبو ظبي، 2007، ص 12.
[3]- لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 15.
[4]- هانيش كرامر، "تركيا المتغيرة تبحث عن ثوب جديد"، ترجمة فاضل جتكر، مكتبة العبيكان، الرياض، 2001، ص 314-315.
[5]- Pinar BILGIN, «Turkey and the EU; yesterday’s answers to tomorrow’s security problems?», Bilkent University, Department of International Relations, Ankara, May 2001, pp. 38-47.
[6]- ألين كيروز، "أوروبا مع أو من دون تركيا"، رسالة دبلوم في الترجمة غير منشورة، جامعة الروح القدس- الكسليك، 2006، ص 17.
[7]- المرجع نفسه، ص 20.
[8]- المرجع نفسه، ص 38. ومحمد نور الدين، "تركيا الجمهورية الحائرة، مقاربات في الدين والسياسة والعلاقات الخارجية"، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، 1998، ص 37-44.
[9]- Elise Massicard, «L’Islam en Turquie, pays musulman et laïc», La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.55-68.
[10]- Samuel Huntington, "The clash of civilizations and the remaking of world order", Simon Schuster, London, 1996.
[11]- ألين كيروز، مرجع مذكور، ص 22.
[12]- استقطب الاستقلال السياسي لبلدان آسيا الوسطى في مطلع التسعينات انتباه انقرة إلى تلك المنطقة الجغرافية الواسعة التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي، ما أضفى بعدًا شرقيًا جديدًا على السياسة الخارجية التركية. كانت تركيا أول بلد يبادر إلى الاعتراف بدول آسيا الوسطى المستقلة سنة 1991 (كازاخستان-توركمينيستان-أوزبيكستان-تادجيكستان-كيرجيزيستان) ما سمح لها بأن تملئ الفراغ في السلطة تدريجيًا في تلك المنطقة الذي تولّد بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي. حدّدت هذه السياسة الجديدة العلاقة بين تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى في شكل أساسي من خلال المصالح الاقتصادية المشتركة. فتركيا هي الآن بين أول ستة شركاء تجاريين في اقتصادات آسيا الوسطى. صالح دوغان ومصطفى كوتلاي، «تركيا وآسيا الوسطى؛ روابط اقتصادية حديثة»، النهار في 24 كانون الثاني 2011، عدد 24105، ص 9.
[13]- عرفت تركيا خلال النصف الأول من العام 1963 فرقًا واضحًا في ميزانها التجاري، إذ قدّرت وارداتها بحوالي 290 مليون دولار، بينما بلغت صادراتها في الفترة نفسها 174 مليون دولار.
[14]- ألين كيروز، مرجع مذكور، ص 6-7.
[15]- محمد نور الدين، "تركيا الجمهورية الحائرة"، ص 40-41.
[16]- Sylvain KAHN, "Géopolitique de l’Union Européenne", Armand Colin, Paris, 2007, pp.89-95.
[17]- , Microsoft Encarta 2007 [CD].«Turquie»
[18]- رضا محمد هلال، «حول عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي»، السياسة الدولية، عدد 132، نيسان 1998، ص 233-234.
[19]- فؤاد نهرا، «الإتجاهات السياسية في أوروبا وقضية انضمام تركيا»، شؤون الأوسط، عدد 116، خريف 2004، ص 79.
[20]- Emmanuel Zakhos-Papazakhariou, «Makarios III», "La Turquie aujourd’hui un pays européen", Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.173-175.
[21]- عدنان حطيط، "قبرص، الوجه الآخر للقضية"، بيروت، 1987، ص77-87.
إن النـزاع بين تركيا واليونان ليس بجديد، بل هما يختلفان على كل شيء منذ ستة قرون مع احتلال العثمانيين شبه جزيرة البلقان، ويتنازعان بين فكرتي الهيلينيّة والعثمانية، وحول المياه الإقليمية والمجال الجوي والجزر والتنقيب على النفط في بحر ايجه الذي يقع بينهما، بالإضافة إلى صراعات عرقية وطائفية استجدت بعد انتهاء الحرب الباردة.
محمد نور الدين، "تركيا في الزمن المتحوّل؛ قلق الهوية وصراع الخيارات"، رياض الريّس للكتب والنشر، بيروت، 1997، ص291-295.
[22]- البلقان، شبه جزيرة شرقي أوروبا الجنوبية بين بحار الأسود ومرمرة وإيجه والادرياتيكي، تضم سلوفينيا، وكرواتيا، وصربيا-مونتينيغرو، وبوسنا-الهرسك، ومقدونيا، وألبانيا، وبلغاريا، واليونان، والقسم الاوروبي من تركيا.
[23]- Ali Kazancigil, "La question chypriote, La Turquie aujourd’hui un pays européen", Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.165-172.
[24]- أرول اوزكوراي، «الجيش التركي والاتحاد الأوروبي»، قنطرة، 2007.
[25]- ظافر سينوجاك، «تركيا أمام امتحان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي»، قنطرة، 2006.
[26]- أرول اوزكوراي، مرجع مذكور.
[27]- Hamit Bozarslan, «La question kurde est-elle soluble dans l’Europe?», La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.81-94.
[28]- Microsoft Encarta 2007
[29]- «تقدّم في المفاوضات التركية-الكردية»، النهار في 22 آذار 2011، العدد 24340.
[30]- محمد مصطفى كمال وفؤاد نهرا، "صنع القرار في الاتحاد الأوروبي والعلاقات العربية-الأوروبية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 131-138.
[31]- أبرز الشروط التي نصّت عليها معايير كوبنهاغن المطلوبة من البلد المرشح ما يلي:
- أن يكون فيه مؤسسات مستقرة تضمن الديمقراطية، وأولوية القانون، وحقوق الإنسان، واحترام الأقليات وحمايتهم.
- وجود اقتصاد سوق قابل للحياة، وكذلك قدرة على مواجهة الضغط التنافسي وقوى السوق داخل الإتحاد.
- قدرة البلد المرشح على الإضطلاع بواجباته ولاسيما الإلتزام بأهداف الاتحاد السياسية والاقتصادية والمالية.
Sylvain Kahn, « Géopolitique de l’union européenne », Armand Colin, Paris, 2007, pp.67-70.
[32]- Birol Yesilada, «Turkey’s candidacy to join the European Union», Middle East Journal, vol. 56, n01, Winter 2002, pp. 104-105.
[33]- هاينش كرامر، مرجع مذكور، ص 95.
القوقاز، سلسلة جبال في جنوب روسيا تمتد بطول 1300كلم بين البحر الاسود وبحر قزوين، وتعتبر حدودًا فاصلة بين أوروبا وآسيا. ويطلق إسم بلاد القوقاز على جمهوريات أرمينيا وجورجيا وآذربيجان.
[34]- Bulent Aliriza, «Turkey, European Union and the United States», Washington, Center for strategic and international studies, April 12, 2003, p.12. <http://www.csis.org>
[35]- هاينش كرامر، مرجع مذكور، ص 327.
[36]- لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 28.
[37]- Ziya Onis, «An Awkward partnership; Turkey’s relation with the European Union in Comparative-Historical perspective», European Integration History, n013, spring 2001, pp. 55-56.
[38]- Ziya Onis, «Luxemburg, Helsinki and Beyond; Towards an Interpretation of Recent Turkey-UE relations», Government and opposition, vol. 35, n0 4, October, 2004.
[39]- John C. Hulsman and Brett D. Shaaffer, «Why a pro-western Turkey is a US policy priority?», Heritage foundation, Washington, n0 845. December 13, 2002, p.12. <http://www.heritage.org>
[40]- . Ziya Onis, «Luxemburg, Helsinki and Beyond», op. cit
[41]- فؤاد نهرا، مرجع مذكور، ص 81.
[42]- Olli Rehn, «Common future of the EU and Turkey; Roadmap for the reforms and negotiations», Istanbul, 2005.<http://europa.eu/rapid/press releases action. do?>
[43]- بلغت نسبة البطالة في تركيا العام 2001، 11،8٪، وتدهور سعر صرف الليرة، إذ بلغ سعر صرف الدولار مقابل الليرة مليونًا ونصف المليون ليرة، وبلغ الدين الداخلي 76 مليار دولار، والدين الخارجي 117 مليار دولار، وبلغ العجز في الموازنة نسبة 9٪، وأصبحت المديونية العامة تفوق بكثير إجمالي الناتج القومي.
[44]- حزب العدالة والتنمية هو حزب شعبي، لا يملك إيديولوجيا محدّدة ثابتة. أعضاؤه، إسلاميون محافظون، كانوا مهمّشين سابقًا. إن هذا الحزب متمثل في كافة المناطق وداخل طبقات الشعب ولدى الأفراد بمختلف أعمارهم. هو الحزب الوحيد القادر على دمج أكراد جنوب شرقي البلاد في النظام السياسي التركي، وعلى كسب أصواتهم. استطاع هذا الحزب ان يضم إليه شخصيات بارزة من مختلف الأحزاب الأخرى، وأن يكون مقبولاً من العلويين والأقليات المسيحية الأخرى. من مفاهيمه دولة القانون، الانفتاح الاقتصادي والثقافي، التعددية، الأمر الذي يشكل حظراً على النظام السياسي التركي وخاصة على العسكر. غونتر زويفرت، «تفسير نتائج الانتخابات البرلمانية في تركيا؛ وصول الإسلاميين إلى وسط المجتمع»، ترجمة عارف حجاج، قنطرة، 2007.
[45]- نيميت شيكر، «عودة الرجل المريض-تركيا الاردوغانية على خطى الدولة العثمانية؟»
Quantara.de/webcom/show-article. php/-c-340/-nr-64/-p-1/i-htmlhttp://ar.
[46]- Valérie AMIRAUX, «Turquie et Union Européenne; de la migration à l’intégration?», La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.69-80.
[47]- Valérie Amiraux, op., cit., p.p.69-80.
[48]- The Washington Post, December 18,2002.، وفؤاد نهرا، مرجع مذكور، ص 79.
[49]- سوزانة غوستين، «سياسة الحكومة التركية تجاه الأكراد، خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء»، ترجمة عارف حجاج، قنطرة، 2007.
[50]- النهار في 22 آذار 2011، عدد 24340.
[51]- Burcu Gültekin, op. cit.,p.54.
[52]- الشرق الأوسط، «تركيا تمهد لانضمامها للاتحاد الأوروبي بعملة جديدة»، لندن في 2 كانون الثاني 2005.
[53]- سوزانة غوستين، «سياسة تركيا الأوروبية بعد الانتخابات، أنقرة تتطلع من جديد إلى بروكسل»، ترجمة رائد الباش، قنطرة، 2007.
[54]- لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 38.
[55]- المستقبل، في 20 كانون الأول 2004.
[56]- الشرق الأوسط، لندن، في 8 آذار 2005.
[57]- Christophe Chiclet, «Le génocide arménien», La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.157-164.
[58]- لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 42.
[59]- الشرق الأوسط، «برلمان الاتحاد الأوروبي يدعو أنقرة للاعتراف بمذبحة الأرمن»، لندن، 3 تشرين الأول 2005.
[60]- سوزانة غوستين، مرجع مذكور.
[61]- لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 44-45.
[62]- خليل فليحان، «تركيا لم توقف مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي»، النهار، في 18/1/2011، عدد 24278، ص 4.
[63]- أورهان باموك، «لماذا فقدت ثقتي بأوروبا»، النهار في 21/1/2011، عدد 24102، ص 9.
[64]- اندرياس ماركيتي، «ما هو سبيل تركيا للالتحاق بالاتحاد الأوروبي؟»، قنطرة، 2007.
[65]- ظافر شينو جاك، «الرئيس الفرنسي ساركوزي وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي»، قنطرة، 2007.
[66]- دانييلا شرودر، مرجع مذكور.
[67]- المرجع نفسه.
[68]-الزمان، لندن في 13 نيسان 2006، «برلين: تركيا غير مؤهلة في الوقت الراهن لعضوية الاتحاد الأوروبي»، نقلاً عن لقمان عمر النعيمي، مرجع مذكور، ص 47.
[69]- إميل مينتشيف، «مواقف دول أوروبا الشرقية من قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، علاقات فاترة مع أنقرة»، قنطرة، 2007.
[70]- خليل فليحان، مرجع مذكور.
[71]- بهاء غونغور، «تركيا محك لأوروبا لإثبات مصداقيتها»، قنطرة، 2007؛ ودانييلا شرودر، «كبرياء أنقرة في مواجهة بيروقراطية بروكسل»، قنطرة، 2007.
[72]- شيلا بن حبيب، «جدل حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي: نادي رجال البيض؟»، قنطرة، 2007. تجدر الإشارة أن امرأة أردوغان ترتدي الحجاب.
[73]- صالح دوغان ومصطفى كوتلاي، مرجع مذكور، ص 9.
[74]- أحمد داود أوغلو، «لسنا بحاجة إلى خارطة طريق، بل الوصول إلى نهاية الطريق»، قنطرة، 2008.
[75]- احمد داود اوغلو، مرجع مذكور.
[76]- «تركيا الأردوغانية على خطى الدولة العثمانية»، مرجع مذكور.
[77]- إذاعة الجزيرة، في 24/3/2011.
[78]- Olivier Roy, «La Turquie monde à part ou nouvelle frontière pour l’Europe?», La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.15-28.
[79]- مثال على ذلك:
- تتنافس تركيا مع العراق وسوريا على استغلال مياه نهري دجلة والفرات.
- المنافسة الطبيعية بين تركيا وروسيا بشأن نشر نفوذهما في دول القوقاز وآسيا الوسطى. هذه المسألة ممكن أن تعرقل تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، على الرغم من حرص تركيا وروسيا اليوم على تحسين علاقاتهما الثنائية.
- المسألة الكردية في تركيا، إذ من الممكن أن تسبب مشاكل ما بين الاتحاد الأوروبي وكل من إيران والعراق وسوريا حيث يتواجد أكراد أيضًا.
[80]- خليل فليحان، مرجع مذكور.
[81]- محمد نور الدين، «قوس العلاقات المتعرج»، قنطرة، 2007.
[82]- اندرياس ماركيتي، مرجع مذكور.
[83]- Elise Massicard, op.cit., pp.55-67.
[84]- Gilles Dorronsoro, «La Turquie une démocratie sous contrôle", La Turquie aujourd’hui un pays européen, Encyclopaedia Universalis, France, 2004, pp.29-40.
[85]- تركيا والإتحاد الأوروبي الى أين؟ قنطرة، 2007.
[86]- كريس زامبيليس، «الشراكة الاستراتيجية الصينية-التركية»، النهار في 24 كانون الثاني 2011، عدد 24105، ص 9.
[87]- فايننشال تايمز، لندن، في 8 تشرين الاول 2010.
[88]- كريس زامبيليس، مرجع مذكور.
[89]- كريس زامبيليس، مرجع مذكور.
Confused relations between Turkey and the European Union
It seems that the Turkish – European relations are getting closer to a new turning point especially since Turkey resorts to a non-confrontational policy with the different Arab, Asian and African countries while entering in double strategies with Russia, Iran and China, the fact that increased its geopolitical and geo-strategic importance and confused the Europeans on how to deal with it because they do not wish for its complete membership in the Union, rather they prefer a special partnership to the contrary of what Turkey strives for.
The Turkish Republic filed for an official petition to join the European Club (European Union) on the 14th of April 1987. on the 31st of December 1995 an agreement of Customs Union was signed between Turkey and the European Union. On the 12th of December 1999 (Helsinki summit), Turkey was officially recognized as a candidate for a full membership in the European Union and official negotiations between both sides started to complete the affiliation on the 3rd of October 2005.
The European world currently draws the attention especially after the breakup of the Soviet Union (1991) and the end of the Cold War in view of the fact that some parties considered that this Union will ensure International balance in the face of the United States of America. However, International experts and observers concur in saying that the pole which is prepared to play this role might be China or Japan.
The majority of the Turks took the strategic decision of joining the European Union, stressing the importance of their geopolitical location, and considered that their membership brings essential interests to both sides whereas the European Union differentiate between the same interests, moreover, the stances of the member countries are conflicting with regard to what will Europe become with or without Turkey. The Issue of Turkey’s adherence to the European Union exceeds the mutual economic and security interests for it is related to the oppositeness in perspectives and to the different identities. This means that the religious factor represents a real and serious obstacle hindering Turkey’s adherence to the European Union.
This study attempts to review Turkey’s journey to join the European Union during the stage extending from 1959 until 2011 in addition to monitoring the mutual stances of both sides as well as the attempt to perceive the potential expectations concerning the effect of Turkey’s adherence or non-adherence to the European Union.
Les relations confuses entre la Turquie et l'Union européenne
Il semble que les relations européennes et turques abordent un nouveau tournant surtout depuis que la Turquie a adopté une politique de non-confrontation avec les différents pays arabes, asiatiques et africains tout en entrant dans les stratégies avec la Russie, l'Iran et la Chine. Ce fait a accru son importance géopolitique et géo-stratégiques et ont troublé les Européens sur la façon de traiter avec elle car ils ne souhaitent pas son adhésion complète à l'Union mais ils préfèrent un partenariat privilégié avec elle.
La République turque a déposé une pétition officielle pour rejoindre l’Union européenne le 14 avril 1987. Le 31 Décembre 1995, un accord d'union douanière a été signé entre la Turquie et l'Union européenne. Le 12 Décembre 1999 (Sommet d'Helsinki), la Turquie a été officiellement reconnue comme candidat potentiel pour une pleine adhésion à l'Union européenne et les négociations officielles entre les deux côtés ont commencé à remplir l'affiliation le 3 Octobre 2005.
Le monde européen attire actuellement l'attention surtout après l'éclatement de l'Union soviétique (1991) et la fin de la guerre froide parce que certaines parties ont considéré que cette Union assurera un équilibre international pour les États-Unis. Cependant, les experts et observateurs internationaux s'accordent à dire que le pôle qui est prêt à jouer ce rôle pourrait être la Chine ou le Japon.
La majorité des Turcs a pris la décision stratégique de rejoindre l'Union européenne, soulignant l'importance de leur situation géopolitique, et estimant que leur adhésion apporte intérêts essentiels des deux côtés de l'Union européenne, par ailleurs, les positions des pays membres sont contradictoires à l'égard de ce que va devenir l'Europe avec ou sans la Turquie. La question de l'adhésion de la Turquie à l'Union européenne dépasse les intérêts économiques mutuels et de sécurité car elle est liée à l’opposition dans les perspectives et les différentes identités. Cela signifie que le facteur religieux constitue un obstacle réel et sérieux qui entrave l'adhésion de la Turquie à l'Union européenne.
Cette étude tente d'examiner le périple de la Turquie pour rejoindre l'Union européenne durant la phase qui s'étend de 1959 jusqu'en 2011. Le chercheur étudie également les positions mutuelles des deux parties ainsi que la tentative de percevoir les attentes potentielles concernant l'effet de l'adhésion de la Turquie à l'Union européenne.