- En
- Fr
- عربي
تسلح وتكنولوجيا
العدو يتخذ تدابير لحماية المقيمين في جـوار منشآتـه النوويــة والأراضــي العربية المحتلة مدفن لنفاياته الـخطرة
خرجت مسألة مفاعل ديمونا الإسرائيلي عن إطار الجدل الإقليمي حول السلاح النووي لتصبح خطراً داهماً في المنطقة خصوصاً وأن المفاعل أصبح قديماً جداً، والأضرار الناجمة عن وجوده في المنطقة تتفاقم. وقد أطلق خبراء أردنيون ومصريون تحذيرات حول الأخطار البيئية والصحية التي تتعرض لها المنطقة العربية جراء التسرب الإشعاعي من ديمونا، مؤكدين ظهور حالات صحية غير طبيعية وارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الدم في مناطق قريبة منه، مما دفع القاهرة وعمان الى تعبئة الجهود لمواجهة هذه الأخطار المحدقة.
أقراص مضادة للإشعاعات
في هذه الأثناء كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها بصدد توزيع أقراص مضادة للإشعاعات على الأشخاص الذين يقيمون في محيط مفاعليها النوويين. وقالت إن الخبراء في الجيش اتخذوا القرار بالتشاور مع الخبراء في اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية ووزارة الصحة. وأقراص “لوغول” التي تحتوي على اليود موجودة منذ نحو عشرين عاماً في وزارة الصحة، وسوف يتم توزيعها تدريجياً خلال وقت قصير في تدبير وقائي. وهذه الأقراص فعّالة ويفترض أن يتم تناولها بسرعة في حال زيادة الإشعاعات في محيط مفاعلي ديمونا ونحال سوريك، خصوصاً في مدينتي ديمونا وأراد. وستوزع هذه الأقراص أيضاً على البدو في صحراء النقب حيث يوجد مفاعل ديمونا، وعلى سكان مدينة يافني القريبة من مفاعل ناحال سورديك جنوب تل أبيب، وذلك بعدما أصبح البناء هزيلاً وينذر بكارثة نووية جراء الإشعاعات النووية المنبعثة من عملية تخصيب اليورانيوم المستخدم في انتاج القنابل النووية داخله. وهنا يذكر أن إسرائيل قد استخدمت في السنوات العشر الأولى لتـأسيس المفاعل المذكور، 100 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، تمت سرقتها من مصنع يملكه العالم اليهودي زالمان شابيرو، الذي شارك في إنتاج أول قنبلة نووية من ولاية بنسلفانيا الأميركية، وقد اكتشفت الولايات المتحدة هذا الأمر بعد عشر سنوات من ذلك. أما مجمل ما استهلكه المفاعل في العقود الثلاثة الأخيرة من اليورانيوم الخام فقد بلغ 1500 طن حصلت اسرائيل عليها من جنوب أفريقيا والأرجنتين.
وقد لجأت إسرائيل في الآونة الأخيرة الى إحداث هزات أرضية مصطنعة لاختبار مقاومة منشآتها النووية، وذلك بافتعال تفجيرات تراوح قوة الواحدة منها بين 3 و4 درجات على مقياس ريختر. وقد أكد المعهد الفيزيو¬جيولوجي الإسرائيلي الممول للتفجير أن خبراء من الجيش يساندهم علماء من المعهد نفسه، قاموا بتثبيت المواد التفجيرية ضمن مستوعبات مرتبطة بمفجِر إلكتروني على مسافة تزيد على 500 متر عن المكان المعد لتفجير المواد فيه، وذلك لقياس قدرة المفاعل على الاحتمال والصمود بوجه الزلازل الطبيعية.
أخطار بيئية يسببها ديمونا
من جهته أكد هارولد هاو الخبير الدولي في القضايا النووية والعسكرية في دراسة نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية “الأخطار البيئية الكامنة وراء استخدام إسرائيل لمفاعلها النووي” في ديمونا ومواصلتها تشغيل هذا المفاعل على الرغم من حالته المتردية واستخدامه طيلة عشرات السنوات الماضية. وقال هاو إنه بعد 40 سنة من العمل في مفاعل ديمونا يتوجب على الخبراء النوويين الإسرائيليين استعراض منظومة السلاح النووي الاسرائيلي من جديد، واتخاذ قرارهم في ما إذا كان هذا السلاح قادراً على الصمود أمام مخاطر القرن الجديد، مضيفاً إن التقارير الداخلية التي تمت صياغتها في مفاعل ديمونا أظهرت أن المفاعل يعاني من ضرر خطير نتيجة الإشعاعات الصادرة عن النيترونات التي تسببت بإلحاق الضرر بمبنى المفاعل. فهذه النيترونات تنتج فقاعات غاز صغيرة تؤدي الى تآكل الدعائم الحديدية للمبنى مما يجعله هشاً وحساساً على الرغم من تغيير أجزاء منه خلال سنوات العمل. ويشير هاو الى أن ثمة خلاف جدي داخل إسرائيل حول مسألة ما إذا كان من الأفضل وقف تشغيل المفاعل بشكل عام قبل حدوث كارثة أم لا. وهو يؤكد إن هذا ليس مجمل الخطر الكبير الذي يشكله مفاعل ديمونا إذ أظهرت تحليلات الصور التي رصدها أحد الأقمار الصناعية الروسية، ان مفاعل ديمونا يتسبب بمشكلة تلوث بيئي هائلة، وعند تكبير الصور بواسطة الحاسوب يمكن رؤية منطقة جرداء بشكل غير طبيعي الى الغرب من المفاعل وهي المنطقة التي تتواجد فيها منشأة معالجة النفايات النووية السامة الناتجة عنه. وعملية إنتاج البلوتونيوم تعتبر من أكثر العمليات خطورة في العالم بحسب التقديرات، فإن كل كيلوغرام من هذه المادة ينتج 11 ليتراً من سائل إشعاعي سام لم يفلح للآن الخبراء والمختصون بالتخلص منه. وعلى الرغم من أن صور القمر الصناعي الروسي تم التقاطها منذ سنوات إلا أن احتمال تحسين الوضع في مفاعل ديمونا هو احتمال ضئيل، بل على العكس من ذلك فالتلوث الناجم عن المفاعل ربما ازداد خطورة بسبب مواصلة العمل به حتى الآن.
إلا أن هاو اعتبر أن المشكلة لا تكمن فقط برغبة إسرائيل بإنتاج البلوتونيوم، بل أيضاً في حاجتـها للحـفاظ على مخـزونها من التريتيـوم الذي يستخدم لزيادة قوة القنـبلة النوويـة وإعداد القنبلة النيترونية.
النفايات النووية في الأراضي المحتلة
في مؤتمر قمة الأرض الثالثة التي عقدت في نيويورك، كشفت الجامعة العربية أن دوائر البيئة فيها تلقت خلال السنوات الفائتة عشرات التقارير من الدول المحيطة بإسرائيل، والتي تؤكد دفن آلاف الأطنان من النفايات النووية والكيميائية والبيولوجية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وهذا ما أكدته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية التي قالت إن إسرائيل تدفن كل سنة مخلفات نووية ساخنة تقدر بـ2000 متر معكب، وإن هذا الرقم تضاعف وهو في تزايد مستمر. والأخطر من ذلك أن هذه النفايات النووية المدفونة في باطن الأرض قد تسرب منها اشعاع قاتل الى المياه الجوفية المحيطة، بل أن المياه الجوفية الملوثة بالإشعاع قد شربها بالفعل وما زال يشربها سكان سهل الأردن. وقد اشتكى عشرات المواطنين من ظهور حالات بثور جلدية لدى تلاميذ المدارس، ووجود حالات ولادات غريبة حتى بين الحيوانات، وارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الدم في محافظة الطفيلة الواقعة على الحدود الأردنية الجنوبية، وكذلك في مناطق معان والشوبك ووادي عربة.
وفي القاهرة كشف الخبير المصري المكلف رسمياً الملف النووي طارق النمر، أن مصر نجحت في إقناع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخطورة استمرار مفاعل ديمونا في وضعه الحالي من دون اخضاعه لأي رقابة دولية، على اعتبار أنه بات يمثل خطورة حقيقية على الأوضاع البيئية والصحية في المنطقة. وهي خطوة اعتبرها النمر ضرورية وأولية.
وأكـد الخبير المصري أنه عرض على خبراء الوكالـة نتائج الفحـص الإشعـاعي لنباتات وحيوانات في قـرى تقع في قلب الدلتا المصرية، وأثبتت النتائج التي عرضها في مؤتمـر عقد في جمهوريـة تشيكيا، ارتفاع معدل الإشعاع الذري بصورة غير مسبوقة وكانت مصر استضافـت بعد ذلك فريقاً من خبراء الوكالـة الدولـية أجـرى فحوصـاً مشابهة، وجاءت النتائج متطابقة مع الأرقام المصرية.
وقـد حدد فريـق خبـراء الوكالـة الدولية الأخطار التي تتعرض لها مصر ودول المنطقة جراء التسرب الإشعاعي، حيث أنها تصيب جميع الكائنات الحية بالإضافة الى التربة والمياه الجوفية، والنتائج يمكن مشاهدتها بالعين المجردة على أشجار الزيـتون في منطـقة العريش شمال سيناء.
والسؤال الآن هل إن إسرائيل فقدت السيطرة على مفاعل ديمونا لناحية إجراءات السلامة والأمان؟ فهذا المفاعل أنشئ في الخمسينات وجـرى بعد ذلك توسيعـه مـن دون أن يتـم النظـر الى عامـل الأمان، فإسرائيل سعـت الى الحصـول على الوقود النـووي فقـط من دون اعتـبار لسلامـة البيـئة والإنسان. ومـع العـلم أن الأصوات تعـلو لجعل منطقة الشرق الأوسـط خالية من أسلحة الدمار الشامل، فهل يستطـيع المجتمـع الدولـي إرغام إسرائيل على توقيع معاهدة عدم الإنتشار والضمانات، كي تتمكن الوكالة الدولية من زيارة وتفتيـش قدراتـها على غرار الدول الأعضاء في الوكالة؟
المراجع
- “الحيـاة الجـديـدة” (نشـرة الكتـرونـيـة)، أول تمــوز 2004، الموقـع على الانـتـرنـت.
- القدس العربي (تصدر من لندن)، حزيران، الموقع على الإنترنت.
وكالة “فرانس برس” (في “الحياة الجديدة”(، أول حزيران 2004، تقرير من القدس باسم متحدث في جيش الدفاع الإسرائيلي عن توزيع أقراص مضادة للإشعاعات النووية.
- “هآرتس الإسرائيلية”، ترجمة الشرق الأوسط، 2000/3/5.
- “يديـعـوت أحـرونـوت”7 , نيسـان 2000.
فعنونو: تشرنوبيل ثانية...
ماذا يقول موردخاي فعنونو كاشف الأسرار النووية الإسرائيلية، الذي قضى 19 عاماً في سجون إسرائيل بسبب كشفه أسرارها المدمرة؟ حول الخطر الذي تمثله منشآت إسرائيل النووية يقول فعنونو في حديث صحافي أجرته معه “الوسط”( 26تموز 2004):
“إن مجرد فكرة استمرار وجود السلاح النووي الإسرائيلي هو خطر كبير. فنحن لا نعرف أي رئيس حكومة إسرائيلي أهوج سيصل الى الحكم ويقرر اللجوء الى السلاح النووي في صراعه مع الدول العربية المجاورة. إن ما كشفت عنه (سابقاً) من أسلحة تملكها إسرائيل قادر على تدمير المنطقة وقتل الملايين. ولكن لنقل إن جميع الرؤساء سيكونون من الحكماء ولا يقدمون على خطوة كهذه، إلا أن مجرد مواصلة العمل في المفاعل النووي في ديمونا حتى اليوم هو أمر خطير بحد ذاته. فمرور أكثر من أربعين عاماً على أي مفاعل نووي يصبح ممنوعاً لأن الفترة الزمنية التي تمنع أي تسرب منه تنتهي بعد أربعين عاماً على بنائه. وهذا ما تفعله دول أخرى تملك مفاعلات نووية، إذ تقوم ببناء مفاعل جديد مع انتهاء الفترة، أما في إسرائيل فإن الأمر في غاية الخطورة لأن أي تصدع للمفاعل يعني تسريب المواد المشعة التي تسبب التلوث وتشكل خطراً على المنطقة المحيطة.
الى جانب هذا هناك خطر جدي من القنابل النووية، خصوصاً من نوع النيتروجين والهيدروجين التي تحتفظ بها إسرائيل. والمعروف أن هناك ثلاثة أنواع من الإشعاعات النووية العالية والوسطى والمنخفضة، ولا توجد وسائل تضمن التخلص منها بشكل يحول دون خطر تسربها. وهنا تكمن المشكلة الإسرائيلية في كيفية التخلص من نفايات هذه الإشعاعات. فهي تحتفظ بحاويات لا تمنع بعد وقت معين تسرب هذه النفايات الخطيرة تحت الأرض ومن ثم وصولها الى المياه والمزروعات وتلويثها. وفي إسرائيل يدركون مخاطر هذا الأمر، خصوصاً المعارضة، والجميع ذكر عندما أثار يوسي سيريد القضية وطلب زيارة المنطقة لفحص مدى صدق الحديث عن الأضرار التي تحدثها نفايات هذه الإشعاعات، ففي حينه كان الجهاز الذي حمله سيريد مع الطاقم المرافق له للاختبار مزوراً ولم يجر الفحص من خلال الجهاز الحقيقي الذي يظهر مدى أخطار تسرب الإشعاعات النووية.
إن مثل هذه الزيارات يجب ان تتكرر مرة أخرى، ولكن مع خبراء وأجهزة مخصصة لفحص هذه المخاطر. فعلى المسؤولين والإسرائيليين عموماً وكل سكان المنطقة أن يدركوا بأن الخطر بات اليوم أشد من أي وقت مضى جراء الهزات الأرضية المتواصلة التي شهدتها المنطقة خلال هذه السنة. فإذا وقعت هزة أرضية بقوة أكبر فإن الكارثة ستقع حتماً لأن مفاعلاً قديماً بعمر المفاعل الإسرائيلي الذي تجاوز عمره خمسين عاماً معرض أكثر من أي مكان آخر لتصدعات تتسرب عبرها اشعاعات خطيرة، وعندها استطيع أن أؤكد أن “تشرنوبيل ثانية” ستحدث في منطقة الشرق الأوسط. لأن هزة أرضية قوية تعني تفكيك المبنى الذي يحتوي على الأسلحة النووية، وبالتالي فإن إمكانية التبريد غير واردة وستؤدي الهزة الى ارتفاع درجة حرارة الأرض وانبعاث الدخان بشكل كثيف ووصوله الى الدول المجاورة وتلويث الأشجار والمزروعات والمياه والحيوانات ومن ثم يصل الى البشر”.