أجهزة القيادة

أركان الجيش للتجهيز بحر المهمات والمسؤوليات
إعداد: باسكال معوض بو مارون


«مثلما نحدّد قواتنا ونخطّط لعملياتنا، يجب أن نفهم كيف يمكن للّوجستية أن تؤثر على مفاهيمنا للعمليات... ويجب على القادة تأسيس مفاهيم العمليات بالاستناد إلى ما يعرفون أنّه يمكنهم القيام به لوجستيًا».

 

العميد ألفرد غراي مجلة البحرية الأميركية

 

اللوجستية مهارة خَفيّة قد لا نشعر بها عندما تكون مؤدّاة بشكل جيد، لكنّ أي خلل في إدارتها يؤثّر سلبًا على مجرى العمليات، وقد يقلب الموقف بأكمله. بهذه الجملة التي تلخّص عمل التجهيز بدأ نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد الركن مانويل كرجيان حديثه لمجلة «الجيش» وقال: أركان الجيش للتجهيز مسؤولة بصورة رئيسة عن اللوجستية في الجيش، وهي الركن الرابع في مجموعة الأركان، تُعنى بكل متطلبات الجيش من حيث العتاد والإسناد اللوجستي للوحدات للتمكّن من تنفيذ المهمات.
وخلال المعارك تتضاعف أهمية التجهيز، فتأمين نقل الذخيرة إلى القطع المقاتلة من أبرز مهماته، علمًا أن توفير المستلزمات الأخرى ليس أقل شأنًا في حسم المعركة.


مسؤوليات التجهيز
تضطلع أركان التجهيز بمهمات لا تعدّ ولا تحصى، فهي تهتم بتأمين ما يحتاجه الجيش بدءًا بالأسلحة والذخائر، وصولًا إلى قلم الرصاص. وهي تتولّى تأمين المستلزمات الخاصة بكل من: التأليل، الشؤون الجغرافية، الإشارة، الطبابة، القوات البحرية والجوية، المشاغل، الآليات والعقارات والإنشاءات، بما في ذلك التعديل الذي قد تقتضيه المهمة. كما تؤمن الإمدادات لمختلف القوى، وتوفّر التغذية للجيش من خلال مطابخها المنتشرة في مختلف المناطق (حوالى 35 مطبخًا).
ويضاف إلى ما سبق ذكره، إدارة اعتمادات الموازنة السنوية بالتنسيق مع أركان الجيش للتخطيط وملاحقة الصفقات والمحافظة على التجهيزات والأعتدة في المديريات المرتبطة بها وصيانتها وتجديدها، ومراقبة الأعمال الإدارية والتقنية في هذه المديريات وصيانة الإنشاءات العسكرية، وتلبية تعبئة الموارد المادية على الصعيد الوطني، والإسهام في تشغيل مركز العمليات.
كذلك يقع على عاتق أركان الجيش للتجهيز تأمين المحروقات للمولّدات، والتدفئة، والغازات السائلة والزيوت والشحوم للآليات وللاستعمال اليومي، والمطبوعات، والقرطاسية، واللوازم المكتبية، ووضع الوثائق المتعلّقة بالخرائط والمطبوعات العسكرية، إضافة إلى التدقيق في جداول الرواتب وملحقاتها، وإدارة اعتمادات نفقات المعالجة في المستشفيات والمراكز الطبية، وتأمين شحن العتاد المستورد، واستئجار السيارات والآليات عند الاقتضاء، وصولًا إلى دفع الرسوم والضرائب التي تترتّب على الجيش.
يتولّى نائب رئيس الأركان للتجهيز قسمًا كبيرًا من المهمات المذكورة ومنها: المحافظة على التجهيزات والأعتدة الداخلة في ترقيم المديريات المرتبطة به وصيانتها وتجديدها، صيانة الإنشاءات العسكرية، تلبية حاجات القوات من مؤن وتجهيزات وإنشاءات وذخائر ومحروقات، وتنفيذ تعبئة الموارد المادية على الصعيد الوطني عند إعلانها.
كما أنّه يضع الوثائق المتعلّقة بالخرائط والمطبوعات العسكرية، والتعليمات التقنية وتعميمات استعمال التجهيزات والأعتدة وصيانتها ومساعفتها، إضافة إلى مراقبة الأعمال الإدارية والتقنية في المكاتب والمديريات التابعة له، وإدارة اعتمادات الموازنة السنوية بالتنسيق مع أركان الجيش للتخطيط، وملاحقة الصفقات، والإسهام في تشغيل مركز العمليات عند الاقتضاء.


مكاتب التجهيز ومهماتها
تتألّف أركان الجيش للتجهيز من أربعة مكاتب: التقني، الإداري، الشؤون العقارية، وأمانة السر. ويضمّ المكتب التقني الذي يتمركز في مبنى قيادة الجيش، أقسام التحرّك، والتموين، والتعهّد، والمواصفات الفنية، وقسم تجهيز عتاد الجو والبحر. يعتبر المكتب التقني المحرّك الأساسي لإدارة عتاد الجيش بأكمله، وتراوح مهمته بين تتبّع مراحل تحقيق التجهيزات، والسهر على التقيّد بالتعليمات التقنية لخزن العتاد وصيانته وكيفية استعماله.
ويشمل المكتب الإداري أقسام ملاحقة الصفقات، والموازنة، والشؤون الإدارية والحياتية، والتسفير، وقسم المساعدات الأمنية. وهو يهتم بتحقيق حاجات الجيش وبمراقبة حسن تنفيذ الأعمال الإدارية العائدة للمديريات المرتبطة بنائب رئيس الأركان للتجهيز وإدارة اعتمادات الموازنة السنوية بالتنسيق مع أركان الجيش للتخطيط وقسم الموازنة، وتتبّع مراحل تنفيذ الصفقات العائدة لمؤسسة الجيش، وفق الروزنامة الموضوعة لذلك، ومسك محاسبة موازنة الجيش في مختلف مراحل التنفيذ بالتنسيق مع المديرية العامة للإدارة، وتيويم المحاسبة بشكل يُظهر الاعتمادات المقرّرة والمخصّصة (المعقودة منها وغير المعقودة)، وطلب تدوير الاعتمادات وإعادة تخصيصها، وتأمين سفر العسكريين المنتدبين بمهمات إلى الخارج.
ويضمّ مكتب الشؤون العقارية قسم إدارة العقارات، الهندسة وخدمات التمركز، ويتولّى إدارة حاجات الجيش للتمركز من أراضٍ ومنشآت وأعمال هندسية وسائر الخدمات العائدة لها، ودعم إدارات الدولة عند الحاجة مثل إدارة الأعمال الإنمائية الهندسية وأعمال مسح الأضرار عند حصول الكوارث وغيرها، ويندرج في هذا الإطار وضع الخطط الإنشائية السنوية وتحديد حاجات الجيش كالتجهيزات والأعتدة والمواد الهندسية واستصدار أوامر تحقيقها وتسليمها وحسن استخدامها، واستصدار الأوامر المتعلّقة بتنفيذ أعمال الصيانة ومراقبة المنشآت، والتدقيق بدفاتر الشروط المتعلّقة بالشؤون الهندسية، وإدارة عملية استهلاك الطاقة من كهرباء ومياه والمحروقات المتعلّقة بخدمة المنشآت واستصدار الأوامر اللازمة لذلك، ومراقبة تطبيق تعليمات مكافحة الحرائق ونظافة الثكنات، وتخصيص المنشآت ومنازل الضباط، وإدارة أملاك الجيش وعملية المحافظة عليها وإظهار حدودها، وتحقيق حاجاته من الأراضي من خلال استصدار عقود التخصيص ومراسيم الاستملاك ومتابعة آلياتها، وإدارة الأوضاع القانونية لعقارات الجيش والبقع التي يتمركز عليها وحاجاته من الارتفاقات (مناطق حرام- ارتفاق جوي...)، وتنظيم محيط الثكنات والتنسيق مع الدوائر العقارية والتنظيم المدني وسائر الإدارات ولجان التخمين لتحقيق ذلك، إضافة إلى استصدار الأوامر المتعلّقة بالأعمال الطوبوغرافية والجغرافية.
وأخيرًا مكتب أمانة السر الذي يتلقّى المراسلات ويحضّرها ويدقّق فيها قبل توقيعها من قبل نائب رئيس الأركان للتجهيز، ليُصار إلى توزيعها، كلّ بحسب وجهتها.


المديريات
مديريات التجهيز أربعة وهي القوّامة، والهندسة، والشؤون الجغرافية، والعتاد.
تؤمّن مديرية القوّامة تغذية الوحدات واستدراك الحاجة لمواد التغذية السنوية والرواتب وكل المتممات ذات الصلة والتي يحتاجها عناصر المؤسسة العسكرية؛ وتضم المديرية: أقسام الإدارة، التغذية، المخازن، المال والتدقيق، وتأليل الرواتب. تتولّى هذه المديرية تسلّم جداول الرواتب وملحقاتها من مختلف القطع والوحدات، وتدقيقها وإحالتها الى مديرية القضايا الإدارية والمالية؛ كما تتولّى إدارة التغذية في الجيش من خلال: الإشراف على لجان التغذية في المناطق وفروعها ومراقبتها لجهة التقيّد بالتوجيهات اللازمة، ومراقبة تطبيق نظام التغذية والتعليمات التطبيقية والمواصفات الفنيّة للمواد الغذائية واقتراح تعديلها، وخزن المواد المحلّلة والاحتياطية.
تتألّف مديرية الهندسة من: القسم التقني، القسم الإداري، قسم التأليل، المصالح، المشاغل، الممتلكات، وعتاد الهندسة. وهي مموّن رئيس لعتاد الهندسة من مكيّفات وأسلاك شائكة وعدة تخييم وأكياس رمل وأدوات ترصين وتحصين، ويقع على عاتقها اقتراح المواصفات الفنية لعتاد الهندسة، ووضع الملفات الفنية للإنشاءات العسكرية، والإشراف على تنفيذ الأشغال التي تقوم بها وحدات الهندسة في الجيش واستدراك الحاجات اللازمة لهذه الأشغال.
تهتمّ مديرية العتاد بالذخيرة وبكل ما يتعلّق بها من متفجّرات، وتتألّف من قسم تقني وقسم تأليل، ويعمل فيها خبراء اختصاصيون؛ وهي الممونّ الرئيس للذخيرة في الجيش ومن مهماتها اقتراح إقامة مستودعات الذخيرة، وتعطيل المتفجرات ذات الطراز الخاص وتفجيرها.
أما مديرية الشؤون الجغرافية فتتألّف من مصالح: الجودزة، التصوير الجوّي (الفوتوغرامتريا)، الرسم والاستنساخ (كارتوغرافيا أي تنظيم وطبع وتصحيح الخرائط)، عتاد الجغرافيا، ومصلحة الإرشاد والمعلومات، وهي تؤمّن كل التجهيزات والمستلزمات الإدارية والمكتبية والخرائط العسكرية للوحدات، والتصوير الجوّي. كما أنّها تتولّى تزويد جميع الوزارات والمصالح المستقلة والبلديات والمؤسسات الخاصة والأفراد، المعلومات الطوبوغرافية اللازمة، وتموين الجيش بجميع أنواع العتاد الذي يدخل ضمن ترقيمها، بالإضافة إلى جميع أنواع القرطاسية، وتأمين طباعة المنشورات والمطبوعات والنماذج العسكرية.
 

آلية تحقيق العتاد
يشرح نائب رئيس الأركان للتجهيز آلية تحقيق العتاد واللوازم وتنفيذ الأشغال فيقول: انطلاقًا من صلاحيات أركان الجيش للتجهيز ومهماتها، تطلب هذه الأخيرة من المموّنين الأساسيين تحديد حاجة الجيش من اللوازم والأعتدة والأشغال التي تدخل في قيود كلّ منهم، وذلك ضمن اعتمادات محددة وفق اعتمادات الموازنة العامة.
بعد التدقيق في اللوائح المرفوعة من قِبل المموّنين الأساسيين بحاجاتهم التقريبية، تنظّم أركان الجيش للتجهيز، ودائمًا استنادًا الى مهماتها المتعلّقة بـ«تأمين وتلبية حاجات الجيش من مؤن وتجهيزات وذخائر ومحروقات»، مراسلات (طلبات استدراك حاجة) وتحيلها إلى المديرية العامة للإدارة بواسطة وزارة الدفاع الوطني لتحقيق المطلوب. فهذه المديرية هي المؤسسة الرئيسة المسؤولة عن تنظيم دفاتر الشروط العامة والخاصة وملفات تحقيق العتاد واللوازم والأشغال، وفق المواصفات الموضوعة حسب الأصول.
تقوم المديرية العامة للإدارة بتكليف إحدى لجان التلزيم المشكّلة من قبل وزير الدفاع الوطني (بناء على اقتراح مديرها العام بعد موافقة قيادة الجيش)، تحقيق العتاد واللوازم أو تنفيذ الأشغال استنادًا الى دفاتر الشروط الإدارية والفنية ووفق قانون المحاسبة العمومية.


علاقة التجهيز مع سائر الأركان
استنادًا الى الصلاحيات المنصوص عنها في تعليمات تفويض الصلاحيات، تبدي أركان الجيش للتجهيز رأيها في ما يتعلّق بالشقّ اللوجستي والمالي للمواضيع التي تعالجها جميع الأجهزة والأركان.
وهنا يشير العميد كرجيان إلى أنّ للواء اللوجستي ارتباطين في الجيش: عملاني مع أركان الجيش للعمليات، ولوجستي مع أركان الجيش للتجهيز، والأمر مماثل بالنسبة الى فوج الأشغال المستقل.
إنّ أركان الجيش للتجهيز تقوم بمهماتها بما يتناسب مع الموارد الإدارية المالية الموضوعة بتصرّفها، وتعمل جاهدة على زيارة هذه الموارد بغية تحسين الخدمات اللوجستية في الجيش، مما يساهم في تطوير قدراته العملانية.


لتجهيز في المستقبل
يعتبر الإسناد اللوجستي بمختلف عناصره أساس كينونة القوات المسلّحة، سواء في السلم أو في الحرب، وبه تنفـّذ القوات المسلّحة مهمتها. في المقابل تتأثّر المنظومة اللوجستية بالموارد الطبيعية والوضع الاقتصادي والتطوّر التقني في مجالات التسليح والتجهيز.
وتهدف المراجعة الاستراتيجية للقوات المسلّحة إلى عصرنة هذه القوات، وزيادة فاعليتها العملانية وتخفيف النفقات الدفاعية. كما أن التطوّر الكبير في أساليب الحرب الحديثة ووسائلها، يتطلّب مراجعة منظومة الإسناد اللوجستي بطريقة تلبّي متطلبات السرعة والمكان والتنوّع في الأسلحة المستخدمة. فالإسناد اللوجستي يشكّل مبدأ من مـبادئ الحــرب لدى معظم الجيوش في العالم نظرًا الى ارتباطه بمستوى أدائها وجهوزيتها العملانية في مختلف الظروف.
إنّ هيكلية أركان الجيش للتجهيز تستدعي بعض التعديلات، بحسب العميد الركن كرجيان، لمواكبة التطوّرات التكنولوجية والتقنيّة للعتاد. ففي التصوّر المستقبلي لهذه الأركان ينبغي أولًا تغيير الإسم من أركان الجيش للتجهيز إلى أركان الجيش للّوجستية؛ فمهمة هذه الأركان هي تحقيق العتاد والإسناد اللوجستي.
الهدف الأول والأهم هو تأمين المنتج (العتاد) أو الخدمة للمستفيد المناسب، في المكان المناسب، والوقت المناسب، بالشروط المناسبة، وبالسعر المناسب. وعلى هذا الأساس ينبغي أن تقسم أركان الجيش اللوجستية إلى جزءين: أولهما جزء لتحقيق العتاد وتكون مهمته تحديد نوع العتاد المطلوب ومواصفاته ليُصار إلى تسليمه للوحدات، يضاف إلى ذلك تدريب عملاني ولوجستي، لتأمين استمرارية جهوزية العتاد، على أن يتضمّن هذا الجزء مكتبًا للبحوث والتطوير يتولّى دراسة مواصفات الأعتدة والأسلحة التي تتناسب مع متطلبات الجيش، ووفق عقيدته القتالية.
أمّا الجزء الثاني، فهو جزء الإمداد اللوجستي الذي يؤمن طلبات القطع وحاجاتها سواء منها اليومية أو تلك التي تتطلّبها معركة أو تطرأ بسبب الضرورة.
وختم العميد الركن كرجيان حديثه بالقول: من المتوقّع أن يبصر هذا التصوّر النور في مستقبل ليس ببعيد، ليصبح بالإمكان مواكبة متطلّبات الجيش من حيث الأعتدة بالسرعة المطلوبة، وبغية إدارة أمور الهبات من مختلف المصادر بأفضل الوسائل والطرق.


لمحة تاريخية

في مرحلة أولى كان التجهيز هو الشعبة الرابعة التي أنشِئت في الأول من آب العام 1945، حيث تولّت مهمة تجهيز الجيش بالآليات والأعتدة والمعدّات، وتأمين تغذية العسكريين ومنامتهم ودفع رواتبهم، وكانت مرتبطة مباشرة برئيس أركان القيادة العليا.
في مرحلة ثانية (30/1/1981) ألغيت الشعبة الرابعة بعد إعادة هيكلة قيادة الجيش، وأنشِئت أركان الجيش للتجهيز، التي تولّت مهمة التجهيز وفق المهمات الواردة في المرسوم الرقم 3771 بتاريخ 22/1/1981، وأصبحت مرتبطة مباشرة برئيس الأركان.