وجهة نظر

أزمة سترثها الإدارة الجديدة
إعداد: ندين البلعة

أزمة سترثها الإدارة الجديدةحمزاوي قارئاً السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

حاضر الدكتور عمرو حمزاوي، من مؤسسة كارينغي الأميركية للأبحاث والدراسات، في قاعة المحاضرات - كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، حول «السياسة الأميركية في الشرق الأوسط».
ضمّ الحضور، العميد الركن الياس فرحات قائد الكلية، ممثلاً العماد سليمان قائد الجيش، ضباطاً ممثلين عن القطع العسكرية كافة والضباط الذين يتابعون دورة الأركان.
عالج الدكتور حمزاوي الموضوع في خمس نقاط رئيسة. فاستعرض أولاً أزمة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، لينتقل الى عرض تداعيات حزام الأزمات في المنطقة العربية على المصالح الأميركية، ويعالج من ثم ما هو متوقع من الإدارة الأميركية الحالية، وتلك التي ستخلفها، ليخلص الى استعراض تداعيات ما تقدم على أدوار القوى الإقليمية المختلفة.

 

أزمة الولايات المتحدة الأميركية
بداية قال المحاضر: تظهر أزمة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة من خلال أربعة مؤشرات رئيسة. يتمثل المؤشر الأول بتزايد الكلفة السياسية الخارجية الأميركية، من الناحية العسكرية والبشرية (ضحايا في العراق وأفغانستان...) والإقتصادية (إنفاق عسكري ومحاولة إحتواء إيران)، والمؤسسية بحيث أن المؤسسة العسكرية الأميركية لم تعد تحتمل القيام بأي مهمات إضافية.
أما المؤشر الثاني فهو تراجع صورة الولايات المتحدة الأميركية كقطب أعظم مهيمن، بحيث أصبحت فاقدة القدرة على إدارة الصراعات الإقليمية، بصورة تضمن لها مصالحها أو تقلل من التهديدات التي تواجه المصالح الأميركية. وأي جردة موضوعية لسياسة بوش، تظهر أن الإدارة الأميركية أخفقت في ممارسة الهيمنة لإزالة التهديدات، كما في إعادة صياغة خريطة تحالفات الشرق الأوسط الإقليمية بصورة تقلل من مساحات حركة القوى المناوئة لها.
وأضاف حمزاوي:
المؤشر الثالث هو تراجع مصداقية الولايات المتحدة الأميركية وازدواجية معاييرها بالنسبة الى المصالح العربية، بحيث أصبح يُنظر الى الوجود العسكري الأميركي على أنه معيب وخطر على أمن العرب وبالتحديد الخليج وليس حماية له. تؤكد ذلك الخلافات بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة ثانية، فكيف إذا أضيف الملف الإيراني!؟
أما المؤشر الرابع فهو تراجع مساحات تحرك الولايات المتحدة الأميركية داخل منطقة الشرق الأوسط أمام تنامي قوى إقليمية ودولية أخرى تنافسها وتنازعها، والأخطر هو بحث حلفاء أميركا داخل المنظومة الشرق أوسطية عن مساحات للتحرك باستقلالية نسبية وبمعزل عن الولايات المتحدة.

 

حزام الأزمات
اعتبر المحاضر أن لأميركا مصلحتين رئيستين في الشرق الأوسط: تأمين إمدادات النفط من الخليج، وأمن إسرائيل الإقليمي. بالاضافة الى تقاطع رئيس بين هاتين المصلحتين يسمى أميركياً «الحرب ضد الإرهاب». ويأتي في سياق محاولة أميركا إزاحة القوى المناوئة لها وإعاقتها عن التحرك ضد مصالحها.
وفي نظرة الى تداعيات حزام الأزمات الموجودة في الشرق الأوسط على مصالح أميركا، قال: هناك بالتأكيد تهديدات حقيقية. بداية في ما يتعلق بإمدادات النفط في الخليج، يظهر تصاعد النفوذ الإيراني - بمعزل عن الطابع المذهبي - كقوة إقليمية رئيسة في منطقة الخليج. فإيران لا تتحرك في العراق أو في الخليج وحسب، بل لها أدوار في مواطن أخرى في العالم العربي وفي قلب المشرق العربي. وقد أصبح لها وزن فاعل في كل صراعات عالمنا العربي الإقليمية.
من ناحية أخرى، تظهر التهديدات التي تمثلها الصراعات في لبنان وعدم استقرار الأوضاع فيه، والصراع العربي - الإسرائيلي، والتهديد هنا يتعلق بأمن إسرائيل.
أمـا في مـا يتعلـق بالحـرب ضد الإرهاب، فالصـورة اليوم هي أسوأ مما كانت عليه العام 2001، وذلك كنتيجة لإسقاط نظام صدام حسين وتنامي أدوار ومساحات تحرك المنظمات المرتبطة بالقاعدة.

 

إدارة بوش
حول سياسة إدارة بوش في الشرق الأوسط قال حمزاوي: تظهر مقاربة المواجهة (Confrontational Approach) وتهميش الأدوات الدبلوماسية التي طالما وُجدت في العلاقات مع العالم العربي والشرق الأوسط.  فهذه الإدارة تبحث دائماً في مقارباتها عن فكرة العدو والصديق، والغالب والمغلوب وتسعى الى تطبيق سياسة احتواء عنيفة (Aggressive Containment Policy) ضد إيران وتلتزم منطق المواجهة. وبالتالي لا يمكن توقع أي تحول جذري ونوعي في إدارة بوش خلال الأشهر القليلة القادمة.

 

الإدارة الجديدة
إن أي قراءة موضوعية للواقع الأميركي تظهر أن الإدارة الأميركية الجديدة القادمة (سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية) سيكون همها الرئيس خلال سنوات إدارتها - بغض النظر عن خطابها المعلن والوعود التي تقدّم للناخبين - هو ما يسمى «إدارة الأزمات» (Conflict Managment).
فهي ستكون مثقلة بإرث شديد السلبية من جانب إدارة بوش: تهديدات ترد على المصالح الأميركية من كل مكان، مساحات  تحرك الولايات المتحدة الأميركية في تراجع مستمر، وقدرتها على حسم الصراعات الإقليمية أضعف من أي وقت مضى.
إذاً ستحاول الإدارة الجديدة استرداد قدرة استراتيجية فقدتها الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الماضية.

 

القوى الإقليمية
إن المشهد الشرق أوسطي في العام 2008 هو مشهد يدل بوضوح على إمكانات متاحة لقوى إقليمية (السعودية، إيران، مصر، سوريا...) وأيضاً لقوى كحركات المقاومة (حزب الله، حماس...)، بأن تتحرك في مساحات غير مسبوقة، وتستطيع من خلالها منازعة هيمنة الإدارة الأميركية، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه القوى مناوئة للولايات المتحدة أو حليفة لها.
وخلص المحاضر الى القول إن أزمة القوة العظمى (أميركا) وعدم قدرتها على حسم الصراعات الإقليمية بصورة تحمي مصالحها وتقلّل من التهديدات التي واجهتها تخلق مساحات تحرك وحريات نسبية غير مسبوقة للأطراف الإقليمية. فهل يتم استغلال هذا الأمر عربياً في صيغة مشروع للأمن الجماعي العربي والتعامل مع التهديدات الرئيسة؟
للأسف، إن النخب العربية عاجزة عن القيام بصياغة جماعية. فكل ما سنشهده إذاً خلال الفترة القادمة هو محاولات فردية، أما غياب مفهوم الأمن الجماعي العربي فسيستمر بكل ما لذلك من تداعيات في حزام الصراعات الإقليمية، وفي ما وراء ذلك من مصالح عربية مشتركة.


بطاقة
المحاضر عمرو حمزاوي:
• من مؤسسة كارنيغي الأميركية للأبحاث والدراسات من أجل السلام العالمي.
• نال إجازة جامعية من جامعة القاهرة ثم درس ونال الماجستير في أمستردام، وتابع الدكتوراه في برلين.
• متخصص في شؤون الشرق الأوسط (الديمقراطية، الإسلام، الإصلاح السياسي).