- En
- Fr
- عربي
مخيمات وشباب
حزموا حقائبهم وودعوا أهلهم والأصدقاء، توجهوا إلى السيارات والباصات التي أقلّتهم إلى الكلية الحربية. في صرحها، أمضوا ستة أيام من دون هواتف ومن دون أي تواصل مع العالم الخارجي. عاشوا هناك تجربة لم يعرفوا مثيلًا لها من قبل، وعادوا حاملين معهم خبرات جديدة وذكريات جميلة.
تلامذة مدارس من مختلف المناطق اللبنانية لبّوا الدعوة إلى مخيم الكلية الحربية من دون أن يكونوا مدركين تمامًا لما هم مقدمون عليه. الحماسة لمعرفة المزيد عن الحياة العسكرية كانت دافعًا للبعض، وحلم ارتداء البزة وامتلاك قوة "العسكر" شكّلت الحافز للبعض الآخر، لكن ما كان أكيدًا لدى الجميع بما في ذلك مدارسهم وأهاليهم، هو أنّهم سيخوضون تجربة مشوّقة وسيكونون في أيادٍ أمينة...
الإقبال الذي شهده العام الماضي مخيم الكلية الحربية لتلامذة المدارس، كان حافزًا لتكرار التجربة هذا العام، مع توسيعها لتشمل جغرافيًا المناطق اللبنانية كافة، بعد أن كان المخيم قد استقبل في العام الماضي تلامذة المدارس الواقعة في المناطق المحيطة بالكلية.
سعى المخيم إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، هي:
1- بناء روح الفريق.
2- تنمية الحس الوطني.
3- بناء روح القيادة وتحمّل المسؤولية.
وفي هذا السياق يشير قائد الكلية الحربية العميد الركن جورج صقر إلى أهداف أخرى تنبثق من الأهداف الاستراتيجية، وأهمها: الاندماج في المجتمع، اختبار الحياة العسكرية، أخذ العبر من شهادات حية، وتعزيز الديموقراطية.
وهو يوضح: "في هذا العمر (16-17 سنة تقريبًا)، يكون الشباب في مرحلة تتسم بشيء من عدم الوضوح بالنسبة لما سيكون عليه مستقبلهم، لهذا السبب نجعلهم يتعرّفون إلى حياة التلميذ الضابط ليروا الحياة من زاوية لم يعهدوها، ويدركوا أهمية الالتزام والدقة والحاجة إلى اتخاذ قرارات مصيرية في الحياة.
المطلوب والمتوافر...
الطلب كبير لكن القدرة الاستيعابية محدودة نسبيًا، فالمكان لا يتّسع لأكثر من 140 شخصًا كحدّ أقصى، وهذا ما حدد عدد المشاركين في السنة الماضية بالرقم المذكور، وبأقل منه قليلًا هذه السنة (نحو 124 في كل دفعة). "فـكلما كان عدد المشاركين أكبر كلما تقلّصت القدرة على تأمين التدريب المطلوب وتعريفهم على ما نريد أن يتعرفوا عليه، وتحقيق هدف المخيم، خصوصًا أنّ المدة المقررة لا تتجاوز الأسبوع" يقول رئيس قسم الدروس والعمليات في الكلية العميد الركن الطيار موسى النداف.
على صعيد اللوجستية وما تتضمنه من تأمين صحي وطعام وعتاد ونقل، كانت الموارد محدودة أيضًا، وفق ما يؤكد قائد المخيم الرائد شربل خوري، وهذا ما أثر على عدد المشاركين.
انطلاقًا من الأهداف، كان التركيز هذه السنة على مفهومي الـLeadership والـTeam Building لكي يطوّر التلامذة أنفسهم ويستطيعوا أن يحققوا في المستقبل أهدافهم، فلا يستسلمون أمام الصعوبات التي تعترض طريقهم. ولتحفيزهم أكثر، قررت قيادة الكلية تضمين البرنامج شهادات حياة أشخاص رواد في مجالاتهم. في هذا الإطار يقول الرائد خوري: "هكذا يرَون أنّه باستطاعتهم الوصول إلى حيث يريدون. فكما حارب غيرهم وتحدى الظروف وتخطى الصعوبات، هم أيضًا يستطيعون ذلك". من بين الذين قدموا شهاداتهم رولا حطيط أول كابتن طائرة امرأة في لبنان، التي كانت شهادة حياتها خير مثال على استثمار الصعوبات وتحويلها إلى فرص جديدة.
برنامج حافل
تضمّن البرنامج نشاطات عسكرية مختلفة أثارت حماسة المشاركين، ومن أبرزها زيارات إلى وحدات وأفواج قتالية اختبروا خلالها نمط الحياة في هذه الوحدات وشاهدوا نماذج عن تدريباتها. في القوات البحرية استمتعوا برحلة على متن مركب "طبرجا"، دخلوا إلى غرفة العمليات وشاهدوا الرادار كما اطّلعوا على مشاغل الغطس. في أفواج المجوقل والتدخل السادس ومغاوير البحر عاشوا مزيدًا من الأجواء الحماسية خلال تنفيذهم تمارين الهبوط بالحبل rappel، والرمايات، والتسلق، والتجديف في البحر، كما زاروا المتاحف العسكرية الموجودة في هذه القطع. أما في ثكنة القوات الجوية فتدرّبوا على الـsimulator وتعرفوا على الطائرات والطوافات...
التوعية على مخاطر المخدرات والألغام كانت من الأهداف الأساسية للمخيم، لذلك خصص قسم من الوقت لمحاضرات حول الموضوعين فضلًا عن محاضرات أخرى عرفتهم بإيجاز إلى القطع التي زاروها.
باختصار كان البرنامج حافلًا بالنشاطات المشوّقة والتجارب الجديدة والمغامرات التي تتناسب مع أعمار المشاركين.
من توقيعهم...
من اللافت هذه السنة أنّ اليوم الأخير من المخيم، يوم التخرج، كان من توقيع التلامذة أنفسهم. فقد حضروا برنامج الاحتفال وتفاصيله، ألقوا كلمات، وقدّموا الفقرات بكل جرأة وإقدام. "بهذه الطريقة يعرفون كيفية تحمّل المسؤولية ويطبّقون عمليًا ما كانوا قد تعلّموه في الأيام السابقة من المخيم، ويحققون الهدف الأساس حول الـLeadership وعمل الفريق" يقول الرائد خوري. وفي السياق يُشار إلى أنّ المخيم شهد انتخاب أفضل شاب وفتاة بالاستناد إلى معايير محددة، وكان ذلك في إطار النشاطات الهادفة إلى تعزيز الديموقراطية.
"بدنا نجرب..."!
عاش التلاميذ في مخيم الـCadet Challenge خبرات جديدة، وواجهوا تحديات مختلفة. "هو تحدٍ أردتُ بشدّة المشاركة فيه لتجاوزه" يؤكد أحد المشاركين في المخيم. ويضيف زميله أنّه أراد أن يتعرّف أكثر على حياة العسكري "طريقة عيشه، منامته، طعامه، تدريباته وكل ما يقوم به في المؤسسة". وبالفعل، أكّد الرائد خوري أنّ التلامذة كانوا يتفاعلون مع كل نشاط ضمن البرنامج، على الرغم من أنّ كل هذه الأمور جديدة عليهم. كسروا حاجز الخوف بسبب الدافع الكبير الذي تملّكهم "بدنا نجرب هيدا الشي" كانوا يؤكدون.
في كل وحدة زاروها من وحدات الجيش، أرادوا اقتناص كل لحظة للتعرف أكثر عليها وللاستفادة من النشاطات التي تقدّمها لهم لأنّها لن تتكرر مرة أخرى. لذلك، كانوا يرغبون أن تطول أكثر، غمرهم الفرح والرضى عن الذات بعد أن شعروا أنّهم عسكريون لأيام.
"لم نواجه صعوبات في التنفيذ بل على العكس كانوا متجاوبين ومتفاعلين مع كل ما طُلب منهم. انضباطيًا كانوا جيّدين، لدرجة أنّنا لم نشعر أنّهم مدنيون وغير معتادين على الحياة العسكرية. تخلوا عن هواتفهم الذكية والتزموا التعليمات والأوامر"، وفق ما يؤكّد الرائد خوري.
"لازم تحبي بيي أكتر"!
ومن الجدير ذكره، أنّ الأمور العسكرية ليست هي فقط الجديدة على التلامذة، فبعضهم يختلط للمرة الأولى بزملاء له من مناطق مختلفة بعيدة جغرافيًا عنه، وهذا ما قد عبّروا عنه بوضوح. وردًا على سؤال حول سبب مشاركته في المخيم يقول أحدهم: "أردت أن أتعرف إلى مواطنين من كل لبنان وعلى عادات وثقافات مختلفة". فيما قالت فتاة والدها عسكري أنّ لديهم رفاقًا من كل لبنان لأنّ والدها ضابط ويتنقل في مختلف أرجاء البلاد. وبعد احتفال التخرّج قالت لأمها: "لازم تحبي بيي أكتر" بعدما اختبرت المشقات التي يتحمّلها والدها في الحياة العسكرية.
اعتادت الكلية الحربية تخريج ضباط يخدمون المؤسسة العسكرية والوطن باندفاع من مواقع قيادية، ويبذلون ما في وسعهم في سبيلها. لكنّها أيضًا استطاعت، من خلال هذا المخيم الوصول إلى الشباب، قادة المستقبل وفق ما يصفهم العميد الركن النداف، متمنيًا أن يشمل التواصل جميع شباب لبنان بأي طريقة ممكنة...
داعمون
شكر قائد الكلية الحربية الشركات والمؤسسات التي قدمت الرعاية للمخيم وأمنت بعض مستلزماته، ما أسهم في إنجاحه. ومن هؤلاء شركة LIA Assurex التي قدّمت التأمين الصحي للتلامذة محافظة بالتالي على معايير السلامة، وفريق التدريب الاستشاري البريطاني التي قدمت للمشاركين هدايا رمزية خلال احتفال تخرّجهم.
في القوات البحرية استمتعوا برحلة على متن مركب "طبرجا"، دخلوا إلى غرفة العمليات وشاهدوا الرادار كما اطلعوا على مشاغل الغطس. في أفواج المجوقل والتدخل السادس ومغاوير البحر عاشوا مزيدًا من الأجواء الحماسية خلال تنفيذهم تمارين الهبوط بالحبل Rappel، والرمايات، والتسلق، والتجديف في البحر، كما زاروا المتاحف العسكرية الموجودة في هذه القطع. أما في ثكنة القوات الجوية فتدرّبوا على الـSimulator وتعرفوا على الطائرات والطوافات...
رسالة تقدير وشكر
كيف يقيّم أهالي التلامذة المشاركين في المخيم تجربتهم وماذا يقولون عن أثرها؟ رسالة والد إحدى المشاركات التي وصلت إلى مديرية التوجيه تحمل جوابًا، وهو على الأرجح يختصر شعور جميع أو على الأقل معظم الأهالي الذين شارك أبناؤهم في هذا المخيم. في ما يلي الرسالة:
أعزائي العمداء،
أكتب لأعبر عن امتناني العميق للرعاية والدعم الاستثنائيين اللذين تلقتهما ابنتي ميشيل خلال فترة إقامتها في المخيم العسكري في تموز 2023.
خلال فترة وجود ميشيل في المخيم العسكري، شهدت تحولًا إيجابيًا في شخصيتها وانضباطها وأهدافها. إنّ هذا التحول هو بلا شك دليل على القيادة الممتازة والتوجيه الذي قدمه جميع العسكريين. التدريب الشامل والإرشاد والدعم الذي تلقته ساهم في تعزيز ثقتها وجعلها امرأة شابة تتمتع بالثقة والمسؤولية والقوة.
أرجو أن يعرف جميع الضباط مدى تقديري لمساهمتهم في نمو وتطور جميع الأطفال. إنّ التأثير الإيجابي لقيادتكم والقيم التي يحافظ عليها الجيش اللبناني تركت بصمة لا تنسى على عائلتنا، ناهيك عن أنّ والدي المتوفى جورج عبودي قد خدم في الجيش لمدة تقارب 42 عامًا اعتبارًا من العام 1946.
أعتقد بقوة أن التجارب والقيم التي غُرسَت فيها خلال وقتها في المعسكر العسكري ستستمر في توجيه حياتها في المستقبل، سواء في الجانب المهني أو الشخصي. إنّ الجهود التي قدمها الجميع لم تزودها فقط المهارات اللازمة ولكنها غرست في نفسها شعورًا عميقًا بالوطنية والمسؤولية.
يرجى قبول تقديري الصادق وأطيب تمنياتي بالنجاح المستمر في جميع مساعيكم المستقبلية. أتمنى أن تتمتعوا وجميع العسكريين بالشجاعة والقوة والسلامة الدائمة.
مع كل احترامي وامتناني
فريد عبودي والد ميشيل عبودي