اقتصاد ومال

أسعار الغذاء تواصل إرتفاعاتها عالميًا وزير الزراعة لـ«للجيش»
إعداد: تريز منصور

 ســياسـتنا تشمل زيادة الإنتاج والصادرات معًا وسلامة الغذاء في لبنان بألف خير

 

خلال عقود طويلة هُمّش القطاع الزراعي في لبنان وتفاقمت مشاكله لأسباب عديدة، لعلّ أهمها عدم وجود خطط جدّية لرعايته.
اليوم وفي ظلّ تفاقم أزمة أسعار الغذاء عالميًا وإزدياد الطلب عليه مقابل إنخفاض العرض، ثمّة العديد من الأسئلة حول إمكانات النهوض بالقطاع الزراعي في لبنان.
في ما يلي محاولة للإضاءة على الموضوع في مقابلة مع وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن.

 

أزمة الأمن الغذائي
• كيف تقرأون أزمة الأمن الغذائي العالمية، لبنانيًا، وماذا عن واقع سلامة الغذاء في لبنان؟

- الأمن الغذائي معضلة كبيرة يعانيها العالم بأسره، نتجت عن زيادة الطلب وانخفاض العرض، إضافة إلى زيادة عدد السكان. في لبنان، يعاني القطاع الزراعي أزمة مزمنة، تعود لأسباب هيكلية، تجعل من الضروري القيام بتقويم جذري لمكوّنات هذا القطاع بهدف النهوض به، وتوفير الإطار المؤسـساتي الملائم والتركيز على نوعية النمو وليس فقط على معدّلاته، بالإضافة إلى الإهتمام بقضايا التنمية التي تستهدف الإنسان وظروفه المعيشية، والقيام بإصلاحات تشمل دور الدولة ومكوّنات القطاع الزراعي، على أن تُحدّد هذه الإصلاحات  وتنجز في إطار جامع بين مختلف الفعاليات والأطراف المعنية الرسمية والخاصة.
وأضاف قائلاً: لم يوفّر الإطار الإقتصادي في لبنان مناخًا إيجابيًا للزراعة، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة يخصّص لخدمة الدين العام، فيما تعطى الأولوية لقطاعات أخرى، الأمر الذي يقلّص من مستوى الإستثمارات في القطاع الزراعي، وبالتالي يحدّ من فرص تطويره وزيادة قدرته على المنافسة.
لقد أدّى إهمال القطاع الزراعي في لبنان إلى زيادة معدلات الفقر في المناطق الريفية، وإلى هجرة داخلية، ونشوء أحزمة فقر حول المدن، بالإضافة إلى الهجرة باتجاه الخارج.
أما في ما خصّ قضية سلامة الغذاء، فإن وزارة الزراعة تعمل بشكل مستمر وفاعل على إزالة كل العقبات ومعالجة جميع المشاكل التي يمكن أن تطرأ، بحيث أنها تقوم بإجراء الفحوصات على متبقيات المبيدات على المنتجات الزراعية مجانًا، كما تصدر شهادة صحية موثّقة للتصدير، وتعالج قضية مسلخ بيروت وسواه من الأمور ذات الصلة.
ولقد أنشأت وزارة الزراعة 28مركزًا إرشاديًا ورقابيًا في معظم الأقضية اللبنانية، بالإضافة إلى مركزين يغطيان عكار وآخرين في الشوف. وتمّ تزويد جميع هذه المراكز المسلتزمات الضرورية، إضافة إلى عدد من المهندسين الزراعيين يزوّدون المزارعين الإرشادات التي تحمي محاصيلهم، وتجعلها من الأصناف الأولى للتصدير.
وطمأن المستهلكين اللبنانيين والعرب، إلى ان لبنان قد حقّق نتائج رائعة لجهة خفض متبقيات المبيدات على منتجاته الزراعية، ولا سيما التفاح والعنب، كما لجهة جودة المنتج. وبالتالي، فإن سلامة الغذاء في لبنان بألف خير.

 

مشاريع مستقبلية
• هل هناك مشاريع تهدف إلى زيادة الإنتاج الزراعي بغية تفادي معضلة الأمن الغذائي؟  

- إن أي استشراف لمستقبل القطاع الزراعي في لبنان لا بدّ أن يكون مرتبطًا بالمفهوم المعاصر للتنمية المستدامة، الذي يطال جوانب متعددة تتخطى البعد الإقتصادي لتشمل أبعادًا إجتماعية وبيئية، ويتطلب تطوير عمل المؤسسات الرسمية والخاصة وتنسيقه بما يجعله جزءًا من سياسة مجتمعية شاملة.
فبسبب تراجع المساحة الزراعية المروّية من 70 في المئة إلى ما دون الـ50 في المئة، وعدم تطوّر وسائل الريّ بالمستوى الأدنى المطلوب، وعدم انشاء السدود والبحيرات...، بات واقع  القطاع الزراعي مزريًا. والحكومة تقوم بكل ما يلزم، ليس على صعيد زيادة الإنتاج فقط، إنما أيضًا في ما يخصّ التسويق، وذلك من ضمن السياسة الزراعية التي أعدّت لزيادة حجم الصادرات ومكافحة العجز في الموازنة، ومعالجة الخلل في الميزان التجاري.
وأوضح وزير الزراعة أن صادراتنا الزراعية تبلغ ما بين 300 إلى 400 مليون دولار، في ما تبلغ وارداتنا أكثر من ملياري دولار. وما توصّلنا اليه اليوم، هو ثمرة اتصالات وجهود نتابعها باستمرار لتعزيز الصادرات، لذلك على المزارعين والمصدّرين والتجار، الاستفادة اليوم من أسواق تمّ تأمينها (مصر تستهلك معظم صادراتنا من التفاح)، كما أن هناك أسواقًا واعدة (العراق، ليبيا، السودان والسعودية). وتناول المشكلة التي تواجه تسويق الموز اللبناني بسبب الأحداث في سوريا التي كانت أسواقها هي الوجهة الأساسية لتصديره. وقال، إن العمل جارٍ اليوم لفتح أسواق جديدة له ولا سيما السوق التركية، حيث تتركز الجهود المبذولة على إلغاء الرسوم الجمركية.

 

الخطة الخمسية
وزير الزراعة تحدث عن جهود الحكومة الحالية لإنعاش القطاع الزراعي والخطة الخمسية التي أقرتها لتطويره، بحيث أنها قدّمت 50 مليار ليرة لبرنامج تنمية الصادرات الزراعية سنويًا من الفواكه والخضار وزيت الزيتون والزهور والشتول والبيض، إضافة إلى رفع مستوى كفاءة الإنتاج ونوعيته، وكذلك قطاع التوضيب والتبريد والتخزين... وتمّ وضع برنامج لتطوير زراعة الحبوب، حيث تمّ تسليم المزارعين البذار بسعر تشجيعي للقمح والشعير والعدس والحمص، إضافة إلى تعزيز عملية الإرشاد الزراعي والرقابة على الإنتاج، ومكافحة الآفات، كما تسلّمت الحكومة من المزارعين محصولي القمح والشعير بسعر تشجيعي، وخصصت ما بين 30 و40 مليار  ل.ل. سنويًا لإعادة زراعة الشمندر السكري.
كذلك، تمّ وضع برنامج لتطوير زراعة الأعلاف وتربية الماشية، وتبلغ كلفة هذا البرنامج للعام 2012، 28 مليار ليرة لبنانية وترتفع لتصل إلى 35مليارًا  في السنة الخامسة من البرنامج.
ولقد أقرّ مجلس الوزراء أيضًا برامج مديرية الثروة الزراعية، بحيث خصّص مبلغًا بقيمة 12مليار دولار سنويًا، لمكافحة حشرة السونا التي تفتك بمحاصيل القمح، والأمراض التي تفتك بالعنب والبندورة وعدد من محاصيل الحمضيات...إضافة إلى تأمين الأسمدة.
وأضاف الوزير قائلاً: لقد سعت وزارة الزراعة إلى تأمين اللقاحات والأدوية للأبقار والماعز والأغنام والخيول والنحل، بقيمة 7 مليارات. كما خصّص مبلغ 5 مليارات ليرة لبنانية لتطوير زراعة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون وتسويقه، وخفض كلفة الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية لهذا المنتج، لناحية السعر والجودة. وفي هذا الإطار، لفت إلى أن أسعار زيت الزيتون متدنيّة في العالم كله، بحيث يراوح سعر تنكة زيت الزيتون في إيطاليا واليونان ما بين 40 و70 دولارًا أميركيًا.
كما خصصّ مجلس الوزراء 6مليارات للمعدات الفنية، 3 مليارات مساعدات للمديرية العامة للتعاونيات، و31مليار مخصصة للمشروع الأخضر (إنشاء برك، شق طرقات واستصلاح أراضٍ).
وفي إطار المشاريع الجديدة التي تنوي الوزارة تنفيذها، رصد أكثر من 45 مليار ليرة لبنانية (سنويًا) لدعم زراعة الشمندر السكري في بعلبك والهرمل والبقاع وتربية الأغنام والماعز في بعلبك والهرمل وعكار، ومشاريع الري الصغرى في بعلبك والهرمل.
وهناك عدة مشاريع زراعية تمّ بحثها في مجلس الوزراء، حصلت على الدعم والمساندة،
كما أن نسبة الصادرات الزراعية، لم تسجّل أي انخفاض، على الرغم من كل ما يجري في المنطقة من أحداث.

 

التصدير الزراعي
• هل تمّ تأمين خطوط نقل جديدة لتسهيل عملية التصدير الزراعي في ظل الظروف الأمنية الراهنة في المنطقة ؟

- لا شك أن كلفة النقل هي من العناصر المهمة التي تحدّد  كلفة الإنتاج ، لذا كان من الضروري فتح شبكة خطوط نقل بحرية وخطوط برّية، بما فيها سكك الحديد، من أجل تسهيل وصول السلع والبضائع اللبنانية إلى أسواق التصدير بأسعار تنافسية مع مراعاة تأمين السلامة والحفاظ على النوعية وهذا ما سعينا إلي توفيره.
وأؤكد بالمناسبة أن كلفة النقل البحري ستنخفض حكمًا، في حال توافرت الكميات التصديرية الكبيرة، علمًا أن هذه  الكلفة توازي في الوقت الحالي كلفة النقل البري أو تقلّ عنها.
وشدّد الوزير على أهمية التعاون القائم بين المزارعين والمصدّرين لأنه خيار استراتيجي، معتبرًا أن هذا التعاون بين الأفرقاء المعنيين بالزراعة من جهة، وبالنقل من جهة أخرى يجب أن يصل إلى أعلى المستويات التي نطمح اليها. وأشار في هذا المجال إلى دور « إيدال « ووزارات الأشغال العامة والنقل والإقتصاد والتجارة والداخلية والبلديات، وغرف التجارة والصناعة، وغرفة الملاحة الدولية، ومرفأي بيروت وطرابلس، ومطار بيروت حيث التعاون القائم، إيجابي، فاعل، مباشر، صريح ومثمر، خلافًا لما ينشرفي بعض وسائل الإعلام.

 

كيف نحمي القطاع؟
• ماذا عن إنشاء الصندوق الوطني لتأمين القطاع الزراعي من الكوارث الطبيعية، وإلى أي مرحلة وصل العمل به؟

- لقد تعاطت الحكومات المتعاقبة بشكل استنسابي مع الكوارث الطبيعية، التي ألحقت أضرارًا كبيرة بالقطاع الزراعي، وذلك في ما يتعلق بالقطاعات والمناطق على حد سواء. فالتعويضات كانت استنسابية، كما أن الكشف على الأضرار كان يتمّ بسرعة،  بينما يستغرق صرف التعويضات وقتاً طويلاً، والشيكات المستحقة عن الأضرار التي لحقت بعدد من المزارعين في العام 2010، لا تزال في الهيئة العليا للإغاثة بانتظارالسيولة المالية.
ولمواجهة هذا الواقع قررنا تشكيل الهيئة التأسيسية للصندوق التعاضدي الوطني لتأمين القطاع الزراعي من الكوارث الطبيعية. إن تأسـيس هذا الصندوق جاء بعد دراسات مستفيضة استمرّت لمدة سنتين تمّ الاستعانة خلالها بخبراء اكتواريين في مجال التأمين، واستعراض مختلف السيناريوهات المحتملة للكوارث الطبيعية، وتكرارها خلال السنوات العشرين الماضية. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الصندوق ليس صندوقًا حكوميًا، إنما هو صندوق تعاضدي ينتسب اليه المزارع بملء إرادته، ويدفع بدل انتساب يبلغ 50000 ليرة لبنانية، وبدل اشتراك سنوي.  
ويحتسب بدل الإشتراك بناء على نوعية الإنتاج وعلى أساس 4 في المئة تقريبًا من القيمة المقدرة للربح، بحيث يدفع المزارع نصف هذه القيمة والنصف الآخر تدفعه الدولة، وهو ما تمّ لحظه في موازنتي 2012 و2013.
وختم بالقول: سوف يكون هذا الصندوق تحت رعاية المديرية العام للتعاونيات، التي تخضع لوصاية وزارة الزراعة، وأنا أدعو المزارعين إلى الإنتساب الى هيئته التأسيسية. فالمنتسب يستطيع تأمين زراعته أو قطيعه الحيواني أو قفران النحل أو زوارق الصيد والمعدات التي يملكها ومزارع الأسماك...
وهذه التجربة هي تجربة جديدة تحتاج الى وقت، متابعة ورعاية، ونجاح هذه الخطوة سيكون بحجم المنتسبين، لأن علم التأمين يرتكز على قاعدة الأعداد الكبيرة.

 

أهداف صندوق التعاضد وشروط الإنتساب إليه

 

• يهدف الصندوق إلى تحقيق الأغراض والأهداف الآتية:
1- التعويض على المزارعين عن الاضرار التي تلحق بمزروعاتهم أو منتجاتهم أو منشآتهم الزراعية أو الحيوانية، بسبب عوامل طبيعية أو أوبئة عامة.
2- التعويض على المزارعين عن الأضرار التي تصيب الأبقار والمواشي والنحل.
3- إعداد الدراسات والاحصاءات، التي من شأنها أن تساهم في حمايـة الإنــتاج الزراعي وتحسينه وكذلك الأمر بالنسبة إلى المنشآت الزراعية والحيوانية.
4- إعداد الدراسات التي من شأنها أن تساهم في تحصين الأبقار والمواشي والنحل وتأصيلها وحمايتها.
5- التعويض عن الأضرار التي تصيب مراكب صيادي الأسماك ومعداتهم وكذلك منشآت تربية الأسماك النهرية.
• شروط الإنتساب:
1- أن تربط بينه وباقي الأعضاء روابط مهنية أو جغرافية أو إجتماعية.
2- أن لا يكون عضوًا في صندوقين للغاية ذاتها.
3- أن يستوفي الشروط الخاصة الآتية:
أ- أن يكون ممارسًا لإحدى الزراعات التي يستهدفها الصندوق.
ب- أن يكون مسجلاً كمزارع في وزارة  الزراعة، وملتزمًا تعليماتها وإرشاداتها.
ج- أن لا يكون محكومًا بجناية أو جنحة شائنة.
 4- أن يكون لبنانيًا.
 5- أن يقبل مجلس الإدارة انتسابه.

 

إرتفاعات قياسية لأسعار المواد الغذائية عالميًا
أصبحت سوق المواد الغذائية ملعبًا للمستثمرين العالميين، بدلاً من أن تكون سوقًا للمزارعين. ويتجه كبار المستثمرين للمراهنة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتحويل الغذاء إلى الأصول المالية، في حين يتفاقم خطرإرتفاع هذه الأسعار على الفقراء بشدة.
وتمّ الكشف عن مدى مشاركة كبرى الشركات في المضاربة على الغذاء، مع وصول الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة اعتبارًا من شهر تموز من العام الجاري.
ولم تنجُ معظم الدول من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، الذي بلغ في محال البقالة، نسبة 37.9 في المئة  خلال السنوات السبع الماضية، وفق مكتب الإحصاءات العالمي. وقد قدّرت معدلات الإرتفاعات العالمية للأسعار وفق الآتي: الزيوت والدهون بنسبة 63 في المئة، الأسماك بنسبة 50.9 في المئة، الخبز والحبوب بنسبة 36.7 في المئة، اللحوم بنسبة 34.5 في المئة والخضراوات بنسبة  41،3 في المئة.


تصوير:
المعاون الأول اسكندر البيطار