- En
- Fr
- عربي
حياة برية
كيف نميّز بينها؟
رؤية أفعى في حديقة المنزل ليست بالأمر اللطيف أبدًا، بل لطالما كانت مصدر رعب، وعلى هذا الأساس فمن يستطيع قتل أفعى لن يتأخر أبدًا. لكن في الآونة الأخيرة برزت أصوات كثيرة تدعو إلى التروّي وعدم قتل الأفاعي جزافًا، فهي ضرورية للتوازن البيئي، وثمة أنواع منها هي صديقة للمزارعين بشكل خاص لأنّها تخلّصهم من القوارض التي تؤذي المحاصيل، كما أنها غير سامة ولا تؤذي الإنسان. أكثر من ذلك، حتى الأفاعي السامة لا تؤذي إلّا إذا شعرت بالخطر.
فكيف نميّز بين الأفاعي وكيف نتعامل معها إذا صادفناها، أو إذا تعرضنا للدغاتها؟
علي يونس، شابٌ لبناني من بلدة معركة – قضاء صور، ناشطٌ وخبير في كل ما يتعلق بالأفاعي وأنواعها، ينشر رسائل توعوية على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو المواطنين إلى عدم قتل هذه الزواحف بشكلٍ عشوائي وإنّما التأكد أولًا من كونها سامةً أو مضرّة وذلك منعًا للإخلال بالتوازن البيئي.
يشير يونس إلى وجود 25 نوعًا من الأفاعي في لبنان، بينها ثلاثة فقط سامة. أكثرها انتشارًا الأفعى الرقطاء الفلسطينية التي قد يصل طولها إلى مترٍ وأربعين سنتيمترًا، وقد سُمّيت على هذا النحو لأنها اكتُشفت في فلسطين في العام 1938. تكاثرت في الآونة الأخيرة بفعل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة ما سرّع فقس بيضها (بين 30 و90 بيضة للأفعى الواحدة)، وانتشرت بشكلٍ سريع بين البساتين والمنازل.
أما النوع السام الثاني فهو أفعى لبنان الجبلية التي لا يتجاوز طولها المتر تقريبًا. هي نادرة ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الجولات الاستكشافية في الجرود المرتفعة ما فوق الـ 1700 متر. تحمل في جوفها ما بين 7 و9 بيوض حتى موعد الفقس.
تشكل الأفعى البيضاء الشامية، النوع الثالث من الأفاعي السّامة. تكمن خطورة سمّها في أنّه يُذيب لحم الفريسة من الداخل ويسبب شلل العضلات وسيلان الدم. قد يصل طولها إلى مترَين تقريبًا وهي الأطول حاليًا في لبنان.
أفاعٍ صديقة للبيئة
في المقابل، يوضح يونس أنّ في لبنان 22 نوعًا من الأفاعي غير السّامة، بينها 17 غير سام على الإطلاق، مثل أفعى عقد الجوز وأفعى الزيتون السريعة المعروفة بالأفعى النشابية. وهناك خمسة أنواع معتدلة السميّة، بمعنى أنّ سمّها لا يشكّل خطرًا كبيرًا إذ يقتصر على تخدير مكان اللدغة من دون إحداث ضررٍ أو تلف، وأشهرها أفعى الفئران أو الأفعى الحمراء. وهو يدعو إلى عدم قتلها بشكلٍ آني وعشوائي منعًا لاختلال التوازن البيئي. كما ينبّه إلى ضرورة الاتصال بخبراء البيئة بشكلٍ فوري لدى مواجهة الأفاعي السامة بهدف التقاطها بدلًا من قتلها والاستفادة من سمّها لإنتاج الأمصال المضادة والأدوية.
ويلفت يونس أيضًا إلى نوعٍ غير سام وصديق للبيئة هو الحنش الأسود، وهو أكبر الأفاعي وأطولها في لبنان إذ يتراوح طوله بين مترَين وخمسة أمتار. من حسناته البيئية أنّه يفتك بالقوارض كالجرذان والفئران والأفاعي السامة، ويحدّ من انتشارها في البساتين وبين البيوت ما يسمح بحماية المحاصيل الزراعية، لذلك يجب عدم قتله.
دفاعية أم هجومية؟
عن التركيبة البيولوجية للأفعى، يشرح يونس أنّ أنيابها مشابهة للإبرة المحقونة بالدواء. وهي تمتلك جهاز استشعار يتيح لها رؤية الفريسة باللون الأخضر وتحديد طولها وعرضها لتتمكّن من مواجهتها، كما يمكّنها من رصد تدفّق الدم في عروقها. ويؤكد أنّ الأفعى بطبيعتها دفاعية وليست هجومية، ولا تفرّغ سمّها في العادة إلّا عند الشعور بالخطر، علمًا أنّها تُصدر صوت فحيحٍ تحذيري لعدم الاقتراب منها، وقد تكتفي أحيانًا بلدغةٍ «تحذيرية» خالية من السّم.
وبالنسبة إلى الوسائل التي تساعد على تحديد نوع الأفاعي، يذكر يونس أنّ الأنواع السّامة تنشط في الليل، في حين تخرج الأنواع غير السامة من جحورها نهارًا، الأمر الذي يعرّضها للتصادم بالبشر، وخصوصًا الفلاحين والمزارعين الذين يعملون خلال النهار، ويجعلها بالتالي عرضةً للقتل الجائر.
في مواجهة الأفعى..
يؤكد الخبير علي يونس أنّ أول إجراء وقائي في مواجهة الأفعى هو الابتعاد لمسافةٍ لا تقل عن المترَين، والمحافظة قدر الإمكان على الهدوء لأنّ الانفعال يسرّع ضربات القلب وحركة الدورة الدموية، الأمر الذي يضاعف خطورة لدغة الأفعى.
ويحذّر من الأخطاء الشائعة المتوارثة في حال التعرّض للّدغ، مثل ربط العضو المصاب كاليد أو الرجل، إذ يقود هذا التصرف إلى إتلاف الأنسجة، ما يمكن أن يؤدي إلى بتر العضو الملدوغ. أما عادة جرح بقعة اللدغة، فيصفها يونس بالإجراء المميت، إذ يتيح للدماغ إعطاء الأمر للقلب لضخ مزيدٍ من الدم إلى مكان الجرح، ما يسرّع الدورة الدموية وينشر السم في الجسم وصولًا إلى القلب والدماغ مسببًا الموت خلال ساعات قليلة. وبالنسبة إلى امتصاص السم من الفم، فيعدّه إجراءً خطيرًا أيضًا، يسرّع خطر الموت. وهو ينصح بعدم شرب الماء مباشرةً بعد اللدغ، لأنه يسرّع انتقال السم. والأصح، هو غسل مكان الإصابة بالماء الوفير وربطه بقطعة شاش خفيفة تمنع الهواء من الوصول إلى الجرح، ريثما يُنقل المصاب إلى المستشفى.
في تشديده على ضرورة تعلّم طرق مواجهة الأفاعي، يؤكد يونس أنّه في موازاة دوره التوعوي على وسائل التواصل الاجتماعي، يعمل على إنشاء مصنع لإنتاج الأمصال المضادة للدغات الأفاعي بترخيصٍ من وزارة الصحة اللبنانية، وبإشراف نخبة من الأطباء بالتعاون مع الشركة اللبنانية للسموم في الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية، وقد بات المشروع في مراحله الأخيرة. هدفه، كما يقول، إنقاذ الأرواح من خطر الأفاعي وتوظيف خبرته الطويلة في خدمة الإنسان والبيئة معًا.











