قضايا إقليمية

أكبر عملية ابتزاز مالي وعسكري إسرائيلي لواشنطن: مليار دولار مساعدات
إعداد: د. إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

شكّلت المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل عاملًا مهمًا جدًا في بناء قوة العدو العسكرية على مدى 45 عامًا (لا سيما منذ حرب يوم الغفران في العام 1973). وواشنطن، كما هو معلوم، هي مصدر تمويل الجيش الإسرائيلي وإمداده بالوسائل القتالية الأكثر تطورًا في العالم.


لا تكتفي الولايات المتحدة بتبرير انتهاكات إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين خصوصًا والعرب عمومًا، ودعمها سياسيًا ودبلوماسيًا في المنتديات الدولية، بل إنّها على مدى السبعين عامًا الماضية، قدّمت لها مستويات من الدعم المالي لا يمكن مقارنتها بما قدّمته لأي دولة أخرى.
فتل أبيب، في المنطق الاستراتيجي والسياسي للعلاقات المشتركة بين الجانبَين، أكبر متلقٍّ لمساعدات واشنطن الاقتصادية والمالية والعسكرية.
يقترب الدعم الأميركي الذي تلقّته إسرائيل منذ احتلال فلسطين في العام 1948 وحتى 2017، من الـ 130 مليار دولار بحسب التقديرات الرسمية، إلّا أنّ تقديرات أخرى تقول إنّه وصل إلى نحو 270 مليار دولار. وتتحكّم في هذه المستويات الضخمة من المساعدات، عوامل ترتبط بممارسة الابتزاز والضغط الدائمَين من قبل اللوبي اليهودي المؤيّد لإسرائيل على الإدارات الأميركية المتعاقبة، إضافة إلى حرص واشنطن على استمرار تفوّق تل أبيب عسكريًا واقتصاديًا في الشرق الأوسط.

 

نتائج الدعم الأميركي لإسرائيل
لم يُخيّب الدعم القياسي لإسرائيل التطلّعات الأميركية؛ إذ تصنَّف تل أبيب من الدول الصناعية الثرية، فناتجها المحلي الإجمالي ارتفع أكثر من 140 ضعفًا، بين العامين 1960 و2016، إذ زاد عن 317 مليار دولار بحسب بيانات البنك الدولي. كما أنّ متوسط دخل الفرد السنوي في تل أبيب بات وفق البنك الدولي، يزيد عن مثيله في كوريا الجنوبية وإسبانيا، ليصل إلى 36 ألفًا و810 دولارات. وبفضل جزء من الدعم الأميركي، أصبحت صناعة الأسلحة الإسرائيلية واحدة من أقوى الصناعات في العالم، فبين العامين 2008 و2011، صُنّفت تل أبيب سابع أكبر مصدّر للأسلحة عالميًا، إذ باعت معدات بقيمة 9.9 مليارات دولار. وفي 2015 بلغت قيمة مبيعاتها من البضائع العسكرية 5.7 مليارات دولار.
يتمّ تقديم المساعدات الأميركية لإسرائيل من خلال اتفاقات، مدة كل واحد منها عقد من الزمن، ما يفيد تطوّر الصناعات الأمنية الإسرائيلية، ويتيح لجيش العدو مجال التخطيط والشراء على المدى الطويل. وفي هذا السياق، يمارس اللوبي الصهيوني نفوذه المالي على الأحزاب والشخصيات الأميركية، إما بمكافأة الموالين لإسرائيل أو بمعاقبة المعارضين لها. فهو يموّل المرشحين المؤيدين ويشنّ حملات فضائحية ضد المعارضين عبر وسائل الإعلام الصديقة لليهود.
أهمية هذا النفوذ المالي، لا تقتصر فقط على تحقيق امتيازات خاصة لمصلحة بعض القيادات الصهيونية، وإنّما تتعداه إلى تحقيق الأهداف الاستعمارية التوسعية للكيان الغاصب، وتخدم تفوّقه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا عواقب وخيمة على معادلات السلم والحرب في المنطقة والعالم، وعلى استقرار الاقتصاد العالمي، ومستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة. وبالتالي، لم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن معظم الأوروبيين في استفتاءات الرأي بأنّ إسرائيل تمثّل التهديد الأكبر للسلام العالمي.

 

المساعدات المقررة للسنوات المقبلة
في شهر حزيران من العام 2018، أقرّت لجنة الموازنة في الكونغرس الأميركي بند المساعدات الخارجية في الموازنة الأميركية للسنة المالية 2019 التي بدأت في شهر تشرين الأول 2018، وهي السنة الأولى من بدء سريان اتفاقية السنوات العشر المقبلة للمساعدات الأميركية لإسرائيل (2019 – 2028). تعتمد هذه الخطة بالدرجة الأولى على وثيقة التفاهمات التي وقّعتها إسرائيل في شهر أيلول 2016 بقيمة 38 مليار دولار، بواقع ٣٫٣ مليار دولار كتمويلٍ عسكري و٥٠٠ مليون دولار لبرامج التعاون للدفاع الصاروخي سنويًا، بعد خطتين عشريتين أخريين (1999- 2008، 2009-2018) مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي سعى جاهدًا إلى إبرامها قبل مغادرته البيت الأبيض، بهدف تقويض الانتقادات الزاعمة- بأنّ إدارته قصّرت في دعم حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط. وتكمن المنفعة المشتركة في توقيع مذكرات تفاهم كهذه في أنّها تتيح التنبؤ بحركة المساعدات بدل أن يتمّ التفاوض بشأنها سنويًا. استمر التفاوض حول حزمة المساعدات الأخيرة زهاء عشرة أشهر خلف أبواب مغلقة، خصّصت لأول مرة أموالًا للدفاع الصاروخي الإسرائيلي تبلغ 500 مليون دولار في السنة. ومنح المشرعون الأميركيون إسرائيل في الأعوام الأخيرة ما يصل إلى 600 مليون دولار مخصّصات سنوية اختيارية لهذا الهدف أيضًا.
وجدير بالذكر، أنّ إدارة أوباما كانت قد سعت مرارًا لإقناع نتنياهو بضرورة وقف أنشطته الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنّ هذا الأخير استنكف، وقال إنّه يفضّل انتظار الرئيس المقبل الذي سيخلف أوباما على أمل ضمان الحصول على اتفاق أفضل تصل قيمته إلى 4.5 مليار دولار سنويًا.

 

خطة سخية جدًا
من ناحية أخرى، اعتبر الباحثان العسكريان الإسرائيليان بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، شموئيل إيفن وشاشون حداد، أنّ للمساعدات الأميركية الأخيرة لإسرائيل دورًا فاعلًا في تقويتها عسكريًا، وقد باتت مصدر تمويل أساسي للوسائل القتالية التي تطلبها، لا سيما المتطورة منها.
وقال الباحثان إنّ «خطة المساعدات الأميركية الحالية للعقد القادم تعتبر سخية جدًا، وتوائم كل الاحتياجات الإسرائيلية في الجوانب العسكرية والأمنية والعملانية والقتالية، مع وجود جملة من التحدّيات التي تمثلها هذه الخطة أمام إسرائيل، أهمها ضمان الحيلولة دون استهداف التفوّق الصناعي العسكري الإسرائيلي على مستوى العالم».
وأضافا أنّ «الخطة توفّر الكميات المطلوبة من الأسلحة وأجهزة السيطرة والتحكّم والاتصالات والاستخبارات والتعقّب وجمع المعلومات، وتلتزم المحافظة على التفوّق النوعي والكمي لإسرائيل على دول المنطقة جميعها في الجوانب التسلحية والعسكرية، وهو بند أقرّه الكونغرس في العام 2008، ويعني على أرض الواقع، أن تتمكن إسرائيل بفضل ذلك من الإطاحة بأي تهديد تقليدي من أي دولة منفردة، أو تحالف لدولٍ أو مجموعات وتنظيمات».
وختمت الدراسة بالقول إنّ «المساعدات العسكرية الأميركية تعني أن تستطيع إسرائيل تحقيق تفوّقها في أي مواجهة عسكرية من خلال وقوع الحد الأدنى من الأضرار المادية والإصابات البشرية، عبر استخدام أدوات وأسلحة قتالية غاية في التقدّم».