تربية وطفولة

ألوانهم قد لا تناسب أذواقنا
إعداد: ماري الأشقر
اختصاصية في علم النفس

إنها الحرب في كل يوم، هي لا تريد أن ترتدي فستانها الزهري اللون، وشقيقها يصيح مطالبًا بكنزته الزرقاء ولا يرضى عنها بديلًا. الصراع حول الثياب التي يجب أو لا يجب ارتداءها هو حالة نزاع شبه يومية في معظم البيوت، وعلى الرغم من استمرارية هذه الحالة علينا نحن أن لا نجعل منها مأساة، فانتقاء الملابس ليس إلا طريقة يثبت الطفل من خلالها شخصيته.


يقلق العديد من الأهل بشأن هذه المشكلة ويتساءلون حول الأسباب التي تدفع بأولادهم إلى رفض ما يعرضونه عليهم من ألوان وأنواع، ويصرون على ارتداء ما لا يليق بهم أو بالمناسبة. هذه المشكلة مشتركة بين العائلات، وتشبه كل الصراعات الباقية والقائمة مثلًا حول تناول الطعام واللجوء إلى السرير وما شابه. إنّها تعكس تعطّش الصغير للاستقلالية، وتظهر مجهود الأهل في مراقبة أمور صغارهم وتسييرها ربما على عكس ما يريدون. ورفض الصغار لهذا الوضع ما يلبث أن يظهر في اعتراضات مزعجة للأهل.
تصدر أول طلقة في هذه المعركة في الشهر التاسع، عندما يخضع الطفل لتدابير الوالدة الخاصة بنظافته، أي عند تبديل الثياب الداخلية. عندها يلاحظ الطفل أنه حر في التلوي كيفما يشاء، ويستطيع أن يمدد ساقيه كما يحلو له، أو أن يتلفت من جانب إلى آخر دونما عائق. لذلك يقاوم كل محاولات أمه في تثبيت ملابسه، مما يتطلب منها معالجة سريعة، أو أن توافق بين حركاتها وتقلباته. إنّ إظهار التعارض بين الإرادتَين – إرادة الأم وإرادة الطفل – في أساس كل صراع حول الثياب، وهذا التحدي يرافق الطفل في طفولته وحتى سن المراهقة.

 

على الطبيعة
إذا تركنا لهم حرية الاختيار، فالصغار يفضلون من دون أدنى شك أن يبقوا عراة. فالثياب تزعجهم في اكتشافهم لأنفسهم وللآخرين، لهذا يمانعون بقدر استطاعتهم ارتداء الثياب. وطبعًا حين يكون في الأمر استقبال زوار أو نزهة في الخارج، عليهم أن يكونوا في كامل ثيابهم، لكن داخل جدران المنزل هم يشعرون براحةٍ أفضل من دون ثياب، فلما لا؟
لمعالجة عنادهم يجدر القول لهم، إنّه عليهم ارتداء ملابسهم كاملة عند خروجهم إلى الشارع وإلى السوق وفي السيارة، وإنّ هذا تدبير على الجميع احترامه، والتقيد به من دون تمييز. في المقابل علينا تحاشي كل تعليق عند خلعهم لملابسهم بمجرد أن تطأ أقدامهم عتبة الباب. فالصغير يحتاج إلى الإحساس بالحرية، كي ينصرف إلى اكتشافاته. والكثير من الممنوعات تجعله فقط يتساءل لماذا لديكم كل هذا الحق في أن تغضبوا!!
لسوء الحظ، إنّ نوعًا من الغمّ ينتاب الأهل بشأن ما إذا كانت هذه الصغيرة سترضى بوضع الشريط الملوّن في رأسها، أو إذا كان هذا الصغير صاحب الشخصية المتسلطة سيرضى بارتداء بنطلون آخر غير الذي مللنا رؤيته عليه في كل مناسبة.
إنّ الإحراج الذي تسببه ألوان غير متناسقة اختارها الولد لا يجب أن يعكّر مزاجنا ويسبب معركة في البيت. علينا أن نعي دومًا أنّ ذوق الصغار في ما يخص الثياب مشكوك به، ولكن ما المشكلة في ما لو اختار ولدكم قميصًا حمراء مع بنطلون برتقالي؟ أو اختارت ابنتكم بلوزة مقلمة مع تنورة معرقّة بألف زهرة وزهرة؟ وفي ما لو كانت الجوارب غير مناسبة، أو تسربت أطراف الثياب الداخلية لتضفي اللمسة الأخيرة على أناقة مبتكرة؟ ما علينا إلا قبول هذه الغرابة أو على الأقل الادعاء بأنّنا لم نرَ ما يلفت ويثير الاهتمام أو حتى الغيظ. إنّ الأهمية ليست في أن يرتدي صغاركم كما لو كانوا عارضي أزياء أو منحوتات أُعدت لعرض ما تريدونه أنتم. فترك الطفل يختار ما يشاء له إيجابياته التربوية، وبتعبيرٍ آخر، إنّ الأطفال بواسطة هذه المراوغة والمناورة في فرض إرادتهم على نوعية لباسهم، يشعرون بالاستقلالية والمنافسة. لذلك فإنّ عنادهم وعدم قبولهم بما نختاره لهم، والتشبث بما يريدونه هم، لا يستوجب تهذيبًا قاسيًا. قد يتساءل بعض الأهل حول ما يفكر فيه الآخرون تجاههم في ما لو تركوا أولادهم يتنزهون بأناقةٍ غريبة اختاروها بأنفسهم. ولكن ما هي قيمة هذه المخاوف بما أنّ المسألة تتعلق بمساعدة الصغير للحصول على اعتداد وثقة بالنفس؟ هنا تجدر الإشارة إلى أنّه كلما خفّت حدة المشاكل المتعلقة باللباس في الصغر، خفّت حدتها في المستقبل.

 

أزياء للتنكر
منذ الرابعة أو الخامسة من عمرهم يتوق الصغار لارتداء ثياب أهلهم، والصغار بتنكرهم هذا يكشفون عن رغبتهم العميقة في مماثلة أهلهم والتشبه بهم، فيستعيرون ملابسهم. هذه الحالة يجب أن يسعى الأهل لوضع حد لها بالتروي مع الإفساح في المجال للصغار قدر المستطاع للقيام بتجاربهم. فالأطفال يسعدون بهذا التغيير في الشكل الخارجي، ولكنهم لا يلبثون أن يشعروا بالعياء والملل وتعود الأمور إلى نصابها.

 

ثيابه كما الآخرون
منذ دخوله إلى المدرسة يتمحور همّ الصغير حول ارتداء ثياب شبيهة بثياب رفاقه. إنّ الصغار كلهم من دون استثناء شديدو الاهتمام بصورتهم الجسدية، ولهذا يعلّقون أهمية كبرى في أن يطابق مظهرهم المظهر العام للمجموعة التي ينتمون إليها. يُفضل الصغير مثلًا ارتداء قميص قطنية طُبعت عليها صور أبطاله مثل رفاقه، وما على الأهل، إلا تسهيل هذا الأمر على صغارهم حتى يشعروا بالراحة والسعادة والتآلف مع رفاقهم.

 

باكرًا جدًا
إنّ بعض الفتيات صاحبات النضج المبكر في الصغر، يرتدين أحيانًا ثيابًا تثير السخط، ويتجملن بمساحيق قوية، إذا ظهرت هذه الحالة فهي تشكّل انذارًا للأهل، وعليهم معالجتها بالتحدث مع الصغيرة حتى القضاء على مخاوفها. في حالة أخرى إذا تبين للأهل أنّ الأمر يتعدى حاجتها للإحساس بالاطمئنان والثقة، وإذا أصابتهم مخاوف تجاه عدم رضى الصغيرة عن نفسها، فما عليهم إلا اللجوء إلى اختصاصي في علم النفس.

 

التمرد
كل المراهقين يسعدون للتميّز برفضهم قناعات الناضجين، فمن الصبيان من يختار وضع حلق في أذنه، ومن البنات من ترغب في قص شعرها قصيرًا كما الصبيان، وهم بذلك كبناتٍ وصبيان يسعون لتحديد هويتهم الخاصة. في الواقع من الصعب جدًا فرض أذواقنا ووجهة نظرنا على حياة الصغار. فالمهمة صعبة ودقيقة. ولكن علينا على الأقل محاولة فهم ما تظهره هذه الميول في نوعية اللباس غير العادية التي يختارونها، والبحث عما إذا كان بالمقدور السعي لتحقيق مهادنة ومصالحة. وأخيرًا بما أن العصيان هو ما يبرر تصرفاتهم، فمن الأفضل أن نتجاهل الأمر وأن لا ندعه يصدمنا.

 

مسؤولية الأهل
إن الأمر يعود لنا نحن الأهل، وعلينا أن لا نجعل من قضايا اختيار الملابس طريقًا لانعدام التفاهم مع أولادنا. فقبل انتقاد ما يختارونه، علينا فهم ما يدور في رأسهم الصغير من صراعات تخصّ اتزانهم الداخلي، وتظهر مباشرة على مظهرهم الخارجي.

 

نصيحة أخيرة
للقضاء على بعض مسببات الخلاف بسبب اختيار الثياب، يجب أن لا نفصل الصغير عن عملية شراء ثيابه، يمكننا أن نساعده في الانتقاء. لكن في النهاية علينا احترام ما يختاره.