- En
- Fr
- عربي
أبحاث ودراسات
لكن... جنوبه يحاول نزع العباءة الشمالية الثقيلة
يستخدم مصطلح أميركا (Americas) بصيغة الجمع للأشارة إلى أراضي أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية معًا، بالإضافة إلى الجزر والمناطق المحيطة بهما، بينما يستخدم لفظ أميركا (America) بالمفرد للإشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية فقط. لكن بين الأميركيتين ما بينهما...
الموقع والمساحة
أميركا هي قارة تقع في نصف الكرة الأرضية الغربي، وتعرف أيضًا بالعالم الجديد، يحدها من الشمال المحيط المتجمد الشمالي، ومن الغرب المحيط الهادىء، ومن الشرق المحيط الأطلسي. أما من الجنوب فيحدها المحيط المتجمد الجنوبي والقارة القطبية الجنوبية (انتاركتيكا). اميركا (الشمالية والجنوبية) هي ثاني قارة من حيث المساحة بعد آسيا (44 مليونًا ونصف مليون كم2). وهي تغطي (مع الوسط) مساحة تقدر ب42 مليون 549 الف كلم2 أي ما يقدر ب 8.3% من إجمالي مساحة سطح الأرض، أو ما يوازي 28.4% من مساحة اليابسة. وهي أطول قسم متصل من اليابسة من شمال الكرة الارضية إلى جنوبها.
يميل بعض الجغرافيين إلى اعتبار كل من اميركا الشمالية والجنوبية كشبه قارة، مع اضافة اميركا الوسطى إلى القسم الشمالي من القارة، بينما يرى البعض الآخر أن كلاً منهما تشكل قارة بحد ذاتها. تبلغ مساحة اميركا الشمالية نحو 24 مليونًا و709 آلاف كلم2. أما أميركا الجنوبية فتبلغ مساحتها نحو 17 مليونًا و480 الف كلم2، بينما تبلغ مساحة البرزخ الواصل بينهما (أو ما يعرف بأميركا الوسطى) نحو 523 الفًا و780 كلم2. وتشكل قناة بنما في جنوب البرزخ الفاصل المائي الاصطناعي الوحيد بين البر الشمالي والجنوبي، وقد شقت مطلع القرن العشرين لتسهيل الاتصال بين المحيطين الاطلسي والهادىء والعبور البحري ما بين شرق القارة وغربها من دون الالتفاف حول جنوبها، وهي تعتبر من أهم النقاط الاســتراتيجية على مســتوى القارة في حركــة التجاــرة البحرية وعبور الاساطيل الحربية.
تاريخ القارة
تذهب بعض النظريات والبحوث الاركيولوجية والانتروبولوجية إلى اعتبار أن الانسان الاول سكن القارة الاميركية آتيا من قارة آسيا عبر مضيق «بيرننغ» (بين آلاسكا وروسيا) منذ ما بين 40 الف إلى 15 الف سنة قبل الميلاد. أعقب ذلك هجرات متتابعة لقبائل الاينوك القطبية (الإسكيمو) منذ الالف الاول قبل الميلاد، ما أدى إلى تشكيل الشعوب الاصلية والبدائية لسكان القارة في الشمال الذين تمددوا نحو الجنوب في مراحل لاحقة. أما اول احتكاك للاوروبين مع القارة الاميركية فيرجح أنه بدأ حوالى القرن العاشر الميلادي مع الشعوب الاسكندنافية الجرمانية والفايكنغ وما يعرف بشعوب «النورس» (Norsemen).
شكلت رحلات كريستوف كولومبوس (1492 - 1502) واكتشاف العالم الجديد بداية مرحلة جديدة في تاريخ القارة الاميركية مع العالم القديم، وبخاصة اوروبا التي استعمرت قواها الكبرى هذا العالم، مما أدى إلى غياب حضارات كانت قائمة فيه، كحضارة الآزتك في المكسيك والمايا في أميركا الوسطى وحضارة الإنكا في شمال غرب اميركا الجنوبية.
فتح نجاح الثورة الاميركية في الولايات المتحدة ضد الاستعمار البريطاني وحصولها على الاستقلال العام 1776، الباب على مرحلة جديدة في تاريخ القارة تبلورت في توالي حركات التحرروالاستقلال في الشمال والجنوب عن الدول المستعمرة في اوروبا (اسبانيا والبرتغال وانكلترا وهولاندا وفرنسا) اعتبارا من مطلع القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين. ويعتبر الجنرال الفنزويللي سيمون بوليفار (1783- 1830) محرر القسم الأكبر من اميركا الجنوبية (فنزويلا وكولومبيا والإكوادور وبوليفيا والبيرو) من الاستعمار الاسباني في مطلع القرن التاسع عشر، وقد لقب بـ«جورج واشنطن اميركا اللاتينية». إن معظم دول القارة الاميركية هي اليوم دول مستقلة وتتمتع بسيادتها بعد رحيل الاستعمار الأوروبي، ولكنها لاتزال تحتفظ بتركة ضخمة ومهمة من تاريخ هذا الاستعمار تتمظهر من خلال الإرث الحضاري الديني واللغات.
السكان
أدى تتابع موجات الهجرة الأوروبية إلى العالم الجديد منذ منتصف القرن السادس عشر، وما تبعها من هجرات كثيفة لاحقة من قارات العالم المختلفة، إلى تمازج أو تنافر مع السكان الأصليين، ما شكل العنصر الأساس في تكوين المجتمعات الأميركية في الشمال والوسط والجنوب. وهذا ما انعكس في بنية هذه المجتمعات الديموغرافية واللغوية والدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية كما نعرفها اليوم.
قدر عددالسكان في القارة الاميركية ككل، بنحو 953 مليونًا و700 ألف نسمة وفق تقديرات تموز 2013، أي ما يشكل نحو 14% تقريبًا من مجموع سكان العالم. هؤلاء يتوزعون في 35 دولة ذات سيادة، 23 منها في القسم الشمالي مع الوسط، و12 في القسم الجنوبي. كما أن هناك دولاً ومناطق ومحميات تابعة لدول اخرى ماوراء البحار.
أميركا الشمالية
تغطي شبه القارة الشمالية ثلاث دول كبرى من حيث المساحة وعدد السكان هي: كندا (9.9 مليون كم2 ونحو 35 مليون نسمة - العام 2013)، الولايات المتحدة الاميركية (9.6 كم2 ونحو 318 مليون نسمة - العام 2014)، المكسيك (نحو 2 مليون كم2 ونحو 118 مليون نسمة - العام 2013). يضاف إليها مجموعة الدول الجزر في البحر الكاريبي، مثل كوبا وتاهيتي وهاييتي وجامايكا، الباهاماس والدومينيكان وبورتوريكو وباربادوس وتوباغو وغيرها. كذلك تعتبر جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك من ضمن الاراضي الاميركية الشمالية.
أميركا الوسطى
تتضمن 7 دول معروفة باسم «جمهوريات الموز»، وهي: غواتيمالا، بليز، هندوراس، سلفادور، نيكاراغوا، كوستاريكا وبنما. ويبلغ عدد سكانها نحو 45 مليون نسمة ونيف، وبذلك يصبح عدد سكان اميركا الشمالية نحو 557 مليون نسمة.
أما اميركا الجنوبية وتعرف باسم «اميركا اللاتينية» فتضم 12 دولة ذات سيادة تضم ما يقارب 400 مليون نسمة (تقديرات العام 2014) وهي: البرازيل، الأرجنتين، كولومبيا، البيرو، بوليفيا، فنزويلا، تشيلي، الإكوادور، الباراغواي، الأوروغواي، غوايانا (الانكليزية سابقا) وسورينام. أما غويانا «الفرنسية» المجاورة لسورينام فتعتبر أحد الاقاليم الفرنسية التابعة لفرنسا في ما وراء البحار. كذلك هناك بعض الجزر قرب السواحل الجنوبية للقارة تابعة لبريطانيا، كجزر الفوكلاند قرب الأرجنتين.
تعتبر مدن ساوباولو وريو دي جنيرو في البرازيل، ومكسيكو سيتي في المكسيك، ونيويورك ولوس انجلوس وشيكاغو في الولايات المتحدة، وبوغوتا في كولومبيا، وبيونس آيرس في الأرجنتين، وليما في البيرو، اكبر المدن في القارة ومن أكثرها اكتظاظًا بالسكان على مستوى العالم، إذ يسكن هذه المدن وحدها ما يقارب خمس سكان القارة (أكثر من 150 مليون نسمة).
اللغات والديانات
تتعدد اللغات التي يتكلمها سكان القارة، وتختلف بين منطقة واخرى تبعا لاختلاف السكان والاعراق والاجناس التي كانت تسكن القارة قبل اكتشافها واستعمارها من الدول الاوروبية منذ القرن الخامس عشر. وقد أسهم انتقال الشعوب المختلفة من العالم القديم إلى العالم الجديد في نشر لغاتهم بين السكان الاصليين للبلاد. ويمكن اليوم احصاء اللغات الكبرى المنشرة في القارة وفق عدد الذين يتكلمونها كما يأتي:
اللغة الاسبانية، (أكثر من 400 مليون نسمة)، الانكليزية، (أكثر 325 مليون نسمة)، البرتغالية، (نحو 200 مليون نسمة)، يضاف إلى ذلك، الفرنسية (نحو 15 مليون نسمة)، الكويتشوا، (احدى اللغات الاصلية في القارة وينطق بها نحو 13 مليون نسمة)، الكريول، (لغة هاييتي ويعتمدها نحو 6 ملايين)، الجواراني، وهي أيضًا احدى اللغات الام في القارة (نحو 6 ملايين شخص)، الناهواتل، (لغة حضارة الأزتك، يتحدث بها نحو 1.5مليون شخص).
إلى ذلك هناك اللغات الصينية والإيطالية واليابانية والكورية والعربية، وعشرات اللغات المحلية... وتعتمد دول اميركا الجنوبية لغتين رسميتين هما البرتغالية في البرازيل والاسبانية في بقية دول القارة الجنوبية.
وفي ما خص الدين يعتنق سكان الاميركتين معظم الديانات المعروفة في العالم، وتأتي في طليعتها المسيحية (85%)، وفي حين يدين بالإسلام 1% وباليهودية 2%ثمة عدد من الملحدين أو الذين يمارسون شعائر روحانية من دون الانتماء لأي دين. كما توجد معتقدات أخرى مثل السيخية، البوذية، الهندوسية، البهائية، إلى طائفة واسعة من أديان السكان الأصليين، وأديان العصر الجديد، والعديد من الأديان الأفريقية والأديان المشتقة. كما يوجد في أنحاء القارة بعض المعتقدات التوفيقية.
الموارد
القارة الأميركية اراض شاسعة تتنوع فيها التربة والمناخ ويمتاز سطحها بانواع مختلفة من التضاريس، من سهول واسعة وجبال عالية (سلسلة جبال روكي في الشمال والآنديزفي الجنوب) وانهار غزيرة (المسيسيبي والامازون) وجزر واسعة (غرينلاند في الشمال)، كما تحوطها المحيطات من كل الجهات.
فأميركا الشمالية (وبخاصة كندا والولايات المتحدة) تمتاز بسهولها الواسعة وكثرة مياهها وأراضيها الخصبة ومناخها المعتدل، وبإستخدام التقنيات الحديثة، ما جعلها غنية جدًا بانتاجها وصادراتها الزراعية (كالقمح والذرة والقطن والموز وقصب السكر والتبغ والصويا) وبتربية الماشية وانتاج اللحوم. كذلك تمتاز ارض القارة بوفرة المواد الاولية من الحديد والفحم والبترول والغاز والذهب والفضة والرصاص والنحاس والزئبق ومختلف انواع المعادن. وهي تمتلك احدث المصانع واكبرها، وتنتج وتصدر مختلف انواع الصناعات الخفيفة والثقيلة وبأفضل المواصفات العالمية.
تتميز الولايات المتحدة الاميركية بكونها أغنى وأقوى دول القارة الاميركية، وأغنى دول العالم بمواردها المختلفة. فهي صاحبة أقوى اقتصاد زراعي وصناعي، وأعظم قدرات عسكرية ومالية في العالم، كما أنها من أكثر دول العالم تقدمًا على مستوى التكنولوجيا في المجالات المختلفة من أبسط الصناعات وحتى صناعة الطائرات والصواريخ والسفن الفضائية. ويقدر ناتجها المحلي السنوي (GDP) بنحو 15.7 تريليون دولار. هذا الرقم يكاد يوازي الناتج المحلي الاجمالي السنوي لدول الأتحاد الأوروبي مجتمعة (16.3 تريليون دولار حسب تقديرات العام 2012)، وهو يقارب 22.5% من الناتج المحلي العالمي.
أما شبه القارة الجنوبية، والمعروفة بأميركا اللاتينية، وبلاد حضارة «الأنكا»، فتمتاز بوفرة الموارد في بعض الدول، كالفحم والمعادن والبترول والغاز الطبيعي. إلا أن معظم دولها تعتمد بشكل أساسي على الثروات الحرجية وتجارة الاخشاب والزراعة وتربية الماشية، والمناجم وصيد السمك. كما تشتهر كل من البرازيل وكولومبيا بزراعة البن وتصديره إلى العالم. كذلك تتميز القارة الجنوبية بأنها معقل كرة القدم وهي تقدم أفضل الفرق العالمية في هذه اللعبة الشعبية على مستوى العالم، ومع ما يعنيه ذلك من مردود اقتصادي ومعنوي لدولها، وبخاصة البرازيل والارجنتين اللتين قدمتا نخبة من أشهر لاعبي العالم في هذه الرياضة.
وتعتبر فنزويلا أغنى دول القارة الجنوبية بثروتها من البترول والغاز الطبيعي وهي احدى دول العالم الكبرى في انتاج النفط والغاز وتصديرهما، وقد استخدمت «دبلوماسية النفط» مع الدول المجاورة واشتهرت بمعارضة سياسات الولايات المتحدة في القارة والعالم، وبخاصة خلال حقبة حكم رئيسها الراحل هيوغو شافيز. تلي فنزويلا في تصدير البترول على مستوى القارة، كل من الاكوادور وبوليفيا، كذلك تعتبر الارجنتين من أكبر الدول المصدرة للأبقار في العالم.
التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية
في أميركا العديد من هذه التكتلات التي تسعى إلى تفعيل التجارة البينية وتنظيم الاسواق وتوحيد التعرفة والاسعار والاعفاء الجمركي، وجلب الاستثمارات وتنمية اقتصادات الدول المشتركة بغية رفع مستوى العمالة لدى شعوبها، مما يسهم في تطوير الناتج المحلي الاجمالي. كذلك تسعى هذه التكتلات إلى عقد معاهدات تجارية تبادلية مع غيرها من الدول والتكتلات خارج القارة الاميركية للتعاون الاقتصادي والفني والسياسي واقامة مناطق تجارة حرة مشتركة.
السياسات والنزاعات البينية والدولية
العام 1796 وجه رئيس الولايات المتحدة الاميركية الأول جورج واشنطن رسالة وداع إلى شعوب اميركا بمناسبة انتهاء ولايته ضمّنها العبارة الآتية: «لا تتدخلوا في شؤون أوروبا وحاذروا أن تنساقوا إلى الاشتراك في المنازعات بين دولها. ابقوا بعيدين، ولا يكن لكم مع هذه الدول الاَّ علاقات تجارية من دون ارتباطات سياسية، واذا اشتبكت هذه الدول في حرب بينها فاتركوها وشأنها وحاولوا الاستفادة من حرب الغير لتوسعوا نطاق تجارتكم...».
سارت الولايات المتحدة بالفعل بروح وصية رئيسها الأول أكثر من قرن من الزمان، ووقفت في وجه محاولات الدول الاوروبية للتدخل في شؤون القارة. مع بداية الثورات في المستعمرات الاسبانية والمطالبة بالاستقلال في عشرينيات القرن التاسع عشر، حاولت اسبانيا الاستعانة بالدول الاوروبية لاستعادة «مستعمراتها». تصدت الولايات المتحدة لهذا التدخل بردّ شهير لرئيسها في ذلك الوقت جيمس مونرو (7 كانون الاول 1823) لخّص فيه السياسة الاميركية تجاه اوروبا، وهو ما عرف بـ»تصريح مونرو»، ويتضمن ما يأتي:
1- إن القارة الاميركية بلغت درجة من الحرية والاستقلال ما لا يترك محلا لأي احتلال أو استعمار لإقليم من أقاليمها من جانب الدول الأوروبية.
2- إن كل محاولة من الدول الاوروبية لفرض نظمها السياسية على جزء من أجزاء القارة يعتبر خطرًا على أمن الولايات المتحدة وسلامتها.
3- ليس للولايات المتحدة أن تتدخل في شؤون الدول الأوروبية، ولا شأن لها في الحروب التي تقوم بين هذه الدول، مع احتفاظها بحقها في الدفاع عن نفسها إذا وقع اعتداء على حقوقها أو تهددت مصالحها من احدى الدول الأوروبية.
رحّبت الدول الاميركية بتصريح مونرو، لأن هذا التصريح كان في ظاهره عملاً دفاعيًا ضد كل تدخل أجنبي في شؤون هذه الدول. ولما كانت الولايات المتحدة أقوى هذه الدول فقد أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عنها جميعًا ضد أي اعتداء أوروبي. ولكنها تدرجت في ذلك إلى أن نصبت نفسها قيمًا على شؤون دول أميركا، لا في علاقاتها مع اوروبا فحسب، بل في علاقاتها مع بعضها البعض. وبذلك اخذت الولايات المتحدة تتدخل في شؤون هذه الدول كلما سنحت فرصة لذلك، مما دفع احد الفقهاء في القانون الدولي إلى القول «إن تصريح مونرو وبالرغم من أنه في مظهره إقرار بمبدأ عدم التدخل، إلا أنه في الواقع وثيقة أعطت الولايات المتحدة لنفسها بمقتضاها الحق في التدخل في شؤون دول أميركا الأخرى. وإن سياسة واشنطن تسعى إلى مقاومة التدخل غير الأميركي بالتدخل الأميركي». هذا الواقع أثار مخاوف دول أميركا اللاتينية في ما بعد، فطالبت الولايات المتحدة بتخفيف اهتمامها بشؤونها الداخلية ووقف التدخل فيها واحترام سيادتها واستقلالها.
ظلت الولايات المتحدة تعتبر تصريح مونرو كدستور لسياستها الخارجية حتى وقت قريب وإن كانت تتعامل معه بطريقة استنسابية وفق مصالحها. فقد فرض الواقع الدولي تدخلها في اوروبا وغيرها منذ نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وخلاله، وبخاصة خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية حيث كانت اوروبا مسرحًا لحروب شاركت فيها الولايات المتحدة بالوسائل المختلفة وحسمتها لمصلحتها. وبعد الحرب الثانية تحولت اوروبا إلى مسرح محتمل لأي حرب قد تندلع ما بين القطبين الأميركي والسوفياتي (الحرب الباردة) وأصبحت قواتها العسكرية وقواعدها موجودة في أكثر من بلد اوروبي ضمن مفهوم الردع واستراتيجيات حلف الناتو الذي شكلته مع الدول الاوروبية للوقوف بوجه تهديد الإتحاد السوفياتي السابق. كذلك تدخلت الولايات المتحدة وهيمنت سياسيًا من خلال صناعة الانقلابات العسكرية. وأحدثت اختراقًا اقتصاديًا من خلال الشركات العابرة للقارات وسياسة صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى تدهور الاحوال المعيشية وارتفاع مستوى الفقر بين ملايين السكان، في معظم دول أميركا الجنوبية. هذه السياسة كانت بحجة الوقوف في وجه التيارات الشيوعية والاشتراكية، ومحاربة نفوذ الاتحاد السوفياتي في القارة الاميركية، من كوبا إلى جمهوريات اميركا الوسطى في نيكاراغوا والسلفادور وبنما، ومن فنزويلا إلى كولومبيا و بوليفيا والاكوادور والتشيلي والارجنتين والبرازيل وغيرها.
استطاعت الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي المدوي أن تنفرد بقيادة العالم وتسيّره وفق سياساتها وايديولوجياتها الاقتصادية الليبرالية والعسكرية، فقامت في عهد الرئيس جورج بوش الإبن بحروب استباقية أو وقائية في عدد من دول العالم بحجة القضاء على الإرهاب (أفغانستان)، أو الدول التي ترى انها ترعاه (العراق)، وفق استراتيجية جديدة تقوم على القضاء على البؤر الاحتمالية لأي تهديد لأمنها القومي، أو القضاء والسيطرة على أي دولة (أو نظام) تهدد موارد تفوقها وهيمنتها، بدءًا من دول أميركا (بنما وغرينادا)، امتدادًا إلى أفريقيا وآسيا، ومن الشــرق الأوســط إلى اليــابان وكوريــا وفييتنــام والمحيــط الباسفيكي (الهادىء).
القارة في عالم اليوم
تعتبر أميركا اليوم من أغنى قارات العالم وأكثرها تأثيرًا، وبخاصة القسم الشمالي منها. فالناتج المحلي لاقتصادات دولها مجتمعة يزيد عن ثلث الناتج المحلي العالمي، ودولها المختلفة تشهد نموًا اقتصاديًا متسارعًا وحركة استثمار في قطاعات متعددة.
في المقابل فإن العولمة الاقتصادية وتطور وسائل الاتصال، ومن ثم وقوع الازمة الاقتصادية العالمية العام 2008 وتداعياتها في الولايات المتحدة وبروز قوى اقتصادية عالمية جديدة، (الصين والهند وروسيا، وايران والخليج، والبرازيل وجنوب افريقيا)، وظهور تجمعات دولية اقتصادية كبرى (الاتحاد الأوروبي ودول البريكس، ومنظمة شنغهاي)، شكلت عوامل أدت إلى كسر الحاجز النفسي لدى الدول الاميركية. وبالتالي سعت هذه الدول للتحرر من السيطرة الاقتصادية والهيمنة السياسية للولايات المتحدة (المكسيك والبرازيل وفنزويلا وكوبا والارجنتين والإكوادور والتشيلي وبعض دول اميركا الوسطى كنيكاراغوا وبنما والسلفادور وغيرها). فقد عملت هذه الدول على تنمية اقتصاداتها وعلاقاتها الدولية الاقتصادية والسياسية سواء بانضمامها إلى تكتلات واحلاف اقتصادية وسياسية داخل القارة أو خارجها، أو بمحاولة التمايز والاستقلال عن السياسة الاميركية والخروج من تحت العباءة الثقيلة للولايات المتحدة، وبخاصة في عالم يشهد حراكًا شعبيًا، غير مسبوق. واستفادت هذه الدول مما يشهده العالم من تغير في موازين القوى السابقة، وسقوط أوترنح القطبية الاحادية والهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وإرهاصات ولادة نظام عالمي جديد يتشكل من أقطاب متعددة، ويقوم على الحرية السياسية واحترام حقوق الانسان، والاعتمادية المتبادلة للمصالح الاقتصادية، والتجارة الحرة.
المراجع:
en.wikipedia.org/wiki/Americas
www.americasresources.com
www.britannica.com