فسحة أمل

أنا أستطيع، أنا أثق...
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

يحاول الإنسان عادةً البحث عن حياة مريحة، هادئة ومليئة بالسعادة والنجاح. ولكن الحياة ليست بالسهولة التي يتمنّاها المرء بل هي محفوفة بالمخاطر والصعوبات والمشقات في مختلف محطاتها. وهذا ما يطرح الإشكالية الآتية: هل يغيّر تفكير الفرد وتصرّفه تجاه الأزمات والمشكلات ونظرته إلى الأمور حالته النفسية والجسدية، ويمنحه ما يسعى إليه في رحلة الحياة؟ يُقال إنّ الإنسان إذا نظر إلى «النصف المليان من الكباية» تتغير حياته وتصبح أكثر راحة. في ما يأتي نستعرض مدى صحة هذه المقولة.

 

يرتبط التفكير الإيجابي بمفهوم التفاؤل والنظر إلى الأمور بإيجابية والابتعاد عن كل ما هو سلبي. وهو طريقة تفكير يكتسبها الفرد من خلال التربية التي يتلقاها، ما يمنحه قدرة السيطرة على نفسه حين تواجهه أي مشكلة، كما يمكّنه من التحكم بذاته ومنع الأفكار السلبية من إقلاق راحته، فضلًا عن التمتع بالتفاؤل وحب الحياة والأمل.
 
كيف نفكّر إيجابيًا؟
التفكير بإيجابية إزاء ما نصادفه في الحياة، أمر يمكن أن نتدرب عليه وصولًا إلى امتلاك المهارات اللازمة. ووفق الاختصاصية في علم النفس العيادي والأستاذة المحاضِرة في الجامعة اللبنانية الدكتورة جويل خراط غانم من أبسط الطرق التي يمكن اعتمادها أن يقول الفرد لنفسه كل يوم: «أنا منيح، نهاري رح يكون حلو، اليوم رح يكون أحسن من مبارح» وعبارات مشابهة لها. ترداد هذه العبارات مرات عديدة خلال اليوم الواحد يُشعر الإنسان أنّه في وضع جيّد، ويومًا بعد يوم يصبح مقتنعًا بأنّ الحياة ستصبح أكثر إيجابية. وإذا قرّر الابتسام رغم مصادفته أمورًا سيئة، فإنّ مناطق معينة من الدماغ تتحرك وتفرز هرمون السعادة، ويصبح بالتالي سعيدًا وإيجابيًا بالفعل.

وترى الدكتورة غانم أنّ اتّباع الفرد طريقة صحيحة في التنفّس والنوم لساعاتٍ كافية يساعد على التفكير بإيجابية، فالإنسان المرتاح جسديًا يصبح محصّنًا إزاء الضغوطات النفسية والتوتّر. كما يمكن لتمارين التأمل والرياضة أن تؤدي إلى السعادة والتفكير الإيجابي إذا تمت ممارستها بانتظام. وتنصح غانم أيضًا باعتماد عادات يومية يرى الشخص أنها تفيده غالبًا. فمثلًا إذا كان يشعر أنّه يصبح أفضل إذا مارس الرياضة أو شرب القهوة صباحًا أو تناول فطوره متأخرًا أو أي شيء آخر، يتوجب عليه القيام بذلك بانتظام وخلق الوقت المناسب لفعله، فهذه العادات الروتينية تشعره بالراحة وبالرضى النفسي.


هكذا نتدرّب على التفكير بإيجابية
وعن تدريب الذات على التفكير بإيجابية أمام ما يعترضنا من مشكلات تقول الدكتورة غانم: «في كل موقف صعب يمرّ به الفرد، يجب أن يكرّر في نفسه جمَلًا إيجابية مثل: أنا أستطيع، أنا أثق، أنا أصدق، وغيرها. فهذا الأمر يزيد تقدير الإنسان لذاته فتزيد فرصته بالنجاح والتطوّر ما يولّد في نفسه الراحة والطمأنينة». وتضيف أنّه من الضروري ألّا يقع الإنسان في حالة نكران للواقع الصعب والمشكلات، بل بالعكس أن يعترف بها حتى يستطيع مواجهتها، فإذا لم يعترف الشخص بحاجته أو ضعفه أو حزنه لن يسعى إلى تغيير الواقع السيّئ. وتؤكّد: «لا يأتي الحل من الخارج ولا بطريقة تلقائية، بل على الإنسان العمل بنفسه من أجل إيجاد الحلول وتجاوز ما يمر به من هموم». نقطة أخرى مهمة تقضي بالابتعاد عن السلبيين والمتشائمين الذين يزيدون الوضع سوءًا، وبتدوين الأمور الإيجابية التي حصلت معنا خلال اليوم، هكذا نرى الإيجابيات بوضوح ونتمسك بها.
 
نقطة ضوء في الظلام

يُقال: «أضئ شمعة بدل أن تلعن الظلام»، وفي هذا الصدد تشير الدكتورة غانم إلى أنّه «لا يمكن أن نعود إلى الماضي لنغيّره، ولا يمكننا التوقف عنده. لذلك علينا أن نبدأ بالوقت الحاضر، وأن نقول لأنفسنا إنّنا اليوم سوف نسعى إلى الحلول بدل التركيز على المشكلات. فعلى الرغم مما نعيشه، نستطيع التقدّم إذا اعتدنا التفكير بأنّ الماضي لا يتغيّر أبدًا». وتضيف: لا بد أن يتجنب الشخص لوم نفسه على المصائب التي تحصل حوله، أو اعتبار مواجهتها مسؤولية تقع على عاتقه. الأمر الصحيح هو أن يعمل على تطوير نفسه وأن ينظر إلى الأمور نظرة تفاؤلية تساعده على الشعور بأنّه بحالة جيّدة.

إذًا، تسير حياة الإنسان وفق الطريقة التي يفكّر بها؛ فهل سنختار اليأس والسلبية والتوقف عند الماضي وعند كل عقبة نمرّ بها؟ أم سنعيش الحاضر ونعمل على حل مشكلاتنا وتخطيها لتحقيق الأهداف وعيش حياة مريحة وسعيدة؟