- En
- Fr
- عربي
ثقافة وفنون
يبرز أنطوان ولطيفة ملتقى من بين الثنائيات الديناميكية التي قدّمت مساهمات كبيرة في المشهد المسرحي اللبناني الحديث، كرائدَين تركا أثرًا لا يُمحى. إنّ جهودهما التشاركية لم تُحدث ثورة في الطريقة التي يُنظر بها إلى المسرح واستهلاكه في لبنان فحسب، بل مهّدت الطريق أيضًا لجيل جديد من الفنانين لاستكشاف موضوعات وأساليب متنوعة وتجربتها في المسرح الجاد.
وُلد أنطوان ملتقى في العام 1933 في وادي شحرور التي كانت مسرح بداياته الأولى في التمثيل، بينما وُلدت لطيفة شمعون في العام 1932، وجاءت إلى المسرح «من دون قرار مسبق أو أحلام أولى» بخلاف أنطوان ومعظم المسرحيين اللبنانيين. التقى أنطوان ولطيفة لأول مرة في العام 1959 في أثناء اشتراكهما في مسرحية «ماكبث» التي أخرجها منير أبو دبس. كلاهما أخذته جاذبية المسرح، وسرعان ما ارتبطا بشغفهما المشترك بالمسرح ليبدأ التعاون بينهما في مشاريع مختلفة.
مسيرة شراكة مزدهرة
ازدهرت شراكتهما، وشرعا معًا في رحلة لإعادة تعريف المسرح اللبناني، وتجاوز الحدود وتحدي التقاليد خلال مسيرتهما الطويلة. انطلقت هذه الرحلة مع تأسيس «حلقة المسرح الحديث» بموجب علم وخبر رقم 1201 بتاريخ 5/11/1963. قدّمت الحلقة مسرحيات تتصل بالقضايا الاجتماعية المحلية إلى جانب أعمال المسرح الكلاسيكي الأوروبي، وشكّلت محترفًا فنيًا متعدد الاختصاصات لإعداد الممثلين مع مجموعة من الفنانين والأدباء، من بينهم إدوار البستاني وميشال بصبوص. توالت محطات هذه الرحلة مع مهرجانات راشانا (1961-1965)، ومسرح الأشرفية (1965-1967)، والمسرح الاختباري في زقاق البلاط (1967-1971)، ومسرح مارون النقاش (1987-1993) الذي تم إغلاقه عندما طلب مالكوه استرداده لتحويله إلى منشأة تجارية.
رعاية جيل جديد من صانعي المسرح
من خلال ورش العمل والبرامج التدريبية والإرشاد، قام أنطوان ولطيفة ملتقى برعاية جيل جديد من صانعي المسرح، وغرسا فيهم قيم النزاهة الفنية والمسؤولية الاجتماعية. وقد ترسخ هذا البعد في دورهما المركزي في تأسيس قسم المسرح في الجامعة اللبنانية، وإقامة الندوات والمؤتمرات حول واقع المسرح في لبنان ومواضيع التقنيات والتأليف والترجمة. ولأنّ أنطوان ولطيفة أرادا مشاركة فئات واسعة من الناس في المسرحيات، قررا أداء مسرحياتهما في القرى اللبنانية. وقد تحققت هذه الأمنية مع دعوة رئيس مصلحة الإنعاش الاجتماعي (لاحقًا وزارة الشؤون الاجتماعية) جوزيف دوناتو إقامة المسرح الجوّال الذي يزور القرى النائية والمخيمات الصيفية للشباب التي تنظمها المصلحة. وفي هذا السياق لقيت مسرحيتهما «ضاعت الطاسة» نجاحًا كبيرًا، مما شجعهما على المزيد من العمل للجمع بين الفولكلور اللبناني التقليدي وعناصر المسرح الحديث والنضال من أجل مجتمع أكثر عدلاً وتحررًا.
الاستكشاف الشجاع
إحدى أهم مساهمات أنطوان ولطيفة ملتقى في المسرح اللبناني تكمن في استكشافهما الشجاع للمواضيع المحظورة والمثيرة للجدل والقضايا المجتمعية، وتسليط الضوء على موضوعات، مثل الفساد السياسي، والظلم الاجتماعي. بالإضافة إلى جرأتهما الموضوعية، ميّز أنطوان ولطيفة ملتقى نفسيهما أيضًا من خلال نهجهما المبتكر في العرض والأداء واستلهام مجموعة من التقاليد ومروحة واسعة من النظريات والممارسات المسرحية الطليعية، ما خلق اندماجًا ديناميكيًا بين الابتكار والتقاليد. ابتكرا عوالم غامرة نقلت المشاهدين إلى قلب التجربة اللبنانية، ما دفعهما إلى مواجهة الحقائق العالمية والتعامل مع تعقيدات الحالة الإنسانية، فضلًا عن تعزيز الرؤية المحلية النقدية. تحدى أنطوان ولطيفة ملتقى المفاهيم السائدة آنذاك لسرد القصص والأداء، وأعادا تعريف إمكانات المسرح عبر التجربة والأبحاث والمقارعة المستمرة لحدود ما يمكن أن يكون عليه المسرح. وبذلك مهّدا الطريق لعصر جديد من المسرح الواعي والموجّه اجتماعيًا في لبنان.
المسرح كمنصة للحوار والتفكير
ظهر أنطوان ولطيفة ملتقى في لحظة محورية في التاريخ اللبناني بعد أن نال لبنان استقلاله وأصبح قطبًا ثقافيًا محوريًا، وتميّزت هذه اللحظة باهتمام متزايد بالفنون ورغبة في التعبير الثقافي والبحث عن الهوية. وإرث أنطوان ولطيفة ملتقى في المسرح اللبناني هو إرث الابتكار والتعاون والصمود في وجه التحديات الكثيرة والمستمرة التي مرّ بها لبنان. اشتركا معًا في الكتابة والتمثيل والإخراج والتدريب. وأدى تعاونهما إلى ظهور سلسلة من الإنتاجات الرائدة التي أسرت الجماهير والنقّاد على حد سواء. لقد سعيا معًا إلى تحدي الأعراف المجتمعية وإثارة التأمل، مستخدمين المسرح كمنصة للحوار والتفكير. من خلال استكشافهما الشجاع للمواضيع المحرمة والقضايا المجتمعية، ونهجهما المبتكر في العرض والأداء، والتزامهما رعاية المواهب الناشئة، ترك الثنائي ملتقى علامة لا تمحى في المشهد المسرحي اللبناني. وبالإضافة إلى كل ذلك، أدت لطيفة ملتقى دورًا بارزًا وثابتًا في تعزيز ريادة المرأة في التمثيل، وفي المواضيع التي تبرز معاناتها ووضعها، كما في دورها الأساسي في صناعة المسرح الطليعي التغيري.
رحل أنطوان ملتقى بعد ابتعاده عن الشأن العام في 21/2/2024، ولم تلبث شريكة دربه لطيفة أن تلحق به بعد أسابيع قليلة (في 10/4/2024). وبينما نتأمل في مساهماتهما، نرجو أن نستمد الإلهام لسنوات طويلة من المثال الذي قدّماه، ونستمر في دفع حدود ما يمكن أن يحققه المسرح في زمن مقبل ونهضات لا بد أن تأتي. سيبقى لقاء أنطوان ولطيفة ملتقى في المسرح اللبناني أيقونة لاتحاد الرؤية الفنية والبراعة الإبداعية والانتماء المتجدد.
من أعمال الثنائي ملتقى
«ماكبث» لشكسبير (1962)، «جريمة وعقاب» لدوستويفسكي (1963)، «الذباب» لسارتر (1963)، «عرس الدم» للوركا (1964)، «سوء تفاهم» لكامو (1964)، «ريتشار الثالث» لشكسبير (1964) بمناسبة المئوية الرابعة لولادة شكسبير، «ضاعت الطاسة» لكلايست (1965)، «الازميل» لأنطوان معلوف (1965)، «سمسم» لإدوار البستاني (1966)، «كاليغولا» لكامو (1967)، «أنا ناخب» لكاراجيال (1970)، «العالم يو» لباليتش (1971)، «وصية كلب» لسواسونا (1972)، «الاستيلاء على السلطة» لمانيه (1972)، «عشرة عبيد زغار» لأغاثا كريستي (1973)، «نقطة عالسطر» لناجي معلوف (1980)، «زيارة السيدة العجوز» لدورنمات (1987)، «البزاقة» و«حرب بالطابق الثالث» لكوهوت (1993)، «مهاجر بريسبان» لشحادة (1999).
للتلفزيون: «عشرة عبيد زغار» (1974) و«جريمة في القلعة» (1981).