إقتصاد ومال

أوروبا تكافح أزمة ديون دقيقة
إعداد: تريز منصور

هل من مؤامرة لإضعاف اليورو؟


إشتدت أزمة الديون السيادية الأوروبية وتزايدت بسرعة على مدى الأشهر الماضية، وتمحورت حول مشكلة مزمنة مرتبطة الى حد كبير بالفشل في جعل مالية اليونان مستقرة. ومنذ ذلك الحين، تنتشر الأزمة بسرعة، فبعد أن طاولت إيطاليا، وإسبانيا، وصلت في الآونة الأخيرة، الى فرنسا وألمانيا.
وتكافح أوروبا اليوم أزمة ديون منهجية ودقيقة تهدد النظام المالي العالمي واقتصاده، وتشكل أكبر تهديد للاقتصاد الأميركي ونظامه المالي، الذي سبق أن انطلقت منه الأزمة المالية العالمية نهاية العام 2008.
وفي سياق تداعيات الأزمة خفّض البنك المركزي الأوروبي في الأشهر الماضية أسعار الفائدة عن واحد في المئة وهو ما يحصل للمرة الأولى.
حول واقع هذه الأزمة، وأسباب تفاقم الوضع المالي في منطقة اليورو، تحدث لمجلة «الجيش» الدكتور عبدالله نجار (أستاذ محاضر في كلية إدارة الأعمال والعلوم الإقتصاية - الجامعة اللبنانية.


واقع الديون الأوروبية
• ما هو واقع ديون الدول الأوروبية، وما هي الإجراءات المتخذة لتفادي الإنهيارات؟
- بدأت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأميركية نهاية العام 2008، وكان سببها الرئيسي الهبوط الحاد لأسعار العقارات التي فاقت قيمتها القيمة الحقيقية بكثير من جهة، والتسليف غير المحق وغير المدروس لعدد كبير من المقترضين العقاريين من جهة أخرى. وجاءت الأزمة الأوروبية نتيجة ديون الدول وأهمها أميركا واليابان... وكذلك الشركات الضخمة لا سيما العقارية منها. ونتيجة لذلك أصبح الإقتصاد العالمي ضعيفًا ومعرضًا للركود وبعيدًا من النمو. والعام 2011، أثيرت مجددًا قضية ديون الدولة الأميركية، وبعد جدل عقيم تمّت الموافقة على رفع قيمة الدين، وأٌجبرت الدوائر المختصة، وبطلب من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن البنك المركزي الأميركي ومجلس الشيوخ ومجلس الشعب، على زيادة قيمة الدين إلى حوالى 16ألف مليار دولار لغاية 31-12-2012. وقد تمّت هذه الزيادة في مزاد علني، لأنه عندما تفقد الثقة من الأسواق، تصبح قضية الإكتتاب بسندات الخزينة صعبة للغاية.
وأضاف: بعد ذلك تمّ فتح ملفات ديون الدول الأوروبية، لا سيما أن أحد الشروط المنصوص عنها في قانون الإتحاد الأوروبي وفي الدول الصناعية الكبرى، هو ألّا تتعدى قيمة ديون الدول الـ60 في المئة من الدخل القومي أو الناتج المحلي، كما أنه يجب ألّا يتعدى العجز في الميزانية العامة الـ3 في المئة من الناتج المحلي أو الدخل القومي، كي تتمكن الدول من تغطية العجز الكبير الناتج عن حجم الدين الهائل. وفي الواقع، ثبت أن العديد من الدول الأوروبية والدول الصناعية الكبرى قد تخطّت نسبة الدين لديها الـ 60 في المئة، فمثلاً، وصلت الديون الأميركية إلى 68%، وبلغت في فرنسا 82 % وفي إيطاليا 120 %، وفي اليونان 150 % وفي ألمانيا 83 %...
إن حجم الدين السيادي الكبير لهذه الدول، قد وضعها أمام معضلة إيفاء دينها العام، وأصبح النمو (الأميركي والأوروبي) أضعف من أن يتمكن من تغطية عجز الميزانية العامة المتراكم، لا سيما أن نسبة البطالة في أميركا بلغت 8،3 في المئة.
كما أن مداخيل الدول الأوروبية انخفضت نتيجة انخفاض مداخيل الضرائب، وارتفاع البطالة التي تخطّت نسبتها الـ 10 في المئة في الإتحاد الأوروبي مجتمعًا، (إسبانيا 26 في المئة، اليونان 24 في المئة، هولندا 10 في المئة، إلمانيا 5 في المئة، النمسا 4،4 في المئة، إيطاليا 9،3 في المئة، فرنسا 9،4 في المئة، اليابان 4،7 في المئة). ولوحظ أن ثمّة صعوبة كبيرة في عمليات التسليف، حتى بين المصارف. ومن المؤسف أن البطالة تزداد بنسبة عالية من جراء الركود الإقتصادي في بعض الدول، لا سيما المتعثرة منها.

 

 حجم المخاطر
إن الوضع الأوروبي العسير اليوم، يتابع الدكتور نجار، هو نتيجة للدين اليوناني وانعدام النمو في هذا البلد، وكذلك العجز المتراكم، إضافة إلى مشكلات بعض الدول الأوروبية (إيطاليا وإسبانيا وإيرلندا والبرتغال)، غير المحصورة بالدين العام فحسب، وإنما تتعداها إلى الركود والبطالة والهبوط في أسعار العقارات وانعدام النمو، والعجز الكبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات.
يضاف إلى ذلك دخول بعض دول أوروبا منطقة اليورو من دون استحقاق، عبر تقديم معلومات غير صحيحة في ما يتعلق بالوضع المالي والاقتصادي، إذ حصل بذلك ما يشبه عملية تزوير حقيقية.
 لهذه الأسباب مجتمعة، ارتفع حجم المخاطر في هذه الدول، الأمر الذي دفع بالمستثمرين إلى التريّث والحذر من الإكتتاب في سندات الخزينة، بينما لجأ الإتحاد الأوروبي إلى عقد الإجتماعات المكثّفة (خصوصًا بين الدولة الفرنسية والدولة الألمانية)، بهدف إيجاد الحلول المناسبة لتفادي إنهيار جزء من هذه الدول وبالتالي إنهيار الاقتصاد العالمي.
وأوضح:  إن الحلّ لأزمة اليونان المالية قد تمّ بتخفيض قيمة دينها بنسبة 53 في المئة، وهو التخفيض الأكبر الذي تمّ في العالم حتى اليوم، وذلك بعد المساعي الحثيثة التي قامت بها المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي، وبمشاركة القطاع الخاص والقطاع المصرفي وشركات التأمين وغيرها من المستثمرين...
لقد أصبح دين اليونان الحالي بعد هذا التخفيض 80 في المئة من الناتج المحلي، مما يعني أن حلّ أزمة اليونان لم يكن جذريًا، على الرغم من التقشّف الصعب، وإنني أرى أن هذا الإجراء التقشفي، لا يسمح بأي نمو في السنوات القليلة القادمة.
فالأزمة اليونانية سوف تعيد نفسها بنفسها. وبعد هذه الأزمة، سوف تطالب باقي الدول الأوروبية، بمساعدة من الإتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي، لحلّ مشاكلها المالية، ومنها ما هو صعب وعسير.
إن ثقة المستثمرين في سندات الخزينة للدول الأوروبية خصوصًا المتعثرة منها باتت شبه معدومة. بحيث أن نسبة المخاطر أصبحت كبيرة جدًا، وأحد شروط المستثمرين الحصول على فوائد عالية، وهذه النسب لا يمكن للدول المتعثّرة تحمّلها في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة.
وبالتالي، إن رفع الفوائد على سندات الخزينة سوف يفاقم مشكلة المديونية في هذه الدول، التي تواجه حتمية عدم التمكن من سداد ديونها في المدى المنظور. ومن مشاكل هذه الدول أنها فقدت الاستقلالية المالية، ما يعني انه عليها اللجوء إلى البنك الأوروبي الذي يحتكر عملية إصدار العملة الأوروبية (اليورو) كلما احتاجت إلى سيولة أو قروض بهذه العملة.

 

تأثير تصنيف الشركات
• ماذا عن تأثير تصنيف الشركات الأميركية الإئتماني للدول مثل موديز وغيرها...؟
- إن تصنيف الشركات الأميركية مثل «موديز» و«SP» للدول الأوروبية، قد خفّض من ثقة المستثمرين بسندات الخزينة لتلك الدول، وجعلهم يطالبون بفوائد مرتفعة مما سيساهم في رفع قيمة العجز، ومستوى التقشّف، وبالتالي بروز أزمة إجتماعية خانقة.


• لماذا تطرح أزمة الديون الأوروبية مجددًا وبقوة اليوم؟
- لقد تفاقمت الديون لدى عدة دول صناعية كبرى فاليابان مثلاً، وصل حجم دينها لغاية العام 2010، إلى 198 في المئة من الناتج المحلي، (علمًا أن قيمة الين الياباني تفوق قيمة كل العملات الأجنبية)، كما أن شركات يابانية كبرى عديدة قد أعلنت إفلاسها، وسوف تلجأ إلى الإنتاج في دول أخرى حيث سعر صرف العملة أرخص، وكذلك اليد العاملة، والقيمة المضافة في الإنتاج أكبر... لكن على الرغم من كل ذلك لم تثر قضية ديونها في الأسواق المالية على الإطلاق، في حين أن مشكلة الديون الأوروبية برزت بقوة في نهاية العام 2010، ومن ثم أثيرت مجددًا العام 2011 وصولاً إلى العام 2012، ما يعني أن هناك مؤامرة كبيرة تهدف إلى إضعاف اليورو، عبراضطرار بعض الدول إلى التخلي عنه والعودة إلى عملتها الأصلية، وبالتالي عودة الاستقلالية المالية لها.


• هل لأزمة الديون الأوروبية تأثير على الإقتصاد اللبناني؟
- إن تأثير هذه الأزمة على الإقتصاد اللبناني لن يكون كبيرًا، نظرًا الى الأزمات الكثيرة الموجودة والتي تعيق أصلاً عملية النمو الإقتصادي في لبنان.
 وختـــم الدكتور نجار موضحًا «أن أزمـــة ديون الدول الأوروبية وغيرهـــا من الدول الصناعية الكبرى، سوف تخلق أزمة تمويل لهـــذه الدول، وسوف نواجه مستقبلاً نموًا عالميًا ضعيفًا، وانخفاضًا في أسعار العقارات، وارتفاعًا في نسب البطالة، ما يؤدي إلى أزمات إجتماعية خانقة وإلى ارتفاع في نسبة عدد الفقراء في العالم».

 

الدين السيادي لبعض الدول نسبة إلى الناتج المحلي

اسم الدولة

حجم الدين السيادي

(ألف مليار) 2010

معدل الدين بالنسبة

الى الناتج المحلي

الولايات المتحدة الأميركية

5،133

68%

اليابان

8،512

198%

ألمانيا

2،446

83%

إيطاليا

2،113

120%

الصين

1،907

19%

فرنسا

1،767

82%

بريطانيا

1،654

76%

كندا

1،117

84%

إسبانيا

0،823

60%

اليونان

0،454

150%

تركيا

411

43%

بلجيكا

0،398

101%

مصر

398

80%