- En
- Fr
- عربي
حول العالم
المارد استيقظ وأدهش العالم
في الثالث عشر من تموز 2001، في موسكو، عيّنت الدورة الثانية بعد الماية للجمعية الأولمبية الدولية عاصمة جمهورية الصين الشعبية بيجينغ (الإسم الجديد لبكين) لاستقبال الألعاب الصيفية للأولمبياد التاسع والعشرين واستبعدت خمس مدن منذ العام 2000 وهي: بانكوك، القاهرة، هافانا، كوالالمبور، وأشبيلية. وفُضّلت بيجينغ على استنبول وأوساكا وباريس وتورنتو. وكانت عاصمة الصين، العام 1993، قد خسرت تنظيم ألعاب العام 2000 أمام سيدني بفارق صوتين (43 صوتاً مقابل 45 صوتاً).
وسُجّلت 28 رياضة في البرنامج الأولمبي يشارك فيها حوالى 10500 رياضي ويغطيها زهاء عشرين ألف مندوب للوسائل الإعلامية المرخّص لها.
ولأن الصين تؤمن بالأرقام اختارت الرقم 8 رمزاً لأولمبياد بكين 2008، فهو يرمز الى الازدهار واللانهاية في الثقافة الصينية. وقرّرت افتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية في الثامن من آب 2008 عند الساعة الثامنة والدقيقة الثامنة والثانية الثامنة. واستقبل الإستاد الوطني في بكين معظم المباريات حتى نهاية الأولمبياد في الرابع والعشرين من آب، بينما جرت مباريات كرة القدم والشراع وسباق الماراتون في السباحة عشرة كيلومترات، في مدن أخرى من الصين. أما مباريات الفروسية فجرت في هونغ كونغ لتكون المرة الثانية، بعد الألعاب في ملبورن ونظيرتها السويدية، التي تستقبل فيها لجنتان أولمبيتان وطنيتان الدورة نفسها من الألعاب الأولمبية.
الصين كلها تستعد لاستضافة الأولمبياد
أرادت الحكومة الصينية أن تجعل من الألعاب الأولمبية عيداً كبيراً وواجهة لدينامية الصين وبزوغ نجمها في الفضاء العالمي. ولم يساور رئيس اللجنة الأولمبية الدولية السابق خوان سامارانش أي شك بهذا الأمر إذ قال: «إن أولمبياد بكين سيكون الأفضل في التاريخ الأولمبي».
ما إن حصلت الصين على الموافقة الدولية على استضافة دورة الألعاب الأولمبية على أراضيها حتى بدأت بالاستثمار في مشاريع مختلفة بما فيها مشاريع البنية التحتية ومشاريع بناء الملاعب والمنصات الرياضية وتحصينها.
وهكذا خلال سبع سنوات قامت بتشييد الجسور وبناء الطرق فضلاً عن إنشاء مترو الأنفاق في العاصمة بكين وفي مدن صينية أخرى شهدت العديد من مسابقات الأولمبياد.
وقد أنفقت من أجل ذلك نحو 300 مليار يوان أي ما يعادل 50 مليار دولار بالإضافة الى إنفاق ملياري دولار في عمليات بناء الملاعب والمنصات الرياضية الجديدة.
ومع بداية أيار 2007 إشتعلت ورش بناء البنى التحتية في بكين (لا يقل عددها عن 31 ورشة). واستثمرت الحكومة الصينية كذلك في بناء ستة مواقع خارج بكين أو تجديدها، بالإضافة الى 59 مركز تدريب. ومن الأبنية الأكثر أهمية الإستاد الوطني، القصر الوطني للألعاب المتعددة، المركز الوطني للسباحة، قصر الألعاب المتعددة في ووكيسونغ، الحوض الأولمبي، وقصر المؤتمرات. وقد تأمنت حوالى 85 بالماية من ميزانية البناء البالغة 17.4 مليار ين (حوالى 860 مليار يورو) من خلال اتفاقيات خاصة.
وكان المستثمرون الأساسيون شركات راغبة بامتلاك المواقع بعد انتهاء الألعاب الأولمبية، بينما سيؤول بعض البنى التحتية الى الإدارة العامة للرياضة لتستقبل فيها الفرق واللقاءات الرياضية المستقبلية.
ومنذ الثامن من تموز 2005 تقرر إجراء مباريات الفروسية في هونغ كونغ بسبب الصعوبات في إقامة منطقة خالية من أمراض الخيول في بكين. أما المدن الأولمبية الخمس الأخرى فهي كينغداو، كنهوانغداو، شانغهاي، شنيانغ ونيانجين.
«عش الطائر» تحفة معمارية رياضية في أولمبياد بكين
يعتبر ملعب «عش الطائر»، الواقع داخل القرية الأولمبية في بكين، والذي شهد افتتاح دورة الألعاب الأولمبية السادسة والعشرين، تحفة معمارية إبداعية قلّ نظيرها في العالم في تصميمه الفريد، وذلك وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته «بيجين نيوز» الصينية، حيث حصل على 52 ألف صوت من عدد الأصوات البالغ 75 ألفاً، فيما جاءت محطة بكين للسكك الحديد في المركز الثاني، والمسرح الوطني الصيني في المركز الثالث، ومركز السباحة الوطني في المركز الرابع.
«عش الطائر» هو أهم مسرح لأولمبياد بكين، لا بل الرئيس، إذ فيه أقيمت مراسم الافتتاح والختام للألعاب الأولمبية في دورتها التاسعة والعشرين.
إستغرقت عملية بنائه 4 سنوات، وبلغت تكلفته 500 مليون دولار، وقد تمّ الإعلان عن إنجازه أواخر حزيران 2008. ولقد سُمِّيَ «عش الطائر» لأنه يشبه الى حد كبير عش الطائر من حيث تشابك الخطوط والخيوط الحديدية التي تمّ نسجها وتثبيتها بشكل جمالي لافت، وهو عبارة عن هياكل خارجية فولاذية يتشابك بعضها مع بعض وكأنها عش طائر. ورمزيته تتجلى في أن الطيور حينما تأوي الى أعشاشها فإنها ترمز الى الخير والسلام والشعور بالأمن، وهي المعاني التي تريد الصين أن تنقلها الى العالم من خلال هذه التحفة الرياضية الإنشائية الرائعة.
تبلغ مساحة الإستاد 258 ألف متر مربع، ويتسع لـ91 ألف مقعد. ومن ضمن الملاعب والإستادات الرياضية كافة والبالغ عددها 37، هو آخر إستاد تمّ إنشاؤه، الأمر الذي يحمل دلالة قاطعة على حجم العمل الذي استغرقه وصعوبة إنجازه ليخرج بهذا الشكل المميّز.
لقد عرضت تصاميم كثيرة ولكن بعد الاختيار الدقيق من قبل الخبراء وتصويت الجماهير فاز تصميم «عش الطائر» الذي كان نتاج عمل مشترك من جانب أحد أشهر مراكز التصميم في العالم ومقره سويسرا وبإشراف المهندسين العالميين جاك هرتزوغ وبيار دو مورون، وأكاديمية البحوث والتصميم المعماري الصينية، وكذلك شركة ARUP للاستشارات، وتغلبت فيه على 10 شركات أخرى.
الصين بحثت بنفسها عن نوعية خاصة من الفولاذ تستطيع دعم هذا البناء الكبير الثقيل الوزن، ما جعله من أكبر المشاريع الإنشائية ذات الهيكل الفولاذي على مستوى العالم حتى الآن، حيث يبلغ طول خط اللحام لهيكل «عش الطائر» الفولاذي 320 كيلومتراً. وقد عمل 1100 لحام على مدى سنة وثلاثة أشهر ونجحوا في مهمتهم وأبدعوا ليخرج الإستاد الأولمبي أعجوبة في تاريخ العمارة الصينية والعالمية.
يتكوّن «عش الطائر» من طابق واحد أرضي، و7 طبقات عليا فوق الأرضي، ويبلغ عرضه 280 متراً، وطوله 333 متراً، وهكذا اعتبر أكبر منشأة رياضية حالياً في الصين. كما أنه يستطيع مقاومة زلزال قوته ثماني درجات على مقياس ريختر. والعمر الإفتراضي له هو 100 سنة. وتمّ تصميم مقاعد المدرجات بشكل يتيح لأي متفرج أوضح رؤية. فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أنه يستطيع استيعاب أكثر من 90 ألف شخص، فإن به إجراءات ممتازة لمواجهة أي حوادث مفاجئة.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مجلس الإدارة لشركة الملعب الوطني المحدودة السيد لي أي تشين: «صمّمنا ثلاثة طوابق في قواعد المدرجات، وهي العلوي والأوسط والسفلي، وخطّطنا لتوزيع المشاهدين عن طريق معابر مختلفة، الأمر الذي يضمن توزيع الجماهير وإرشادها الى الأماكن الآمنة خلال 8 دقائق تقريباً إذا وقعت حوادث مفاجئة». وبالاضافة الى ذلك، يترجم «عش الطائر» الى حد كبير جداً، مفهوم «الأولمبياد الأخضر». وفيه نظام جمع ماء المطر على سطح الملعب، حيث يمكن تجميع 58 ألف طن من الأمطار ومعالجتها. أما إذا كان مستوى مياه الأمطار مرتفعاً فإنه يمكن استخدام هذه المياه للري وتنظيف دورات المياه.
يجدر بالإشارة أن «عش الطائر» ظل يجذب أنظار العالم ابتداءً من لحظة البدء في بنائه في كانون الأول 2003 وحتى الانتهاء منه. والعام 2007، أدرجت صحيفة «التايمز» البريطانية «عش الطائر» ضمن أهم وأكبر 10 مشاريع في العالم، على الرغم من أنه كان في طور البناء. والعام 2008، رشّحت مجلة «التايم» الأميركية 100 تصميم هي الأكثر تأثيراً في العالم، حيث فاز إستاد «عش الطائر» بالمركز الأول عالمياً.
شعار وتمائم الألعاب الأولمبية 2008
بعد سنوات من الضغوط القوية وشهور من السرية، كشفت بكين في الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر 2005، قبل 1000 يوم بالتمام والكمال من حفل الافتتاح، عن خمس من تمائم الحظ للألعاب الأولمبية التي استضافتها.
عرضت التمائم التي طال انتظارها والتي تجسّد الخصائص الطبيعية لأربعة حيوانات شهيرة في الصين هي السمكة والباندا والظبي التيبتي والسنونو، والشعلة الأولمبية في حفل كبير نقله التلفزيون من داخل استاد العمال. وصرّح هان ميلين رئيس مجموعة مصممي التمائم بقوله «لقد قررنا إنتاج خمس تمائم بدلاً من واحدة، حيث إننا لا نعتقد أن شخصية واحدة فقط يمكن أن تجسّد الثقافة العميقة والمتنوعة للصين».
ولكل من تمائم أولمبياد بكين إسم إيقاعي مؤلف من مقطعين - وهي طريقة تقليدية للتعبير عن حب الأطفال في الصين. وهذه الأسماء هي «بي بي للسمكة، وجينغ جينغ للباندا، وهوان هوان للشعلة الأولمبية، ويينغ يينغ للظبي التيبتي، وني ني للسنونو. وحينما يتم تجميع أسمائهم - بي جينغ هوان يينغ ني - تصبح «مرحباً بكم في بكين».
وكل واحدة من التمائم ترمز ايضاً الى نعمة مختلفة هي: الازدهار، والسعادة، والعاطفة، والصحة، وحسن الحظ.
وقال رئيس اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية جاك روغ في بيان ألقي خلال الاحتفالات ببدء العد التنازلي لاستضافة الألعاب في بكين: «تعتبر تمائم الحظ الصديقة عائلة صغيرة مثيرة اختير أفرادها بعناية من قبل لجنة «بكين 2008» بحيث تمثل الصين بمجملها، وتحمل رسالة الصداقة لأطفال العالم». وأضاف «أن الصين بلد محظوظ لتوافر العديد من المخلوقات الجميلة التي تمثّل روح الألعاب الأولمبية».
ويعدُّ طرح خمس تمائم في ألعاب أولمبية واحدة أكبر عدد منذ ثلاثين عاماً فقد طرحت مدينتا سولت ليك وسيدني، خلال الألعاب التي استضافتاها ثلاث تمائم فقط.
ومن المتوقع أن تجلب هذه التمائم دخلاً بمئات الملايين من الدولارات لقاء بيعها أو بيع تراخيصها وتحتفظ المدن التي تستضيف الألعاب الأولمبية بنسبة تراوح بين 10 و15 في المائة من إجمالي الدخل الناتج عن ذلك.
وكانت الصين قد كشفت سابقاً وبشكل رسمي عن شعار الألعاب الأولمبية العام 2008 خلال حفل كبير حضره أكثر من 2000 شخص، وتمّت إزاحة الستار عنه في معبد الجنة في بكين وأطلق عليه اسم «الخاتم الصيني - بكين الراقصة»، ويصوّر رمزاً صينياً واحداً على الخاتم الصيني الأحمر التقليدي مع كلمات «بكين 2008» مكتوبة بالريشة على النمط الشرقي، وهو يجسّد مشاعر الصداقة والآمال من قبل أبناء الصين، إضافة الى وعدها بإنجاح دورة الألعاب الأولمبية هذه تجاه العالم. وقد تمّ اختياره بناء على التاريخ الذي يمثله وكذلك بساطته. ويرتكز الشعار على الشخصية الصينية «جنغ» وهي جزء من الإسم بكين ويمكن كتابته لوحده ليشير الى عاصمة الصين، كما يحوي الشعار على الحلقات الأولمبية.
ميداليات الأولمبياد
في 27 آذار 2008، أي قبل 500 يوم من موعد الدورة الأولمبية 2008، كشفت اللجنة المنظمة لدورة بكين الأولمبية عن ميداليات الدورة في متحف العاصمة. يبلغ قطر الميدالية الواحدة 70 ملم. وسماكتها 6 مليمترات. وجهها الأمامي عبارة عن الصورة الموحّدة التي حددتها اللجنة الأولمبية الدولية - صورة إلهة النصر اليونانية الواقفة بجناحين ومدرج يوناني قديم - وعلى ظهرها صورة مأخوذة من صورة التنين المنقوشة على قطعة اليشم المستديرة الصينية القديمة، وفي وسط الظهر شعار دورة بكين الأولمبية المعدني. يبدو شكل الميدالية جميلاً وأنيقاً، وهي تتميز بخصائص صينية، وتجسّد الاحترام للمنتصرين والفائزين ونظرية قيم الأمة الصينية التي تشبه الأخلاق الحميدة باليشم منذ قديم الزمان، لذلك تعتبر الميدالية مرة أخرى تجسيداً للجمع بين الحضارة الصينية والروح الأولمبية في دورة بكين الأولمبية.
شعلة أولمبياد بكين 2008 ومسيرتها
تُعدّ دورة بكين دورة الشعلة بامتياز نظراً الى ما خلفته جولتها من احتجاجات وجدل واسع في مختلف الأصقاع والأصعدة، وربما تعدّ رحلتها حدثاً بحد ذاته ستحفظه أجيال وأجيال زيادة على سجلات الحركات الأولمبية. وقد كشفت الصين النقاب مساء الخميس 28 حزيران 2008 عن شعلة أولمبياد 2008 ومسيرتها المقررة.
يشبه تصميم الشعلة، الأنبوبية الشكل ذات اللونين الأحمر والفضي، لفائف المخطوطات الصينية التقليدية، وهي من تصميم مجموعة «لينوفو» المحدودة، والرائدة في صناعة الحاسبات في الصين. وصمّم سكب الشعلة مركز إبداع شركة «لينوفو» فيما صمّمت مجموعة علوم وصناعة الطيران الفضائي نظام الاشتعال داخل الشعلة.
أفاد تصميم الشعلة المصنوعة من الألمنيوم، من التراث الفني الصيني والخبرات التكنولوجية. ويستمد شكلاً مستلهماً في الكثير من جوانبه «غيوم السعد»، التي ترمز الى التعايش والتوافق، على شكل زخارف حلزونية تقليدية. تعود فكرة «غيوم السعد» في الصين الى أكثر من ألف عام مضت ، وهي تستمد شكلها من طريقة صينية تقليدية للف الورق. ويبلغ طولها 72 سنتيمتراً ووزنها 985 غراماً. كما حوى التصميم إبداعات تكنولوجية لجعلها مشتعلة وسط رياح سرعتها تصل الى 65 كيلومتراً في الساعة وأمطار يبلغ معدل سقوطها 50 مليمتراً في الساعة.
ويمكن للشعلة أن تظل مشتعلة لمدة 15 دقيقة، وتقوى على تحمل اللهب بارتفاع 25 -30 سم، ولها القدرة على العمل في الأجواء الممطرة. ويمكن تمييز لهبها بكل سهولة تحت مختلف ظروف الإضاءة وهذه ميزة محبّذة لأغراض التصوير الفوتوغرافي والڤيديو. كما تمنع الميزات التكنولوجية الأخرى تغيُّر اللون والتآكل والأكسدة حول المخروط الذي تشتعل منه الشعلة. وقد راعى تصميم الشعلة الشروط البيئية فكانت المواد المصنوعة منها قابلة لإعادة التدوير، والوقود الهيدروكربوني(البروبين) يفي بالمتطلبات البيئية.
وقال رئيس لجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية ليو شي إن الشعلة الأولمبية تزخر بالملامح الثقافية الصينية المتميّزة والتفوقات التكنولوجية والمواد المتطورة. وستحمل الصداقة التي يقدّمها الشعب الصيني الى العالم والروح الأولمبية للقارات الخمس والى قمة جومولانغما. وقال رئيس اللجنة الأولمبية الدولية جاك روغ «إن الشعلة واللهب الأولمبي هما رمزان يجسدان قيم الامتياز الأولمبية، الاحترام والمساوة، ويلهماننا لنكون الأفضل بقدر المستطاع في جميع ما نفعله. إن التصميم العظيم للشعلة ومسيرة تتابعها سيضفيان أيضاً نكهة صينية فريدة على مسيرة التتابع حيث أن غيوم الوعد تحمل رسالة ألعاب بكين الأولمبية الى العالم».
مسيرة الشعلة
بدأت مراسم إشعال الشعلة الأولمبية الصيفية 2008 في أثينا في 24 آذار 2008 وانتهت في 8 آب 2008 عند إفتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية 2008، في بكين، وزارت خلال هذه الفترة عدة مدن حول العالم في 130 يوماً قاطعة 137 ألف كيلومتر، أغلبها في الهواء، على مدار 130 يوماً قضتها في جولتيها الدولية والصينية، وهي أطول مسافة تقطعها الشعلة الأولمبية على الإطلاق. وحملت الشعلة وسط الجماهير لمسافة 4300 كيلومتر تقريباً، وهو ما يعادل ثلاثة بالمئة من طول جولتها الدولية وفقاً لإحصاءات اللجنة المنظمة لأولمبياد بكين.
فمن على جبل أولمبيا التاريخي في اليونان أضاءت كاهنة يونانية، تؤدي دورها الممثلة اليونانية ماريا نافبليوتو، الشعلة بأشعة الشمس مستخدمة عدسة محدبة أمام معبد الإلهة هيرا وفق تقليد ورد في أسطورة قديمة حول قيام الإله اليوناني أبولو بإشعال الشعلة لجلب السعادة والدفء للبشر. وكان البطل الأولمبي اليوناني ألكسندروس نيوكلايديس، الحائز فضية في التايكواندو في «أولمبياد أثينا 2004»، أول حامل لشعلة أولمبياد بكين في جولتها المقررة عبر اليونان التي امتدت لمدة ستة أيام والجولة الدولية للشعلة الممتدة لخمسة أشهر والتي انتهت يوم حفل افتتاح الدورة الأولمبية الصيفية في الثامن من آب 2008. وبعد تقديمه مع الشعلة من قبل الكاهنات اليونانيات والجري بها لبضع مئات من الأمتار، سلم نيكولايديس الشعلة الى السباحة الصينية ليو تشيو جوان الحائزة ميدالية ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية السابقة أثينا 2004.
وسلّمت الشعلة الأولمبية الرسمية الى وفد مرموق أوفدته الحكومة الصينية الى اليونان لحضور مراسم إنطلاق شعلة الأولمبياد وذلك برئاسة ليو تشي، رئيس لجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية التاسعة والعشرين في 30 آذار 2008 باستاد «كاليمارمارو» الذي استضاف أول أولمبياد في العصر الحديث وقد أقيم في أثينا العام 1896. وبلغ عدد حملة الشعلة في اليونان 646 شخصاً جابوا بها البلاد لمدة أسبوع قاطعين مسافة 1528 كيلومتراً.
وبعد حفل استقبال ببكين يوم 31 آذار 2008 بدأت الشعلة الأولمبية رحلتها العالمية، وانطلقت رحلة تتابع شعلة أولمبياد بكين 2008 ترجمة للفكرة الأساسية المتمثلة في رحلة الوئام تحت شعار «الشغف المشتعل... الحلم المشترك». ومرّ لهب الشعلة عبر 22 مدينة من مدن القارات الخمس وعبر جميع مقاطعات الصين وأقاليمها وبلدياتها، مروراً بقمة إفرست، قاطعاً مسافة 137000 كم خلال 130 يوماً. وقدّر عدد حاملي الشعلة خلال هذه الرحلة بنحو 22 ألف شخص وهي بذلك تصبح رحلة التتابع الأطول والأشمل، ما يؤهلها لأن تكون أحد أروع الفصول في تاريخ الحركة الأولمبية.
افتتاح الأولمبياد: المارد يستيقظ
قال الإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت قبل نحو 200 عام إن «الصين مارد نائم لا توقظوه»، ولكن المارد الصيني استيقظ في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في استاد «عش الطائر» في بكين.
تميّز الحفل بالروعة والدقة واستحق عليه بلد المليار و300 مليون نسمة الميدالية الذهبية الأولى في الدورة. كما جمع الحفل حشداً سياسياً كبيراً من زعماء العالم لا بل سجّل رقماً قياسياً إذ تابع العرض نحو 90 رئيس دولة أبرزهم الأميركي جورج بوش والفرنسي نيكولا ساركوزي بالاضافة الى 160 وزيراً، وشخصيات رياضية كبيرة أمثال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزف بلاتر والرئيس السابق للجنة الأولمبية الإسباني خوان انطونيو سامارانش والحالي البلجيكي جاك روغ.
وكان الحفل استعراضياً بامتياز وضخماً ومليئاً بالألوان ومفعماً بعبق الماضي وآمال الحاضر والمستقبل ونجح في تقديم أجمل صورة عن التاريخ القديم والطويل للأمة الصينية وحضارتها، تخللته ألعاب نارية قوامها 29 ألف مفرقعة. وشارك في العرض 14 ألف شخص واستمر 4 ساعات بإشراف المخرج السينمائي الصيني الشهير تشانغ ييمو الذي رشح لجائزة «أوسكار» عن فيلمه «سر الخناجر الطائرة».
تخلل حفل الافتتاح عدة لوحات تمحورت حول الحضارة الصينية والقيم الكونفوشيوسية ودور الصين في اختراع الورق، وموقعها بالنسبة الى طريق الحرير التاريخي وفي قلب الحضارة الإنسانية على كوكب الأرض وإمكانات أجيالها وإنجازاتها والتزامها السلام والحضارة وحماية البيئة.
فقرات الحفل
أطفئت الأنوار بالكامل إيذاناً ببدء حفل الافتتاح ثم ظهرت غابة من العصي باللون الأحمر في أيدي قارعي الطبول (كان عددهم 2008 قارعين) مضيئة في جو صيفي رطب. وردّد هؤلاء قبل الانطلاق سلسلة من الألعاب النارية الهائلة في الهواء داخل الملعب وخارجه مضيئة قلب العاصمة الصينية وميدان تيانانمين، عبارة «حضرة الأصدقاء من بعيد كم نحن سعداء». وبدأ توالي لوحات العرض الرائع، ففرش بساط أبيض من الورق بطول نحو 50 متراً يزن 800 كلغ على أرض الملعب، قبل أن يؤدي نحو 10 أشخاص حركات راقصة عليه راسمين بأقدامهم لوحة فنية رائعة تمثل الأرض والشمس، واللوحة ترمز الى فن الطباعة والرسم اللذين تميّز بهما الصينيون منذ القدم، وتحديداً منذ 1500 عام، كما يجسد اختراع الصين القديمة للورق، وهو ما ساعد في تطور الثقافات البشرية بسرعة كبيرة. وظهرت لوحات أخرى ايضاً، أبرزها واحدة أطلق عليها تسمية «طريق الحرير» وترمز الى الطريق البحرية التي تربط الصين بباقي دول العالم، وكيفية نقل الحرير في الصين القديمة ليس فحسب الى الدول المجاورة، بل الى سائر أنحاء العالم. وكان العالم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريختهوفن أطلق على الطريق البحرية المؤدية الى الصين إسم «طريق الحرير» في القرن التاسع عشر وما زالت التسمية مستمرة.
طابور العرض
كما هو التقليد في الألعاب الأولمبية كانت اليونان التي تعتبر مهد الألعاب واستضافت آخر نسخة منها قبل أربع سنوات، أولى الدول في الدخول الى أرض الملعب. وكان اليمن أولى الدول العربية التي تدخل فيما كان المغرب آخرها، وذلك بحسب الأبجدية الصينية. وقوبل دخول الوفد العراقي المشارك الى أرض الملعب بوابل من التصفيق من الجمهور الغفير.
وبعد الانتهاء من استعراض الدول المشاركة، توجه روغ ورئيس اللجنة المنظمة الى وسط الملعب حيث ألقى الأخير كلمة مقتضبة قبل أن يعلن الرئيس الصيني هو جينتاو من المنصة الرسمية رافعاً العلم الصيني، افتتاح الألعاب رسمياً.
وإثر الإعلان عن بدء الألعاب أدى بعض الأطفال الصغار النشيد الأولمبي ثم تلاه قسما اللاعبين والحكام الأولمبيين: عن اللاعبين المشاركين لاعبة كرة الطاولة الصينية تشانغ يينينغ التي أحرزت ميداليتين ذهبيتين في دورة أثينا 2004، وعن الحكام حكم الجمباز الصيني هوانغ ليبينغ. ثم أطلق سرب غفير من حمامات السلام.
وجاءت اللحظة الأكثر تشويقاً في حفل الافتتاح لدى إيقاد الشعلة الأولمبية بواسطة بطل الجمباز الأولمبي السابق لي نينغ وهو معلق في الهواء على ارتفاع تخطى 120 متراً.
ثم أطلق العنان للألعاب النارية التي أشعلت سماء بكين أنواراً وأضواء إيذاناً بانتهاء الحفل.
تابع الافتتاح نحو 4 مليارات مشاهد عبر أكثر من 900 قناة فضائية عالمية. وبلغت كلفة الألعاب رقماً قياسياً إذ أنفقت الصين عليها نحو 28 مليار يورو مقابل 13 مليار يورو في أثينا قبل 4 سنوات.
أرقام وإحصائيات
• 8: الالعاب الأولمبية السادسة والعشرون انطلقت في الثامن من الشهر الثامن للعام 2008 عند الساعة الثامنة وثماني دقائق بالتوقيت المحلي. والرقم ثمانية هو فأل خير وجالب للحظ في الصين.
• 26: دورة بكين ستكون النسخة 26 للألعاب الأولمبية الصيفية. لكن العام 2008 يسجل نهاية النسخة التاسعة والعشرين لألعاب الأولمبياد كون 3 دورات ألغيت بسبب الحربين العالميتين.
• 28: هو عدد الرياضات الأولمبية في دورة بكين. سيصبح عدد الرياضات الأولمبية 26 في دورة لندن العام 2012 بعد إلغاء لعبتي البيسبول والسوفت بول.
• 37: هو عدد المواقع الأولمبية بينها 31 في العاصمة الصينية.
• 205: هو عدد اللجان الوطنية الأولمبية.
• 302: هو عدد الميداليات الذهبية في الأولمبياد منها 165 ذهبية للرجال و127 ذهبية للسيدات و10 ذهبيات للزوجي المختلط.
• 4550: هو عدد فحوصات المنشطات التي قررتها اللجنة الأولمبية الدولية في دورة بكين أي بزيادة ربع العدد مقارنة مع دورة أثينا 2004 و90 بالمئة مقارنة مع أولمبياد سيدني العام 2000. نحو 650 فحصاً الهدف منها البحث عن مادة الايبو (فحص البول) ونحو 1000 فحص دم بينها 400 للكشف عن هرمونات النمو. أجريت تحاليل الفحوصات في مختبر بكين الذي تم تعزيزه بمديري المختبرات العالمية الأخرى المعتمدة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات.
• 10640: هو عدد الرياضيين والرياضيات المشاركين في الدورة الأولمبية في بكين.
• أكبر الوفود: الوفد الصيني كان الأكبر وضم 639 لاعباً، وتلاه الوفد الأميركي وضم 596 لاعباً، ثم الوفد الروسي وضم 470 لاعباً فالألماني 450 لاعباً والأسترالي 440 لاعباً.
زواج بالجملة
تسابق عشرات آلاف الصينيين للزواج، تزامناً مع افتتاح الدورة وسائل إعلامية محلية. وتعمّد الصينيون أن يكون افتتاح دورة الالعاب الأولمبية السادسة والعشرين في 8/8/2008، إذ أن الرقم 8 يعتبر فأل حظ في بلد المليار نسمة، لذا تقدم 16.400 ثنائي للزواج. وفي شانغهاي وحدها، بلغ عدد طالبي الزواج 5000، ولم يقل عن هذا الرقم في مدن أخرى مثل غوانغجو الجنوبية وووهان الواقعة في وسط البلاد. وذهبت الصينيات الحوامل أبعد من ذلك إذ حجزن أماكن في المستشفيات لإنجاب أطفالهن يوم افتتاح الأولمبياد، ولم تجد أكثريتهن مشكلة في عدم الولادة بالشكل الطبيعي، وقد وافقن حتى على إجراء جراحات قيصرية.
التلوّث والأولمبياد
أثار قلق منظّمي أولمبياد بكين 2008 عشية افتتاح الألعاب الأولمبية ارتفاع معدل التلوث في العاصمة بحيث أن غيمة رمادية حجبت رؤية كل شيء حتى أن «عش الطائر»، الملعب الرئيس لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية، لم يكن مرئياً البتة من قلب القرية الأولمبية الواقعة شمال العاصمة الصينية.
وكانت اللجنة الأولمبية الدولية قد انتقدت الصين بشدة بسبب هذا التلوث مشيرة الى إمكان إلغاء بعض المنافسات من جرائه وتحديداً سباق الماراتون.
ولم يحل تخفيف رئيس اللجنة الطبية في اللجنة الأولمبية الدولية من سوء الوضع دون اتخاذ البعثات إجراءات خاصة ومنها البعثة اليابانية التي وزّع القيّمون فيها الكمامات على أفرادها.
وتركّزت الإجراءات الصينية للحد من التلوّث على تجميد مليون سيارة عن التجوال في شوارع العاصمة المكتظة، بالإضافة الى إجبار سائقي سيارات الأجرة على تعديل سياراتهم وفق معايير فنية.
كما شرعت حكومة بلدية بكين في تنفيذ مجموعة من الإجراءات المؤقتة وتشمل وقف البناء وإغلاق المصانع الشديدة التلويث لضمان هواء نظيف للألعاب الأولمبية. وأعلن دو شاو تشونغ، نائب مدير مكتب حماية البيئة في بكين، عن تعليق جميع عمليات الحفر وصب الإسمنت في مواقع البناء اعتباراً من يوم 20 تموز وحتى يوم 20 أيلول، كما صدر أمر الى تسعة عشر مصنعاً شديد التلوث بالحد من انبعاثاتها خلال الفترة نفسها بنسبة 30 في المائة، مشيراً الى أنه سيتم تفعيل إجراءات أكثر صرامة «في حال حدوث أوضاع جوية شديدة السلبية». وأضاف أنه الى جانب تطهير بكين، حدّدت الحكومة المركزية الصينية أيضاً أهدافاً للمقاطعات والبلديات المجاورة للحد من التلوث باستخدام تكنولوجيا تنظيف الهواء وإغلاق بعض الصناعات.
وقد أنفقت بكين - التي يحيط بها مزيج من الضباب والدخان في بعض الأحيان - أكثر من 18 مليار دولار أميركي في العقد الماضي للتنظيف حيث بدأ المواطنون يستشعرون نتيجة ذلك الجهد بعد أن سجّلت المدينة «67 يوماً من السماء الزرقاء» من كانون الثاني حتى نهاية آذار، وهو أكثر بمقدار 12 يوماً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي والأعلى منذ تسع سنوات، الأمر الذي دفع برئيس اللجنة الأولمبية الدولية جاك روغ الى التأكيد على أن تلوث بكين لن يعرض صحة اللاعبين للخطر.
الصين تفتتح الأولمبياد تحت حماية ترسانتها الصاروخية
حشدت الصين ترسانة صواريخ وطائرات لحماية حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين من المطر أملاً في أن تنجح تلك الترسانة في تشتيت السحب قبل أن يتساقط منها الماء على كبار الشخصيات في إستاد «عش الطائر» غير المسقوف، حيث أن المسؤولين رأوا احتمالاً بنسبة 47 في المائة لسقوط زخات من المطر الخفيف في أثناء حفل افتتاح الأولمبياد، واحتمالاً بنسبة 16 في المئة لهطول أمطار غزيرة، لذلك حشدوا الصواريخ والطائرات للعمل على تفريغ الرطوبة من السحب قبل وصولها الى بكين. وجنّد أكثر من مئة شخص يعملون في إحدى وعشرين محطة حول المدينة لإطلاق صواريخ أو مدافع تحتوي على مادة اليودور على السحب التي تقترب من سماء المدينة على أمل أن تسقط حمولتها من المطر قبل أن تصل الى الإستاد. كما وقفت ثلاث طائرت ايضاً على أهبة الاستعداد لإسقاط مواد كيميائية محفزة لإنزال المطر من السحب.
الصينيون يفتحون بيوتهم لاستضافة ضيوف الأولمبياد
قررت المئات من العائلات الصينية فتح مساكنها لاستضافة زوار الألعاب الأولمبية ممن لا يحبّذون دفع 500 دولار لقضاء ليلة في أحد فنادق بكين الفاخرة، لقاء ما بين 50 إلى 80 دولاراً في الليلة.
وقد قام مسؤولو السياحة في الصين بتفحُّص الأسر المضيفة للتأكد من مدى نظافة وأمن مساكنها، وإتقان أفرادها اللغة الإنجليزية.
واقتضت لوائح استضافة الزوار الأجانب إقامة العائلات المضيفة قرب معالم سياحية أو إحدى الأماكن المخصصة لألعاب الأولمبياد.
وقدّمت المطاعم كما الباعة في «شارع الطعام» تشكيلة مختلفة من المطبخ الصيني تتفاوت من لحوم الغنم والثعابين، أو ديدان القز أو حتى العقارب، باستثناء لحوم الكلاب، التي حظّرتها السلطات من لائحة الأطعمة الصينية.
أولمبياد بكين 2008 تعمر بكين وتزيل الحواجز
صدرت عدة دراسات عن «بكين المتحولة» و«دور الألعاب الأولمبية في إنعاش الحركة الإقتصاية والتطوير البيئي». وطبعاً، لن تؤدي الألعاب الى «نفضة» تزيل البؤس والفقر من شوارع المدينة الشاسعة. فزائر بكين في أيام الأولمبياد للإطلاع على معالم التغيير العمراني ومشاريع البناء على أنواعها التي ترافقت وإنشاء المرافق الرياضية الخاصة بالألعاب الأولمبية، يلاحظ «النفضة الكبيرة» وإن ما روّج عنها لم يكن مبالغاً فيه أبداً. لكن طرقاً دائرية سريعة وأعمالاً تجميلية حجبت عن الأنظار أحياء من أكواخ ومناطق فقيرة جداً. كما نقلت السلطات سكاناً الى أماكن جديدة، بعدما أجبرتهم على التخلي عما يصفه كثر بـ«إرث ثقافي»، نظراً الى حاجتها الى مساحات في إطار استكمال خطط الإعمار المقررة.
كانت الألعاب الأولمبية محرّكاً إقتصادياً أوجد 430 ألف وظيفة في قطاع البناء خلال السنوات الأربع الأخيرة، و130 ألف فرصة عمل في قطاع المبيعات، فضلاً عن ازدهار قطاعات أخرى مثل التأمين والتمويل المصرفي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما سرّعت وتيرة إنجاز أكثر من 6 آلاف مشروع في مختلف أنحاء الصين البالغة مساحتها نحو 9.6 مليون كيلومتر مربع. ووفّرت الألعاب 1.8 مليون فرصة عمل، منها 370 ألف وظيفة العام 2008.
من ناحية ثانية، أسهمت الدورة الأولمبية في «إزالة» الحدود الثقافية واللغوية، إذ بات التفاهم والتواصل ولو في حده الأدنى بالإنكليزية مثلاً مع سائقي سيارات الأجرة وحافلات النقل العام. فلقد أعلن مكتب الخدمات السياحية في بكين أن 5 ملايين من سكان العاصمة يتحدثون الإنكليزية أي حوالى 35 في المئة من عدد السكان. وهناك 30 مليون شخص في العالم يتعلمون اللغة الصينية. كما دخلت اللغة الفرنسية أخيراً «على الخط» بسعي حثيث من الأمانة العامة لمنظمة الدول الفرنكوفونية (الدول الناطقة كلياً أو جزئياً بالفرنسية). ففي مطار بكين وشوارعها وساحاتها وأبنيتها التجارية، وحتى في مرافق الدورة الأولمبية، لوحات إرشادية باللغات الثلاث: الصينية، الإنكليزية والفرنسية. وينسحب الأمر على المنشورات والكتب التعريفية. إنها مفاعيل الألعاب الأولمبية التي رفعت حواجز وأزالت «محرمات» في بلد الـ56 قومية.
الصين تودّع دورة الألعاب الأولمبية بحفل ختامي رائع
في تمام الساعة الثامنة والدقيقة الثامنة بتوقيت بكين المحلي من مساء 24-8-2008، بدأت مراسم حفل ختام الدورة الأولمبية الصيفية التاسعة والعشرين، وفي المقر ذاته داخل الاستاد الوطني «عش الطائر». في بداية الاحتفال تمّ رفع العلم الصيني والعلم الأولمبي ثم قرعت الطبول عالياً إيذاناً ببدء مراسم حفل الاختتام الذي استغرق أقل من ساعتين.
بدأ الحفل الختامي بمشاركة 1048 راقصاً وراقصة في تقديم مجموعة من التابلوهات الفنية التي تعكس ملامح الحضارة الصينية القديمة، كما تجسّد الجهود التي بذلتها الصين لاستضافة هذه الدورة الأولمبية وتنظيمها. وقد غلب على التابلوهات اللون الفضي الذي يرمز في العقيدة الصينية الى الآفاق الرحبة، وهي دلالة على النجاح الكبير الذي حققته تلك الدورة، فضلاً عن اللون الأصفر رمز الشمس الساطعة للمستقبل المنشود للبشرية بأسرها. داخل حلبة الاستاد قام مائتان من راكبي الدراجات بالدوران في استعراض بهلواني أكروباتي، على وقع دخول عشوائي لحملة الأعلام للدول الـ204 التي شاركت في هذه الدورة يتقدّمها العلم اليوناني كالمعتاد.
وقام رئيس اللجنة الدولية الأولمبية بتسليم الميداليات الثلاث للفائزين الثلاثة في سباق الماراتون باعتبار الماراتون هي الرياضة الأخيرة التي عادة ما تختتم بها الدورات الأولمبية.
وأعلن روغ رسمياً إختتام الدورة الأولمبية الصيفية الـ29، ثم عزف السلام الوطني لدولة بريطانيا باعتبارها الدولة المضيفة للأولمبياد القادمة 2012، وبعد ذلك عزف النشيد الأولمبي، وجرت مراسم إنزال العلم الأولمبي وتسليمه بين عمدتي بكين جو جين لونغ ولندن بوريس جونسون.
وقد أطفئت أنوار إستاد عش الطائر وتحوّل المكان الى ظلام دامس، وأخليت الساحة الرئيسة من جميع الرياضيين، ليظهر على الشاشات العملاقة المثبتة في أركان الاستاد فيلم وثائقي عن بريطانيا الدولة المضيفة للأولمبياد القادمة.
وكانت المفاجأة ظهور النجم الرياضي العالمي ديفيد بيكام على هذا المسرح بصحبة المطربة الشهيرة جيمي لو بوج، ثم صعدا معاً نموذجاً يشبه الطائرة في إشارة الى تأهّب الشعلة الأولمبية لمغادرة العاصمة بكين متوجهة الى لندن. وأطلق بيكام إشارة بدء العد التنازلي لألعاب لندن 2012 بركلة كرة.
أخيراً إنطفأت شعلة بكين وتمّت إضاءة أنوار «برج الذكريات» وهو برج يصل إرتفاعه الى 23 متراً وصعد اليه مجموعة من لاعبي الأكروبات حيث قاموا بتشكيلات فنية رائعة تعكس أهم ملامح دورة بكين الأولمبية، ثم إستخدموا شرائط ملونة من الحرير الطبيعي في تقديم عدد من أهم الأرقام القياسية، عدد الدول المشاركة، عدد الرياضيين، عدد الميداليات، عدد الأشجار التي تمّ زرعها، وغيرها.
وعلى وقع تلك الحركات البهلوانية تمّ إطلاق 17 ألف قذيفة نارية الى عنان السماء. وحول ذلك البرج تجمع عدد من أشهر فناني الصين لتقديم فقرة غنائية مشتركة تحت إسم «ودي أي مي بيجين» - أحبك يا بكين - على أنغام الآلات الموسيقية الصينية التقليدية والغربية الحديثة. وقال الجميع وداعاً بكين، أهلاً لندن 2012.
نجحت الصين في التخطيط والاستعداد، وبالتالي في تحقيق نتائج ممتازة، وفشلت الولايات المتحدة في الحفاظ على أفضليتها في الدورات الثلاث الماضية، فحلّت ثانية بـ36 ذهبية، وحلّت روسيا في المركز الثالث بـ23 ذهبية، وحصد العرب 8 ميداليات ملوّنة.