اقتصاد ومال

أين لبنان من تداعيات الأزمة المالية العالمية؟
إعداد: تريز منصور

إقتصاديون أكدوا غياب تداعيات الأزمة المالية عن لبنان وشدّدوا على ضرورة معالجة قضية الدين العام وتعزيز القطاعات الإنتاجية
بعد نصف عام على تفجّر أزمة المال العالمية وتفشّيها مع ما سببته من ركود إقتصادي، يطال معظم إقتصادات الدول النامية والناشئة على السواء، يبقى إيقاع الإقتصاد في لبنان تحت وطأة المفاعيل الإيجابية، المحكومة بسقف المناخ الداخلي. فهو يحافظ على إيقاع إيجابي في حركته الإقتصادية، بدليل أن الفائض التراكمي في ميزان المدفوعات بلغ نحو 700 مليون دولار في أول شهرين من السنة، على غير عادة، بينما النجاح في ضبط التضخم عند حدود الـ4 في المئة، أبقى النمو في الحدود عينها خلافاً لاتجاه الإقتصادات العالمية.  
ولقد أجمع بعض الإقتصاديين، أن لبنان لن يتأثر بتداعيات الأزمة المالية سلبياً، وإنما هناك بعض الإيجابيات لناحية الإنخفاض في كلفة الفاتورة النفطية، وكذلك في الإتجاه السياحي الأوروبي نحو لبنان، وأيضاً بالنسبة الى عودة الرساميل الخارجية الكبيرة الى المصارف اللبنانية، وذلك على الرغم من أن المؤشرات تنذر بعودة الآلاف من اللبنانيين العاملين في منطقة الخليج العربي، وبالتالي تراجع قيمة تحويلاتهم بنسبة تراوح بين 10 و20 في المئة. إلا أن التوقعات المتفائلة تقف تحت سقف المناخ السياسي والأمني.
وبما أن البورصة تعكس حركة الأسواق المالية في البلد، يبدو أن حركة هذه الأخيرة قد تراجعت من خلال المؤشرات الصادرة. وفي مطلع العام 2009، يحاول البعض الإيحاء بأن تأثر البورصة بالأزمة المالية العالمية قد انتهى، وأن التأثير السلبي من جراء الانتخابات النيابية المقبلة هو الأكثر أثراً. وبحسب معلومات لوسطاء في بورصة بيروت، فإن الخليجيين حاملي الأسهم مستمرون في بيع محافظهم وتسييلها، نظراً الى حاجاتهم الى السيولة، في ظل الأزمة.
في أي اتجاه سيتطور تأثير الأزمة المالية على لبنان، وهل سيظل بمنأى عن مخاطرها؟ وأين هي الإيجابيات التي يمكن الإستفادة منها والثغرات التي لا بد من معالجتها؟ في ما يلي عرض لأبرز المعطيات وآراء معنيين وخبراء.

 

خطط في العالم
لقد بدأت دول العالم تضع خططاً لمواجهة الأزمة المالية، وهي تركّز على تنمية القطاعات الإنتاجية وحمايتها، خصوصاً أنها ستتأثر كثيراً بالأزمة القائمة. فهذه القطاعات تستطيع توفير حصانة معينة للدول، التي تنزلق الواحدة تلو الأخرى الى مستنقع الركود وتنامي معدلات البطالة. وهكذا فقد أعلنت دول الخليج جملة خطط للإنفاق على القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والخدمات والتعليم والتدريب...
أما في لبنان، فقد أعدّ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة خطة، لم تناقش لغاية اليوم. وتشير مقدمة الخطة، الى أنه على الحكومة أن تنفّذ خطوات استباقية، تسهم في تحييد الإقتصاد الحقيقي عن تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتفادي الوقوع في خطر الركود والتراجع الإقتصادي وتفشّي البطالة. وقد رأى الرئيس السنيورة عبر بنود الخطة هذه، أن مواجهة الأزمة المالية وتحصين الإقتصاد، يكونان عبر سلة من الإجراءات، التي تحفّز الإستثمار في القطاع الخاص، وتقدّم التسهيلات الضريبية والتمويلية، وتزيد من فرص العمل. وهذا ما وضعه ممثلو القطاعات الإنتاجية في لبنان في إطار «الشعارات» السطحية، مشيرين الى أن مواجهة الأزمة تكون عبر إقرار خطط قطاعية، تضع تصوراً واضحاً ومتكاملاً، عن كيفية النهوض بالزراعة والصناعة، وإعادة هذه القطاعات الى أداء دورها، بوصفه محوراً أساسياً في الإقتصاد الوطني.

 

سلامة:مؤشراتنا الإقتصادية إيجابية ومخاطرنا في الإنتكاسات السياسية والأمنية
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نفى في أحد تصاريحه الأخيرة «وجود أية أصول مصرفية أصبحت مسمومة»، مؤكداً «عدم حاجة لبنان الى «تصفيات وحشية» سواء في القطاع العقاري أو على تسليفات معينة، لكن يجب أن يكون لبنان مجهزاً لأي طارئ إحترازي».
وأضاف: «بلغ الفائض في ميزان المدفوعات في شباط نحو 318 مليون دولار، ما يجعل الفائض التراكمي خلال الشهرين الماضيين، بحدود 683 مليون دولار. هذا الرقم جيد ويؤثر إيجاباً، وخصوصاً عندما نعلم أن الفائض يكون معدوماً في الفصل الأول من أي سنة. وأن بقاء نسب التضخم وفقاً للتوقعات دون الـ4 في المئة، مؤشر جيد، ولقد وصلت النسبة في شباط الى حدود 2.6 في المئة.
ولقد أكد مؤشر البنك المركزي بالنسبة الى النشاط الإقتصادي في الشهرين الماضيين، أن نسبة النمو الحقيقي ستكون 4 في المئة أو أكثر. كما أن التحويلات من الدولار الى الليرة ما زالت مستمرة، وأن الدولرة أصبحت بحدود 68 في المئة. كذلك، فإن الفوائد مستقرة بسبب الثقة الموجودة في السوق، وخصوصاً على الصعيد اللبناني، حيث نرى إكتتابات في سندات الخزينة، ما يدفع البنك المركزي الى إصدار شهادات إيداع لاستيعاب السيولة بالليرة».
وأكد أن «هذه الفوائد ستبقى مستقرة، وربما يسجّل تراجع تدريجي فيها خلال السنة ولكن بمعدلات صغيرة».
وقال أخيراً: «إن السوق الثانوية شهدت بعد نجاح عملية استبدال السندات والإكتتاب الجديد، تراجعاً للفائدة على الأوروبوند، فيما ارتفعت نسب السيولة. كل هذه المؤشرات إيجابية، ونأمل أن يبقى الوضعان السياسي والأمني ضمن هذا المناخ، لتكون هذه السنة إيجابية».

 

الوزير قرم:على لبنان معالجة المديونية العامة والاستفادة من الميزات التنافسية
وزير المال السابق جورج قرم (أستاذ في جامعتي القديس يوسف والروح القدس في الكسليك) قال عن تأثر لبنان بتداعيات الأزمة المالية العالمية: «إن لبنان بمنأى عن الأزمة المالية لعدة أسباب، ومنها أنه سبق له أن دفع ثمناً باهظاً في الماضي، بانهيارات مصرفية محلية، وبمضاربات مجنونة في سوق القطع، وبالفوائد العالية للغاية، التي تميّزت بها فترة التسعينيات، والتي حالت دون بلوغ معدلات نمو مرتفعة.
أما اليوم فإن عدم حصول هزّات مالية أو مصرفية، فهو عائد الى مراقبة لجنة المراقبة على المصارف من جهة، والى سعي المصارف في لبنان الى إيجاد مصادر ربح مأمونة، سواء في تأمين وإعادة تمويل الدين العام، أو في القروض للقطاع الخاص، أو في القروض الإستملاكية المختلفة (سيارات، سكن، ...)، من جهة أخرى. وبالتالي لم تشعر المصارف اللبنانية بأية حاجة الى المغامرة بالإكتتاب في الأدوات المالية السامة، التي تمّ إصدارها في أسواق المال الغربية.
ومن ثم يمكن أن نضيف أنه ليس في لبنان، جهاز إنتاجي ضخم يتكل على التصدير، كما هو الحال في الدول النامية والصين ودول شرقي آسيا».
وأضاف: «أما الموقع الذي يمكن أن يتأثر به الإقتصاد اللبناني، فهو تحويلات المغتربين، مع أنه من السابق لأوانه السعي الى معرفة حجم التدني الذي قد يحصل. ولكن من جهة أخرى، فإن عودة بعض المغتربين الى لبنان، قد لا تكون عاملاً سلبياً من الناحية الإقتصادية، إذ قد يؤسسون نشاطات خدماتية أو إنتاجية جديدة، تساهم في إبقاء معدلات النمو إيجابية. وأعتقد أن القطاعين السياحي أو العقاري، لن يتأثرا بالأزمة المالية، خصوصاً إذا بقيت الحالة الأمنية جيدة في لبنان. فالتدفق السياحي الى لبنان، الذي يتشكّل في الأساس من المغتربين اللبنانيين والعرب، سيستمر. أما عن القطاع العقاري، فإن اللبنانيين كما العرب الأثرياء، يرون في تملّك أي شقة فخمة في بيروت أو في المصايف الراقية، معياراً للوجاهة الإجتماعية والتباهي، وأنا لا أتوقع أزمة في هذا القطاع، علماً أن عدد البيوعات قد ينخفض قليلاً، عما كان عليه في السنوات السابقة».
وعن ضرورة وضع خطة علاجية لتفادي تداعيات الأزمة، اعتبر الوزير قرم «أن لبنان بالنسبة الى الأزمة المالية، لا يحتاج الى معالجات خاصة، نظراً الى عدم وجود هزّات مصرفية أو تدنٍ حاصل في النشاط الإقتصادي (فهو متواضع أصلاً). إنما يبقى على لبنان معالجة قضيتين ماليتين أساسيتين تهددان مصيره المستقبلي: المديونية العامة، والإستفادة الأمثل من الميزات التنافسية والقدرات المتعددة، وهي بالدرجة الأولى، الكفاءات البشرية والتربة الخصبة والمياه والتعدد البيولوجي. وبذلك ينتقل الإقتصاد من إقتصاد مقيّد، يعتمد حصرياً على السياحة والمال والعقارات الفخمة، الى إقتصاد منتج يستغل كل القدرات الكامنة في البلاد بدلاً من تبذيرها، وتشجيع هجرة الكفاءات».
وأضاف: «على الدولة إيجاد مناخ إنتاجي في البلد، يشجّع الرساميل اللبنانية أو الأجنبية على التوجّّه الى القطاعات الإنتاجية والخدماتية، التي تدرّ قيمة مضافة عالية، بدلاً من الإعتماد على نشاطات محدودة في مستوى الأرباح العالية، إنما قيمها المضافة متدنية، وهي لا تجلب ولا تجتذب الكفاءات البشرية اللبنانية. وهناك بعض النجاحات التي يجب أن تذكر لكي تتعدد، مثل صناعة النبيذ في البقاع، أو مثل بعض الشركات الناجحة في البرمجة المعلوماتية التي تصدّر خدماتها. والسؤال يطرح هنا، أين النجاح في نشاطات أخرى مثل صناعة المأكولات العالية الجودة والبيولوجية الطابع، وإنتاج البذور الزراعية، وإنتاج الأدوية، وبشكل خاص الأدوية المعتمدة على الأعشاب الطبية، وكذلك الأبحاث في المجالات الطبية والكيميائية والإلكترونية والإقتصادية... التي يمكن أن تدرّ إيرادات كبيرة للبلد، وتؤمن الآلاف من فرص العمل، خصوصاً وأننا نعاني حالات بطالة متفشّية وهجرة أدمغة».
أما عن التأثر المحدود لبورصة بيروت بالأزمة المالية، فأوضح أنه «صحيح أن البورصة قد تأثرت الى حد ما بالأزمة، إنما بدرجات أقل بكثير من البورصات العالمية والخليجية، وذلك لأن حجم التداول وعدد الأسهم المدرجة على البورصة قليل للغاية، على خلاف البورصات الخارجية الناشطة».
واعتبر أخيراً، أنه «في هذا المضمار، يجب أن لا ننسى أن الإنكشاف الخطير للإقتصاد اللبناني على التدفقات المالية من الخارج. والتي قد تنضب أو تتضاءل، والتي يجب استبدالها بموارد مالية ذاتية، من جراء زيادة التصدير والدخول في النشاطات الإنتاجية التي ذكرتها - والتي هي وحدها ستؤمن فرص العمل والإستقلال المالي - سيؤمن حالة المديونية الخطرة التي نحن فيها».

 

الدكتور صادر:الدولة اللبنانية تشجّع الإنفاق على مشاريع وتزيد الإنفاق الجاري في الموازنة
أمين عام جمعية المصارف الدكتور مكرم صادر قال بدوره: «لقد وضعت الدول سياسات خاصة لمكافحة الأزمة المالية، تمحورت حول أمور أساسية منها تدخّل الدول الخاص، من خلال زيادة الإنفاق، باعتبار أن النمو قد تراجع، والأوضاع الإجتماعية للعائلات قد تدهورت، وكذلك من خلال ضخّ الأموال الطائلة في القطاع المصرفي، لكي يتمكّن من المتابعة في إقراض الزبائن.
أما في لبنان، فإن الإنفاق العام يزيد بالنسبة الى الناتج المحلي الإجمالي، الذي لا يتعدى 6 - 7 في المئة. وإن الدولة اللبنانية إسوة بغيرها من دول العالم، تقوم بتدابير لتفادي الأزمة المالية. فمن جهة تشجّع الإنفاق على مشاريع من خلال تعهدات باريس - 3، ومن جهة أخرى تزيد العجز في الإنفاق الجاري في الموازنة. أما من ناحية المصارف، فإنها لا تحتاج الى سيولة لأنها ما زالت تضخّ من أرباحها».
وأضاف: «علينا أن لا نخلط بين تحويلات المغتربين الجارية وعودة الرساميل. فالأولى تراجعت بنحو 15 في المئة، وأعتقد أنها قد تتأثر بنسب تراجع تراوح بين 10 و20 في المئة، فذلك يعتمد على الوضع الإقتصادي في دول الخليج، التي وضعت سياسات إنقاذ، وهي تضخّ الأموال الطائلة في المصارف، كما أنها تزيد من الإنفاق، للتعويض عن وضع الركود الإقتصادي إيجاباً. أما عودة الرساميل فقد ارتفعت بنسب عالية».
واعتبر أن «تراجع أسعار النفط، سينعكس على عجز الميزان التجاري، مقارنة مع تصدير مشتقات النفط. فقد دفع لبنان ما بين 90 و100 دولار كسعر وسطي للبرميل الواحد من النفط العام 2008، وبالتالي نأمل أن تنخفض كلفة الفاتورة النفطية العام 2009، عما كانت عليه العام 2008.
أما بالنسبة الى السياحة، فأعتقد أنه لن تتأثر كثيراً، ويمكن أن يكون لبنان ملجأ للسياحة الأوروبية هذا العام».

 

الدكتور قبرصي:الارتباط الوثيق بين المصارف والدين العام مظلة حمت لبنان من الأزمة المالية العالمية
بدوره قال الرئيس التنفيذي السابق للإسكوا بالوكالة الدكتور عاطف قبرصي (أستاذ محاضر في جامعة ماك ماستر في كندا): «لا شك أن الإقتصاد اللبناني يتميّز اليوم، بكونه اقتصاداً مديناً، حيث يشكّل الدين العام نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي. فأي إنخفاض في سعر الفائدة العالمي، يخفّض من أعباء الدين وخدمته، ويحرّر الدولة من التزامات مالية ضخمة، بالإمكان تحويلها الى دعم للإقتصاد المحلي».
وأضاف قائلاً: «الإقتصاد اللبناني يتميّز بنسبة إستيراد عالية، فانخفاض الأسعار العالمية، وتدني سعر صرف اليورو وسعر صرف عملات أخرى، من شأنهما تقليص حجم العجز في الميزان التجاري، وحتى في مستوى التضخم والأسعار المحلية وكلفة المعيشة، وخصوصاً أن تدني أسعار السيارات والنفط، سيكون له آثار تجارية مباشرة.
أمّا إنخفاض أسعار النفط الى حوالى 75 في المئة من الأسعار القصوى، التي وصل اليها في تموز الماضي، فسيكون سيفاً ذا حدين، لأنه سيخفّض أكلاف استيراده وكلفته على المواطن، ولكنه ايضاً سيخفّض موارد الدولة».
وأوضح قبرصي: «لهذا الإنخفاض في أسعار النفط، آثار سلبية ايضاً، باعتباره ساهم في تقليص إقتصادات الخليج، حيث يعمل العديد من اللبنانيين، وتشكّل تحويلاتهم قسطاً كبيراً من مداخيل اللبنانيين. ومن الطبيعي أن تتأثر أعمال هؤلاء بتأثر الإقتصاد الخليجي بالأزمة المالية العالمية، حيث من المتوقع عودة العديد منهم الى لبنان، في حال لم تتوافر لهم فرصة عمل أخرى. كما أنّ لتقليص إقتصادات الخليج، آثاراً أخرى سيئة، كتدني تدفقهم على لبنان كسياح ومستثمرين.
لا شك أن تدني التحويلات والإستثمارات من الدول النفطية، سيكون له أثر ملموس وسيئ على الإقتصاد اللبناني، خصوصاً إذا نقصت هذه الإستثمارات والتحويلات عن تدني أسعار الإستيراد، وقد تنفجر فيه أزمة عقارية وبطالة عالية، ما قد يؤول الى عجز في ميزان المدفوعات. ولهذا أثر سيئ على سعر صرف الليرة، إلا إذا أدى ارتفاع أسعار الذهب، الى رفع قيمة الموجودات والإحتياطات الداعمة لليرة».
وعن علاقة المصارف بالدين العام قال الدكتور قبرصي: «شكّل الإرتباط الوثيق بين المصارف اللبنانية والدين العام، مظلة حمت لبنان من الأزمة المالية في أوروبا وأميركا، حيث فضّلت المصارف اللبنانية توظيف ودائعها في شراء السندات الحكومية، بدلاً من توظيفها في أوروبا وأميركا، الأمر الذي جنّبها التدهور الكبير في المراحل الأولى من الأزمة وآثارها المباشرة، غير أن التداعيات غير المباشرة ستؤثر على لبنان. والمطلوب اليوم تحضير الإقتصاد اللبناني، وتحصينه لمعالجة الآثار غير المباشرة، والتي ستكون كبيرة ومؤذية، وإن لم تتجلَّ حتى الآن ولكنها آتية حتماً».
 

وختم بالقول:
«لقد تغلب لبنان على الأزمات التي عايشها في إبان الحرب الأهلية والإعتداءات الإسرائيلية، بفضل إدارة حكيمة للإقتصاد. وهذه الخبرة المكتسبة، تشكّل اليوم رصيداً قوياً لمعالجة الآثار السلبية، التي سيختبرها لبنان عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما يدعو الى التفاؤل، والى الأمل بأن الإقتصاد اللبناني قادر اليوم كما الأمس على معالجة الأزمة».

 

عبود: إذا لم يتم تخفيض الرسوم والضرائب لن يستطيع القطاع الصناعي
استيعاب موظفين جدد
في إطار عودة الشباب العامل في منطقة الخليج، ومدى قدرة القطاع الصناعي على استيعابه والإستفادة من خبراته، وفق خطة وضعها لبنان، التقت «الجيش» رئيس جمعية الصناعيين السيد فادي عبود الذي قال:
«إن الإقتصادات المتقدمة تسعى الى جلب الطاقات العلمية كافة، من حاملي شهادات عالية وحرفيين ايضاً، وذلك بغية الزيادة من التنمية الإقتصادية. وبالتالي فإنني لست خائفاً على مصير لبنان في حال عادت هذ الطاقات، وتوقفت تحويلاتها الخارجية، لأنه بإمكانها مساعدة لبنان أضعاف حجم تحويلاتها، شرط أن تتوافر الأجواء التنافسية لها».
وأضاف: «لقد أطلع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، الهيئات الإقتصادية على مضمون الخطة التي وضعها، والتي تتضمّن عناوين رئيسة من أجل تحفيز الإقتصاد، ولكنها لا تشير الى أعمال سحرية تساعد على ذلك.
فتنشيط الإقتصاد وزيادة النمو، يبدآن بتخفيض الأكلاف والضرائب، فكيف يتم النمو، إذا كان مرفأ بيروت هو الأغلى في العالم، ورسومه تبلغ أكثر من 16 في المئة، من مجموع مدخول الضريبة على القيمة المضافة، وإذا كانت رسوم تسجيل السيارات، ورسوم الرخص ومشاكلها المتنوعة، مرتفعة جداً، وإذا كان الحصول على رخصة حفر بئر إرتوازي، أو إستثمار مصنع، أو محطة بنزين أو مطعم... صعبة للغاية وبكلفة مرتفعة جداً، وإذا كانت كلفة الطاقة والضمان الإجتماعي هي الأغلى في المنطقة، وكذلك بالنسبة الى الأجور وأسعار الأراضي، ولا سيما الصناعية منها.
كل هذا، يجعل من أكلاف الإستثمار في لبنان باهظة، ويشير الى صعوبة في إنشاء المشاريع، باستثناء المشاريع المحظوظة التي تتمتع باحتكار مباشر أو غير مباشر. وبالتالي نرى من الصعب جداً تأسيس مصانع وشركات مريحة، إذا اعتمدت على التنافس الحر. وإن المؤسسات الإنتاجية تجد أن كلفة الإنتاج في لبنان أغلى من الدول الـ17 التي وقّعت على إتفاقية التجارة العربية. وهكذا يمكننا القول إن مبدأ استيعاب العائدين يبدأ من جعل إقتصاد لبنان إقتصاداً تنافسياً، وقاعدة أكلاف مدروسة مقارنة مع دول الجوار، وهذا لم توفره الخطة المقترحة».
وأضاف: «يتكلم الجميع اليوم على الصناعة والخدمات وحتى السياحة ذات القيمة المضافة المرتفعة، ولكن الظاهر أن لبنان، البلد الوحيد الذي يبحث عن ذلك، على الرغم من أن الخدمة في الدول المجاورة أفضل في بعض الأحيان. وإذا أخذنا مثالاً بعيداً عن الصناعة، فمن المفروض أن يكون لبنان أفضل وجهة، في إنتاج الأفلام الإعلانية والسينمائية، ولكن الحقيقة أنه الجهة الأغلى في هذا المجال».
وعن واقع الصادرات أكد أنها «لم تنخفض لغاية الآن، ولكن الصادرات الصناعية تتضمّن خردة الذهب وخردة المعادن. أما الخوف الحقيقي اليوم، فهو أن يتم إغراق السوق اللبناني بالبضائع المنتجة في الإمارات وغيرها، بسبب إنخفاض الإستهلاك في تلك الأسواق».
وعن قدرة القطاع الصناعي على استيعاب العائدين من الخليج والإستفادة من خبراتهم، أكد «أن الصناعة اللبنانية غير قادرة حالياً على استيعاب موظفين أو عمال جدد، بسبب ارتفاع الرواتب الناتج عن الزيادة غير المدروسة، التي أقرّها مجلس الوزراء مؤخراً، علماً أن الزيادة هي من حق العاملين. ونتيجة لكلفة الضرائب والرسوم، سوف يلجأ الصناعي اللبناني الى المكننة وتخفيض عدد العاملين، وذلك من خلال استعمال الـ«روبوتس»، ومكننة عمليات الإنتاج كافة، من أجل تخفيض حجم أكلافها وتكبير سوقها».
وقال عبود: «ساذج كل مَن يعتبر أن لبنان بمنأى كلي عن تداعيات الأزمة المالية العالمية. بالطبع أنه لم يتعرّض الى الضغوط نفسها التي تعرّضت لها إقتصادات العالم، نظراً الى متانة قطاعه المصرفي، وعدم اعتماد قطاعه الخاص بشكل كلي على الإستدانة، ولكن إذا لم تعالج تداعيات الأزمة، من خلال تحصين السوق المحلي، بعدم إغراقه ببضائع كلفة إنتاجها مدعومة، وبدعم القطاعات الإنتاجية، فإننا سوف نلحظ نسب نمو متدنية جداً، وارتفاعاً كبيراً في نسب البطالة».
وأضاف: «إن جمعية الصناعيين رفعت بدورها الى رئيس الحكومة، ملاحظاتها حول الخطة المعدة، والتي تضمّنت رفض كل ارتفاع طارئ، ومنه كلفة التخزين في مرفأ بيروت، وأكلاف الضمان الإجتماعي، والعمالة الأجنبية...
وإننا ندعو المعنيين جميعاً وكما كنا ندعو منذ سنين، الى إطلاق خطة وطنية لإيجاد فرص عمل، وإعلان الحرب على البطالة».

 

الخوف على المصير
التقت مجلة «الجيش» بعضاً من اللبنانيين العاملين في الخليج، حيث أبدوا مخاوفهم الكبيرة من خسارة وظائفهم في أية لحظة، وتحديداً في قطاعي العقارات والمصارف، وخصوصاً مع سريان ظاهرة «الإستغناء عن كل مَن ليس له مهمات عمل واضحة»، لأن تداعيات الأزمة ألقت بظلالها بشدة على الإمارات، حيث تمّ الإستغناء عن الآلاف في هذه القطاعات، والمسيرة مستمرة بحسب المراقبين، الذين يعتبرون أن تداعيات الأزمة لم تظهر بصورة جلية حتى الآن، وقد تطال معظم القطاعات.
والى جانب ظاهرة الإستغناء عن الخدمات، برزت ايضاً ظاهرة خفض الرواتب، حيث أقدم بعض الشركات على ذلك، من خلال تخيير الموظف بين الإستغناء عن خدماته أو التوقيع على عقد جديد أقل بـ20 في المئة. ولقد قال أحد اللبنانيين العاملين في إحدى الشركات العقارية «خُفّض راتبي ألفي درهم وقبلت، لأنه ليس لدي خيار آخر. والمشكلة أنهم يخفّضون رواتبنا ويلغون امتيازاتنا، ولا نستطيع الكلام، لأننا سنفقد وظائفنا».
كما أوضح البعض أن هناك عائلات لبنانية، لم تتمكّن من دفع إيجارات منازلها التي تراوح بين 70 و90 ألف درهم، وترفض العودة الى لبنان، وكان الحل الوحيد السكن في بيوت مشتركة مع عائلات أخرى.

 

العالم يفقد 20 مليون فرصة عمل في أزمة الأسواق
صندوق النقد الدولي يتوقّع تباطؤ الإقتصادات العربية والخليجية هذه السنة
حذّر صندوق النقد الدولي مجموعة الدول العربية، ومن ضمنها الخليجية، من إنعكاسات الأزمة المالية في العالم و«من أخطار تفاقم التراجع الإقتصادي في الدول المتقدمة والأوضاع المضطربة في أسواق المال، خصوصاً أنها تواجه تحدياً مزدوجاً في أزمة الإئتمان العالمية وتضخّم الأسعار في أسواقها المحلية»، وتوقّع تباطؤ الإقتصادات العربية هذا العام.
وقال مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق محسن خان إن توقعات النمو الإقتصادي في الشرق الأوسط معرضة للخطر بسبب التراجع السريع في أسعار النفط، وإنها ستُعدّل بالإنخفاض، مشيراً الى أن تقدير النمو هذه السنة مبني على افتراض سعر متوسط للنفط بنحو 100 دولار للبرميل. وأضاف: «أعتقد أنه سيكون أقل من ذلك. ونتيجة لذلك فإن بعض التوقعات ستعدل بالخفض، لكن ليس بقدر كبير».
في الوقت نفسه حذر مدير مكتب العمل الدولي خوان سومافيا من أن الأزمة المالية قد ترفع عدد العاطلين عن العمل في العالم من عشرين مليون شخص الى 210 ملايين شخص في نهاية 2009. وقال إن هذه الأرقام يمكن أن تتفاقم بحسب تأثير الأزمة على الإقتصاد الحقيقي، مؤكداً الحاجة الى «تحرك سريع ومنسّق للحكومات، للوقاية من أزمة إجتماعية يمكن أن تكون قاسية وطويلة وشاملة».