إتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين لبنان و تركيا

إتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين لبنان و تركيا
إعداد: د. انيس بو ذياب
أستاذ مساعد في كلية العلوم الاقتصادية و الادارية في الجامعة اللبنانية

المقدمة

إن التعاون و التكامل بين الدول في إطار التكتلات الإقليمية أو الدولية هما من أهم المسائل المطروحة اليوم في العلاقات الاقتصادية الدولية. لابد من الإشارة في هذا السياق إلى أنه لا يمكن إهمال الدور المهم الذي تطلع به المنظمات الإقتصادية الدولية (الغات) ومنظمة التجارة الدولية (WTO) في مجال تنظيم تلك العلاقات. يأتي في هذا الاطار بحث تأثير إتفاقية التجارة الحرة اللبنانية التركية على الصناعة الوطنية.

يبدأ البحث بالحديث عن أهمية التجارة الدولية في الاقتصاد القومي ومن ثم يعرف باتفاقيات التجارة الاقليمية و يشرح أسباب تكاثرها مؤخرًا. بعد ذلك يناقش تأثير اتفاقيات التجارة الإقليمية على النظام التجاري متعدّد الاطراف من الناحيتين الايجابية و السلبية، مع أبرز التوصيات في هذا المجال. يلي هذا الجزء شرح لدور منظمة الغات، ومنظمة التجارة العالمية، في ظل العلاقات الاقتصادية الدولية. من ثم يتمّ التركيز على التحوّل التاريخي للاقتصاد التركي في العام 2001 نتيجة للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي نفّذت، خصوصًا في قطاع الصناعة، والتي أدّت إلى القفزة الاقتصادية العملاقة للاقتصاد التركي. إنه عرض ضروري للتمكّن لاحقًا من دراسة تأثير الاتفاقية على الصناعة اللبنانية. يأتي بعد ذلك عرض لواقع الصناعة في لبنان، وأبرز معوقاتها. يتم بعدها عرض تفاصيل اتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرّة بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية التركية. يلي ذلك تحليل لنتائج البحث الميداني الذي أجري لمعرفة رأي الصناعيين في لبنان بتأثير تلك الاتفاقية على صناعاتهم. نختم البحث باقتراح بعض الخطوات التي من شأنها تدعيم الصناعة اللبنانية، وجعلها أقدر على المنافسة وعلى الإفادة من تلك الاتفاقية.
 

1. التجارة الدولية والاتفاقات الاقتصادية الدولية

إن التعاون والتكامل بين الدول في إطار التكتلات الاقليمية أو الدولية، هما من أهم المسائل المطروحة اليوم في العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا أن أهدافهما تختلف بين البلدان الرأسمالية والبلدان النامية. فالأولى تسعى من وراء إنشاء اتحادات اقتصادية كبيرة إلى إيجاد أسواق لتصريف منتجاتها والحصول على المواد الأولية بأرخص الأسعار بهدف المحافظة على التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل، حيث تجد نفسها مجبرة نتيجةً للمنافسة على تنسيق الجهود، وترسيخ التكتل للمحافظة على المعدّل الأعلى للربح وتقاسم الاحتكارات في السوق العالمية، في حين يمثّل التكامل الاقتصادي بالنسبة للدول النامية الوسيلة التي تستطيع بواسطتها الخروج من تبعيتها للسوق العالمية والتي تؤمّن تنمية حقيقية قادرة على تلبية الحاجات الأساس لمواطنيها.

يعتبر تبادل السلع والخدمات، وانسياب رؤوس الاموال، وانتقال العمال عبر الحدود السياسية المعترف بها دوليًا، أمورًا أساسية في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية. وتجدرالإشارة إلى الدور المهم الذي تضطلع به المنظمات الاقتصادية الدولية (الغات)، ومنظمة التجارة الدولية (WTO)، في مجال تنظيم هذه العلاقات، كما يعتبر التفاعل المتبادل بين اقتصاديات دولتين أو مجموعة من الدول التي تنشأ نتيجةً لقيام التبادل التجاري، أو نتيجةً لحركية عناصر الانتاج، جزءًا أساسًيا من العلاقات الاقتصادية الدولية.
 

أهمية التجارة الدولية في الاقتصاد القومي وأسباب تكاثر اتفاقيات التجارة الاقليمية

إن التجارة الخارجية لأي بلد هي صورة من صور علاقاته مع العالم، فهي على سبيل التحديد تبيّن الصلة القائمة بين إنتاج البلد وبين إنتاج العالم. ويمكن للتجارة الخارجية أن تكون ذات أهمية مزدوجة، فهي تعبّر عن الواقع الحالي لهيكل الإنتاج القومي ومدى ارتباطه بالخارج من ناحية، وبإمكانها المساهمة في تغيير هذا الواقع من ناحيةٍ أخرى. لذلك فإن التجارة الخارجية يمكن أن تكون أداة حاسمة في تغيير الواقع من خلال تأمينها للموارد الاستثمارية، والتأثير إيجابًا على الناتج المحلي الإجمالي للوطن، فتؤمّن بالتالي موارد من أجل تمويل الاستثمارات اللازمة للسلع الضرورية للتنمية، وهذه صورة إيجابية للتجارة الخارجية.

تعتمد اتفاقيات التجارة الإقليمية والتي تعتبر جزءًا من منظومة التبادل التجاري متعدّد الأطراف على المادة 24 من اتفاقية السلع (غات 94 ) والمادة 5 من اتفاقية الخدمات (غاتس)، اللتين تنصّان على أنه يحق للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تشكيل اتحاد جمركي أو منطقة تجارة حرة، والغرض هو تسهيل التبادل التجاري وليس إقامة حواجز أمام التبادل التجاري بين أطراف الاتفاقية.

يأتي تكاثر اتفاقيات التجارة الحرة نتيجة لأسبابٍ إقتصادية عدة، أبرزها بحث المنتجين عن أسواق أكبر لتصريف منتجاتهم، وسعيهم لتأمين النفاذ للأسواق المتقدّمة. كما وأن لتلك الاتفاقيات دورًا بارزًا في ازدياد حجم الاستثمارات الخارجية، وتؤمّن تلك الاتفاقيات اندماجًا عميقًا بين الأطراف وفرصًا سريعة لإنهاء التفاوض، وعادةً ما تغري قطاعات الأعمال والساسة. كما أن لتلك الإتفاقيات دورًا في تحسين فرص المنافسة والمواصفات الفنية العمالية.

نجد وراء تكاثر الاتفاقيات تلك أسبابًا سياسية أيضًا، أبرزها زيادة القوة التفاوضية لدى الأطراف، ومنع تراجع الإصلاحات السياسية والإقتصادية وتشجيع الدعم السياسي.
 

تأثير اتفاقيات التجارة الإقليمية على النظام التجاري متعدّد الأطراف

لعقد اتفاقيات التجارة الإقليمية إيجابيات عديدة على النظام التجاري متعدّد الأطراف (الإقليمية مقابل التعددية). من الإيجابيات، المساهمة في تحقيق أهداف تحرير التجارة على مستوى جغرافي معيّن وزيادة تماسك العلاقات الاقتصادية بين بعض الدول إضافةً إلى توحيد فضاء الاقتصاديات المتناثرة. وتعطي هذه الاتفاقيات قطاع الأعمال نفاذًا أكثر للأسواق العالمية، وهي جاذبة للاستثمار الاجنبي المباشر.

كما تؤمّن تلك الاتفاقيات آلية انتقالية في تهيئة الاقتصاد تدريجيًا للمنافسة العالمية من وجهة نظر إستراتيجية التنمية الاقتصادية الوطنية وهي أكثر جاذبية من المفاوضات متعدّدة الأطراف لأنها أقل تعقيدًا في التفاوض، وتستلزم إلغاء التعرفة بدلاً من تخفيضها مما يعني إمكان توليد مصالح أكثر.

بالمقابل، يجب أن لا نغفل أيضًا أن لتلك الإتفاقيات بعض السلبيات، أبرزها التخوّف من عدم وجود انسجام بين الأطراف وربما زيادة في التكاليف وعدم عدالة في العلاقات التجارية، كما ويشكّل تطبيق تلك الاتفاقيات بفعالية صعوبة أيضا. وعند تعدّدها تصبح هذه الاتفاقيات أكثر تعقيدًا وتشابكًا نظرًا لتباين الالتزامات بخاصة في الدول النامية والأقل نموًا، وهي لا تخدم الدول ذات الامكانات التفاوضية الضعيفة، ولا تحفّز على المفاوضات متعدّدة الأطراف.

نظرًا لما لتلك الإتفاقيات من آثارٍ إيجابية على النظام التجاري متعدّد الأطراف، ولتفادي وقوع أي من الآثار السلبية، يوصى بأهمية إيجاد تنظيمات واضحة داخل قطاعات الأعمال بخاصة بإتفاقيات التجارة. كما أنه من الضروري تعريف مجتمع الأعمال أكثر بالإتفاقيات التجارية ومستجداتها إذ إنه المعني الأول بنتائجها. من الضروري أن تضطلع الغرف التجارية والصناعية بدورٍ حيويٍ في زيادة فاعلية العلاقة بين قطاع الأعمال والحكومات في مجال الاتفاقية التجارية. كما أنه من المفيد أن لا تبقى عملية المفاوضات التجارية محصورة بالحكومات وتعتمد بشكل كلي على المفاوضين الحكوميين بإعداد طلباتهم من الدول التي يتم التفاوض معها، وأن لا تبقى مشاركة عدد كبير من تجمّعات الأعمال غير فعالة في تلك العملية.
 

2. دور الغات ومنظمة التجارة العالمية في العلاقات الاقتصادية الدولية

إتفاقية الغات

تعتبر الغات من أهم الاتفاقيات الاقتصادية التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية وأبرزها في خمسينيات القرن الماضي، وأدت إلى تحرير التجارة بين الدول.

فالغات ( Gatt) وهي اختصار General Agreement on Traffics and Trade أي الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، عُقدت في تشرين الأول/أكتوبر 1947 في مدينة جنيف السويسرية، ودخلت حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 1948 وتعتبر من المنظور الاقتصادي، أداة لتبادل المزايا التفضيلية بين الدول الأعضاء الناتجة عن تحرير التجارة بينها من القيود الجمركية حيث أنبأت عن عصر اقتصادي عالمي جديد له إيجابياته كما له سلبياته.

أما الهدف الأساس من إبرام هذه الاتفاقية فكان التخفيف من قيود التجارة الدولية لجهة الكمية، أي إلغاء نظام الحصص.

ومن أهدافها أيضًا:

  • العمل على تحرير التجارة الدولية.
  • إزالة العوائق أمام التبادل التجاري بين الدول.
  • حل المنازعات التجارية الدولية عن طريق المفاوضات.
  • تهيئة المناخ الدولي والإعداد لإنشاء منظمة التجارة العالمية.
  • كما تضمنت في طياتها فقرات ذات نبرة قانونية دولية، أهمها التعامل بالمثل في ما يخص نقل البضائع، والحرص عليها من قبل الدول التي تمرّ من خلالها كما لو كانت بضاعتها. هذا وألزمت جميع دول الاتفاقية بمبدأ عدم التمييز بين بضاعة وأخرى، وحل المشاكل التجارية بين الدول التي صادقت عليه.

من أبرز جولات الغات تلك التي عقدت في كل من جنيف (1947)، فرنسا (1949)، بريطانيا (1950- 1951)، جنيف (1956)، ديلون (1960- 1961)، كندا (1964- 1967)، طوكيو (1973- 1979)، والاوروغواي (1986-1993) حيث نظّمت بواسطة منظّمة التجارة العالمية، وشاركت فيها 125 دولة. كما عقدت في الدوحة في قطر جولة في العام 2001.
 

2.2.- التحوّل من إتفاقية الغات لمنظمة التجارة العالمية

لقد عانت الغات من مشاكل عديدة، إذ لم تقدر على تحقيق كل أهدافها وذلك حتى جولة الأوروغواي 1986-1993 وفي ما يأتي بعض أسباب هذه المشاكل:

  1. كانت اتفاقية تحدّها عدة أحكام من دون وجود تنظيم أساسي واضح لها.
  2. اشتملت الاتفاقية على قوانين وأحكام خاصة بتجارة السلع فقط.
  3. تمادي الدول الصناعية الكبرى في خرق أحكام إتفاقية الغات 47 من دون حسيب أو رقيب بسبب تناقض مصالح هذه الدول مع مبادئ الاتفاقية، حيـث لجأت معظم الدول الصناعية إلى تطبيق ما يعرف بالإجراءات الضبابية أو التدابير الرمادية Gray Measures، بقصد حماية مصالحها التجارية.
  4. إصدار قوانين تجارية خاصة بالدول الكبرى، لا علاقة لها باتفاقية الغات، مثل قانون التجارة الأميركي الصادر في العام 1974.
  5. لجوء التكتلات الاقتصادية Regional Trade Agreements إلى زيادة الدعم الزراعي المحلي Aggregate Measures of Support المخالف لمبادئ الاتفاقية الخاصة بالمنافسة Competition وحرية التجارة Free Trade والمعاملة الوطنية من دون تمييز National Treatment، حيث وصل هذا الدعم في الاتحاد الأوروبي إلى (133) مليار دولار في العام 1992 وهو ما يعادل (2.2%) من إجمالي الناتج المحلي لدول الإتحاد.
  6. تراجع الكفاءة الصناعية Industrial Efficiency في أوروبا وأميركا أمام القوة الاقتصادية الصاعدة للمنتجات اليابانية والدول الآسيوية الأخرى، التي استطاعت غزو أسواق الدول العالمية بأسعارها الرخيصة وجودتها المميزة على نحو هدّد استقرار الكثير من صناعات الدول الصناعية الكبرى.
  7. ازدياد حال الركود التضخمية Stagflation للاقتصاد العالمي في الثمانينيات، والذي تميّز بارتفاع معدّلات التضخّم والبطالة المصاحبة لانخفاض معدّلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وتفاقم أزمات الديون في العام[1]1982.

هذه الأسباب وغيرها أدّت إلى تحويل الغات إلى ما يعرف بالمنظمة العالمية للتجارة، وذلك في آخر وأهم جولة وهي جولة الأوروغواي 1986-1993 أي بعد ما يقارب خمسين عامًا على وضع الإتفاقية.

بعد جولة الأوروغواي (1986-1993) نشأ ما يعرف بمنظمة التجارة العالمية وذلك في 1 كانون الثاني/يناير 1995 وكان وراء إنشائها عدة أسباب أبرزها:

  1. الزيادة التي شهدتها صادرات البضائع بمتوسط 6% سنويًا، كما اتساع حركة انتقال رؤوس الأموال، ويضاف إلى ذلك ازدهار العلاقات الاقتصادية العالمية.
  2. التوسّع في مفهوم إتفاقية الجات ومواضيعها، فمن خفض التعريفات إلى مكافحة الإغراق، فاتفاقية تهدف إلى وقف القيود المفروضة على تجارة المواد المصنعة والزراعية والأنسجة والخدمات. هذا التوسّع أدى إلى عجز إتفاقية الجات على تنظيم هذه الأمور مما أوجب نشوء المنظمة.
  3. التطوّر التكنولوجي الهائل والسريع في ميدان انتقال المعلومات وتبادلها وبروز المنتجات الحديثة والمتطوّرة.
     

تتلخّص أهداف المنظمة كالآتي:

  1. إقامة عالم إقتصادي يسوده الرخاء والسلام، لدى المستهلك والمنتج إمكان التمتع بضمان الإمداد المستمر بالسلع مع ضمان اختيار أوسع للمنتجات تامة الصنع ومكوّناتها ومواردها الخام وكذلك لخدمات إنتاجها. وبذلك يضمن كل من المنتجين والمصدّرين أن الأسواق الخارجية ستظلّ مفتوحة أمامهم.
  2. نشوء عالم اقتصادي مسؤول بصورة أكبر، يتم بصورة نموذجية اتخاذ القرارات في منظّمة التجارة العالمية بإجماع الدول الأعضاء ويتم التصديق عليها بواسطة برلمانات الدول الأعضاء ويتم الاعتراض بخصوص الخلافات التجارية عن طريق آلية فض المنازعات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية حيث يحصل التركيز على تفسير الاتفاقيات والتعهدات وكيفية ضمان التزام السياسات التجارية للدول بهما، وبهذه الطريقة تنخفض مخاطر امتداد الخلافات إلى نزاعات سياسية أو عسكرية، وبخفض الحواجز التجارية فإن نظام منظمة التجارة العالمية يزيل أيضًا الحواجز الأخرى بين الأفراد والدول.
  3. توفير الحماية المناسبة للسوق الدولي ليلائم مختلف مستويات المعيشة والتنمية.
  4. إيجاد وضع تنافسي دولي للتجارة يعتمد على الكفاءة الاقتصادية في تخصص الموارد.
  5. تحقيق التوظيف الكامل لموارد العالم.
  6. المساعدة في تدفّق التجارة بيسر وسلام وحرية.
  7. مساعدة الدول النامية في المواضيع المتعلّقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب.
  8. التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.

الجدير ذكره أن الكثير من الدول الأجنبية والعربية انضموا إلى هذه المنظمة لحظة وبعده إنشائها ليصبح عدد الأعضاء 147 عضوًا. أما لبنان فعلى الرغم من أنه ليس عضوًا، فهو من المراقبين لأعمال المنظمة ويبلغ عددهم 29 بالإضافة إلى عدد من الدول العربية مثل: الجزائر، السودان، العراق، ليبيا، واليمن.

تعتبر اتفاقية إنشاء منطقة حرة للتبادل التجاري بين لبنان وتركيا نوعًا من العلاقات الإقتصادية الدولية. من أجل فهم أكبر لأهمية تلك الاتفاقية وانعكاسها على اقتصاد كل من البلدين خصوصاً تأثيرها على الصناعة في لبنان، لابد من استعراض أبرز مزايا كل من الاقتصاد التركي واللبناني مركّزين على قطاع الصناعة.
 

3. الاقتصاد التركي والقفزة التي شهدها بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم

لقد تميّز الاقتصاد التركي بعد انهيار الأمبرطورية العثمانية وولادة الجمهورية التركية بمرحلة من الضعف والتخلّف تخلّلتها أزمات اقتصادية متتالية أدّت إلى تدخّل السلطات العسكرية وتلاها انقلابات عدّة. إنتهت هذه المرحلة بأعنف أزمة إقتصادية شهدتها البلاد كادت أن تؤدّي إلى انهيار كامل للاقتصاد التركي عام 2001 إلى أن عاد وشهد نهضة لافتة في السنوات العشر الاخيرة.

هذا ويشكّل نجاح حزب العدالة والتنمية في النهوض بالاقتصاد التركي، خلال فترة حكمه منذ العام 2002 وحتى الآن، أحد أهم عوامل ازدياد شعبية الحزب جماهيريًا، والسبب الرئيس وراء فوزه التاريخي في الانتخابات الأخيرة.
 

3.1. السياسات الاقتصادية المعتمدة

جاء حزب العدالة والتنمية عندما كان الوضع الاقتصادي متدهورًا والانهيار التجاري والمالي تحديًا صعبًا. إستطاع الحزب خلال فترة حكمه، بقيادة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، عبر السياسات الاقتصادية الإصلاحية التي تمّ انتهاجها، النهوض بالاقتصاد التركي بما يشبه المعجزة.

إن نجاح السياسة الاقتصادية التى طبقتها حكومة العدالة والتنمية منذ مجيئها إلى السلطة هو مفتاح فهم كثير من التطوّرات التي تشهدها تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.

إن نمط السياسات الاقتصادية التي تبناها حزب العدالة والتنمية منذ نجاحه في انتخابات العام 2002 تقوم على عدة مبادئ أساسية يمكن اختصارها على النحو الآتي:

  • تحقيق الاستقرار السياسي إذ تمكّن الحزب من محاربة الفساد وضربه بيد من حديد ومن إطلاق مشروع سياسي ديمقراطي يقترب من مقاييس الديمقراطية الغربية.
  • إعتماد الإصلاحات الهيكلية في المؤسسات المختلفة (بنك مركزي مستقلّ، سلطات مستقلّة، عمليات خصخصة).
  • رعاية الفئات الأكثر فقرًا من خلال تدابير أبرزها إنشاء إدارة تطوير الإسكان التي وفّرت إسكانًا منخفض التكلفة لأكثر من مليون مواطن تركي وإصلاحات الضمان الاجتماعي والتي طبق بموجبها نظام تأميني إجتماعي موحّد على العاملين بالمهن الحرة.
  • إصلاح السياسة النقدية التي شهدت قبل العدالة والتنمية إنهيارات متتالية في قيمة الليرة التركية، وتدهور أداء قطاع البنوك والجهاز المصرفي.
  • إستثمار العلاقات الدولية لتركيا مع العالم الخارجي لمصلحة الاقتصاد التركي، ولاسيما دول الجوار بعد القضاء على التوتّرات الناجمة عن السياسة الخارجية السابقة.
  • رفع القدرات التنافسية للاقتصاد التركي فى جميع القطاعات مع إعطاء الأولوية للقطاع الصناعي عبر ضخّ القروض الداخلية واعتماد ميزانيات للتدريب والتأهيل وعبر تقديم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والذي شكّل أكثر من ثلثي الاقتصاد التركي.
     

3.2. لقفزة الإقتصادية العملاقة للإقتصاد التركي

أدّت هذه الاصلاحات والتي كان لتفعيل قطاع الصناعة حيزٌ بارزٌ فيها إلى تحقيق الإقتصاد التركي معدّلات مذهلة أبهرت معظم الدول والمراقبين طوال الأعوام التي تلت الأزمة الحادة التي تعرّض لها في العام 2001.

أما أهم تلك المعدّلات فهي:

  • قفز الناتج القومي الإجمالي بين عامي 2002- 2008 من 300 مليار دولار إلى 750 مليار دولار، بمعدّل نمو بلغ 6.8%.
  • قفز معدّل الدخل الفردي للمواطن في الفترة نفسها من حوالى 3300 دولار إلى حوالى 10.000 دولار.
  • زادت القوة الشرائية للأتراك بشكل سريع.
  • تحقّقت مستويات ملحوظة من توزيع العائدات.
  • تحسّنت أجواء الاستثمار، حيث دخلت تركيا بين أكثر الدول جذباً للإستثمار الخارجي.
  • أصبحت تركيا في المرتبة السادسة عشرة في ترتيب أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي، والسادسة على المستوى الأوروبي، وأصبحت تركيا من بين مجموعة العشرين G-20، وذلك بعد أن كان الاقتصاد التركي في العام 2002 يأتي في المرتبة السادسة والعشرين.
  • إنخفضت معدّلات التضخّم وأسعارالفائدة بشكل كبير بين العامين 2002 و2008، كما استقرّت العملة التركية، في حين انخفضت الديون الحكومية إلى مستويات أكثر احتمالا.
  • إرتفعت نسبة النمو في تركيا إلى 7.3% في الأعوام ما بين 2003 -2007، وإلى معدّل 6% في العامين 2008 – 2009، بينما كانت النسبة 2.6% منذ العام 1993 وحتى العام 2002.
  • حقّق قطاع الزراعة نموًا وتقدمًا كبيرين وتعتبر تركيا واحدة من الدول القليلة في العالم التي حقّقت اكتفاءً ذاتيًا من الغذاء.
     

أما على صعيد قطاع الصناعة:

  • أثبتت المنتجات التركية قدرتها على منافسة دولٍ كبيرة من خلال جغرافيتها التي تتوسط القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا، ومن خلال قوّتها الاقتصادية التي تتعمّق وتنفتح على العالم.
  • زادت صادرات الدولة من 30 مليار إلى 130 مليار دولار خلال خمس سنوات، وتنوّعت أسواق صادراتها، حيث تعتمد الصادرات التركية بشكل خاص، على المنتجات الصناعية، وتباع نصف الصادرات التركية إلى أسواق الدول الأوروبية الأكثر تطوّرًا، ويباع النصف الآخر إلى أكثر من 180 دولة من دول العالم الأخرى.
  • كما سجّل القطاع الصناعي نموًا هائلاً بعد عمليات التحرير الاقتصادي وارتقى مستوى الإنتاج في هذا القطاع إلى المعايير العالمية. كما حقّقت تركيا تحسنًا كبيرًا في العلاقات الاقتصادية والتجارية إقليميًا وعالميًا وشهدت الشركات التركية نموًا استثنائيا من خلال توسّعها في مختلف أسواق العالم.
  • إستقبلت تركيا حوالى 14 مليون سائح في العام 2002 لتصل بذلك عائدات البلاد بالعملة الصعبة من السياحة إلى عشرة مليارات دولار أو أكثر، وتشير إحصاءات العام 2005، إلى أنها استقبلت 21 مليون سائح، بعائدات قيمتها 16 مليار دولار تقريبًا. كما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر فى قطاع السياحة بما يعادل 3 مليارات دولار، ليحتل المرتبة الثانية بعد قطاع السيارات.
     

4. قطاع الصناعة في لبنان

واقعه

ينبغي أن تستند دراسة تأثير اتفاقية الشراكة اللبنانية التركية على الصناعة اللبنانية على توصيف واقع الصناعة الراهن والنظر إلى مواقع الضعف والقوة فيها من أجل استشراف وجهة هذا التأثير وحجمه.

قامت وزارة الصناعة بمسح صناعي في العام 1994 ثم في العام 1998 بعيد انتهاء الحرب الأهلية التي دمّرت الكثير من المصانع وأفقدت العديد منها اليد العاملة الماهرة وأسواق التصدير. كما قامت بإحصاءات في العام 2004 أيضًا وأصدرت إدارة الإحصاء المركزي عددًا من الدراسات حول هذا القطاع.

بعد ما عانته الصناعة في لبنان من جرّاء الحرب الاهلية، عادت لتنطلق من جديد في مطلع التسعينيات وهي بالتالي قطاع طري العود يحتاج إلى عناية خاصة.

يفتقر لبنان إلى المواد الأولية الخام ومصادر الطاقة والعناصر الطبيعية الضرورية في الصناعة. لذلك يُركّز الصناعيون اللبنانيون على الصناعات التحويلية وإعادة التركيب لمنتوجات مستوردة بدلاً من إنشاء صناعات إنتاجية.

ووفق مصادر وزارة الصناعة وإحصاءاتها للعام 2004، فإن القطاع الصناعي في لبنان يشغل 135 ألف عامل (أي 26% من اليد العاملة) بينهم 35 إلى 50 ألف عامل أجنبي وبين 80 إلى 90 ألف عامل لبناني.

من أهم الصناعات القائمة في لبنان: المواد الغذائية والألبان والأجبان، التبغ، المنسوجات والأحذية والمجوهرات، الكيماويات والأدوية، الإسمنت و مواد البناء، منتجات الأخشاب والمفروشات، وصناعة النشر. كما تلقى صناعة النبيذ والورق والبلاستيك بابًا واسعًا في الأسواق الأوروبية. ومن أهم الحرف: صناعة القش، الفخار، الخزف، الزجاج المنفوخ، النحاس، السكاكين، صهر الأجراس، والصابون.

أظهر المسح الصناعي ضعفًا في تنوّع الصناعة اللبنانية لأن (6،88%) من المؤسسات الصناعية تتوزّع على ثمانية فروع صناعية كالآتي: صناعة الأغذية والمشروبات 3،20%، الصناعة المعدنية 16%، وغير المعدنية 5،11%، المفروشات ومشتقاتها 7،10%، الألبسة والفرو 3،10%، الخشبية ومشتقاتها 3،10%، الجلدية 9،5%، النسيج 7،3% وفي صناعات مختلفة 4،11%.

تنتشر الصناعات بأكثريتها الساحقة في بيروت وجبل لبنان وتتميّز بصغر حجمها من حيث عدد العمال وحجم الرساميل لاعتمادها على التمويل الذاتي ومعظمها يأخذ الصفة العائلية لجهة الملكية والإدارة. يتركّز الجزء الأساسي من المصانع إذا في بيروت وضواحيها وفي جبل لبنان. يأتي لبنان الشمالي في المرتبة الثانية حيث كانت فيه 5،17% من المؤسسات ويحل لبنان الجنوبي في المرتبة الثالثة حيث تبلغ حصته 7،10% من المؤسسات وتبلغ حصة البقاع 2،10% من الوحدات الصناعية تبلغ نسبة المؤسسات التي تستخدم أقل من 5 عمال 7،73%، والتي تستخدم أقل من 10 عمال تستحوذ على 95%. أما المؤسسات التي تستخدم أكثر من 100 عامل فلا تشكّل أكثر من 1%. كما أن المؤسسات التي تستخدم أقل من 10 عمال تضم 65% من قوة العمل وتتحمّل 55% من الأجور. بلغت القوى العاملة في الصناعة العام 1998 حوالى 114000 المستخدمون منهم 70%، في حين أن 30% منهم عمال موسميون. شكل الذكور 88% من قوة العمل و12% للإناث.

تشير الوقائع إلى تعثّر عدد من المؤسسات الصناعية في السنوات الاخيرة والى إقفال عدد ليس بقليل من المصانع وصرف الألوف من العمال. ولقد أظهر المسح الصناعي أيضًا رغبة ما يزيد عن 40% من الصناعيين بإغلاق مؤسساتهم في ما لو استمرت الأوضاع الحالية، كما يفكّر 20% آخرين بنقل مؤسساتهم إلى خارج لبنان أو فتح فروع لها في الخارج حيث ظروف الإنتاج الصناعي أكثر ملاءمة.
 

أبرز المعوّقات

يعاني هذا القطاع في لبنان عدة مشاكل أبرزها:

  1. إرتفاع أسعار النفط خلال الفورة النفطية إبتداءً من العام 2003 الذي أدّى إلى ارتفاع كبير في أسعار المنتجات الصناعية النهائية بحوالى 33 % في خلال سنتين فقط. يأتي ذلك في وقت لا تدعم الحكومة فيه المؤسسات الصناعية على صعيد تخفيض أسعار المشتقات النفطية والطاقة الكهربائية كما ويشكّل انقطاع التيار باستمرار تحديًا إضافيًا للصناعيين.
  2. عدم التمكّن من الحصول على القروض طويلة الأجل يمنع المؤسسات الصناعية من التوسّع ويدفع بعضها للإقفال. الأمر نفسه بالنسبة للحصول على القروض قصيرة الأجل التي غالبًا ما تفتقر إلى الجدوى.
  3. إرتفاع سعر الأرض والإيجارات عمومًا وعدم وجود مناطق صناعية كافية ومنظّمة ومجهّزة وضعف البنى التحتية في المناطق يضغط على المدن الرئيسة وخصوصًا بيروت كمركز لتجمّع الصناعات و يدفع بارتفاع كلفة المنتوجات الصناعية ويضعف قدرتها التنافسية.
  4. سياسة التثبيت النقدي المعتمدة منذ مطلع التسعينيات والتي أدّت إلى ارتفاع سعر الفائدة أثّرت سلباً على الصناعة اللبنانية لانعدام الحوافز في طلب القروض للتوسّع في الإنتاج لأن سندات الخزينة وعوائدها المضمونة كانت أكثر جاذبية.
  5. الرسوم الجمركية المرتفعة نسبيًا على المواد الضرورية للإنتاج الصناعي ترفع من كلفة الإنتاج وتنعكس تدنيًا في إنتاجية العمل.
  6. نقص العمالة اللبنانية ذات الكفاءة التقنية بسبب ازدياد أعداد المهاجرين اللبنانيين وخصوصًا من الشباب وعدم الإقبال على التعليم المهني والفني.
  7. قلة ثقة اللبناني بالمنتجات المحلية عمومًا إضافةً إلى تراجع قدرته الشرائية ما يجعل بعض المنتجات الأجنبية تنافس البضاعة الوطنية بسبب تدني أسعارها على الرغم من تدني جودتها.
  8. عدم ضبط عمليات التهريب عبر الحدود بالشكل المطلوب.
  9. إرتفاع كلفة التصدير عبر المرافئ اللبنانية ولاسيما مرفأ بيروت والمطار.
  10. غياب خطة رسمية واضحة لدى الدولة لدعم الصناعة. لطالما اعتبرت الدولة أن الصناعة هي شأن القطاع الخاص والمبادرة الفردية واتخذت سياسة شبه محايدة حيال هذا القطاع. لابد من الإشارة إلى أن الدولة اتخذت مجموعة من التدابير مؤخرًا لدعم هذا القطاع بعد أن لمست حجم التحديات. فقد عملت على تأهيل بعض البنى التحتية وقامت بمسح صناعي وعملت على تخفيض بعض الرسوم الجمركية على الواردات الصناعية وعلى إطلاق مشروع الفعالية التجارية وتقديم بعض الدعم للصادرات الصناعية والمساعدة في تأمين بعض القروض ومشروع دعم الفوائد بنسبة 5%، وتقديم بعض الخدمات الاستشارية وكفالة بعض القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. لكن هذه التدابير غير كافية في ظل اتساع حدةّ المنافسة في العالم وفي داخل لبنان.
     

4. إتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرّة بين لبنان وتركيا

بلغت مستوردات لبنان من تركيا 984.9 مليار ليرة لبنانية في العام 2009 أي حوالى 86.1% من مجمل التبادل بين البلدين. أما الصادرات اللبنانية إلى تركيا فوصلت إلى 311.9 مليار ليرة لبنانية أي 13.9%. أما مجمل الصادرات التركية، فقد بلغت في العام 2009 حوالى 142 مليار دولار مقارنةً بصادرات لبنان التي وصلت إلى 3.484 مليار دولار في العام نفسه. أما حجم الاقتصاد التركي (الناتج القومي) فقد بلغ في العام 2009 حوالى 634 مليار دولار مقابل 42 مليار دولار للبنان. أما من ناحية عدد السكان وفي العام نفسه، عدت تركيا 72 مليون نسمة مقارنة ب5 ملايين في لبنان.

لقد وقّع لبنان مع تركيا سابقًا إتفاقية للتعاون التجاري والاقتصادي والصناعي والتقني والعلمي في 10 تشرين الأول/أكتوبر1991 نصّت على توسيع نطاق السلع المتبادلة والإلغاء التدريجي للمعلومات الإدارية والمالية و تسديد المدفوعات بعملات قابلة للتحويل.

توصّلت الدولتان اللبنانية والتركية مؤخّرًا بعد سلسلة من المفاوضات عقدت بين الطرفين إلى عقد إتفاقية أشمل للشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين الجمهوريتين.

وقّع على هذه الاتفاقية من جانب الحكومة اللبنانية وزير الاقتصاد والتجارة آنذاك الأستاذ محمد الصفدي وذلك في 24 تشرين الثاني/نوفمبر2010. تبقى الإشارة إلى أن الاتفاقية لن تصبح نافذة إلا عند مصادقة مجلس النواب اللبناني عليها.

تهدف إتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين لبنان وتركيا بحسب نص الاتفاقية إلى زيادة التعاون الاقتصادي وتعزيزه بين البلدين وإلى رفع مستوى معيشة الشعبين اللبناني والتركي.

يتم ذلك عبر إزالة الحواجز والقيود الخاصة بتجارة السلع وعبر تنمية علاقات إقتصادية متكافئة بين الطرفين وذلك من خلال زيادة التبادل التجاري بينهما وتوفير ظروف عادلة للمنافسة في التجارة بينهما.

كما أن الاتفاقية تهدف إلى المساهمة في تنمية التجارة العالمية من خلال إزالة الحواجز أمامها وخلق ظروف مناسبة لتشجيع الاستثمارات خاصة تلك المشتركة فى كلا البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، ترمي الاتفاقية إلى تعزيز التجارة والتعاون بين الطرفين فى أسواق الدول الثالثة.
 

حدّدت الاتفاقية الرسوم الأساسية على الشكل الآتي:

  • يعتبر الرسم المطبّق حاليًا والساري المفعول على أراضي البلدين بتاريخ الأول من آب/أغسطس 2010 الرسم الأساسي الواجب أن تطبّق عليه التخفيضات المتتالية المحدّدة في هذه الاتفاقية في ما يتعلّق بكل منتج.
  • في حال طبّقت بعد الأول من آب/أغسطس 2010 أي تخفيضات على التعريفات الجمركية المفروضة على الجميع، وبالأخص تلك الناتجة عن المفاوضات حول التعريفة في منظّمة التجارة العالمية أو عند انضمام لبنان إلى تلك المنظمة، يتم تثبيت هذه الرسوم المخفّضة المطبقة فعليًا وتحلّ محل الرسوم الأساسية المشار إليها إعتباراً من تاريخ تطبيق هذه التخفيضات.
  • يبلّغ كل بلد البلد الآخر عن فئات الرسوم الجمركية الخاصة به.
  • في ما يختص بالتجارة بين البلدين الداخلة في هذه الاتفاقية، يطبّق كل منهما التعريفات الجمركية المعمول بها على تصنيف السلع لديه على الواردات الداخلة إلى أراضيه.
  • كما أوضح نص الاتفاقية أنه اعتبارًا من تاريخ دخولها حيّز التنفيذ:
  • لن تُفرَض رسوم جمركية جديدة على الواردات أو رسوم أخرى ذات أثر مماثل ولا يجوز زيادة تلك المطبقة على التجارة بين الطرفين.
  • تلغى الرسوم الجمركية والرسوم ذات الأثر المماثل على الواردات.
  • تطبّق الأحكام الخاصة بإلغاء الرسوم الجمركية على الواردات على الرسوم الجمركية ذات الطابع المالي أيضًا.
  • لا يجوز إدخال أي رسوم جمركية على الصادرات أو أي رسوم ذات أثر مماثل في التجارة بين الطرفين. كما يجب إلغاء جميع الرسوم الجمركية على الصادرات بين الطرفين وأي رسوم ذات أثر مماثل.
  • بالنسبة لنطاق الامتيازات وتبادلها إلى تطبيق أحكام الاتفاق على المنتجات التي يكون منشؤها إقليم أي من الطرفين، على أن يأخذ بالاعتبار حجم التبادل بين الطرفين للمنتجات الزراعية والمنتجات السمكية والمنتجات الزراعية المصنعة وحساسية هذه المنتجات، لدرس إمكان منح كل منهما الآخر إمتيازات إضافية.
  • لن تفرض أي قيود كمية جديدة على الواردات او الصادرات أو الإجراءات ذات الأثر المماثل على التجارة بين الطرفين.

أجازت الاتفاقية للبنان إتخاذ إجراءات استثنائية لمدة محدودة بزيادة الرسوم الجمركية، على أن يقتصر ذلك على الصناعات الوليدة أو بعض القطاعات التي تخضع لإعادة الهيكلة أو تواجه صعوبات جدية، على أن لا تتعدّى الرسوم الجمركية المفروضة الـ 25% بحسب القيمة، في مدة لا تزيد عن خمس سنوات.

وضعت الاتفاقية أيضًا بعض الإجراءات ضد الإغراق والدعم وإعادة التصدير والنقص الخطير،

وحدّد البروتوكول رقم 3 فيها قواعد المنشأ وطرق التعاون الإداري بهذا الصدد. وكذلك حدّد قواعد المنافسة الخاصة بالمشروعات والمساعدة الحكومية التي تعتبر غير متوافقة مع الأداء الصحيح لهذه الاتفاقية. كما حدّد الاتفاق حقوق الملكية الفكرية وكيفية حمايتها.

أكدت الاتفاقية ضرورة بذل الطرفين كل ما يلزم من جهود لتطوير التعاون الاقتصادي والعلمي والتقني والصناعي والتجاري بينهما، من خلال تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والتقني وتنويعهما بين مؤسساتهما الاقتصادية، على أن تعطي تركيا الأولوية لتزويد لبنان المساعدة التقنية في المجالات الرئيسة للتعاون الاقتصادي. كما وتؤكد الاتفاقية على أهمية دعم المشاريع المشتركة ومبادرات التوأمة والاستثمارات المشتركة بين مؤسسات القطاع الخاص، والتسويق المشترك للمنتجات والخدمات في البلدين.
 

يكون تنفيذ التعاون على الصعيد المعرفي من خلال:

  • التبادل المنتظم للمعلومات والأفكار في القطاعات على اختلافها، نقل المشورة والخبرة الفنية والتدريب، تنفيذ حلقات دراسية وورشات عمل مشتركة، تبادل المعلومات في الميادين الاقتصادية والصناعية والعلمية والتقنية؛ نقل التكنولوجيا والدراية الفنية في صناعات معيّنة، وتقديم المنح الدراسية في مختلف مجالات التعاون التقني والعلمي.


و على الصعيد التسويقي من خلال:

تشجيع مشاريع مشتركة وإنشاؤها، تشجيع المشاركة المتبادلة في المعارض والأسواق، نشر المعلومات حول التعاون، دعم إنشاء شركات تسويق مشتركة تستهدف أسواق البلدين فضلاً عن أسواق بلدان أخرى.


على الصعيد الاستثماري من خلال:

تعزيز العلاقة بين البلدين من خلال توفير جميع السبل المؤاتية للتعرّف إلى فرص الاستثمار وقنوات المعلومات الخاصة بأنظمة الاستثمار، وتشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم المشتركة.


وعلى الصعيد التجاري من خلال:

تنمية التجارة وتنويعها بين البلدين وتحسين قدرتهما على المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية؛ تحديث المختبرات اللبنانية، تفعيل التعاون في مجال الجمارك والمسائل المتعلّقة بالمنشأ، توفير الدعم التقني للملكية الفكرية والصناعية والتجارية والتوحيد القياسي والجودة في لبنان، تبادل المعلومات عن متطلّبات السوق، إنشاء المنظمات المعنية بتنمية التجارة، بما في ذلك وسائل الإعلام، التعاون الإقليمي من أجل تطوير التجارة والبنية التحتية المتصلة بالتجارة والخدمات في بلدان ثالثة، تعزيز التعاون بين جمعيات رجال الأعمال في كلا البلدين.

وقد حدّدت الاتفاقية الحقول الأساسية للتعاون الاقتصادي بالآتي: الصناعة، الزراعة وصيد الأسماك، الخدمات، المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، تنمية التجارة بما فيها التعاون في مجال الأعمال،  النقل، السياحة، البيئة. كما أنها فتحت المجال لاتفاق الطرفين على توسيع التعاون الاقتصادي إلى مجالات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الريّ، والاتصالات، والتعليم العالي، والأعمال المصرفية والمالية، والأشغال العامة، والنقل البحري، وبناء السفن، والتنمية والتخطيط والهندسة والخدمات الاستشارية وغيرها.

الجدير ذكره خصوصًا وأن هذا البحث يدرس تأثير تلك الاتفاقية على الصناعة في لبنان أنها قد أوضحت أن الهدف الرئيس للتعاون الصناعي هو دعم جهود لبنان الرامية إلى تحديث الصناعة وتنويعها من خلال تهيئة بيئة ملائمة للقطاع الخاص وتعزيز التعاون بين الفعاليات الاقتصادية لدى البلدين. كما شدّدت الاتفاقية على ضرورة إعطاء تركيا الأولوية في المساعدات التقنية للبنان للصناعات الوليدة إضافةً إلى القطاعات التي تعاني مصاعب داخلية أو التي تأثّرت بالعملية الشاملة لتحرير التجارة بين لبنان وتركيا.

لحظت الاتفاقية إنشاء مجلس للشراكة يقوم باستعراض التقدّم المحرز في تنفيذ هذه الاتفاقية وينظر بالقضايا الرئيسة التي تنشأ في إطار هذه الاتفاقية وأي قضايا أخرى ثنائية أو دولية ذات اهتمام مشترك. وهو يتكوّن من مسؤولي وممثلي القطاعين العام والخاص من الطرفين. بالنظر إلى تلك الاتفاقية، نجد أنها في حال طبّقت ستفتح أمام لبنان والصناعيين خصوصًا سوقًا جديدًا

وتعطيهم الفرصة لاكتساب مهارات تقنية ومعارف جديدة تعزّز من قدراتهم التنافسية. كما أنه من المتوقّع زيادة حجم الاستثمارات التركية في لبنان وذلك من شأنه توفير التمويل للصناعة المحلية. على صعيدٍ آخر، ستفتح تلك الاسواق باب المنافسة التركية للسلع اللبنانية محليًا.


6- عرض لأبرز نتائج البحث الميداني

لقد قمنا بدراسة مبنية على استمارة مؤلّفة من 14 سؤالاً تم توزيعها على عيّنة مؤلّفة من 200 مؤسسة صناعية في لبنان من أحجام ومجالات صناعية مختلفة من أجل استطلاع رأيهم بتلك الاتفاقية. تم اختيار المؤسسات المشمولة بالبحث بشكل عشوائي ضمن كل مجموعة.

تهدف الأسئلة إلى أخذ فكرة عن حجم التبادل التجاري وطبيعته بين الصناعيين في لبنان وبين تركيا. كما أنها تهدف إلى معرفة رأي الصناعيين في لبنان ببنود الاتفاقية بين لبنان وتركيا وبتأثيرها على الصناعة اللبنانية.

لم تكتف الدراسة بأخذ وجهة نظر الصناعيين بل شملت جمعية الصناعيين أيضًا من خلال مقابلة أجريت مع عدد من أعضاء الجمعية تحدّثوا فيها عن مقاربتهم لتلك الاتفاقية. لإضافة المزيد من المعلومات إلى الدراسة، تم إجراء عدد من المقابلات مع بعض الصناعيين أصحاب المؤسسات الكبيرة الضالعين في مجال التصدير منذ مدة.

قبل عرض نتائج العمل الميداني وتحليله، تجدر الإشارة إلى أن الصعوبة الأبرز التي واجهتنا في أثناء البحث الميداني كانت تردّد بعض أصحاب المصانع في قبول ملء الاستمارة.

تشكّلت العيّنة من مؤسسات صناعية تنتج أصنافًا متعدّدة منها المواد الغذائية، إلكترونيات، الاسمنت، الجلود، الاقمشة و الالبسة، الورق، المعدّات الصناعية وأدوات تجميلية وغيرها من الأصناف. كان المقصود عدم حصر العيّنة بقطاع محدّد للتمكّن من استكشاف ما إذا كان للقطاعات المختلفة وجهة نظر موحّدة حول الاتفاقية أم أن الرأي يختلف باختلاف القطاعات الانتاجية. ستشير الأجوبة اللاحقة إلى أن الرأي لا يختلف جوهريًا بين قطاع وآخر.

تشكّلت العينة بغالبيتها (87%) من مؤسسات صغيرة (20%) و متوسطة الحجم (67%) نظرًا لكون ذلك الحجم الأكثر شيوعًا في قطاع الصناعة في لبنان.

كان لافتًا أن الغالبية الساحقة من المؤسسات المشمولة في البحث لا تستورد موادّ أوّلية من تركيا (67%) ولا تصدّر إنتاجها إليها (92%). يشير ذلك إلى أن الاتفاقية من شأنها أن تفتح لصناعيي لبنان سوقًا جديدًا واعدًا نظرًا لحجم الاقتصاد التركي.

إضافة إلى ذلك، يعتبر معظم الصناعيين (67%) بأن السلع التركية المستوردة لا تشكّل حاليًا مصدر منافسة لانتاجهم.

عند سؤالهم عن كلفة الانتاج في لبنان بالمقارنة مع تركيا وجد 80% منهم بأنها أعلى فيما اعتبر 7% بأنها مماثلة بينما قدّر13% منهم فقط بأنها أدنى. يفتح ذلك السؤال النقاش حول أهمية تلك الاتفاقية من ناحية تأثيرها وتأثّرها بكلفة الانتاج و قدرة لبنان على الإفادة منها.

تعتبر معظم النظريات الاقتصادية بأن القدرة التنافسية للدول ذات كلفة الانتاج العالية أقل من تلك التي تمتلكها الدول القادرة على خفض كلفة الانتاج إلى مستوياته الأدنى.

تأتي المفاجأة حين يجيب 43% (أي أكثر من ثلث العينة) بعدم معرفتهم بوجود اتفاقية للتجارة الحرة بين لبنان وتركيا. يفتح ذلك النقاش حول مدى مشاركة الصناعيين اللبنانيين بصوغ بنود تلك الاتفاقية

وما إذا كانت المفاوضات قد تمّت بمعزل عنهم، نتساءل أيضاً عن حظوظ لبنان للإفادة من تلك الاتفاقية في حال كان الشريك الأبرز ( الصناعي اللبناني) غير مدرك لتفاصيلها لكنه لا يعلم بوجودها أصلاً.

نضيف فنقول بأن الأغلبية (57%) لا تتوقّع زيادة لحجم صادراتها إلى تركيا نتيجة لتلك الاتفاقية أي إنها غير مقتنعة بجدواها. قد يكون عدم معرفة تلك المؤسسات بوجود تلك الاتفاقية وبالتالي عدم الاطلاع على تفاصيلها سببًا أساسيًا يجعلهم غير مقتنعين بجدواها. تأتي تلك الاتفاقية لمن يجهل تفاصيلها مجهولاً يطرح تغييرًا ما وينتج عنه مقاومة كما يحدث إزاء كل جديد (resistance to change).

إذًا، لا يؤمن معظم من شملهم البحث بتأثير تلك الاتفاقية إيجابا على صادراتهم لتركيا ولكن أكثريتهم (68%) تخاف آثارها السلبية وأبرزها زيادة حجم المنافسة المحلية بسبب زيادة حجم الواردات التركية.

يعتقد الأغلب، وهم الذين أجابوا بالنفي حين سئلوا عن وجود منافسة للبضائع التركية في لبنان حاليًا، بأن تلك الاتفاقية ستفتح مستقبلاً باب المنافسة التركية داخل لبنان.

تظهر الإجابات في الرسم البياني الثاني أن الصناعيين مهتمّون بشكل أساسي بمنحهم إعفاءات ضريبية للارباح على صادراتهم ودعم تلك الصادرات ليتمكّنوا من الوقوف بشكل متكافئ أمام المنافس التركي.

تتوضّح الفكرة أكثر حين نرى بأن الصناعي اللبناني يطالب بشكل أساسي بتخفيض تدريجي للرسوم الجمركية على السلع وبضرورة تأليف لجان فنية مشتركة لتحديد مواصفات السلع. بالعودة إلى نص الاتفاقية وإلى المراسلات التي تمّت بين وزارة الاقتصاد والتجارة وبين جمعية الصناعيين في لبنان نجد أن أكثر المتضررين من الاتفاقية بحسب الجمعية هي مصانع الالبسة والجلود والصناعات الغذائية والورقية. كانت الجمعية قد طالبت بإدراج 350 سلعة ضمن اللائحة الثالثة في الاتفاقية التي تبحث في إعفائها من الرسم الجمركي تدريجيًا من العام 2015 وحتى العام 2020. لكن الاتفاقية أدرجت 300 سلعة من ال350 فقط وأسقطت 50 منها.

الجدير ذكره أن الصناعيين اللبنانيين بغالبيتهم يعتقدون بأن لديهم ما يكفي من المواصفات في مجالات البيئة والتعليب والتوضيب والحوكمة من أجل المنافسة في تركيا. وهم إذًا غير خائفين من مواجهة معوقات في هذه المسائل.

يعود الرسم البياني الأخير ليذكّرنا بطلب الصناعي اللبناني من الدولة دعم صادراته لأنه يخشى من تلقّي الصناعي التركي دعمًا من حكومته يجعله أكثر قدرة على المنافسة.

تجدر الاشارة إلى أن الدولة التركية تمنح الصناعي التركي نسبة من قيمة الصادرات كانت تتراوح بين 17%- 35% و أصبحت في العام 2009 بين 21% و 28% حسب القيمة المضافة للسلعة المصدرة. كما إنها تقدّم له منحة كاملة تغطّي تكاليف المعارض خارج تركيا وتحتسب كامل قيمة أجور تدريب العمال أو نفقات استقدام الخبراء من ضريبة الدخل. كما أنها تقدّم إعفاءات ضريبية لضريبة الدخل على الأرباح حسب المناطق تصل إلى سبع سنوات. إضافة إلى ذلك، تعفي الدولة التركية الصناعيين من كامل الضرائب ورسوم الصادرات وتشمل ضريبة الدخل على الأرباح، التأمينات الاجتماعية للعمال، وجميع الرسوم المترتبة في تركيا. كما أنها تقدّم تسهيلات للقروض الممنوحة للصناعيين تشمل الإعفاء من الدفع أول عامين بضمان الدولة عند التخصيص بالأرض وتقديم جدوى إقتصادية للمشروع. هذا بالإضافة إلى تخفيض قيمة استجرار الكهرباء والماء للصناعيين داخل المناطق الصناعية يوازي نسبة الصادرات من إجمالي الإنتاج. تقدّم الدولة التركية أيضا للصناعيين حسومات في أثناء السفر على التذاكر وخدمات المطار والمطاعم وتلغي الرسوم البلدية المحلية للمؤسسات التي تصدّر أكثر من 50% من إنتاجها.

يعتقد معظم الصناعيين المشمولين بالبحث (57%) بأن الاتفاقية غير منصفة بحقّهم مقابل (37%) ممن هم مقتنعون بإنصافها. إن ذلك مؤشر إلى واحد من أمرين: إما أن تكون الاتفاقية قد وضعت من دون إشراك الصناعيين اللبنانيين في مراحل التفاوض و الصياغة، أو إن قلة قليلة قد تتمثّل بجمعية الصناعيين قد شاركت و لكن تفاصيل تلك الاتفاقية وجدواها لم تعمّم على صناعيي لبنان.

لابد من الإشارة إلى أن الصناعيين المشمولين بالبحث لم يذكروا نهائيًا أموراً واردة في الاتفاقية مثل المساعدات التقنية التي سوف تقدّمها تركيا للصناعيين في لبنان على مستوى التدريب، تبادل الأفكار والخبرات والمعلومات، قواعد المنشأ، والمنح الدراسية إضافة إلى إقامة المشاريع المشتركة، التمويل، والمشاركة في المعارض التسويقية المشتركة.

7- قراءة مدلولات البحث الميداني وتحليلها

نقول بداية أن العولمة قد جعلت إتفاقيات التجارة المشتركة واقعًا لا يمكن تجاهله. لقد أظهرت الدراسة الميدانية أنه علينا التنبه أن لتلك الاتفاقيات إيجابيات يجب العمل على الإفادة منها وسلبيات لابد من العمل على تفاديها.

من أبرز إيجابيات تلك الاتفاقيات تحقيق أهداف تحرير التجارة على مستوى جغرافي معيّن وزيادة تماسك العلاقات الاقتصادية بين بعض الدول. كما أنها تعطي قطاعات الأعمال نفاذًا أكبر للأسواق العالمية وتحضّرها تدريجيًا للمنافسة العالمية وتساهم في توحيد فضاء الاقتصاديات المتناثرة. إن الاتفاقيات الثنائية أكثر جاذبية من تلك المتعدّدة الأطراف لأنها تلتزم إلغاء التعرفة الجمركية بدلاً من تخفيضها تدريجيًا مما يعني إمكان خلق مصالح أكبر وهي جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.

وعلى الرغم من إيجابيات تلك الاتفاقيات، لابد من التنبه إلى آثارها السلبية في حال وجود عدم تكافؤ بين الدول المشاركة إذ إنها قد لا تخدم الدول ذات القدرات التفاوضية الضعيفة وقد تخلق عدم عدالة في العلاقات التجارية بين الطرفين. كما أن تعدّد تلك الاتفاقيات يخلق تشابكًا في المصالح نظرًا لتباين الالتزامات خصوصًا بين الدول النامية والأقل نموًا.

يتخوّف الصناعيون في لبنان من عدم إنصاف الاتفاقية بحقّهم خصوصًا وإن تركيا تدعم القطاع الصناعي فيها و يعتبرون أن أكثر القطاعات تضرّرًا هي مصانع الألبسة والجلود والصناعات الغذائية والورقية.

نظرًا للآثار المترتبة من جراء هذا النوع من الاتفاقيات على النظام التجاري، يوصى بإيجاد تنظيمات واضحة داخل قطاعات الأعمال وتعريفها أكثر بالاتفاقيات التجارية إذ إنها المعني الأول بنتائجها.

لقد أظهر بحثنا الميداني أن نسبةً لا يستهان بها من الصناعيين غير مدركة لوجود تلك الاتفاقية. لذلك لابد من تفعيل دور الغرف التجارية والصناعية لتضطلع بدورٍ حيويٍ في زيادة فاعلية العلاقة بين قطاع الأعمال والحكومات في مجال الاتفاقية التجارية. من المهم أيضًا ألا تبقى المفاوضات التجارية قبل عقد أي إتفاقية من هذا النوع محصورة بالحكومات بل أن تشرك بعملية التفاوض الهيئات الاقتصادية المعنية لتؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار وليكونوا أكثر إلمامًا بتفاصيل الاتفاق وبالتالي أكثر جهوزيةً للإفادة منه.

من أبرز التحديات التي ستواجهها الصناعة اللبنانية جراء تلك الاتفاقية إشتداد ضغط تدفّق السلع الصناعية التركية إلى لبنان وزيادة حدة المنافسة في السوق اللبنانية. لذلك فإن تقوية القدرات التنافسية للصناعة اللبنانية أصبحت حاجة ملحة لمنع انهيارها.

من النتائج المباشرة لهذه المنافسة دفع المؤسسات والفروع الضعيفة إلى الإفلاس وإغلاق أبوابها وتسريح عمالها مما يزيد من نسبة البطالة ويساهم في تراجع المداخيل والناتج الوطني.

أما التحدي الثاني فهو رفع القدرة التنافسية للسلع الصناعية اللبنانية في السوق الداخلية وفي الأسواق الخارجية. يتوقف ذلك على زيادة إنتاجية العمال وتخفيض كلفة الإنتاج.

يمكن ذلك عبر تنظيم القطاع ومؤسّساته وتعزيز الابتكارات التكنولوجية والإدارية التي تسمح بتخفيف الكلفة وزيادة الانتاجية. تلك أمور تتعلّق بالقطاع الخاص ومبادراته و يمكن للدولة أيضًا أن تؤدّي دورًا مهمًا في هذا السياق.

من المهم في هذا الإطار أن تجعل الدولة البرامج التعليمية والتدريبية في لبنان متوافقة مع حاجات سوق العمل. كما على القطاع الخاص البحث عن الأسواق الخارجية التركية خصوصًا من أجل تخفيف الضغط على السوق الداخلية لذلك يجب تطويرالسياسات التسويقية في الخارج كما في الداخل.

يصبح في ضوء هذا النوع من الاتفاقيات تأمين الاستثمارات والتكنولوجيا من أبرز اهتمامات القطاع الخاص والدولة معًا. كما تطرح مسألة الخيارات الاقتصادية والسياسات الحكومية وتحديد دور لبنان في التقسيم الدولي للعمل وإحداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد اللبناني. لقد أظهر المسح الصناعي سيطرة المؤسسات الصناعية الصغيرة على القطاع. لا يمكن لمؤسسات بهذا الحجم أن تؤمّن قدرة تنافسية لأنها لا تستطيع أن تستفيد من أثر وفورات الحجم (economies of scale). هناك حاجة إذًا لإعادة هيكلة هذه المؤسسات باتجاه دمجها.

يبرز في هذا السياق دور جمعية الصناعيين وهي مدعوة أيضًا لتعميم ثقافة التصدير لدى الصناعيين وإعطاء مسألة الحصول على التسليفات الميسّرة إهتمامًا أكبر والتركيز على أهمية البحث الصناعي والعلمي واعتبار الشأن البيئي من الأولويات المهمة لكسب ثقة اللبنانيين بصناعتهم. ويمكن لجمعية الصناعيين أيضًا أن تعزّز علاقاتها مع جمعيات الصناعيين ورجال الأعمال في تركيا من أجل تعزيز الشراكة بين الطرفين.

لا يستطيع القطاع الخاص النجاح وحيدًا في مهمة تحصين الصناعة اللبنانية وزيادة قدرتها التنافسية تجاه الصناعة الأجنبية عمومًا والتركية خصوصًا. لابد من دور للدولة في هذا المجال لأن القدرة التنافسية للصناعة اللبنانية تتعلّق بالوضع الاقتصادي العام، فالمناخ الاستثماري في البلد مرتبط باستقراره السياسي والاجتماعي والمالي.


المراجع

  • د. بسام الحجار، "العلاقات الاقتصادية الدولية "، دار المنهل اللبناني، بيروت 2003 .
  • "تطور بنية الاستيراد ووجهة الاستعمال"، 1996 - 1998، إدارة الإحصاء المركزي، آب/أغسطس 1999.
  • جاسم محمد،"التجارة الدولية"، طبعة 4، دار زهران للنشر والتوزيع، 2013
  • جورج سورس، "جورج سورس والعولمة"، مكتبة العبيكان - الرياض، 2003.
  • جوزيف أ. ستينغليتز، "خيبات العولمة"، ترجمة دار الفارابي، بيروت، 2003.
  • د. محمد عيسى عبدالله، د. موسى ابراهيم، "العلاقات الاقتصادية الدولية"، دار المنهل اللبناني، 1998
  • عبد الهادي يموت، "الاقتصاد اللبناني والآفاق الشرق أوسطية والعولمة"، طبعة 1، إتحاد المصارف العربية، 2007
  • "عزيمة الماضي - واقع الحاضر - وآفاق المستقبل"، ورقة عن لجنة صناعيي الغد، بيروت، تشرين الثاني/نوفمبر 1998.
  • "قراءة في مشروع الشراكة المتوسطية"، المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، بيروت 1997.
  • د. محمد بن عبدالله الجرلح، د. حمدين سليمان البارعي، "الاقتصاد الدولي النظرية والسياسة"، دار الزهراء للنشر والتوزيع الرياض، المملكة العربية السعودية.
  • محمد غول، "التجربة النهضوية التركية (كيف قاد حزب العدالة و التنمية تركيا الى التقدم؟)"، طبعة 1، مركز نماء للبحوث و الدراسة، 2013
  • مركز دراسات الوحدة العربية، "الاقتصادات العربية وتناقضات السوق والتنمية"، بيروت، لبنان شباط/فبراير 2005.
  • د.منير الحمش، "الحوار العربي التركي بين الماضي والحاضر"، بيروت، لبنان دار النهار 2010 .
  • مهدي الحافظ، "الشراكة الاقتصادية العربية - الأوروبية (تجارب وتوقعات)"، باريس 1999.
  • ميشال مرقص، "الصناعة اللبنانية، العبور إلى الألفية الثالثة"، بيروت، 2001.نص الاتفاقية الموقع من الجانبين اللبناني والتركي.
  • هانيش كرامر، ترجمة فاضل جتكر، الرياض، المملكة العربية السعودية 2001 .
  • Aggarwal, Aradhna (2001), “Liberalisation, multinational enterprises and export performance: Evidence from Indian manufacturing”, Working Paper No. 69, New Delhi Council for Research on International Economic Relations.
  • Anand. R. and S. Van–Wijnbergen,,1989 “Inflation and the Financing of Government Expenditure: An Introductory with an Application To Turkey”, World Bank Economic Review, 3 (1), January, pp.17-38
  • Bagwell. K. & Staiger. R. (2004), “The Economics of the World Trading System”, MIT Press Books, The MIT Press, edition 1, volume 1, number 0262524341.
  • Bayoumi. T. David T. Coe, and Elhanan Helpman (1999), “R&D spillovers and global Growth”, Journal of International Economics, vol. 47, pp. 399-428.
  • Berry. A. and Brian L. (1994), “Indonesia’s small and medium-size exporters and their support systems”, Policy Research Working Paper 1402. Policy Research Department, Finance and Private Sector Development Division, World Bank, Washington, D.C.
  • Bonaccorsi. A. (1992). “On The relationship between firm size and export intensity”, Journal of International Business Study, vol. 23, No. 4, pp. 605-35.
  • Cadot. O. & De Melo, J. & Olarreaga, M., (1996), “Regional Integration and Lobbying for Tariffs Against Non-Members”, University of Geneva Economics Working Papers 96.07, University of Geneva, Department of Political Economy.
  • Falvey. A. and C.D. Kim (1992), “Timing and sequencing issues in trade liberalization”, The Economic Journal, vol. 102, pp. 908-924.
  • Gatcell. C., Paavo M., Perman, J. and Rempel, J. (2005), “Apparel manufacturing in El Salvador: A post-quota strategy for competitiveness”.
  • Gene M Grossman & Helpman, Elhanan, (1994), “Protection for Sale”, American Economic Review, American Economic Association, vol. 84(4), pages 833-50, September.
  • Gene M Grossman & Helpman, E., (1992), “Protection for Sale”, Papers 162, Princeton, Woodrow Wilson School - Public and International Affairs. Gereffi, Gary, and Olga Memedovic (2003), “The global apparel value chain: What prospects for upgrading by developing countries?”, Sectoral Studies Series, United Nations Industrial Development Organization (UNIDO), Vienna, Austria.
  • Goldberg, P. & Maggi, G. (1999), “Protection for Sale: An Empirical Investigation”, American Economic Review, American Economic Association, vol. 89(5), pages 1135-1155, December.
  • Humphery, J. (2003), “Opportunities for SMEs in developing countries to upgrade in the global economy”, International Labor Organization SEED Working Paper 43, Geneva, ILO.
  • IADB, (2005), “The emergence of China: Opportunities and challenges for Latin America and the Caribbean”, Draft paper for discussion, Integration and Regional Programs Department, Inter-American Development Bank, Washington, DC.
  • ITC (2006), “Improving competitiveness of the clothing industry in Central America”, Project proposal. International Trade Center (ITC), UNCTAD/WTO, Geneva Switzerland.
  • Kaplinsky. R., M. Morris and J. Readman, (2002), “The globalization of product markets and immiserising growth: Lessons from the South African furniture industry”, World Development, vol. 30, No. 7, pp. 1159-1178.
  • Khor. M., (2008), “Bilateral and Regional Free Trade Agreements”, TWN
  • Kyvik. Nordas, Hildegunn, (2004), “The global textile and clothing industry post the agreement on textiles and clothing”, World Trade Organization Discussion Paper No. 5, Geneva.
  • Lopez J, and Malaga J., (2004), “The uncertain future of the Mexican market for U. S. cotton: Impacts of the elimination of textile and clothing quotas”, Western Economics Forum 3 (2), December.
  • Mesquita Moreira, Mauricio, (2006), “Fear of China: Is There a Future for Manufacturing in Latin America?”, World Development 35(3): 355-376.
  • Morley, S. (2006), “Trade Liberalization under CAFTA: An Analysis of the Agreement with special reference to agriculture and smallholders in Central America”, DSGD Discussion Paper No. 33, Development Strategy and Governance Division, IFPRI, Washington, DC.
  • Morley S. and Pineiro V., (2007), “The impact of CAFTA on Employment, Production and Poverty in Honduras”, Paper prepared for the Economic Commission for Latin America and the Caribbean (ECLAC), International Food Policy Research Institute (IFPRI), Washington, DC.
  • Morley S. and Pineiro V., (2007), “The impact of CAFTA on poverty, Distribution and Growth in EL Salvador”, Paper prepared for the Economic Commission for Latin America and the Caribbean (ECLAC), International Food Policy Research Institute (IFPRI), Washington, DC
  •  Nordas, Hildegunn Kyvik, (2004), “The global textile and clothing industry post the agreement on textiles and clothing”, WTO Working Paper No. 5, Geneva, Switzerland.
  • Report on industry in Lebanon”, 1998-1999, Statistics and Finding, Ministry of industry.
  • Rivera-Batiz, L. & Oliva, M., (2004), “International Trade: Theory, Strategies, and Evidence”
  • Rodrik, D. 1986, “Tariffs, subsidies, and welfare with endogenous policy”, Journal of International Economics, Elsevier, vol. 21(3-4), pages 285-299, November.
  • Tewari, Meenu, (2001), “The challenge of reform: How Tamil Nadu s textile and apparel industry is facing the pressures of liberalization”, paper prepared for the center for International Development, Harvard University, and Cambridge, MA.
  • Wonnacott, P. & Wonnacott, R., (1992), “The Customs Union Issue Reopened”, The Manchester School of Economic & Social Studies, University of Manchester, vol. 60(2), pages 119-35, June.
  • World Bank, (1995), “Turkey Country”, Economic Memorandum, Volume 1 and II, “World Bank Report No, 15076 TU, (Washington, Nov.).
 

[1]-     العلمي، د. فواز، "مجلة الإقتصادية"، تشرين الأول/أكتوبر 2006، عدد 27\10

Partnership agreement to establish a free trade zone between Lebanon and Turkey

The cooperation and integration between countries in the framework of international and regional coalitions are considered among the most important issues raised today in international economic relations. The discussion starts by tackling the importance of international trade in the national economy and defines regional trade agreements in addition to explaining the cause of their increase recently. Afterwards, the discussion continues with the study of the regional trade agreements effects on the trade order while highlighting the most notable recommendations in the field. This part is followed by an explanation for the role of the GAT agency and the international trade agency in light of the international economic relations. The discussion focuses later on the historic transition of the Turkish economy in the year 2001 due to the implementation of political and economic reforms especially in the field of industry. It’s an essential display that will enable us later to study the agreement’s effect on Lebanese industry. Another display shows the current state of Lebanese industry and its main handicaps. The study also features the details of the partnership agreement set to establish of a free trade zone between the Lebanese and Turkish republic. This is followed by an analysis for the results of the field research conducted to perceive the opinion of Lebanese industrialists concerning the agreement’s impact on their industries. The study is concluded by proposing a number of steps aimed at strengthening the Lebanese industry and making it more competitive and taking advantage of this agreement.

Accord de partenariat pour établir une zone de commerce libre entre le Liban et la Turquie

La coopération et la complémentarité entre les pays dans le cadre des blocs régionaux ou internationaux constituent aujourd’hui un des moyens les plus importants au niveau des relations économiques internationales. La recherche évoque tout d’abord l’importance du commerce international dans l’économie nationale, puis définit les accords du commerce régional et explique les raisons de son expansion qui a eu lieu récemment. La recherche met ensuite l’accent sur l’influence des accords du commerce régional sur le système commercial. Cette partie est suivie par une explication du rôle de l’organisation GAT et de l’organisation du commerce international, à l’ombre des relations économiques internationales. La recherche souligne  le changement historique de l’économie turque qui a eu lieu en 2001, suite aux réformes politiques et économiques qui furent appliquées, surtout dans le secteur de l’industrie. Il s’agit d’un exposé nécessaire pour pouvoir ensuite étudier l’influence de l’accord sur l’industrie libanaise. La recherche évoque ensuite l’industrie au Liban dans son état actuel, et les obstacles les plus notables qui entravent son développement. Le chercheur insiste après sur les détails de l’accord de partenariat pour établir une zone de commerce libre entre les deux Républiques Libanaise et Turque. Cela sera suivi par une analyse des résultats de la recherche qui a eu lieu sur le terrain, afin de savoir l’opinion des industriels au Liban, concernant l’influence de cet accord sur leurs industries. La recherche sera conclue par certaines démarches qui pourront appuyer l’industrie libanaise et la rendre plus apte à bénéficier de cet accord.