نحو حياة أفضل

إدمان الشاشات في العصر الرقمي
إعداد: ميا روفايل

عادات يومية... وعواقب خطيرة

 

”الوقاية تبدأ من الوعي، سواء لدى الأفراد أو الأهل، ويُعد تنظيم وقت استخدام الشاشات ووضع قواعد واضحة ومحددة داخل المنزل خطوة أساسية في هذا الإطار.“

يُقصد بإدمان الشاشات الانشغال المفرط والمستمر بالأجهزة الرقمية مثل الهواتف الذكية، الحواسيب، الأجهزة اللوحية، والتلفاز، إلى حدّ يؤثر سلبًا على مختلف جوانب الحياة اليومية، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، الأداء الدراسي أو المهني، والصحة النفسية والجسدية. يصبح الشخص في هذه الحالة غير قادر على تقليص وقت استخدامه للشاشات، رغم إدراكه للآثار السلبية لذلك، ويشعر بالقلق أو الانزعاج عند الانفصال عنها.

 

ما هو الإدمان؟

الإدمان هو حالة من الاعتماد النفسي أو الجسدي على مادة أو سلوك. قد يكون إدمانًا على الكحول، المخدرات، أو حتى سلوكيات معينة. يرى خبراء السلوك أن أي نشاط قادر على تحفيز الدماغ يمكن أن يتحول إلى إدمان إذا خرج عن السيطرة وتحول إلى عادة قهرية تؤثر سلبًا في حياة الفرد.

يتجلّى الإدمان السلوكي في أشكالٍ متعددة، من أبرزها القمار، العلاقات الجنسية القهرية، الاستخدام المفرط للإنترنت، الإفراط في مشاهدة التلفاز، الانغماس في ألعاب الفيديو، تناول الطعام بطريقة غير متوازنة، أو الانشغال القهري بالتسوّق والمشتريات.

وغالبًا ما تترافق حالات الإدمان السلوكي مع مجموعة من الأعراض الشائعة على المستوى النفسي، الاجتماعي، الجسدي والعقلي. فمن الناحية النفسية والسلوكية، يعاني الفرد من فقدان السيطرة، ورغبة شديدة ومتكررة في ممارسة السلوك القهري، مع الاستمرار فيه رغم إدراك العواقب السلبية. أما على الصعيد الاجتماعي، فتظهر آثار الإدمان في توتر العلاقات مع الآخرين، وتراجع الأداء في العمل أو الدراسة، إضافة إلى الشعور المتزايد بالوحدة والعزلة. جسديًا، قد يعاني الشخص من تعب مزمن، إهمال في النظافة الشخصية، وتغيّرات واضحة في الوزن. وعلى المستوى العقلي، تبرز صعوبات في التركيز، وضعف في الذاكرة، إلى جانب تبنّي توقعات غير واقعية أو أوهام يصعب فصلها عن الواقع.

 

تداعيات نفسية وجسدية

أظهرت دراسات حديثة أن الإدمان على ألعاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي يرتبط بارتفاع خطر الانتحار بين المراهقين، خصوصًا في الفئة العمرية ما بين 13 و18 عامًا، إذ يؤدي هذا النوع من السلوك إلى تدهور الصحة النفسية، الشعور بالعزلة، وفقدان المعنى في الحياة الواقعية.

ولا يقتصر أثر الإدمان السلوكي على الجوانب النفسية والاجتماعية فقط، بل يتعدّاها ليطال الصحة الجسدية والنفسية على المدى الطويل. فغالبًا ما يعاني المصابون انخفاضًا في الثقة بالنفس، تقلبات في المزاج، وصعوبة في اتخاذ القرارات. كما أن الاستخدام المفرط للشاشات، لا سيما في ساعات المساء، يعيق إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، مما يؤدي إلى الأرق واضطراب النوم. وهذا بدوره يؤثر سلبًا على التركيز، والقدرة على التعلّم، ويزيد من الشعور بالتعب والإرهاق خلال النهار.

إلى ذلك، يتسبّب هذا النمط السلوكي في ارتفاع مستويات التوتر والقلق نتيجة زيادة إفراز هرمونَي الأدرينالين والكورتيزول. وقد بيّنت الدراسات وجود علاقة بين الاستخدام المفرط للشاشات وازدياد أعراض الاكتئاب والقلق لدى المراهقين، بالإضافة إلى تأثيرات محتملة على تطوّر الدماغ في مرحلة النمو، لا سيما في المناطق المسؤولة عن اتخاذ القرار وتنظيم الانفعالات.

 

نصائح لتجنّب الإدمان على الشاشة

- تحديد جدول زمني لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، على ألّا يتجاوز الاستخدام اليومي ساعتين إلى أربع  كحدٍ أقصى.

- تعزيز الأنشطة الرياضية مثل المشي، الركض أو ركوب الدراجة.

- تعزيز الحياة الاجتماعية من خلال زيارة الأقارب أو الأصدقاء أوالمشاركة في ورش عمل فنية أو موسيقية.

- حذف التطبيقات المشتّتة للانتباه.

- تخصيص وقت محدد لمراجعة الرسائل والإشعارات.

- التوقّف عن استخدام الشاشات أقلّه نصف ساعة قبل النوم.

 

دور الأهل

الوقاية تبدأ من الوعي، سواء لدى الأفراد أو الأهل. ويُعد تنظيم وقت استخدام الشاشات ووضع قواعد واضحة ومحددة داخل المنزل خطوة أساسية في هذا الإطار. من المفيد تخصيص فترات زمنية خالية تمامًا من الأجهزة الإلكترونية، وتشجيع الأبناء على الانخراط في أنشطة بديلة تنمّي مهاراتهم وتُعزّز تفاعلهم الاجتماعي. كما يمكن الاستعانة ببعض الأدوات التقنية للمراقبة الأبوية، إلى جانب تفعيل إعدادات الخصوصية التي تسهم في حماية الأطفال من المحتوى غير المناسب. ومن المهم أن يكون هناك حوار دائم بين الأهل وأطفالهم حول تجاربهم الإلكترونية، والتحديات التي يواجهونها، وسبل التعامل مع المواقف غير المريحة أو الخطيرة التي قد يتعرضون لها على الإنترنت.

في النهاية، يبقى الأهل النموذج الأول الذي يحتذي به الأطفال. لذا، فإن التوازن في استخدام التكنولوجيا من قبل الكبار، يشكّل خطوة أولى في حماية الجيل الصاعد من الإدمان السلوكي بأشكاله شتى.

 

المراجع

1. الجمعية الأميركية للطب النفسي. (2013). الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (الطبعة الخامسة). واشنطن: منشورات الجمعية الأميركية للطب النفسي.

2. أندرياسن، س. س.، و باليسن، س. (2014). إدمان مواقع التواصل الاجتماعي – نظرة عامة. التصميم الدوائي الحالي، 20(25)، 4053–4061. https://doi.org/10.2174/13816128113199990616

3. كوس، د. ج.، و غريفيثس، م. د. (2015). إدمان الإنترنت لدى المراهقين: الانتشار وعوامل الخطر. سلوك الإنسان والحاسوب، 29(5)، 1987–1996. https://doi.org/10.1016/j.chb.2012.05.014

4. منظمة الصحة العالمية. (2018). اضطراب الألعاب الإلكترونية. تم الاسترجاع من

https://www.who.int/news-room/questions-and-answers/item/gaming-disorder

5. توينج، ج. م.، و كامبل، و. ك. (2018). العلاقة بين وقت الشاشة وتدني الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين: دليل من دراسة سكانية. تقارير الطب الوقائي، 12، 271–283.

https://doi.org/10.1016/j.pmedr.2018.10.003

6. جنتيلي، د. أ.، وولش، د. أ.، و فوستر، س. ل.، و شاو، س. ك.، و مور، م. (2011). إدمان ألعاب الفيديو المرضي وتأثيره على الأداء الأكاديمي والاجتماعي لدى الأطفال والمراهقين. مجلة علم نفس الطفل السريري والسلوك التطبيقي، 38(4)، 707–715.

7. المعهد الوطني لتعاطي المخدرات (NIDA). (2018). تأثير الإفراط في استخدام الشاشات على النوم والمزاج ونمو الدماغ لدى المراهقين. بالتعاون مع مجلة Scholastic. تم الاسترجاع من https://nida.nih.gov/sites/default/files/NIDA_YR18_INS3_ACTION_StuMag_2pg_508.pdf

8.Headspace. (2023). لماذا حان الوقت لترك الهاتف قبل النوم.

تم الاسترجاع من بتاريخ 16 نيسان 2025.

9. هي، جينغ-وين، تو، تشي-هاو، شياو، لي، سو، تونغ، تانغ، يون-شيانغ. (2020). تأثير الحد من استخدام الهاتف المحمول قبل النوم على النوم، واليقظة، والمزاج، والذاكرة العاملة: تجربة عشوائية أولية. بلوس وان، المكتبة العامة للعلوم، 15(2)، e0228756. تم الاسترجاع من بتاريخ 16 نيسان 2025.

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7010281/

* مسؤولة الرصد والتقييم والمنح في جمعية CDLL