بأم العين

إشكالية الحدود الشمالية الشرقية: صعوبة السيطرة وسهولة التسلل...
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تطوّرات الأحداث في غزة وتداعياتها على لبنان لم تحجب عن اللبنانيين الأزمة الوجودية التي يعانيها وطنهم في ظل موجة النزوح السوري غير المسبوقة عبر الحدود الشمالية والشرقية، فالكل يعلم مدى خطورة هذا الأمر اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا.

 

حين نتحدّث عن المعابر غير الشرعية ومكافحة تهريب الأشخاص والبضائع عبر الحدود، من السهل جدًّا إلقاء اللوم وتراشق المسؤوليات واتهام هذه الجهة أو تلك بالتقصير... ولكن الخلاصة الحقيقية التي تحاول المؤسسة العسكرية التنبيه إليها في مختلف الأزمات، هي أنّ بلدنا يحتاج إلى تضافر الجهود بين كل المعنيّين، من المواطن وحتى أعلى سلطة، من أجل التغلّب على كل ما يهدّد أمنه وأمانه!

في ظل تدهور الأوضاع، ومع ارتفاع نسبة التسلل عبر الحدود الشمالية من قبل النازحين السوريين والتوقيفات التي تطال المئات منهم من قبل عناصر الجيش اللبناني، كان من الضروري إلقاء الضوء على الدور الذي يقوم به الجيش في هذا الإطار، والإجابة عن تساؤلات الرأي العام حول هذا الموضوع وحيثياته من خلال الإعلام. وقد بادرت مديرية التوجيه إلى تنظيم جولة ميدانية على الحدود الشمالية دعت إليها وسائل الإعلام، ليتمكنوا من معاينة الوضع على الأرض بأمّ العين والاطلاع عن قرب على التحديات التي تواجه الجيش في مهماته على هذه الحدود.

شاركت في الجولة حوالى 50 وسيلة إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة، محلية وإقليمية وعالمية، وكانت نتيجتها عشرات التقارير والمقالات التي أجمعت على أنّ المؤسسة العسكرية تعمل بأقصى طاقاتها في هذه المهمة من دون أي تقصير، وأنّ المطلوب تعاون مختلف الجهات لمعالجة هذه المشكلة الوجودية التي تشكّل خطرًا على مستقبل لبنان.

 

"مشوار بيحرز"!

رحلة لأكثر من ساعتَين ونصف للوصول إلى ثكنة سيمون شاهين في شدرا - عكار (قيادة فوج الحدود البرية الأول)، حيث كانت نقطة الالتقاء. "مشوار بيحرز" بالنسبة إلى الباحثين عن الحقيقة، لينقلوا مشاهداتهم الميدانية... إذ لا يستطيع أيٌّ كان الوقوف أمام النهر الكبير الجنوبي الذي يجتازه يوميًّا بخطوات قليلة مئات المتسلّلين (نازحين غير شرعيين) ليدخلوا إلى الأراضي اللبنانية. وليس من الممكن لأيٍّ كان وفي أي وقت أن يقف في أعلى برج مراقبةٍ للجيش، ورؤية مشهد التهريب كاملًا أمامه عبر مناظير عسكرية!

في ثكنة فوج الحدود البرية الأول عُرض إيجاز حول أعمال التسلل غير الشرعي إلى الأراضي اللبنانية من قبل النازحين السوريين، والإجراءات التي تتخذها وحدات الجيش للحدّ منها، والحاجات الضرورية لتعزيز هذه الإجراءات... فعملية الدخول إلى لبنان خلسة أو بواسطة المهربين تحصل بشكل يومي وبوسائل وطرق مختلفة جديدة وغريبة. من الآليات التي تُصنع فيها مخابئ غير ظاهرة، إلى صهاريج الغاز، والمخابئ تحت حمولات الحجارة أو تحت فرش السيارات...

يحبط الجيش يوميًا العديد من محاولات التسلّل عند الحدود اللبنانية – السورية، ويتم التصرف معهم وفق موجبات القانون الدولي الإنساني، مع الإشارة إلى أنّ غالبية الذين يحاولون الدخول خلسة هم شباب تراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة.

بعد الإيجاز، توجّهت الباصات التي تقلّ الإعلاميين، ترافقهم آليات تابعة للجيش اللبناني، نحو معبر وادي خالد غير الشرعي المعروف بوادي "أبو جحاش" أو "الشركة المتحدة". وهنا كانت للإعلاميين أسئلة واستفسارات أجاب عنها مدير التخطيط للتواصل الاستراتيجي العميد الركن الياس عاد بكل وضوح وصراحة.

عاينوا طبيعة الأرض السهلية المزدحمة بالسكان والتي تمتدّ على 56 قرية وبلدة لبنانية وعلى طول 110 كلم (قطاع فوج الحدود البرية الأول من البحر إلى أعالي جبل أكروم) من أصل 387 كلم (طول الحدود الشمالية الشرقية من العريضة وصولًا إلى سفوح جبل الشيخ). هذه البلدات تضم نحو 95 ألف مواطن لبناني مقابل 80 ألف سوري، وهي متداخلة بشكلٍ واضح مع مقابلاتها من الجانب السوري، جغرافيًّا وسكانيًّا واجتماعيًّا، الأمر الذي يُشكّل أحد الأسباب الرئيسة لعدم القدرة على ضبط الحركة بشكلٍ كلّي.

أما المحطة التالية، فكانت برج مراقبة في أعالي منطقة شدرا، يطلّ على الحدود الفاصلة بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية، ويتمّ من خلاله مراقبة كامل الحدود الشمالية ومن ضمنها نقطة "الشركة المتحدة". هذه المحطة كانت كفيلة بأن يدرك الإعلاميون جيدًا موقف الجيش، وليروا بمناظيره تلك المساحات الشاسعة التي يتولّى ضبطها 600 إلى 700 عسكري يوميًّا. عاين الصحافيون التحديات والصعوبات التي يواجهها الجيش، وأدركوا حجم الجهود التي تُبذل لتنفيذ المهمة بالشكل الأمثل، إضافةً إلى استهلاك العتاد ومصروف المحروقات واللوجستية، إذ ينفّذ الفوج يوميًّا المهمات الآتية:

  • تركيز نقاط مراقبة على طول الحدود.
  • إقامة حواجز ظرفية على المسالك المؤدية إلى بعض الثغرات الموجودة ضمن القطاع.
  • إقامة حواجز ثابتة.
  • تنفيذ دوريات مركزية يتم خلالها تنفيذ حواجز ظرفية ودوريات راجلة ونقاط توقف.
  • تأمين خدمة المراكز الثابتة والأبراج.
  • تنفيذ مداهمات لمطلوبين في قطاع المسؤولية.
  • التنسيق مع الأفواج والألوية المنتشرة على حدود القطاع لتنفيذ أي عمل عسكري إذا دعت الحاجة.
     

الصعوبة والسهولة!

في هذه المحطة كان التركيز الأهم على أنّ موضوع الحدود لا يقتصر على الحل التكتي الذي تقوم به المؤسسة العسكرية، بل يتطلّب تعاونًا بين المواطنين، والبلديات، والمخاتير، وكل الأجهزة الأمنية وأجهزة الدولة التي تُعنى بشؤون النازحين، والقضاء، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المحلية والدولية، وذلك من أجل إيجاد الحلول اللازمة والفاعلة لهذه الأزمة التي تهدّد كل بلدة من هذه البلدات، وبالتالي كل الأراضي اللبنانية، أمنيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا. فعلى الجميع القيام بدورهم كما يقوم الجيش بدوره على الرغم من التحديات الكبيرة.

هذه الرسالة وصلت بكل وضوح إلى ممثلي الوسائل الإعلامية، فنقلوها منادين بضرورة اعتماد سياسة واضحة تجاه هذا الموضوع، بما يُتيح اتخاذ كل الخطوات والتدابير والإجراءات الحكومية والقانونية اللازمة لمعالجته وتجنّب تداعياته الخطيرة.

حدود طويلة ومتداخلة تضعنا أمام معضلة: صعوبة السيطرة عليها وسهولة اجتيازها! وأمام العمليات المنظمة التي تقودها مافيات التهريب، لا تقتصر الضريبة التي يدفعها الجيش على الجهود الجبّارة، بل تتجاوزها إلى دم الشهداء الذين يسقطون في اطار عمليات مكافحة تهريب الأشخاص والتسلّل غير الشرعي عبر الحدود البرية.

 

الحاجة إلى 10 أضعاف القوى المنتشرة!

  • ينتشر فوج الحدود البرية الأول على طول الحدود الشمالية وعلى قسم من الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا وفي قطاع المسؤوليّة (العريضة-وادي خالد-أكروم) بخط حدودي يبلغ حوالى 110 كلم، بعديد عناصر 1200 عنصر يتوزعون على 31 مركزًا، بينها 10 أبراج مجهّزة بكاميرات مراقبة حديثة وبأجهزة استشعار رؤية ليلية، وذلك لمنع التهريب وضبط الداخلين خلسة.
  • حسب المعدلات التكتية لنشر القوى بشكل دفاعي، تكون جبهة الفوج عادةً بطول 8 إلى 10 كلم، وبالتالي تحتاج الحدود اللبنانية السورية ضمن قطاع مسؤولية الفوج إلى عشرة أضعاف القوى المنتشرة حاليًا، وذلك لضبطها بشكل كلّي.