- En
- Fr
- عربي
إعادة هندسة الإدارة العامة في زمن متسارع
المقدمة
يمر العالم بمرحلةٍ انتقالية تموج بتحولاتٍ جذرية وشاملة في كل المجالات، مرحلة تلغى فيها الحدود وتطلق الشعارات كالحكامة الراشدة، أو الحوكمة الراشدة أو الصالحة Good Governance1، ويتعاظم دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إحداث التحول من الأساليب التقليدية في الإدارة إلى الأساليب الحديثة. تشكل العلوم الإدارية في ظل المعلوماتية عاملًا رئيسًا في تطوير الاقتصاد والمجتمع والدولة. والدولة جُمّاع وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوفير الخدمات الحكومية وتيسير معاملات الناس الإدارية، التواصل الإلكتروني الافتراضي Virtual communication، والفضاء الإلكتروني أو فضاء الشبكات أو فضاء السايبر أو الفضاء السيبراني Cyberspace..2
تتجلى إشكالية هذا البحث في استطلاع إمكانات نهضة حكومات بعض الدول العربية وآفاق التنمية فيها في زمن متسارع. والمسألتان متكاملتان، وهما تسعيان للإجابة عن السؤال البسيط والمعقد في آنٍ: ما هي مستلزمات التحول من الحكومة التقليدية الحالية إلى مفهوم الحكومة المعاصرة أي الحكومة الإلكترونية والحكومة المرنة أو تطوير نمط إداري عربي؟
إن الخوض في موضوع إعادة هندسة الإدارة العامة في بعض الدول العربية يختلف بين صاحب اختصاص وصاحب اختصاص آخر. فإذا كان المتصدي له هو رجل قانون، كان من الطبيعي أن يغلب الهم القانوني على الهم التقني فيه. وإذا كان لا بد من التطرق إلى بعض الوجوه التقنية، فما ذلك إلا لخدمة الغرض القانوني. وارتأينا اتباع المنهج الوصفي التحليلي لكل من الحكومة الإلكترونية والحكومة المرنة لنصل إلى توليفة إدارية عربية. وهذا ما سنفعله بالتمام عبر محاور البحث.
قد تبدّى لنا أنه بالإمكان معالجة البحث عبر ثلاثة محاور. يتناول المحور الأول الإدارة العامة في زمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الإدارة العامة أو الحكومة الإلكترونية، فيضم مزايا الحكومة الإلكترونية والعمل العربي بها. ويستعرض المحور الثاني الحكومة المرنة، فيضم مفهومها وخصائصها، ويعرج على تصنيف حكومات العالم وبعض الحكومات العربية. ويناقش المحور الثالث مسألة الجمع، بنفحةٍ عربية، بين الحكومة الإلكترونية والحكومة المرنة، فيضم مبررات هذا الجمع ومزاياه.
القسم الأول
الإدارة العامة في زمن تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات أي الإدارة العامة أو الحكومة الإلكترونية
مثّل مصطلح الحكومة الإلكترونية Digital or Electronic government E-government أو الإدارة العامة الإلكترونية E-management، في أواخر العام 1995، إعادة هندسة العمل الحكومي أو الإداري وإعادة تنظيمه من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة.
يُقصد بمصطلح الحكومة أو الإدارة الإلكترونية، منذ العام 2001، تيسير تقديم الجهات الإدارية خدماتها اعتمادًا على ما توفره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من وسائل. ويطلق أحيانًا على الحكومة الإلكترونية اسم حكومة عصر المعلومات، أو الإدارة العامة بغير أوراق Paperless public management أي الإدارة العامة التي تتمثل في الغياب الكلي للمرتكز الورقي، أو الإدارة العامة الإلكترونية.
التعبير الأخير الإدارة العامة الإلكترونية هو الأدق، ذلك لأن مهمة الحكومة في مصطلح الحكومة الإلكترونية يقتصر على وجهها الإداري في إدارة المرافق العامة وتوفير خدماتها العامة لجمهور الناس بانتظامٍ واضطراد، أي نشاط السلطة الإدارية، أو الإدارة العامة بالمعنى العضوي. فإذا استثمرت الإدارة العامة معطيات التقدم العلمي في شبكة المعلومات العالمية Internet وشبكة المعلومات الداخلية Intranet بدلًا من الورق، لا يعني ذلك أن تلك الإدارة قد انقلبت إلى حكومة. وحتى إذا استخدمت الحكومة الوسائل الإلكترونية فلا يعني ذلك أنها حكومة إلكترونية، فثمة فارق شاسع بين حكومة إلكترونية وبين إلكترونية الحكومة، أي استخدامها للمعطيات الإلكترونية. ولكننا سنستخدم التعبير الشائع الحكومة الإلكترونية.
لا يوجد في الحكومة الإلكترونية مزاحمة ولا تأخير ولا مراجعات ولا تمييز بين المعاملات والمتعاملين، وإنما هي عالم تُنجز فيه المعاملات من المنازل والمكاتب أو أي مكان آخر بسهولةٍ، ويتم فيه حفظ السجلات والملفات على نحو عصري وشامل ودقيق.
وسنلقي نظرة عجلى في هذا المحور على أهم مزايا الحكومة الإلكترونية وكيفية تطبيقها عربيًا.
1 - مزايا الحكومة الإلكترونية
يجد الباحث في الإدارة العامة نفسه، في مواجهة موضوع الحكومة الإلكترونية أمام واقع مغاير وثقافة مختلفة ولغة غير اللغة التي يألفها. لقد تبدل العالم، وقصرت المسافات، وحدثت ثورة كبرى في مجال التواصل، وسهُل الاطلاع على المعلومات، وأضيفت إلى سبل التبادل والتعامل الإداريَين سبل أخرى، وظهرت مصطلحات جديدة3 كالثورة الصناعية الرابعة4، الذكاء الاصطناعي5، الأمن السيبراني6، الحكومة الرقمية7، مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية8، المشاركة الإلكترونية9، الجاهزية الإلكترونية10، الحكومة كمنصةٍ11، الحكومة الذكية12 والحكومة المفتوحة Open by default 13. فقد حدثت، في الحقيقة، ثورة كبرى في مجال التواصل سهّلت الاطلاع على أي نوع من المعلومات. وتهتم الحكومة الإلكترونية بتحسين خدماتها وتوسيع نطاقها وتوفيرها للناس كافة.
وتنقسم المعاملات الإدارية والخدمات الحكومية إلى:
- الخدمات المرتبطة بتسديد المتوجبات المالية، مثل دفع الرسوم والضرائب على أنواعها، أو أي التزامات مالية أخرى. وهذه الخدمات يمكن مكننتها وهي لا تستلزم التحقق من شخصية الدافع.
- الخدمات المرتبطة بالحصول على وثائق أو مستندات ذات طبيعة عامة. وهذه الخدمات يمكن مكننتها وهي لا تستلزم التحقق من شخصية طالب الخدمة.
- الخدمات المرتبطة بالحصول على وثائق أو مستندات ذات طبيعة خاصة، مثل وثائق أو شهادات الميلاد أو الشهادات الدراسية وصور الأحكام القضائية ومحاضر الشرطة... وهذه الخدمات تستلزم التحقق من شخصية طالب الخدمة، وبالتالي تفرض مكننتها حماية قانونية وإجراءات خاصة.
ولنظام الحكومة الإلكترونية مزايا أكيدة، أهمها:
- تسريع الإنجاز، فإنجاز المعاملة إلكترونيًا لا يستغرق إلا دقائق معدودات، ما يوفر الوقت للانتقال إلى الإدارة المعنية، والبحث عن الموظف المختص، وقيامه بالتحقق من توافر الشروط المطلوبة وإنجاز المعاملة يدويًا. فالحكومة الإلكترونية توفر للمواطن خدماتها بسرعةٍ من خلال الدخول على الخط On line، وليس من خلال الدخول أو الوقوف في الصف أو الطابور In line وطول انتظار الدور. ومن المتوقع خلال سنوات قليلة أن يتم الاستغناء عن بعض الخدمات الحكومية كخدمة البريد العادي، البطاقات البريدية والرسائل أو الخطابات، لصالح البريد الإلكتروني Email أو الواتساب WhatsApp الذي يربط المرسل بالمرسل إليه في لحظات.
- زيادة الإتقان، فالإنجاز الإلكتروني للخدمة أكثر دقة وإتقانًا من الإنجاز اليدوي، ويخضع لرقابةٍ أسهل وأدق من تلك التي تُفرض على الموظف في أداء عمله في نظام الإدارة التقليدية.
- خفض التكاليف، فإقامة نظام الحكومة الإلكترونية يحتاج في البداية إلى مبالغ كبيرة نسبيًا لشراء الأجهزة والمعدات وإعداد البرامج وتدريب العاملين. غير أن كلفته تقل بعد ذلك، لأنه يؤدي إلى تخفيض عدد الموظفين ويختصر الإجراءات ومراحل العمل، بالإضافة إلى الاستغناء عن كميات كبيرة من الأوراق والأدوات المكتبية.
- تبسيط الإجراءات، فمن خلال الحكومة الإلكترونية يمكن القضاء على البيروقراطية بمعناها البغيض. وفي حديث خاص لموقع دويتشة فيله باللغة العربية قالت د. ماريتنا هايتكوتر الخبيرة في سياسات الوقت من ميونخ (...) : ”لقد قامت التكنولوجيا الحديثة بتحويل البيروقراطية التقليدية [الألمانية] إلى بيروقراطية حديثة، وهناك العديد من المبادرات الناجحة في مجال الحكومة الإلكترونية، وإن كانت الحاجة إلى إجراء المزيد من التطوير على هذه المبادرات وفاعليتها ما تزال قائمة“14. فبإمكان موظف واحد إنهاء المعاملة الإدارية المطلوبة وتوفير الخدمات لصاحبها من دون الرجوع إلى رؤسائه أو زملائه في العمل، وذلك بالرجوع إلى قاعدة البيانات المعدة سلفًا في إدارته، التي تعد بمثابة تفويض للموظف لاتخاذ القرار.
- تحقيق الشفافية الإدارية، فإتمام المعاملات الإدارية من دون اتصال مباشر بين صاحب الشأن والموظف المختص يبعد الرشوة أو تلاعب الموظفين وسوء معاملتهم. وفي ذلك مكافحة للفساد الوظيفي.
2 - العمل بالحكومة الإلكترونية عربيًا
لقد قُدّر عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية حتى نهاية العام 2021 بـ190 مليون مستخدم، أي بزيادةٍ سنوية تتراوح من 20 إلى 30 مليون مستخدم سنويًا تتنوع أعمارهم وطرق بحثهم15. فإذا كان سكان هذه الدول يقدّرون بـ456 مليون نسمة (البنك الدولي، 2021)، فإن نسبة مستخدمي الإنترنت لا تتجاوز 41,67 %16. وإذا كانت دول عربية تعاني مما يعرف بالأمية الإلكترونية، فإنها تعاني التفاوت في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية أيضًا E-Government Development Index )EGDI( أو مؤشر تطور/تطوير الحكومة الإلكترونية للعام 172022، إذ نجد أن هذا المؤشر هو 0,134 للصومال في المرتبة 192 بين 193 دولة، و0,2778 لجزر القمر في المرتبة 182، و0,2833 لجيبوتي في المرتبة 181، و0,2899 لليمن في المرتبة 178، و0,2972 للسودان في المرتبة 176، و0,3157 لموريتانيا في المرتبة 172، و0,3375 لليبيا في المرتبة 169، و0,3872 لسوريا في المرتبة 156، و0,4383 للعراق في المرتبة 146، و0,5273 للبنان في المرتبة 122، و0,5611 للجزائر في المرتبة 112، و0,5895 لمصر في المرتبة 103، و0,5915 للمغرب في المرتبة 101، و0,6081 للأردن في المرتبة 100، و0,653 لتونس في المرتبة 88، و0,7149 لقطر في المرتبة 78، و0,7484 للكويت في المرتبة 61، و0,7707 للبحرين في المرتبة 54، و0,7834 لعمان في المرتبة 50، و0,8539 للسعودية في المرتبة 31، و0,901 للإمارات في المرتبة 13. وبذلك تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عربيًا، والمرتبة 13 على المستوى العالمي، متفوقة على اليابان في المرتبة 14، إسبانيا في المرتبة 18، فرنسا في المرتبة 19، ألمانيا في المرتبة 22 وكندا في المرتبة 32. وحلت السعودية في المرتبة الثانية بين الدول العربية بمؤشرٍ وصل إلى 0,8539، وتلتها عمان بمؤشرٍ 0,7834 والبحرين بمؤشرٍ 0,7707.
كذلك تعاني دول عربية من التفاوت في مؤشر المشاركة الإلكترونية E-Participation Index أو تعزيز المشاركة المدنية والحكم التشاركي الشفاف من خلال تقنيات المعلومات والاتصالات18 للعام 192022، إذ نجد أن هذا المؤشر هو 0,0114 لجزر القمر في المرتبة 192 بين 193 دولة، و0,0227 لموريتانيا في المرتبة 190، و0,0341 لليبيا في المرتبة 189، و0,0455 للسودان في المرتبة 187، و0,0682 لسوريا في المرتبة 185، و0,1136 لجيبوتي في المرتبة 179، و0,1932 لليمن في المرتبة 163، و0,2159 للعراق في المرتبة 153، و0,2273 للجزائر في المرتبة 148، و0,2500 للصومال في المرتبة 135، و0,2727 للمغرب في المرتبة 128، و0,3523 لمصر في المرتبة 107، و0,3750 لقطر في المرتبة 101، و0,3977 للبنان في المرتبة 95، و0,4432 للبحرين في المرتبة 89، و0,5455 للأردن وتونس والكويت في المرتبة 67، و0,6591 لعمان في المرتبة 50، و0,6932 للسعودية في المرتبة 43، و0,7841 للإمارات في المرتبة 18. وبذلك تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عربيًا، والمرتبة 18 على المستوى العالمي. وحلت السعودية في المرتبة الثانية بين الدول العربية بمؤشرٍ وصل إلى 0,6932، وتلتها عمان بمؤشرٍ 0,6591.
تعد إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة مدينة الحكومة الرقمية Digital Government بجدارةٍ20. وبدأت ثورة الإنترنت التي شهدتها هذه الإمارة تنعكس، بشكلٍ إيجابي، على حياة القاطنين من مواطنين ومقيمين الإدارية إذ دخلت الإدارات العامة بكل مرافقها في صلب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتابع الموظفون دورات تدريبية لتسهيل حل مشاكل القاطنين عبر الإنترنت. وقد بات معظم المقاهي فيها ينعم بشبكة الجيل الخامس 5G، ما يتيح لجميع روادها الإبحار السريع على الشبكة بواسطة وسائل الاتصال كالهواتف المحمولة أو أجهزة كمبيوتر الجيب. وشهد عالم المال والأعمال نقلة نوعية حقيقية بفضل اعتماد تكنولوجيا الإدارة الإلكترونية إذ باتت جميع المناقصات الحكومية تُنشر على شبكة الإنترنت، ما يضفي على هذه العملية قدرًا كبيرًا من الشفافية ويوفر الكثير من الجهد الضائع في المعاملات البيروقراطية.
من نتائج دخول الإمارة عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إطلاق تطبيقات تسهل على قاطني دبي حياتهم. ففي العام 2015، أُطلق تطبيق «دبي الآن» .)Dubai Now ( Now Dubai وجاء في تعريف المستخدم بالتطبيق الآتي: «دبي الآن» هو التطبيق الموحد للخدمات الحكومية في دبي إذ يُقدّم أكثر من 120 خدمة ذكية من 30 جهة حكومية وخاصة، هدفنا هو أن نقدّم لك مكانًا واحدًا لجميع معاملاتك الحكومية بسلاسةٍ وأمان، ونعمل دائمًا على إضافة المزيد من الخدمات، لتوفير الوقت عليك لعمل ما تحب21.
في 25/12/2022، قال ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم إن تجاوز عدد مستخدمي تطبيق «دبي الآن» حاجز المليون مستخدم، يبرهن على ثقة أفراد المجتمع به، ليشكل بذلك واحدًا من المعالم الرئيسة لرقمنة الحياة في دبي22.
يعد تطبيق «دبي الآن» من أكثر التطبيقات حيوية في دبي لأنه وفر على المستخدمين العشرات من التطبيقات الضرورية بالنسبة إليهم عن طريق قناة رقمية موحدة، إذ بات هذا التطبيق يوفر أكثر من 130 خدمة من 30 جهة حكومية وخاصة. وبلغ عدد المعاملات المنجزة عبره 20 مليون معاملة دفع رقمية بمبلغٍ يزيد على 10 مليارات درهم، منها 4 ملايين معاملة دفع رقمية بمليارَي درهم خلال العام 202223.
يعد تطبيق «دبي الآن» أول منصة موحدة تشمل معظم المعاملات الرسمية المتنوعة التي يضطر المواطن أو المقيم لإتمامها كتسديد فواتير هيئة كهرباء ومياه دبي، اتصالات Etisalat، دو Du، سالك SALIK، ونول NOL، الاتحاد للماء والكهرباء، تسديد مبالغ المخالفات المرورية، تجديد رخصة القيادة، طلب تقارير السفر وتقارير المكفولين لدى الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، الولوج إلى خدمات مؤسسة محمد بن راشد للإسكان، التحقق من سندات الملكية في دبي، وتتبع الرحلات الجوية، وغيرها من الخدمات24.
والمأخذ على نظام الإدارة الإلكترونية في المرافق العامة في إمارة دبي هو غياب المفتاح الموحد لكل خدمات الجهات الحكومية والخاصة، فكل دائرة حكومية أو خاصة تمتلك مفتاحًا خاصًا بها. غير أن توافر المفتاح الموحد للمرافق الحكومية والخاصة الذي يسمح للمواطن أو المقيم بالوصول إلى جميع الخدمات الحكومية والخاصة، يفتح في الوقت نفسه الطريق أمام الانتهاكات القانونية على صعيد المعلومات الشخصية، لأنه يصبح في إمكان أي مواطن أو مقيم عن طريق الشبكة الداخلية الحصول على المعلومات الخاصة بأي شخص آخر.
يحملنا واقع الحال العربي هذا على طرح السؤال الآتي: هل يمكننا مسايرة ظاهرة تسارع التاريخ25 Acceleration of history/Accélération de l’histoire التي تجلت على مستوى إنتاج السلع، وامتد تأثيرها في مستوى العلاقات في داخل الدولة نفسها، فأحدثت تغييرات عميقة فيها؟ وبتعبيرٍ آخر: من أين نبدأ للحاق بالثورة التكنولوجية التي تركت آثارًا عميقة في نمو الإدارة العامة وتطوير بعض خدماتها؟ وبمعنى أوضح: هل يمكننا التقدم بوثباتٍ أو بالتجاوز Leap-frogging لنساير ظاهرة تسارع التاريخ؟
القسم الثاني
الحكومة المرنة26
تنقسم الحكومات، من حيث سهولة التكيف وفق تغير طارئ أو استعادة الحيوية إثر بلاء ملم أو الاستجابة لتحدٍ معين، إلى مرنة وجامدة. وفكرة الحكومات الجامدة لازمت، من حيث الزمن، فكرة ظهور الدولة البيروقراطية في أواخر القرن الثامن عشر.
أعيد ابتكار الإدارة العامة27 في نهاية القرن الماضي، وتأكد هذا المنحى في العام 2019، فظهر مفهوم الحكومة المرنة28.
تنقسم الحكومات، كما ذكرنا، إلى جامدة ومرنة. فما هو مفهوم الحكومة المرنة وخصائصها؟ وما هو موقع معظم حكومات العالم وبعض الحكومات العربية ضمن هذا التقسيم؟
1 - مفهوم الحكومة المرنة وخصائصها
بات مصطلح الحكومة المرنة Agile Government على كل شفة ولسان، لأنه يمثّل هندسة العمل الحكومي أو الإداري وإعادة هندسته وتنظيمه من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة.
من هنا، فإن جزءًا كبيرًا من المسؤولية يُلقى على عاتق الحكومة التي قد تستحثها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، في بعض الحالات، على إعادة النظر في جمودها في سبيل مواكبة الجديد والارتقاء بالخدمات الحكومية. ومهما حاولت الحكومات أن تنظر إلى المرونة نظرة اللامبالي، فهي مفروضة عليها، لا بحكم الواقع التقني أي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة وحسب، بل بحكم الارتقاء بخدماتها الحكومية أيضًا.
ما يُقصد حاليًا بمصطلح الحكومة المرنة هو سهولة تكيف الحكومة أو الإدارة الحكومية، أو الإدارة العامة، أو الجهات الإدارية مع المستجدات ولا سيما التقنية منها بغية الارتقاء بالخدمات الحكومية، فـالحكومة المرنة ليست غاية بحد ذاتها، بل هي مجرد وسيلة لإدراك أهداف الإدارة العامة السامية. ويُطلق على الحكومة المرنة أحيانًا اسم الإدارة الحكومية المرنة، أو الإدارة العامة المرنة.
بعد أن استعرضنا تعريف الحكومة المرنة ومضمونها لا بد من التطرق إلى الخصائص التي يمكن أن تؤدي إلى الحكومة المرنة الجيدة ومستلزماتها. وقد عدّد عدد من علماء الإدارة المعايير التي يجب أن تتوافر في الحكومة المرنة والجيدة29، وأهمها:
- أن يكون للحكومة المرنة أهداف واضحة، محددة ومعقولة، ويجب أن تتركز جميع الأنشطة وتتكاتف الجهود كافة مهما اختلفت السبل إلى تحقيقها. والتحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة المرنة ليس مجرد قضية تقنية فحسب، بل هو في المقام الأول قضية إدارية. فهذا التحول لا يستلزم تزويد تلك الإدارة الجديدة بالحاسبات الآلية وربطها بشبكات الاتصالات والإنترنت فقط، بل يقتضي إصلاحًا إداريًا جذريًا للإدارة، وهذا يستتبع إصلاحًا تشريعيًا يتزامن معه. فتطبيق الحكومة المرنة يحتاج إلى عدد من القرارات التي تؤدي إلى تغيير في التشريعات والأنظمة القائمة على مستوى القوانين واللوائح أي إعادة النظر في التشريعات والأنظمة الخاصة باحترام خصوصيات الإنسان، استنباط قواعد قانونية جديدة للامركزية الإدارية السائدة حاليًا، استخدام مفاهيم جديدة للوظيفة العامة والموظف وعملية اختياره وتعيينه وشروط صلاحيته للعمل، وخصوصًا مع ازدهار ما يسمى بعوالم الميتافيرس، كما يستلزم بنية تحتية تكنولوجية، موثوقة وأمينة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية.
- أن تحقق الحكومة المرنة عوائد مجدية في أقرب وقت ممكن وأقل كلفة وجهد، أي نتائج يمكن تحقيقها في أقل وقت وبأدنى كلفة وجهد، فالحكومة بحاجةٍ لما يسمى مكاسب أو فوائد سريعة. والعبارة الأكثر استعمالًا في عالم الأعمال العبارة الإنكليزية Low hanging fruits or quick wins أي الثمار في متناول اليد، أو القطوف الدانية، أو فوائد قطوفها دانية، أو النتائج في متناول اليد، وهي تشير بكل بساطة إلى وجود مكاسب أو فوائد يمكن الحصول عليها بشكلٍ سريع وأخرى تتطلب وقتًا أكبر من خلال العمل الجدي المستدام الذي تُجنى ثماره بعد حين. ويحقق اللجوء إلى المكاسب أو الفوائد السريعة عدة مزايا، أهمها: استعادة ثقة الموظفين والناس من المستخدمين أو الزبائن أو العملاء، تحقيق نجاحات مؤقتة أو صغيرة يمكن تلمّسها والارتكاز عليها لتحسين صورة الإدارة أو المنشأة أو الجهاز، وبالتالي البدء بتنفيذ الأهم بثقةٍ أكبر.
- أن تثابر الحكومة المرنة على تحقيق أهدافها بكل همة ونشاط، فتحافظ على مسار حالم وطموح يولد الحوافز للإدارة أو المنشأة أو الجهاز وموظفيها.
- أن تكون أهداف الحكومة المرنة نتاج مشاركة العاملين في الإدارة، أي يتعين على الوحدة الإدارية الدنيا أن تتقدم باقتراحاتٍ ومشاريع تُرفع إلى الوحدة الإدارية الأعلى التي تناقشها وتعدلها، ويقع على كاهل القيادة السياسية العليا أن تترجم جميع المشروعات في صورة أهداف وطنية ملزمة قانونًا، وتعد مشاركة العاملين في الإدارة بوضع هذه الأهداف وإعدادها لأمرٍ مرغوب فيه من أجل التحسس بالمسؤولية عند التنفيذ. فالإداري يكون أكثر قبولًا واستعدادًا لتنفيذ الأهداف، إذا كان قد شارك في إعداد الجزء الذي يقوم بتنفيذه، كما أن مشاركته في هذا الشأن تجعله أكثر إدراكًا لهدفٍ أو أهداف الحكومة المرنة وأكثر فهمًا له30. ومن المتوقع أن تزيد المشاركة من الاندفاع التلقائي للتنفيذ بشكلٍ صحيح.
- أن يتم التواصل مع المواطنين، فضلًا عن التواصل مع العاملين في أجهزة الإدارة العامة، وذلك حتى يشعر كل موظف بأهمية الحكومة المرنة وأهدافها ومدى إسهامه في تحقيق هذه الأهداف. ويقع على كاهل أجهزة الإعلام بوسائلها المتعددة القيام بعملية نشر التوجيه والتوعية، وتبيان أهمية الأهداف بالنسبة إلى تحقيق التقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي لمجموع أفراد المجتمع.
- أن يقوم جهاز إداري قادر بالتنفيذ، ذلك أنه لا يمكن أن تحقق الحكومة المرنة أهدافها إذا لم ينهض جهاز إداري وفني على مستوى عالٍ من الخبرة والكفاية31 بأعبائها.
- أن تشجع الحكومة المرنة المرؤوسين على أخذ زمام المبادرة في المساهمة بتنفيذ الأهداف، وأن تكافئ المبتكر منهم.
- أن تخضع مراحل تنفيذ الأهداف للرقابة المستمرة، إذ يتوجب على الهيئات أن تمارس الرقابة الدائمة والكافية عليها، بهدف تنفيذها الفعال من خلال مؤشرات الأداء الأساسية 32Key Performance Indicators. فأعمال المتابعة ضرورية من أجل تعديل مسار التنفيذ في ضوء الواقع وضرورات التنفيذ.
2 - تصنيف حكومات العالم وبعض الحكومات العربية
معظم حكومات العالم جامدة يتطلب تكيّفها أو استعادة حيويتها أو استجابتها وقتًا أطول بكثيرٍ من وقت تكيف أو استعادة الحكومات المرنة حيويتها.
مما لا شك فيه أن أكثر الحكومات مرونة هي الحكومات الأنكلوساكسونية في الأغلب الأعم، فهي راسخة بفضل العرف لا بقوة القانون. ومن الأمثلة على الحكومات المرنة: الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى بين 85 دولة، ألمانيا في المرتبة 2، كندا في المرتبة 3، اليابان في المرتبة 4، أستراليا في المرتبة 5، السويد في المرتبة 6، الدنمارك في المرتبة 7، نيوزيلندا في المرتبة 8، هولندا في المرتبة 9، بريطانيا في المرتبة 10، الصين في المرتبة 11، إسبانيا في المرتبة 12، كوريا الجنوبية في المرتبة 13، فرنسا في المرتبة 14، سنغافورة في المرتبة 15، سويسرا في المرتبة 16، النروج في المرتبة 17، الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 18، بلجيكا في المرتبة 19، فنلندا في المرتبة 20، إيطاليا في المرتبة 21، البرتغال في المرتبة 22، إيرلندا في المرتبة 23، النمسا في المرتبة 24، وقطر في المرتبة 3325. والوقت الذي يستغرق في تكيّف أو استعادة الحكومة حيويتها أو استجابتها هو المؤشر أو الفيصل الذي يُستخدم للتمييز أو الفصل بين الحكومات المرنة والحكومات الجامدة.
أما الحكومة الجامدة فهي الحكومة التي لا يمكن تكيّفها أو استعادة حيويتها أو استجابتها بوقتٍ أو مهلة معقولة وبإجراءاتٍ عادية، بل بوقتٍ متطاول وبإجراءاتٍ أشد صعوبة وتعقيدًا، أي إجراءات خاصة. ولأن الهدف من جمود الحكومات، من وجهة النظر البيروقراطية بمعناها البغيض، هو تأمين الثبات والاستقرار لها لحسن سير الأعمال الإدارية، فإن واضعي القوانين الإدارية ونُظُمها يعمدون إلى المبالغة في تشديد هذه الإجراءات، أو التمسك بشكليات القواعد الإدارية، كلما رغبوا في تأمين قدر أكبر من الاستقرار لها. ومن الأمثلة على الحكومات الأقل مرونة أو الجامدة: أوزبكستان في المرتبة الأخيرة بين 85 دولة، ميانمار في المرتبة 84، كازاخستان في المرتبة 83، زامبيا في المرتبة 82، غواتيمالا في المرتبة 81، بنغلاديش في المرتبة 80، سري لانكا في المرتبة 79، كمبوديا في المرتبة 78، إيران في المرتبة 77، تونس في المرتبة 76، عمان في المرتبة 75، غانا في المرتبة 74، لبنان في المرتبة 73، الجزائر في المرتبة 72، كينيا في المرتبة 71، الكاميرون في المرتبة 70، باراغواي في المرتبة 69، بيلاروسيا في المرتبة 68، صربيا في المرتبة 67، أذربيجان في المرتبة 66، الأردن في المرتبة 65، بنما في المرتبة 64...34. وبذلك تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عربيًا، والمرتبة 18 بين 85 دولة. وحلت قطر في المرتبة الثانية بين الدول العربية في المرتبة 25 بين 85 دولة وتلتها السعودية في المرتبة 34، مصر في المرتبة 50، المغرب في المرتبة 56، البحرين في المرتبة 57، الأردن في المرتبة 65، الجزائر في المرتبة 72، لبنان في المرتبة 73، عمان في المرتبة 75 وتونس في المرتبة 76 35.
يمكننا الاستنتاج أن ميزة ثبات الإجراءات واستقرارها نظريًا هي التي جعلت حكومات العالم تفضل الجمود على المرونة. ولهذا، فإننا لا نجد اليوم ضمن الحكومات العشر الأكثر مرونة، إلى جانب حكومة الولايات المتحدة الأميركية، سوى حكومات ألمانيا، كندا، اليابان، أستراليا، السويد، الدنمارك، نيوزيلندا، هولندا وبريطانيا.
هناك أسباب تاريخية تفسر فكرة الجمود في الحكومات. فقد ظهرت فكرة جمود الحكومات في الوقت الذي ظهرت فيه النظرية البيروقراطية، وأصل معنى كلمة البيروقراطية Bureaucracy هو الإدارة عن طريق المكاتب باتباع إجراءات محددة تستهدف حسن الإنجاز. والأسباب تعود إلى فكرة توزيع العمل التي نادى بها ماكس فيبر Max Weber (1864-1920)، وإلى تأثر رجال الإدارة وصناع السياسات بالحركات والنظريات الفلسفية التي انتشرت في القرن الثامن عشر ولا سيما أن فيبر توصّل إلى أن أي نظام اجتماعي سينتهي في نهاية المطاف إلى أن يكون نظامًا بيروقراطيًا. وبظهور البيروقراطية باعتبارها نظامًا عقلانيًا ضروريًا، انتشرت فكرة التمسك بالإجراءات المحددة ورافقتها فكرة الجمود التي تهدف إلى الوقوف في وجه استشراء الفوضى الإدارية وضياع المسؤوليات، أي التحديد الواضح للسلطة والمسؤولية.
تركت أفكار ماكس فيبر في العالم أعمق الأثر في نفوس رجال الإدارة، فراحوا ينادون بوجوب وضع قوانين إدارية جامدة لزيادة الكفاية والفاعلية أو صياغتها. لقد كانوا من أعداء فكرة مرونة صياغة النصوص في الحقل الإداري، لأن ذكريات الماضي القريب كانت تقض مضاجعهم، فأرادوا صياغة جامدة لكي تكون وسيلة لتقييد سلطة الرئيس الإداري المباشر أو رب العمل وتعيين حدودها. وكانوا من أنصار فكرة الجمود أيضًا، لتأثرهم بنظرية العقد الاجتماعي التي تجعل من النص الإداري وثيقة حقيقية لإبرام العقد بين عمال الإدارة أو جهاز الدولة الإداري من موظفين وغيرهم. وبما أن النص الإداري الذي يجسد هذا العقد الاجتماعي هو أساس نشأة الإدارة العامة وظهور السلطة، فمن الواجب أن يتقرر جموده، وتوضع حواجز قوية لمنع تغييره بسهولةٍ.
بالإضافة إلى ذلك، فإن رجال الإدارة كانوا يعتقدون أن النص أو النظام الإداري الجامد هو، بأحكامه الراسخة، وسيلة من وسائل تعريف الموظف بحقوقه وواجباته، وحثّه على التمسك بها والدفاع عنها. ورأوا أن المجتمعات الصناعية تفضله آنذاك على النص أو النظام الإداري المرن لأن هذا النص أو النظام، بمرونته وعدم وضوحه الظاهر، يترك للرئيس الإداري المباشر أو رب العمل مجالًا واسعًا لاستعمال سلطته التقديرية والجنوح نحو التسلطية، والميل إلى تغطية انحرافاته وانتهاكاته للنص أو النظام الإداري المرن بمبرراتٍ مطاطة.
لكن التطورات والضرورات والظروف، وخصوصًا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، أدت إلى تحويل البيروقراطية الألمانية التقليدية إلى بيروقراطية حديثة36 والارتقاء بخدماتها الحكومية إلى مصاف الحكومات المرنة والقوية37.
إن الحكومة المرنة أو الإدارة العامة المرنة باتت اليوم من رموز الدولة الحديثة الخاضعة للحكامة الراشدة Good governance، والقائمة على أساس الحرية والمساواة والعدالة والنزاهة والشفافية الإدارية. وسجلات التجارب الدولية المستقرة كسنغافورة38 وغيرها من الدول حافلة بالمواقف الدالة على الدور الفعال للإدارة المرنة في ترسيخ أسس النزاهة والشفافية الإدارية.
فلماذا تقدّموا هم وتأخرنا نحن؟ أين نحن من كل ذلك؟ لماذا تأخرت الإدارة العامة في معظم الدول العربية وتقدّم غيرها من الإدارات العامة في العالم؟
القسم الثالث
الجمع بين الحكومة الإلكترونية والحكومة المرنة
مع نفحة عربية
لا يمكن للمنطقة العربية أن تواجه تحديات ومشكلات جديدة في عالم اليوم والمستقبل بأدواتٍ وآليات وسياسات وعقليات قديمة، والعقليات التي أدت إلى تحديات اليوم لن تكون هي التي تحلها39. فـالمستقبل يحتم إعادة التفكير بآليات العمل الحكومي، وإعادة تخيّل دور الحكومة في المستقبل، وليس إجراء إصلاحات وتحسينات على المنظومة الحالية. على الحكومات أن تتحرك بسرعةٍ لمواكبة المتغيرات (...)40.
إن الاعتماد على الحكومة الإلكترونية أو الحكومة المرنة في مقاربة الإدارة العامة في بعض الدول العربية في زمن متسارع لا يكفي. إن كلًا منهما لا يعالج، في الغالب الأعم، إلا جانبًا واحدًا من جوانب هذه الإدارة.
فـالحكومة المرنة تُعنى بتشكيل الإدارة العامة ونشاطها من الوجهة القانونية. وتركّز الحكومة الإلكترونية، في الغالب الأعم، على الجانب الفني في كيفية بناء الإدارة العامة وتنظيمها. وحتى ندلل على فداحة الخسارة في استخدام المعلومات عندما لا يتهيأ البشر لها، فإن إحدى الإحصاءات تشير إلى أن هناك ترليون دولار قد أُنفقت في أحد البلدان العربية على تقنية المعلومات بين عامَي 1983 و1993، ليكون العائد في المقابل ارتفاعًا في الإنتاجية لا تتجاوز نسبته 1% فقط، ونحن نعتقد أن الاستفادة من تقنية المعلومات في محيطنا العربي مهما أنفقنا عليها من دون تدريب صحيح وحقيقي للبشر، لن تزيد بأي حال على تلك النسبة41. فالتقدم يأتي أولًا من خلال تلافيف العقل قبل أن يأتي من نقل التقنيات واستيراد أدوات التقدم42.
إن حاجة بعض الدول العربية الملحة إلى إعادة هندسة الخدمات الحكومية أو العمل الحكومي، مع ما يرافقها من وفرة الخبرات الإدارية لديها، قد أخّر التفكير الروي في الجمع بين الحكومة الإلكترونية والحكومة المرنة مع تطعيمها بالتراث الإداري الغني الذي تملكه دول عربية، فحل العقبة الرئيسة سيكون بتنمية الثقة المتبادلة بين الناس والمرؤوسين من نحو أول، والرؤساء الإداريين من نحو ثان، مع ضمان المحافظة على الأصالة ومواكبة العصر.
والمقاربة العربية الكاملة الصحيحة في زمن متسارع هي تلك التي تشمل مختلف جوانب الحكومة الإلكترونية أو الحكومة المرنة وتحاول الوقوف على تفاعلها، والكشف عن عناصر القوة والضعف فيها، أي هي المقاربة التي تستعير من الحكومتَين أدوات وأساليب ومناهج، وتمزج بين الأسلوبَين مع نفحة عربية.
1 - مبررات الجمع العربي
الإدارة العامة هي مرآة الدولة وأداتها التنفيذية، بواسطتها تضع خططها وبرامجها وترسم سياساتها وتحقق أهدافها، فـقدرة الإدارة الحكومية وكفاءتها وفعاليتها عناصر مركزية لجهود التنمية الوطنية والاستدامة والجاهزية للمستقبل43. ولهذا انتشرت بين فقهاء الإدارة العامة مقولة ”قيمة الدولة من قيمة الإدارة العامة فيها“44.
كانت الإدارة العامة في الماضي مقتل كل دولة، ولكن تفتُّت الإدارة العامة أدى إلى انهيار أعظم الدول وأهم الإمبراطوريات، فالثورات كانت نتيجة لانحلال الإدارة العامة وضعفها. وعلى العكس من ذلك فإن منعة الإدارة العامة أو قوتها حمت هذه الكيانات من التفسخ والانهيار، وأسهمت في ازدهارها ونموها.
أصبحت الإدارة العامة في عصرنا الحاضر من أهم وسائل التنمية الاقتصادية والتطوير الاجتماعي. ومن المؤكد أن نجاح جهود الإنماء الاقتصادي ومحاولات التطوير الاجتماعي تحتاج قبل كل شيء، وإن تطلب ذلك أموالًا وفيرة، إلى إدارة عامة متطورة وقادة إداريين يستطيعون وضع ما أوتوا من معارف إدارية موضع التطبيق الصحيح، واتخاذ القرارات الناجعة لمواجهة المشكلات المستحدثة التي تتعرض لها الدولة.
يجب أن تكون التنمية الإدارية مرادفة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولا نبالغ إن قلنا إنه يجب توجيه الاهتمام إليها أولًا، إذ إن إعداد العناصر الإدارية الصالحة، وهي عماد الإدارة العامة، يحتاج بشكلٍ عام إلى وقت أطول من الوقت الذي يتطلبه إنجاز المشاريع الإعمارية أو المادية. فالتنمية الإدارية في بعض الدول العربية هي أم التنميات الأخرى، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية،... ومن دونها، ستبقى النتائج المرجوة منها في مهب الريح، والأهداف التي تسعى إليها بعيدة المنال، فتذهب سدى الجهود البشرية والطاقات المادية أو المالية أو غير المادية المكرسة لها.
يبدو أن الثورة الإدارية أضحت ضرورة ملحة بالنسبة إلى دول عربية كي تستطيع اللحاق بالركب الحضاري المعاصر. فالتنمية والتطوير الإداريَين لا يتمان في هذه الدول في ظروف عادية وبإمكاناتٍ كافية، بل في ظروف استثنائية وإمكانات محدودة، نظرًا إلى المتطلبات المجتمعية المتنامية باستمرارٍ. والتنمية في هذه الدول تترافق مع معوقات وصعوبات جمة، منها خارجية كاعتراض الدول المتقدمة على كل مشروع تنموي يعرّض مصالحها للخطر، ومنها داخلية كحالة التخلف45 ووجود العناصر الرجعية في البلاد. وبالإضافة إلى هذه المعوقات والتحديات التي تكتنف مسيرة التنمية والتطوير الإداري، لا بد لهذه الدول من تسريع وتيرة النمو لردم الهوة الآخذة في الاتساع والتي تفصلها عن ركب الدول المتقدمة.
يزيد من أهمية دور الإدارة العامة وخطورته أنها مهنة محلية يجب مزاولتها من قبل عناصر إدارية وطنية، وعدم الاعتماد على خبرة الخبراء الأجانب البعيدين عن هموم البيئة الوطنية وقيمها وتقاليدها. وذلك لا يعني أن الاطلاع على معلومات وتجارب الآخرين هو من ضروب العبث، بل يبقى رهان الإدارة العامة واعتمادها على العناصر الإدارية الوطنية في المكان الأول.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم ما يمكن أن نعتبره ثورة إدارية، فإن واقع الإدارة العامة في بعض الدول العربية، ومنها دول نفطية، يكشف عن تأخر لا يتناسب مع ما تتمناه هذه الدول من تقدّم اقتصادي وتطور حضاري. ولا يخفى بأن تأخر الإدارة العامة في هذه الدول ينعكس على مختلف مناحي الحياة ومرافق الدولة فيها.
شهدت السنوات الأخيرة عدة محاولات عربية لإحداث التنمية الاقتصادية الموعودة في كثير من دولها، إلا أنها لم تصل بعد إلى مرحلة جعل التنمية الإدارية عملية مستمرة تواكب تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما أدى إلى تحجيم هذه الجهود والتقليل من أهميتها.
لذلك بات من الواضح أن إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتطلب قبل كل شيء تطوير أجهزة الإدارة العامة وأساليبها، وتكوين عناصر إدارية مؤهلة وتطبيق المعرفة العلمية الإدارية.
إن الحيز أو المجال العربي، بأقلامه الروائع كفكرة التدبير في كتابات أبو الحسن علي الماوردي وأبو علي ابن سينا وأبو نصر محمد الفارابي وغيرهم46، وأفكاره الشرائع47 وإنجازاته الروافع48، قد قارع الأحداث، وتغلب على المحن، وبقي شامخًا راسخًا كالطود، يسهم مع غيره في تلقيح الإنسانية بتراثٍ روحي وفكري وعلمي ما زال يعَد نبراسًا وهاجًا لكل حضارة49، ويحرص أكثر من غيره على بلورة علم الاجتماع أو العمران50، كالإسهام البارز والجاد لعبد الرحمن بن خلدون51.
2 - مزايا الجمع العربي
أصبح موضوع الإدارة لافت للنظر في دنيا العرب لسببَين على الأقل، الأول: أن كثيرين من المهتمين بالشأن العام يعتقدون ويصرحون بأهمية فهـمنا - كعربٍ - للإدارة الحديثة كخطوةٍ ضرورية للتنمية المنشودة. والثاني: أن العالم كله من حولنا يضج بالكتب والندوات والمؤتمرات التي تؤكد أهمية الإدارة الحديثة. ويقول بعضنا إن نمطًا من الإدارة اليابانية هو الذي كان، ولا يزال، خلف المعجزة الاقتصادية التي حققتها اليابان، وإدارة كورية الجنوبية، وإدارة دول النمور الآسيوية، التي حققت القفزة الاقتصادية والتنموية لهذه النمور(...) 52.
لقد بينت إنجازات بعض الدول العربية الروافع في مجال العمران عددًا من المبادئ الكلية للإدارة مع بعض المبادئ الفرعية المنبثقة منها، وأكدت أن هذه المبادئ مرنة في سياقها العربي إذ يمكن للرئيس الإداري أن يكيفها وفق الموقف الذي يستخدمها فيه والظروف الملازمة لتطبيقها. وهذه المبادئ الكلية للإدارة هي:
- مبدأ المساواة: وهو اعتبار الناس جميعًا سواسية، فلا فضل لإنسانٍ على آخر ولا لمرؤوسٍ على آخر ولا لرئيسٍ إداري على آخر إلا بتحقيق مصالح الإدارة والناس من حيث المنفعة العامة أو الصالح العام أو المصلحة العامة. فالإدارة العامة لا تفرّق بين الناس والمصلحة العامة تسمو على المصلحة الخاصة، وفي حال تعارض المصلحتَين يجب على الإدارة أو المنشأة التوفيق بينهما. ويفرض المبدأ ممارسة الإدارة العامة سياستها تجاه المرؤوسين والناس بميزان قسط لا يختل ولا يميل، وإلا جُرّدت الإدارة من صفات النزاهة والتجرد والموضوعية. فيساوي الرئيس الإداري بين المرؤوسين والناس مع إشاعة جو العدالة إن أمكن، وذلك بصرف النظر عن الاختلافات أو الاتجاهات القبائلية، العشائرية، المناطقية، السياسية أو الدينية.
- مبدأ الشورى: وهو استطلاع آراء الناس والمرؤوسين لإشراكهم لاحقًا في تحمّل المسؤولية ما يحفزهم على العمل والبذل والعطاء أي التحول من مقولة الحكومة في خدمة الناس إلى الحكومة مع الناس. فعلى الرئيس الإداري أن يشاور ويشيع جو المشورة عند اتخاذه القرارات الكبرى والصغرى لدى الضرورة، فإن للشورى تأثيرًا كبيرًا لدى الناس والمرؤوسين في كسب محبتهم وولائهم ومساندتهم، فـمن شاور الناس شاركها في عقولها. فعندما لا ينفرد الرئيس الإداري باتخاذ القرار بل يلجأ إلى الناس ومرؤوسيه الصادقين منهم لمشاورتهم، يقوى الرأي ويسدد، ويكون أدعى إلى الحكمة والصواب؛ كما يضمن بذلك تبنّي المرؤوسين للرأي، وحرصهم على نجاحه. ولم يعد يكتفي مواطن القرن الواحد والعشرين بإنهاء معاملاته ومراجعاته بسهولةٍ مع الإدارة، بل صار يتوق إلى أن تكون له الكلمة والرأي في إدارة شؤونه وشؤون منطقته، كأن يكون التخطيط مركزيًا وتنفيذ الخطة على أساس لا مركزي53، مع تعزيز الإدارة الحكومية المحلية.
- مبدأ اختيار الأصلح لدخول الخدمة العامة: وهو عدم احتلال عوامل الأثرة والمحاباة السياسية، العائلية، العشائرية، الطائفية أو الدينية أو غيرها المكان في عمليات اختيار الموظفين وتعيينهم، وإلا صارت الوظيفة ارتهانًا لمراكز النفوذ طمعًا في ارتقاء مراتب الوظيفة أو طلبًا للحماية الوظيفية، وعبئًا على مالية الدولة كتجاوز حجم التوظيف في القطاع العام 21,1% من القوى العاملة، وتجاوز كلفة القطاع العام 22% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن شروط التعيين أن يكون واحدهم حسن الأثر في العامة، وأعرف الناس بالوظيفة وأجدرهم. وسوء الاختيار مسؤول عنه من وضعهم في مناصبهم تلك أي يعَد مسؤولًا ويحاسب عن أعماله.
- مبدأ التخصص: وهو اقتصار العمل على حقل من حقول النشاط لرفع إنتاجية رأس المال البشري، فالكفاية الإدارية تزداد كلما ازداد التخصص في نطاق الإدارة العامة. كما أن هذا المبدأ لا يعدو في حقيقته إلا أن يكون إعمالًا لمبدأ تقسيم العمل والتنسيق بين الأعمال والمهام داخل الوحدات الإدارية، فما دام العمل الإداري يعد عملًا جماعيًا تعاونيًا فإن المصلحة العامة تقضي بأن يقتصر عمل كل موظف على نوع واحد، يتفرغ له ويجيده. ويحول مبدأ التخصص من دون التضارب في الاختصاصات. كما يسهم في تحقيق مقولة، وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ما يساعد على قياس الأداء وزيادة الإنتاجية وتحسين نوعيتها، وتخفيض كلفة الخدمات العامة.
- مبدأ مركزة السلطة المطعمة بروح اللامركزية: وهو أن ترتكز السلطة الإدارية في يد جماعة أو شخص مسؤول، يتحمل تبعة أعماله، وتفويضها حسبما تقتضي الظروف، كتفويض السلطة كلما أبدى المرؤوسون كفاءة في استخدامها استخدامًا فعالًا. ويستحسن تطعيم الأسلوب المركزي سواء أكان الأسلوب المركزي التركيزي أو الحصري أم اللاحصري أو اللاتركيزي أو الأسلوب المخفف أو المبسط بالروح اللامركزية المكانية أو الإقليمية أو الجغرافية، أي إبطال المركزية في الإدارة من طريق توزيع السلطات والاختصاصات على الإدارة الحكومية المحلية، فـأهل مكة أدرى بشعابها. وتقوم فلسفة هذه اللامركزية على فكرة أن المرؤوسين في حيز جغرافي معين هم الأقدر على معرفة حقيقة المشكلات المحلية وأنجع السبل لحلها.
- مبدأ تدرج السلطة: وهو توزيع الأشخاص في سلم إداري متدرج تتناقص سلطاتهم تدريجيًا من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا. ووجود الأشخاص في هذا التدرج يقوم على الفضائل الأربع المسلم بها: الحكمة، الشجاعة، العفة والعدالة، وعلى أساس طاعة المرؤوس لأوامر رئيسه والعمل بموجبها بما يحقق مصالح الإدارة والناس. وسبب تدرج السلطة يعود إلى تفوق الرئيس في عمله، فهو يحتل هذه المرتبة مؤقتًا - ليس في مأمن وظيفي -، وهو يعد مسؤولًا ويحاسب عن أعماله. وهذا يستتبع قدرة الرئيس على توجيه الأوامر والتعليمات لمرؤوسيه بمرونةٍ من خلال عمومية الأوامر والتعليمات، إذ يكون المرؤوس مجبرًا على التفكير والاعتماد على النفس، كي يتم إنجاز العمل بالطريقة العلمية السليمة، وتقسيم العمل بين الرئيس والمرؤوسين مع إقرار الحوافز الملائمة التي تدفعهم إلى الابتكار والمبادأة.
- مبدأ العصرانية: وهو مجاراة الإدارة روح العصر والتعاطف مع الأفكار والمواقف والمقاييس والتقنيات الحديثة، بغية تحقيق مصالح الإدارة والناس كإدارة الأداء أو قياسه، واستخدام علم البيانات Data science، بالإضافة إلى انسجام نشاط الإدارة مع الأصالة. ففي ظل التطورات التقنية المتسارعة54، لم يعد من المقبول وقوف الدولة موقف المتفرج على المراحل الثلاث للتحول الرقمي من الحكومة الإلكترونية، ثم الحكومة الرقمية أو الرقمنة، فالتكنولوجيا الحكومية GovTech والتي تحقق للناس مزيدًا من الخدمات الميسرة، وتضمن للإدارة نفسها مزيدًا من السرعة والكفاية والاقتصاد في النفقات. ومن المفترض ألا تنتقص حقوق الناس بسبب هذا التحول كالأتمتة Automation55 والعمل عن بُعد، مثلًا. ولكن هذا الاحتمال وارد في دول عربية لانخفاض مستوى الوعي به ورسوخ ثقافة القطاع العام كمأمنٍ وظيفي، وقلة عدد المرتبطين بالإنترنت أو المستخدمين للذكاء الاصطناعي. وهذا الواقع يُلقي على عاتق السلطات المعنية التزامًا بمواجهة الفجوة الرقمية Digital divide لإقامة المساواة بين الناس في الانتفاع بالخدمات الحكومية.
صحيح أن تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي (...) تضمن (...) خمس دول عربية من أفضل عشر دول عالميًا في تطبيق الإصلاحات في العام 2019، ولكن على الرغم من هذه التطورات الملحوظة، ما زالت الإدارة الحكومية في دول المنطقة تواجه تحديات مشتركة ومعقدة56.
الخلاصة
إذا كان الحديث عن إعادة هندسة الإدارة العامة أو العمل الإداري يجري في إطار الإدارة العامة العربية وظروفها عمومًا، فإن فائدته قد تشمل مختلف إدارات الدول العربية نظرًا إلى الظروف المتعددة المتشابهة بينها. والقارئ يستطيع أن يستنبط من المعلومات الواردة في البحث ما يناسب أوضاعه أو البيئة التي يعمل فيها. وحسبنا أن يكون البحث فرصة للتفكير في تحسين أداء الإدارة العامة في كل دولة عربية، وأداة تحريض للقيام بالمزيد من الدراسات والمقارنات.
أمام هذه الإدارة العامة، في المستقبل القريب، عمل ضخم، ودور أكبر في مجال إعادة هندسة الخدمات الحكومية. وهذه الإدارة العامة الداعمة لحقوق الناس سواء أكانوا من المواطنين أم من المقيمين أم من غيرهم من خلال تجلياتها أو مزاياها، نجحت أحيانًا، وأخفقت أحيانًا أخرى، إما لأن الإدارة العامة لم تكمل المعركة حتى النهاية أي جمعها بين الأصالة والمعاصرة، وإما لأنها وقعت في أفخاخ الضغوط والإغراءات المتلونة السياسية، العائلية، الطائفية، الدينية أو المالية، مثلًا، وإما لأن المبادئ الكلية المرنة للإدارة غابت عن أذهان بعض أعضائها الذين اكتفوا بالممارسة الوظيفية الروتينية أو البيروقراطية بمعناها البغيض57.
والخلاصة أنه لمواجهة زمن متسارع لا بد للدول العربية من أن تطور توليفتها الإدارية الخاصة لفرض نمط إداري عربي جديد، أو على أقل تقدير، خلق نمط إداري عربي يستفيد إلى أقصى حد ممكن من عِبَر الماضي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويؤدي إلى كبح جماح بعض الدول والمنظمات الحكومية أو غير الحكومية عن اللجوء إلى التلويح بفرض التصحيح أو الإصلاح الإداري على إدارات بعض الدول العربية58. فبالجمع بين عِبَر الماضي الكثيرة والمواكبة القانونية للتقانة المتسارعة المنجاة، ومن دونها الغرق59.