إعلام غزة

إعلام غزة
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه


لا يختلف اثنان حول أهمية الإعلام على صعيد العلاقات بين الشعوب والدول، سلماً وحرباً، ثقافةً واقتصاداً... والأهمية تلك، كما يقولون، ليست ابنة اليوم، فلا الراديو وحده هو الذي أوجدها، ولا التلفزيون، ولا الفاكس، ولا الإنترنت... لقد كانت قبل ذلك بكثير، مع الصحيفة ومع الكتاب، ومع كل ورقة وقلم، ومع كل كلمة تلقى فوق منبر أو تنشر عبر متكلم. لكنها بالتأكيد ازدادت اليوم، وتطورت، وبلغت حدوداً يسأل المراقب معها: هل تستطيع هذه الأهمية تخطي التطور الذي عرفناه، وما يخبئ لها المستقبل يا ترى، أو ماذا يخبئ لنا معها ؟

هذا الإعلام، في أهميته، هو الذي يقف مرات ضد حقوق الشعوب،  وهو الذي يقف مرات إلى جانبها، كما نسمع اليوم في فلسطين، وكما نرى. فإسرائيل لم تستطع، بكل ما لها من سيطرة على الوسائل الإعلامية في العالم، أن تميل بالخبر إلى جانبها، ولا بالمعلومة، ولا بالصورة.  والصورة هي وسيلة الوسائل، وحقيقة الحقائق، وهي عنوان العناوين، وهي التي تلخص كل شرح وتفصيل، وتحيط بكل حكاية ورواية.

 لقد استطاعت إسرائيل، إلى زمن، أن تغطي الحقيقة برداء مزيف، فغيّرت تحالفات، وأثّرت في مواقف، وزوّرت وعكست وشوّهت وأزالت ومحت... لكن الرداء بلي وتمزق، واللون القاتم سال وأمّحى، واختفت الظلال من حوله وظهر ما لم يكن يظهر، وبان ما كان يجب أن يبين. فمحاولة الإبادة العرقية والقتل الجماعي، في الحرب على غزة من يستطيع إنكارهما؟ وميزان القوى غير المتوازن،  لا بل الوسائل العسكرية المحرمة ضد الشعب الأعزل؟ ضرب الأحياء بمستشفياتها ومدارسها ومعابدها وكل مبانيها؟ من له أن يلغي مشهد أم تستشهد مع أبنائها، أو جريح ينزف حتى الموت، من عشرات الكاميرات الملتزمة أو المحايدة على السواء، وهل لإسرائيل أن تشوه شاشات محطات التلفزة العربية والأجنبية جميعاً، كما شوّهت الوجوه والبيوت والحقول والحقائق؟ وهل لها أن تلزم جميع العالمين بالإصغاء إلى المحطات المؤيدة لها والمبررة لإجرامها والنافخة في أبواقها، من دون غيرها؟

 

يقول البعض: إن كل ذلك لم يؤثر في العدوان ولا في شرّه، ولا في تمكنه من سفك دماء أبناء غزة. لكن البعض الآخر يقول: إن ذلك هو الذي أدى إلى " تكشير"  إسرائيل عن أنيابها بهذا الشكل، وهو الذي يؤدي في الوقت عينه إلى اقترابها من الفشل المحتوم. لقد بادرت إلى استنفاد كل وسائل الدمار قبل أن تدور الدوائر عليها ويتفرّق العالم من حولها ومن حول مؤيديها. إن تلك الشعوب الهادرة احتجاجاً في كل شارع، والثائرة في كل محلة، والسائرة إلى سفاراتها تندد وتحتج وترفض وتتوعد، ليست في الحجم البسيط، ولا في العدد القليل ولا في التأثير المحدود، ولا شك في أن إسرائيل تجمع صور تلك المشاهد وتحتفظ بها، لا للفخر والاعتزاز بالتأكيد، إنما لمحاولة الدرس والتمحيص وإحصاء العبر التي يأتي في مطلعها: الويل للظالم!