"إقتصاد الفوضى": مدخل إلى المفهوم والآثار والمستقبل

"إقتصاد الفوضى": مدخل إلى المفهوم والآثار والمستقبل
إعداد: د. غسان الشلوق
أستاذ العلوم الإقتصادية في الجامعة اللبنانية

يعتبر مفهوم " اقتصاد الفوضى" حديثاً، نسبياً ، في الأدبيات الاقتصادية، كذلك فإنّ مقاربته تبقى محدودة ، عموماً، على رغم أنّ بعض عناصر هذا المفهوم عميقة في التاريخ وفي الممارسة، ثم إنّ بعضها الآخر يتقدّم على سواه، بوضوح، في "هيكلية الفوضى" ويجذب بالتالي، الاهتمام والضوء كالفساد مثلاً.

وفي مقابل ثغرة في المفهوم، وفي البحث النظري، فإنّ انعكاسات "اقتصاد الفوضى"  تبدو واضحة بل ثقيلة على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية (والسياسية) العامة خصوصاً في عصر العولمة.

 

أولاً: مدخل إلى المفهوم

إنّ المدخل إلى تبسيط مفهوم "اقتصاد الفوضى" يفترض، طبعاً، التأشير إلى مقوّمات هذا الاقتصاد وتحديدها قبل الانتقال، لاحقاً، إلى محاولة درس نتائجها.

1 - ألمفهوم

ليس مفهوم "الفوضى"، مرّة بعد، واضحاً، تماماً، لكنّ ثمّة غير محاولة نظرية جدّية تسعى إلى وضع إطار مقبول له. من هذه المحاولات تلك الواردة في  LASZLO(c) et LAUGEL (J-F)[1] وفيها أنّ عبارة فوضى يقصد بها، تقنياً، الحالة الخاصة لنظام يتّصف بسيرة سلوك كالآتي:

­- لا يتردد ابداً ( ويبدو شارداً وضالاً )،

­- له علاقة ارتباط حسّاس.

­- لكنّه ليس، في أيّ حال، أقلّ تنظيماً من سواه أو خاضعاً لحتمية غير متوقعة.

وتضيف: "إن الارتباط الحسّاس إزاء الشروط الأساسية لقيام هذه المتغيرات يمكن أن يؤدي إلى نتائج واسعة ومتعارضة. أمّا الحتمية غير المتوقعة فتعني أن أيّ نموذج ولو كامل من أنظمة الفوضى يمكن أن يفضي إلى نتائج غير متوقعة. لكنّ الأنظمة التي تنتمي إلى الفوضى تبقى شرعية، منظّمة، حتمية لكن غير متوقعة"[2]

ويلاحظ هذا التصنيف أنّ "الفوضى" (chaos) ليست، في أيّ حال، البلبة أو الإضطراب بحيث أنّ "الفوضى" يمكن أن تكون منظّمة وإن ظلّت غير مستقّرة أو غير واضحة، في حين أن البلبلة أو الاضطراب تعكس نوعاً من الضياع والاختلال على غير مستوى.

وليس "اقتصاد الفوضى"، بالتالي، ما بات يعرف باسم الاقتصاد الهامشي أو الاقتصاد الموازي، فهذا الأخير يتضمّن، أساساً، نشاطات غير منتظمة، لكن أحياناً منظّمة، بمعنى أنّها تشمل مؤسسات تتعاطى الإنتاج السلعي أو الخدماتي المشروع إلاّ أنها غير مسجلة، إذن غير منتظمة أساساً، في القيود الرسمية والعامة، كما أنّها يمكن أن تكون غير معلنة بنسبة أو بأخرى. لكن قسماً كبيراً من النشاطات الهامشية هو "مقبول" أخلاقياً واقتصادياً بل إن ثمة دولاً عديدة تشجع، بشكل أو بآخر، هذه النشاطات وترعاها أو تغضّ نظر الرقابة والملاحقة عنها في صورة من صور الدعم ([3]) نظراً لما لها من انعكاسات إيجابية اقتصادياً واجتماعياً.

وهذا لا يعني، طبعاً، أنّ كلّ النشاطات الهامشية أو الموازية هي "إيجابية" ومشروعة. فثمّة نشاطات تصّنف، أحياناً، في هذا الإطار أو تحت تسميات مشابهة أو قريبة ومنها نشاطات سرّية (وثمّة من يقول تحتانية) أو "سوداء" (Economie souterraine/noire) تنطوي على مبادرات جرمية، بنسبة عالية أو بنسبة أخرى دنيا، أو على مبادرات يمكن أن تكون مقبولة قانوناً لكن غير محظيّة بغطاء خلقي أو اجتماعي كاف[4]

وعملياً فإنّ "اقتصاد الفوضى" ليس، بالطبع وكما أشرنا، "الاقتصاد الموازي" أو الهامشي، لكن يمكن أن يلتقي، في بعض وجوهه مع الاقتصاد السرّي أو الأسود، تماماً كما إنّ نشاطات "فوضوية" تؤدّي عادة إلىأو تترافق مع /نشاطات "نظيفة"، علنية، نظامية واضحة.

 

وعملياً، أيضاً، فإنّ تعبير اقتصاد الفوضى يمكن أن يتضمّن، خصوصاً[5]:

- ­ إقتصاد الفساد الذي يقصد به، في شكل خاص، العمليات التي يقوم بها نافذون، ومنهم أساساًس رجال سلطة وسياسيون وإداريون وأمنيّون وكذلك نافذون في مؤسسات قطاع خاص كبرى، لجني أرباح وعمولات غير مشروعة. وهذه "العائلة" من اقتصاديات الفوضى هي، عملياً، الأكثر جذباً للاهتمام حالياً وربما إحدى الأهم وزناً اقتصادياً، حتى بات الفساد يختصر، في حالات عديدة، الكلام على الفوضى، وهي طبعاً أشمل وأحياناً أخطر.

­- "الإقتصاد الجرمي"، الآخر، الذي يمكن أن ينطوي على "نشاطات" تؤدّي إلى خسائر بشرية مباشرة أو غير مباشرة ومنها الحروب والتفجيرات والاغتيالات.

­ - العمليات الاقتصادية والاجتماعية غير المشروعة الأخرى ومنها المخدرات والتهريب (بأشكاله الجرمية وليس الإدارية الاقتصادية المحدودة فقط) ونقل اليد العاملة والجنس (بالمعنى المؤسسي القاهر خصوصاً)، والسرقات الكبرى...

­- العمليات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تجد تفسيراً "مشروعاً لها، ولو بشكل محدود أو بشكل آخر واضح، ومنها صفقات الأعمال غير المركّزة اقتصادياً وإدارياً، البورصة والعمليات المالية الكبرى، بعض عمليات النفط، تجارة السلاح، "التجارة السياسية والانتخابية" (بيع المواقف و..) والاجتماعية (ومنها بعض "الزيجات" الكبرى...)، إضافة إلى بعض عمليات الاقتصاد الرقمي والإلكتروني التي اتجهت إلى النموّ السريع في السنوات الأخيرة .

وغالباً ما يترافق بعض النشاطات، أو العمليات غير المشروعة والجرمية، مع نشاطات أخرى مشروعة على سبيل التغطية أو على سبيل الترويج، وهو ما يندرج أساساً تحت لواء عمليات تبييض الأموال، كما تترافق النشاطات الجرمية، أحيانا كثيرة، مع سعي إلى تدعيم موقع سياسي أو اجتماعي (أو "رياضي" أو "ثقافي") للقائمين بهذه النشاطات أو للذين يدورون في فلكهم. والتجارب في هذا الشأن كثيرة وعديدة.

وقد تطوّر مفهوم هذا الاقتصاد وحجمه جنباً إلى جنب مع تطوّر النشاطات الاقتصادية ودور الدولة (والشركات) في المجتمع. وتبعاً لذلك بدأ باحثون محاولات تحديد أوضح للمتغيرات التي تدخل في معادلاته ، وبلغ الأمر  أنّ بعض علماء الرياضيات الصينيين تقدّموا اليوم في بناء نظرية قياس لهذه المتغيّرات[6]

 

2 - تطوّر الفوضى في الدولة واللادولة

على رغم  كونه حديثاً، نسبياً، كمفهوم  فإنّ "اقتصاد الفوضى" عميق  في التاريخ، ويمكن أن نجد ظواهر لبعض مقدّمات هذا الاقتصاد في كلّ تجارب الرشوة والفساد وسائر وجوه الشرّ منذ العصور الغابرة. لكن الواضح أنّ حجم تلك التجارب، على أهميتها في تلك المراحل، بقي محدوداً عموماً بالمقارنة مع حجم المعطيات المتوافرة أو المعروفة في العصور الحديثة.

ويبدو أنّ "اقتصاد الفوضى" ارتبط، بشكل مباشر، بعوامل جيوسياسية، إجتماعية، إقتصادية محدّدة. ولعل أبرز تلك العوامل[7]  :

­- نشأة ونمو النظام الرأسمالي مع ما رافقه من حرّيات اقتصادية (واجتماعية) وانفتاح الأسواق واتساع حركة التجارة الدولية[8]

­ وكذلك، وفي المقابل، تطوّر بعض أشكال الأنظمة الكلّية السلطوية المغلقة التي جعلت من بعض النشاطات الفوضوية شأناً مطلوباً ومربحاً.

­- الانتقال، في المطلق، من حال اللادولة إلى حال الدولة، خصوصاً عندما باتت هذه الدولة قادرة ومدعوّة إلى لعب دور اقتصادي ثم، لاحقاً، اجتماعي نشيط، قبل الوصول، لاحقاً، إلى حال "دولة الحدّ الأدنى" كما هو الواقع، في بعض المناطق، اليوم.

­- إتساع حالات الاستعمار والانتداب ، في شكلها المباشر القديم وصولاً إلى الأشكال المختلفة الحديثة.

­- حالات العولمة والتطوّر التقني في صورها القديمة، لا سيما منها في القرون الوسطى وعصر النهضة، وحتى تلك الحالية الأشدّ وضوحاً وأهمية.

­- إزدياد حجم الثروات المالية إمّا بفعل زيادة حجم التجارة العالمية وإمّا بفعل فورة مواد أولية، كما هي حال النفط، وإمّا بفعل اكتشافات تقنية. وترافق ذلك مع تحسّن مستوى العيش وزيادة وتنوّع الحاجات البشرية.

­- الحالات الخاصة المتمثّلة، خصوصاً، بالحروب والثورات والاضطرابات، كما بحالات إعادة الإعمار بعد الحرب وحالات مواجهة كوارث طبيعية أو إنسانية محددة .

وهكذا، إذن، فإنّ الموجة الواضحة الأولى من "اقتصاد الفوضى" ظهرت، في مناطق عدّة من العالم، اعتباراً من القرن الثامن عشر وإلى مطالع القرن العشرين جنباً إلى جنب مع نشوء الرأسمالية الحادة ومظاهر الاستعمار العسكري (والاقتصادي) المتوحش وتعّدد الحروب والفتوحات وتنامي الثروات السريعة. وثمة أمثلة عديدة عن تجارب تلك الحقبة لعلّ أقربها إلينا، كلبنانيين وكعرب، ما رافق توسّع ولاحقاً انحلال استعمار الإمبراطورية العثمانية على مناطق واسعة في الشرق وصولاً إلى الغرب. وقد ظّهر الشاعر المغمور تامر الملاط ([9]) جوانب من حالات الفساد في أواخر تلك المرحلة عندما "رثى" المتصرف واصا باشا قبل أن يفرّ هارباً : "قالوا قضى واصا وواروه الثرى /فأجبتهم وأنا الخبير بذاته /رنّوا الفلوس على بلاط ضريحه /وأنا الكفيل لكم  بردّ حياته".

وتردّد روايات أخرى أنّ عبارة "كالابالك" ([10]) طالما كانت تدرج في موازنات مؤسسات رسمية وخاصة لتغطية دفع رشاوى في الإدارات. ودرجت في تلك المرحلة، أيضاً، عمليات شراء مراكز إدارية أو مراتب اجتماعية من السلطنة لقاء "خدمات" أو أموال.

وتماماً كما في إطار الإمبراطورية العثمانية الإستعمارية كانت حالات "اقتصاد الفوضى" تنمو، وإن بوتيرةأقلّ، على هامش أو في داخل الأنظمة الاستعمارية الأوروبية لا سيما منها تلك الفرنسية والبريطانية في الشرق أو في إفريقيا وسواهما. وكانت تلك الحالات تقتصر على تقديمات مالية محددة أو عينية مباشرة إضافة إلى إغراءات مختلفة أخرى معروفة . في المقابل ظلت قارات ، ومنها أميركا لا سيما الشمالية منها وأوقيانيا، بعيدة ، نسبياً، عن هذه الظواهر ...في انتظار "فورة" الثروات والتكنولوجيا والاستعمار...لاحقاً. وفي المطلق كان الإستعمار وتنامي الثروات مرتعاً رحباً لظهور "اقتصاد الفوضى" في تلك المرحلة.

وشهدت عمليات هذا الاقتصاد نوعاً من الهدوء والتراجع، على ما يبدو، في النصف الأول من القرن العشرين وحتى السبعينات من هذا القرن تقريباً على رغم انّ حالات عدة ظلّت تسجّل في ما بات يعرف بـ "العالم الثالث تحديدا" ([11]) وعلى هامش الحروب والثورات، بما فيها الثورة الإشتراكية. ويبدو أنّ الأزمات الإقتصادية الحادّة لا سيما منها الناشئة عن /والمكملة لـ /الأزمة الكبرى في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات، وكذلك نشوء "الدولة الراعية" عشيّة وبعد الحرب العالمية الثانية، وقيام المؤسسات  الإدارية  والقضائية  الجديدة -   يبدو أنّ  كلّ ذلك  ساهم  في  تقلّص  حجم "اقتصاد الفوضى" في تلك المرحلة.

لكن، واعتباراً من السبعينات ، بدأت تغييرات حادّة تطفو على السطح. ولعلّ أبرز تلك التغيرات إطلاق سياسات الخصخصة ، حصول الصدمة النفطية الأولى (والثانية..) والصفقات الضخمة التي رافقتها، عمليّات الإعمار خصوصاً للبنية التحتية أولاً ثم في دول غربية ( وشرقية لاحقاً) عدّة ، إلى نظام رأسمالي اكثر تحرراً وانفتاحاً (إذن واستغلالاً )، " وانفجار" الإتحاد السوفياتي ومنظومته الشرقية([12])، ثم اشتعال الثورة التكنولوجية والإلكترونية و(الرقمية) وبها ومعها العولمة المفتوحة اعتباراً من التسعينات.

وترافق ذلك مع كمّ هائل من الصفقات يندرج العديد منها في إطار "الفوضى" أو يغطّي، بشكل شبه مستمر، رشاوى أو حوادث جرمية مختلفة. وعلى رغم التوسّع الكبير لهذا الاقتصاد في تلك المرحلة، من حيث الشكل والهيكلية ومن حيث الحجم، في دول العالم الثالث خصوصاً،  لكن أيضاً في دول متقدمة عدّة، على رغم ذلك  فإنّ اللون الفاقع لـ "اقتصاد الفوضى"  تعاظم في السنوات الأخيرة، لا سيما في ظل موجة العولمة، حيث بات يصنّف غالباً، في قسم كبير من مقوّماته، تحت اسم "اقتصاد الفساد" وتميّز بالعديد من التجارب، وبأحجام اقتصادية كبيرة، وفي المقابل بانطلاق آليات جديدة للمكافحة.

 

­ ثانياً :   تجارب وأحجام

تميز العقدان الأخيران ، إذن، بتجارب "نموذجية" عدّة نافرة لـ "اقتصاد الفوضى " وتعابير الفساد، وهي تجارب كانت ، في جزء واسع منها ، قائمة سابقاً بأشكال مختلفة لكنها ظهرت حديثاً في أطر واسعة متقدمة.

 

1 - تجارب نموذجية

تتركّز التجارب الأكثر جذباً للاهتمام في مجالات "الفوضى" المختلفة، وفي إطار الفساد خصوصاً، على مناطق من العالم الثالث تميّزت إمّا بحروب واضطرابات وإمّا بتحوّل سياسي واقتصادي عميق وإمّا بعمليات إعادة بناء وثروات طبيعية. وتتفق كل تلك الدول، وبنسب عالية، على ضعف الإدارة الحكومية فيها أو على وجود سلطة مركزية حادّة (وقهريّة ) تسمح، عادة ، بحالات فساد ، أو على هزال المؤشرات الإقتصاديّة والاجتماعية ( والإدارية والقضائية) المختلفة ومنها ، أولاً مؤشر الفقر.

وتمثّل أميركا الجنوبية نموذجاً لعدة تجارب ملفتة ساهمت في تضخّمها ديون كبيرة وأزمات اقتصادية واجتماعية مختلفة. ففي الأرجنتين، مثلاً، انفجرت موجة أخيرة من الأزمات في بداية التسعينات من القرن الماضي  ووصل التضخم إلى مستويات تاريخية قلّ نظيرها (%5000) واتسعت البطالة وانهارت الطبقة الوسطى وانتشرت الديماغوجية السياسية وسيطر فاسدون على قطاعات عدة، وبلغت الأزمة مستويات عالية مطلع الألفية الثالثة حيث وصلت الديون الخارجية للدولة إلى نحو 150 مليار دولار. وكان واضحاً أنّ تهريب الثروات إلى الخارج يسير في اتجاه واحد مع تنامي الدين العام والفوضى وقدّر حجم الرساميل الوطنية المصدّرة بنحو 150 مليار دولار في  2002  أي بما يعادل حجم الديون العامة ([13]). وترددت حالات مماثلة في دول أميركية جنوبية عدّة لفساد يندرج دائماً تحت ظلال الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي والديون العالية .

وفي مناطق أخرى من العالم نما "اقتصاد الفوضى" في إطار الحرب (الأهلية أو سواها). وفي الجزائر، كما في لبنان، مثلاً، نشأت طبقة من الأثرياء الجدد استفادت من الأعمال العسكرية الوسخة والارتجاج السياسي في التسعينات للقيام بـ "أعمال" نشطة أبرزها في مجالات التهريب، عبر مرافىء غير شرعية كمرفأ "الحميز"، لسلع كالكحول والسكّر والموز والسجائر وسواها. وتفشّت "الشيبة" (الرشوة) في العديد من المواقع بحماية أصحاب نفوذ  دائماً[14]

وفي روسيا أدّى الإنتقال السريع من حال سياسية ونظامية وعسكرية إلى حال أخرى مختلفة، جذرياً، إلى نمو سريع لـ "اقتصاد الفوضى" ترافق، أحياناً كثيرة مع ارتباك أمني وحوادث وانتهى، دائماً إلى تجميع ثروات ضخمة بينما كانت مؤشرات الإقتصاد الكلّي تتجه إلى تراجع ([15]) . وفي بعض دول شرق آسيا  كأندونيسيا مثلاً سمح النمو الإقتصادي العالي، في ظل عدم قدرة الإدارة العامة على التطوّر المماثل، بحالات عديدة من "الفوضى الاقتصادية" لا منها حالات الفساد. وفي دول منتجة لمواد أوّلية، ومنها النفط، ضاعفت الثروات الضخمة الجديدة من تجارب فوضوية نشأت على هامش عمليات مقاولات أو تجارة سلاح أو تجارة نفط أو نماذج من البذخ الأسطوري.

وترى "منظّمة الشفافية الدولية" أنّه على الرغم من أنّ تجارة السلاح لا تمثّل سوى 1% من حجم التجارة الدولية فإنّ نحو 50% من المبادلات التي ينمو في إطارها الفساد هي في إطار تجارة السلاح ([16]) . وفي موازاة تركّز أبحاث البنك الدولي([17]) وأدبيات أخرى على حالات فساد في العالم الثالث، تربط المعطيات الإحصائية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بوضوح بين النمو الاقتصادي ومستوى العيش وحالات الفساد. ويشير البرنامج إلى أنّ نسبة المواطنين الذين يقعون ضحية الفساد هي غالباً محدودة جداً في الدول المتقدمة (3,1% في فرنسا، لا شيء في اليابان، 4,0 % في كندا، 2,0 % في الولايات المتحدة الأميركية) بينما ترتفع النسب في دول نامية (ومنها مثلاً مالطا 4 %، بولونيا 1,5%) وتتضاعف المعدلات في مدن رئيسية من دول نامية وفقيرة (بوغوتا­ كولومبيا 5,19%، بوينس أيرس - الأرجنتين

2,30 %، جاكرتا - أندونيسيا  9,29%، مانبال­ الهند 9,22%...)[18]

على رغم كل هذه الصورة، وعلى رغم كل هذه المعطيات، فإنّ من العبث التصّور أنّ الفساد، وسائر صنوف "اقتصاد الفوضى"، هي فقط إنتاج عالم ثالثي. أفليس الفساد، أساساً، عمل شركاء منهم، حتماً، طرف من العالم الآخر، العالم "المتقدّم" أو النامي، ثم أليست الشركات الكبرى العابرة هي إيّاها التي تتولّى المقاولات وسائر الصفقات في الدول الفقيرة وتدفع، في مقابل هذه الصفقات، عمولات غالباً ما تحددها هي. ثم أليست أنظمة عالم ثالثية عدّة جزءاً من أدوات السيطرة لدول نافذة كبرى أو لشركات كبرى؟[19]

إنّ الدول المتقدّمة، وحال "العولمة" التي ترعاها تلك الدول، ونظام الشركات الكبرى الذي ينمو في إطار هذه الحال، مسؤولة، هي أولاً وأساساً، عن تنامي مظاهر فساد عدة في دول العالم الثالث. كذلك فإنّ من الواضح، أنّ بعض أسس ومكمّلات هذه الظواهر تستند إلى عناصر دعم وقوة في دول متطورة حيث يتورّط سياسيون ومديرو شركات ورجال اقتصاد في عمليات فساد.

باختصار إنّ مشكلة الفساد، ومشاكل "اقتصاد الفوضى" عموماً هي مشاكل عالمية وإنسانية شاملة، ولو وجدت لها موقعاً رحباً في الدول النامية. أماّ كلفتها المتعاظمة فيدفع ثمنها الجميع.

 

2 - الأكلاف

يصعب تقدير حجم الأكلاف  ونتائج "اقتصاد الفوضى"  بشكل دقيق وواضح، إلاّ أنّ البنك الدولي يحاول، منذ سنوات، بناء معطيات مقبولة في إطار الحملة التي يتولاّها لمكافحة النشاطات الجرمية التي تدخل في إطار هذا الاقتصاد. كذلك يسعى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبالتعاون مع أجهزة رسمية أخرى، لقياس بعض مؤشرات هذا الاقتصاد ونتائجه.

وفي هذا الإطار، أفاد تقرير التنمية البشرية في العالم 1999 ([20]) أنّه، ربما نتيجة الضغوط المعيشية المتراكمة في حركة العولمة، تتزايد تصرّفات اجتماعية سلبية عدة ضدّ الآخرين وضدّ الذات. وأشار إلى أنّ العولمة تفتح الباب على احتمالات إجرامية وإلى أنّ عدد مدمني الأفيون تضاعف ثلاث مرات في السنوات 93­97 وإلى أنّ عدد الممارسات الشاذة الناتجة عن الإدمان تضاعف في دول أوروبية شرقية عدة وأنّ تجارة المخدرات وصلت في 1995 إلى 400 مليار دولار أي نحو 8 % من حجم التجارة العالمية سنتذاك أو أكثر من حصة الحديد والنحاس أو السيارات أو حتى النسيج (5,7% ) وما يماثل تقريباً حصة النفط والغاز (6,8%)وهي كلها قطاعات رئيسية.

وسمحت السوق المفتوحة للعديد من العصابات والتنظيمات العنفيّة المنظّمة عالمياً بالتنقّل "السهل" وبـ "توظيف" أموال في نشاطات إضافية "مشروعة" منها نشاطات في قطاعات خدماتية كالمطاعم والسفر وغير مشروعة  كالجنس. وارتفع حجم أعمال تلك التنظيمات بقوة وكان يقدّر في نهاية القرن الماضي بنحو 1500 مليار دولار سنوياً.

وحاول البنك الدولي، من جهته، بناء تقدير رصين لكلفة الفساد ووضع مؤخراً معادلة، غير محددة  تقنياً، تسمح بمتابعة هذه الآفة في نحو 200 دولة في العالم، كذلك نشر البنك الدولي تقريراً حول كلفة الفساد ورد فيه، نقلاً عن مدير برنامج "الحكم الصالح" Daniel KAUFFMANN  أنّ هذه الكلفة قدّرت، استناداً إلى حسابات 2001­ 2002 ، بنحو 1500 مليار دولار سنوياً، وهذا الرقم لا يشمل السرقة وتحويل الأموال إلى الخارج كما جرى (ويجري) في دول مختلفة عدة. وأشار، على سبيل التأكيد إلى أهمّية هذه المشكلة الأخيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلى أنّ سوهارتو (أندونيسيا) يقدّر أن يكون قد حّول إلى الخارج ما بين 15 إلى 35 مليار دولار، وأنّ كلاً من ماركوس (الفيليبّين) وموبوتو (زائير) حّول نحو 5 مليارات دولار إلى الخارج[21]

وكان حجم الاقتصاد العالمي في تلك المرحلة (2001) نحو 30 مليار دولار بما يمكّن من التقدير أنّ حجم الفساد، بدون السرقة، ربّما يكون قد بلغ، حالياً، نحو 1500 مليار دولار سنوياً وأنّ حجم النشاطات الجرمية الأخرى ربما وصل إلى 2000 مليار دولار.

وفي تقويم أشد  أهمية  لتلك  الكلفة  يتحدث KAUFMANN  عن قاعدة  بسيطة، وخطيرة، في آن هي ما يسميها  قاعدة "أربعة إلى واحد" ([22]) تقول "إنّه إذا نجحنا في مكافحة الفساد فإنّ الدخل يزداد، تلقائياً، نحو أربعة أضعاف مباشرة". ويمكن بالتالي تصوّر مدى خطورة الفساد في (هذه و) تلك المجتمعات حيث لم يعد الدخل (الفردي أو الوطني) يمثل سوى 25 % من الدخل المتاح نظرياً لشعوبها.

من جهته، وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقويماً متقدماً مستنداً إلى تجارب عملية عن حالات الفساد في عدد كبير من الدول الإفريقية والأسيوية([23]). ولاحظ التقرير، مثلاً ، أنّ كلّ  فلس يدفع فعلاً في عدد من دول إفريقيا على برنامج الإعمار يخسر المجتمع، في مقابله 5,2 فلس على جوانب فساد، وأنّ كلفة الفساد في الإدارة الرسمية يمثل (في تلك الدولة تحديداً) نحو 30 % الى 45 %  من موازنة الدولة ، كما لاحظ أنّ نحو  30 % من موارد برامج التنمية التي تقدّمها هيئات دولية "يذهب إلى السارقين"، وأنّ 30 % من كلفة الإنتاج في القطاع الخاص تستعمل لدفع مصاريف غير شرعية في مجال الفساد.

وأفاد التقرير إياه أنّ ما بين 20 % كحد أدنى وصولاً إلى 70% أحياناً من كلفة إعادة الإعمار في إحدى الدول الآسيوية سقط فساداً وسرقة، وأنّ السلطات النقدية في دولة أخرى دفعت، من الأموال العامة، نحو 70 مليون دولار لحلّ  مشاكل  مصارف "سرقها مالكوها وآخرون"[24]

ويستند  البنك الدولي  ووكالات الأمم المتحدة والأجهزة  التابعة  (أو المتعاملة  مع) كل منهما، كما الدول المتقدمة (والمانحة للمساعدات) - تستند إلى هذه المعطيات لاستعمالها في ما بات يعرف بسياسات مكافحة الفساد وإعداد الشرعة الدولية لمكافحة الفساد وضبط ومراقبة وحسن إدارة المساعدات وبرامج التنمية في العالم الثالث.

وتترك هذه السياسات، بالتالي، أثراً واضحاً على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للدول المعنية، والمجتمع الدولي عموماً، كما على مستقبل تلك الدول وهذا المجتمع.

 

­ ثالثاً  : الآثار ... والمستقبل

لا تقف آثار اقتصاد الفساد والفوضى عند هذه الحدود، الهامّة أساساً، بل تتجاوزها إلى العديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية العامة الأخرى.

 

1­- آثار إقتصادية أخرى

بعيداً عن عبء الفساد على المالية العامة، والتنمية والإنماء، يدور جدل نظري في بعض أطرافه قوامه: هل إنّ "اقتصاد الفوضى" هو فعلاً مؤذ للمؤسسات، وتحديداً لتلك الإنتاجية في القطاع الخاص، وهل إنّ الإستقرار، بديل الفوضى، هو، بالتالي، الشرط الوحيد لاستمرار وتيرة العمل والنهوض والتطور؟

في المطلق فإنّ الإستقرار، والنظامية المطلقة، ليسا، بالضرورة، المدخل الوحيد للعمل والإنتاج، بل إنّ  ثمّة تجارب عديدة، منها التجربة اللبنانية الأخيرة، وتجارب عدة في الحروب العالمية، تقول إنّ حالات الاضطراب تسمح أحياناً بصياغة مناخات للنشاط الاقتصادي العالي ولتحقيق أرباح. ثم إنّ الحرب، هي أيضاً، بالمعنى الاقتصادي للكلمة على الأقل، إطاراً لزيادة الطلب الإجمالي وبالتالي الإنتاج ومعدلات النمو ([25]) . وثمّة من يدافع عن هذه المقولة، وسط بعض الاقتصاديين الاستراتيجيين، فيقول إنّه يمكن أن يستعاض عن حرب كبيرة بحروب صغيرة متنقّلة، على ما هو حاصل في عالم اليوم، لتشغيل آلة الإنتاج ولتطوير هذه الآلة ولتجربة معادلات جديدة في المقاربات الاجتماعية الاقتصادية المختلفة.

أمّا على مستوى المؤسسات  فلا شيء ثابتاً في أنّ الترويج للإستقرار  هو شرط للنجاح. ويمكن، على عكس ذلك، أن تنشط المؤسسة الإنتاجية وأن تحقّق أرباحاً وتوسعاً في حال  من عدم الإستقرار، تماماً كما في حال الإستقرار، وربما أفضل أحياناً. والأمر يرتبط، أساساً، بمجموعة من الصيغ والاعتبارات الضرورية لحسن إدارة العملية الإنتاجية. لذلك يتزايد اهتمام البحث الإداري  بهذه الشروط وبصياغة أفكار جديدة لها في ظروف تعتبر تقليدياً، غير سليمة أو غير نظامية ([26]). ويتزايد، أيضاً، التركيز على كيفية اتخاذ القرار، الإستثماري أو الإنتاجي، في مثل هذه الظروف المعقدة والخطرة بحيث يصبح، هذا القرار، وعلى رغم هذه الظروف، متيسر النجاح والفعالية.[27]

لكنّ هذا التصوّر، على صدقيته النظرية الواضحة، نسبياً على الأقل، لا ينفي ثغرات عدة. فإذا كان الإنتاج والنمو لا يشترطان ، في المطلق، استقراراً  تاماً، فإنّ عدم الإستقرار، خصوصاً عندما يتحوّل إلى فوضى، يمكن  أن ينطوي على ثغرات تؤدي أحياناً، إلى "أعناق اختناق" للإنتاج .

من هذه الثغرات إنّ كلفة إدارة عملية الإنتاج تتّجه، حتماً، إلى ارتفاع، وإنّ التعقيدات الناتجة عن الفوضى غالباً ما تؤدي إلى برامج وسياسات إدارية تساهم، أولاً، في عرقلة الإنسياب الطبيعي والسهل لحركة العمل، كما تؤدي إلى خلق مواقع إدارية جديدة تنطوي على أكلاف وكذلك على احتمال تعثّر أحياناً. ثم إنّ الفساد تحديداً، والفوضى عموماً، يفرضان حتماً على المؤسسات دفع هوامش إضافية، عالية جداً أحياناً، لتسهيل تمرير عملياتها الطبيعية. ولا تقف هذه الهوامش عند الرشاوى الإدارية، الباهظة أصلاً، بل تشمل، أيضاً، أثمان الأخطار المعروفة في مجالات النقل والتبادل والمعلومات والخدمات الأساسية المختلفة أيضاً.

في المقابل فإنّ "الفوضى" يمكن أن "تساعد" المؤسسات على الخلق والإبتكار واحياناً الإبداع، كما "تساعد" على زيادة الإنتاجية، باعتبار أنّ "إنتاجية الحرب وعدم الاستقرار" يمكن أن تكون، بل هي  فعلاً كذلك في حالات عديدة، أفضل من إنتاجية الهدوء والسكينة والسلام، إذ يشعر المرء، باستمرار،  بتهديد يحرّضه على العمل والمواظبة والجدية[28].

لكنّ "اقتصاد الفوضى" يؤدّي، أيضاً إلى حالات أخرى غير مؤاتية دائماً، منها، مثلاً، بعض حالات الإحتكار التي تنمو في ظروف عدم قدرة مؤسسات صغيرة، أو أقلّ صغراً من الكبرى، على مواجهة مؤسسات كبرى تكون قادرة، عادة، على الوصول إلى مراكز القرار السياسي أو الإداري أو الإقتصادي بسهولة أكبر. والأسوأ  أن   بعض حالات الاحتكار تعتمد، أحياناً، وسائل عنفيّة، مباشرة أو غير مباشرة، في وجه خصومها ومنافسيها.

وتنمو، في الوقت نفسه، وفي إطار الفوضى دائماً، بعض صور النشاطات الهامشية أو الخفيّة أو "السوداء". والصحيح أنّ  "اقتصاد الفوضى" يمثّل، عملياً، المجال الأكثر تناسباً مع بعض هذه النشاطات التي تشهد، كما هو معروف، توسّعاً ملفتاً في مجتمعات غير مستقرة أو مضطربة ومنها مجتمعات دول نامية عديدة ([29]). لكنّ الصحيح، أيضاً، أنّ "اقتصاد الفوضى" قد يشجّع بعض صنوف النشاطات السرّية التي تلتقي مع طبيعته السلبية في جزء كبير منها، ومنها، مثلاً، الرشاوى والهدر والأعمال الجرمية وتبييض الأموال في قطاعات لا تعكس حقيقة النزعة الاقتصادية السليمة، كلّ ذلك على حساب نشاطات هامشية، بعضها سرّي أيضاً، لكنها تتصف بإيجابيات واسعة اجتماعياً واقتصادياً مثل حال المؤسسات الصغيرة وغير النظامية العديدة الفاعلة في دول العالم الثالث، ومنها لبنان، وبنسب أقلّ في دول متقدمة. والصحيح، أيضاً وأيضاً، أنّ بعض المؤسسات الهامشية "المشروعة" اقتصادياً على الأقل تنمو، أحياناً كثيرة، على ضفاف "الفوضى" وفي إطارها خصوصاً عندما تتولّى مثل هذه المؤسسات إنتاج أو تسويق أو تغطية نشاطات تكتسب مراراً بعض الصفات الجرمية ومنها، مثالاً لا حصراً، التهريب والتقليد وسواها.

وفي مجال آخر يتبيّن أنّ "اقتصاد الفوضى" يحسن توظيف معطيات ووسائل العولمة التجارية والتكنولوجية والمعلوماتية. ويتّضح أيضاً، كما أشرنا، أنّ عناصر هذا الاقتصاد تنساب، بسهولة ، عبر أوتوسترادات المعلومات لتمرير عمليات جرمية مختلفة بدليل الإرتفاع الكبير في حجم تلك العمليات المرصدة منذ وضع تلك الأوتوسترادات في الخدمة الشعبية مطلع التسعينات[30].

لكن، وعلى رغم أهمية هذه الآثار الاقتصادية فإنّ الآثار الإجتماعية ـ لـ "اقتصاد الفوضى"  تظل، أحياناً، أشدّ وقعاً ووضوحاً.

 

2­-آثار إجتماعية عامة

تكمن المشكلة الإجتماعية الرئيسية لـ "اقتصاد الفوضى"، كما يبدو، في تعزيز الفقر وعرقلة شروط التنمية مع ما يستتبع ذلك من انعكاسات عامة، كبرى، خصوصاً على مستوى انتهاك الديمقراطية والعدالة والحرية. وتعتبر هذه الصورة كنتيجة حتمية لهدر المال العام أو لاستشراء الجريمة في مضامينها ومعانيها المختلفة.

ويلاحظ تقرير صدر مؤخراً عن البنك الدولي وركّز أساساً على مشكلة الفساد ([31]) أنّ هذه المشكلة تمثّل العقبة الرئيسية أمام سياسات وبرامج مكافحة الفقر في العالم، وأنّ معدلات الفقر تتحرّك، في الإتجاه عينه، مع تحرّك معدّلات الفساد في الدول النامية خصوصاً. ويشير التقرير إلى أنّ الأموال التي ترصد عادة لتنفيذ خطط تستهدف معالجة بعض مؤشرات الفقر، ومنها مثلاً، خفض الأميّة أو توفير تقديمات صحية أو خدمات معينة أساسية -  هذه  الأموال التي يقدمها البنك الدولي ومانحون آخرون في الدول المتقدمة " يأخذها الفساد" بنسب كبيرة[32]

ويكرّر التقرير نفسه أنّ الخدمات الملحّة لا تصل إلى الفقراء فعلاً، كما هو مخطّط لها أساساً، بسبب الفساد الذي إمّا يدوّرها أو يحول ، ببساطة، دون تنفيذ مشاريعها.

وجنباً إلى جنب مع الفقر، يعتبر البنك الدولي أنّ الفساد "عقبة رئيسية" أمام التنمية. ويروّج البنك، كما سياسات دول كبرى، لقاعدة بسيطة مفادها أنّ التنمية تبدأ، بالتالي، بالتصدّي للفساد.

وفي إطار آخر ، فإنّ اشتداد "حالات الفوضى" يؤدي، بالتالي، إلى إعادة توزيع غير عادلة وإلى تركّز إضافي، وأحياناً حادّ للثروة. ففي مثل هذه الحال يتقلّص حجم الطبقة الوسطى، إحدى ضمانات الإستقرار، ويزداد هامش الطبقات الرازحة تحت خطوط الحاجة بينما تنشأ طبقة،  لا تكون واسعة، من الأغنياء (الجدد) الذين يزرعون مواقع نفوذ لهم  في كل القطاعات المؤثرة ([33]) . ويكتفي الفقراء في مثل هذا المجتمع - أو الأصح انّه يُكتفى لهم - بما وصفه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الرئيس الأميركي السابق، بـ  Tittytainment وهو مصطلح منحوت من عبارتي "Entertainment"(تسلية) وtits (حلمة الرضّاعة)، أي بقليل من التغذية وبقدر محدود من التسلية المخّدرة[34].

 وتعكس هذه الإشارة قدراً واضحاً من مشكلة إضافية رئيسية تظهر بنسبة أو بأخرى، في "اقتصاد الفوضى"، وبنسبة أعلى بالتأكيد، في حال العولمة المفتوحة هي مشكلة حقوق العمال  وما يعني ذلك، تحديداً،  في الأجر، أولاً، ثم في التقديمات المكملة (كالضمانات الصحية والنقل) إضافة إلى حق التعبير والتمثيل النقابي المستقل. ويستدل من عدّة مؤشرات أنّ هذه الحقوق جميعها مهدّدة وإن بحدود وهوامش مختلفة.

ويحذّر مكتب العمل الدولي من حالات عنف في العمل واستغلال واضح للعمال في ظروف الفوضى والاقتصاد المعولم ([35]) ، وكذلك من تجاوز حقوق العمال المهاجرين، ويلاحظ تقرير صدر عن المكتب ([36]) أنّ عمال المؤسسات الهامشية غير النظامية هم الأكثر عرضة للأمراض لا سيما منها تلك المنتقلة جنسياً.

وتطلّ هذه المسألة، وقضايا اجتماعية أخرى، على مسائل سياسية أكثر عمقاً وتأثيراً أبرزها ارتباط الفوضى الاقتصادية، ولا سيما منها حالات الفساد، بالديمقراطية والحرية. ويدافع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن معادلة تقول إنّ الفساد يرتبط  مباشرة بالشفافية والمحاسبة والمساءلة) [37]:

الفساد (ف) ( احتكار(إ) ) إخفاء معلومات (خ) - محاسبة ومساءلة (م)

ويرفض البنك الدولي، وأجهزة الأمم المتحدة، والدول (الغربية) الكبرى النظرية التي راج بعض عناصرها منذ العصر الذهبي للنظام الإشتراكي واستمرت تتردد بوتائر مختلفة حتى اليوم وملخّصها أنّ "الفساد"، كما "الفوضى" ، "أمراض رأسمالية" وأنّ التوحّش في ممارسة الربح لا يمكن إلاّ أن يؤدي إلى تعميق مثل تلك الأمراض. وتلتقي هذه النظرية مع تحليل يكتسب بعض الصدقيّة وفيه أنّ مسائل الفساد في الدول النامية هي، أيضاً، وكما أشرنا، جزء من نتيجة ممارسات الدول الكبرى الغربية[38] .

فمشاكل الفوضى والفساد ليست، إذن، في مذهب الإدارة الاقتصادية العالمية الجديدة "مشكلة نظام"، بل هي مشكلة ممارسة يعبّر عنها بما بات يعرف بـ "الحكم الصالح" والديمقراطية والشفافية والحرية. ونشر البنك الدولي معطيات إحصائية تربط  بين  عناصر "الحكم الصالح"، لا سيما منها المساءلة والشفافية، من جهة والفساد من جهة أخرى. وحسب هذه الإحصاءات فإنّ معدّل المساءلة، مثلاً، في مجموعة الدول الفقيرة هو في حدود 25 نقطة (من مائة) وهو إياه، تقريباً معدّل مكافحة الفساد في تلك الدول، في حين يرتفع االمعدّل إلى نحو 80 نقطة  (للمساءلة كما لمكافحة الفساد) في الدول ذات الدخل العالي (الغربية) وإلى 60 نقطة في مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط العالي . ويبلغ المتوسط العالمي نحو 45 نقطة[39] .

وينطلق البنك الدولي، ومعه أجهزة الأمم المتحدة والدول الغربية الكبرى، بالتالي، من هذه المعادلة إلى إطلاق حملة، يعبّر عنها بسياسات مختلفة في مناطق عدة من العالم - ومنها طبعاً هذه المنطقة العربية المسكينة - تقول، باختصار، إنّ المدخل إلى معالجة الفوضى والفساد ( والإرهاب أخيراً) هو، حتماً، بـ "الحكم الصالح" ومن عناصره، مرة بعد، الحرية والديمقراطية والشفافية والمساءلة والمحاسبة والإصلاحات الواسعة، وفق هذه المفاهيم، سياسياً وإدارياً وقضائياً في الدول النامية خصوصاً .

وإذا كانت هذه المفاهيم تلتقي، أصلاً وأساساً، مع القيم الإنسانية العالية فإنّ الترويج لها ومحاولة التعبير عنها واقعاً يمكن أن يغطّي تدخّلات سياسية واقتصادية غير مشروعة، وغير مقبولة، خصوصاً وأنّ ترجمة تلك المفاهيم تختلف أحياناً بين بيئة وأخرى وأنّ الإستعانة بها، بوسائل عدة، باتت، أيضاً، من الأدوات السياسية الرائجة اليوم بأشكال تدخّل تتجاوز هذه المفاهيم، أو ربما تطعنها، أحياناً.

 

3 ­  ألمستقبل

بدأ البنك الدولي، ومعه مجموعة الدول ( الغربية) المانحة، والأمم المتحدة، طبعاً، في 2001­2002 (والتاريخ، في قلب 11 أيلول) خطّة جديدة ومجموعة برامج تلتقي، كلها، تحت عنوان أساس "مكافحة الفساد" وكل ما  يندرج تحت هذا العنوان من قضايا الفوضى والجريمة.

وحدّد البنك الدولي أربعة مجالات رئيسية لعمله في هذا الإطار هي:[40]

­ توقّع واستدراك الفساد والسرقات في المشاريع المموّلة من قبل البنك الدولي (في الدول النامية خصوصاً).

­ تقديم العون (السياسي والتقني) للدول التي تطلب المساعدة في خطط مكافحة الفساد لديها .

­ اعتبار مسألة مكافحة الفساد عنصراً أساسياً من عناصر تقييم المشاريع المقترحة للتمويل وقرارات القروض لدى البنك الدولي.

­ المساهمة في الجهد الدولي الهادف إلى مكافحة الفساد.

وجنباً إلى جنب مع هذه الخطة، بل في إطارها، شرع البنك الدولي في تنفيذ برنامج لجمع معلومات تفصيلية محددة حول أسباب الفساد وأشكاله وحجمه وانعكاساته، وأعلن، مؤخراً، عن اعتماد طريقة إحصائية جديدة متطوّرة لقياس الفساد تستند إلى تحقيق ميداني مع كبار الموظفين وممثلي مؤسسات القطاعين العام والخاص في نحو 200 دولة في العالم، كما أوفد بعثات متخصّصة إلى المناطق الأكثر جذباً لحالات فساد أو التي استفادت، أو هي مرشحة للاستفادة، من دعم البنك، كبعض الدول الإفريقية والأميركية اللاتينية.

وبدأ البنك الدولي، استناداً إلى ذلك، في بناء جداول إحصائية حول مدى اعتماد مبادىء المحاسبة والمساءلة وحول فعالية الحكومات في مكافحة الفساد، أو حول الحريات الديمقراطية في مختلف الدول. وخلص إلى تثقيل هذه المؤشرات وإلى استخلاص جداول تبيّن مواقع جميع الدول، ومنها طبعاً الدول العربية، من كل من هذه المؤشرات على المستويات الإقليمية والعالمية.

واستناداً إلى ذلك، حدّد البنك الدولي مجموعة سياسات وأقرّ موازنة خاصة قدّرت بنحو خمسة مليارات دولار سنوياً اعتباراً من  عام 2002 ، تفيد أنّ موازنة قسم "الشفافية والحكم الصالح" في البنك تنفق، كما في المبدأ المعلن، "لمساعدة الدول الأعضاء على بناء مؤسسات عامة فعّالة" ولا سيما لجهة "مكافحة الفساد وحسن إدارة الإنفاق الحكومي وإصلاح الوظيفة العامة والإصلاح القضائي وتحسين السياسات الضريبية وتنفيذ برامج الحكومة الإلكترونية"[41].

وفي كانون الأول 2003 أطلق مؤتمر دولي، برعاية البنك الدولي وأجهزة الأمم المتحدة المتخصّصة، في مدينة ميريدا في المكسيك، "شرعة الأمم المتحدة ضد الفساد" الأولى التفصيلية والواضحة، وطوّر المؤتمر الدولي الحادي عشر ضد الفساد المنعقد في سيول (كوريا الجنوبية) في أيار 2004، آليات مكافحة الفساد خصوصاً لجهة تحويل العديد من مبادىء الشرعة إلى صيغ قانونية دعيت الدول إلى اعتمادها في إطار هيكلياتها الوطنية. لكنّ هذا المؤتمر لاحظ، كما مؤتمرات مماثلة سابقاً، أنّ القوانين الوضعية ليست كافية بل إنّ المطلوب هو "قناعة دولية عميقة وشرعة أخلاقية واضحة"  لمكافحة الفساد.

وأرسل البنك الدولي "بعثات نموذجية" إلى عدد من الدول المحددة التي عاشت تجارب حادة في مجال الفساد، منها، مثلاً أندونيسيا حيث يعتبر البنك أنّ البعثة حقّقت، بالتعاون مع السلطات المحلية، تقدّماً واضحاً.

واقترح خبراء البنك، نتيجة هذه البعثات، "تدابير تفصيلية منها، خفض الأرباح الممكنة للفساد وخفض الإجراءات وعدد المعاملات التي تفتح المجال للرشوة وزيادة شفافية القطاع العام عبر زيادة نشاط الإعلام ونشر المعلومات الواسعة عن الصفقات الحكومية" [42]

وعمد البنك الدولي، اعتباراً من 2004 تحديداً، إلى إطلاق مجموعة من البرامج القطاعيّة في حقول عرف عنها أنّها شهدت، في العقود الماضية، بؤراً وتجارب واسعة للفساد، ومنها، مثلاً، قطاع الصناعات الاستخراجية خصوصاً النفط. ورعى البنك، استناداً إلى ذلك "مشاريع نموذجية للشفافية" في هذا القطاع منها مشروع بناء خط الأنابيب بين تشاد والكاميرون (نحو 1050 كلم). كما نظّم البنك، في الإطار عينه، برامج خاصة بقطاع الغابات والخشب وهو القطاع الذي عرف صفقات واسعة في بعض دول أميركا اللاتينية.

واعتباراً من 2004 طوّر البنك الدولي، وبدعم من الأمم المتحدة ورعايتها دائماً، برنامجاً جديداً قديماً "لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" (بالمفهوم الدولي الأممي لهذه العبارة) وهو برنامج يتضمن، حتى الآن، نحو 40 مشروعاً تفصيلياً تطبق، حالياً، في نحو 115 دولة في العالم ومنها، طبعاً، دول عربية. وأبرز تلك القوانين ما يتعلق بتعديل التشريعات الوطنية بما ينسجم مع التصوّر الدولي "لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب"، وتدريب الموظفين على آليات المراقبة والتنفيذ، وتأليف وتنظيم خلايا المعلومات المالية في الدول ذات الحساسية الخاصة في هذا المجال ومنها، تكراراً، دول عربية.

وتركز كل تلك التدابير والإجراءات والبرامج والسياسات على توفير قاعدة قانونية واضحة وقاعدة سياسية داعمة، وهذا ما يعني "التفاتة خاصة لتطوير الديمقراطية والحريات"  يتولاها، تقنياً، البنك الدولي أو بعض أجهزة الأمم المتحدة أحياناً،  وعملياً وسياسياً دوائر أخرى في الدول الكبرى ولا سيما منها "دول القرار" في مجلس الأمن الدولي.

باختصار إنّ المستقبل يطلّ، بهذه الصورة خصوصاً، على الدول النامية أو "الفاسدة" أو "الفوضوية" بالمعنى الدارج، في القاموس الدولي اليوم. وقد يكون صحيحاً القول إنّ "التغييرات تأتي من الخارج إذا لم تنبثق من حيوية دائمة في الداخل"(42)، بمعنى أنّ خيار الديمقراطية، ولو بحدود قناعة المجتمعات الفقيرة، قد يكون سلاحاً ضدّ التدخل الأوسع المتمادي للآخرين.

لا ندخل في السياسة، لكنّ الإنغلاق المفرط والمطّعم بأشكال قهر ليس هو الرد المطلوب على كل هذا الزحف باسم الديمقراطية والحرية.

 

[1] .L'économie du Chaos": LASZLO (C).et LAUGEL(J) Ed. d'Organisation, Paris, 1998 page 50"

[2] المرجع في (1) ونقلاً، أيضاً، عن From Newton to chaos: the beginning of non linear

[3] ثمة أبحاث عديدة في هذا المجال. يمكن العودة، مثلاً، إلى البحث الغني:

l'économie informelle", GOUREVITCH(j.-p), ED le préaux clercs, Paris2002"

[4] يمكن مراجعة وثائق عدة صدرت في إطار منظمة العمل الدولية بهذا الشأن منها:

 "l'économie souterraine: concepts et mesures" (1995) et "La résurrection de l'économie souteraine" (1994) et le travail clandestin"(1997).

PESTIAN (p), "L'économie souterraine", Paris, Ed Hachette, 1989.

[5] يقدّم  د.جورج قرم إضافات وتحليلاً جديراً بالاهتمام في هذا المجال في كتابه "الفوضى الاقتصادية العالمية الجديدة، جذور إخفاق التنمية" (مترجم إلى العربية)، دار الطليعة، بيروت ,1994 لكن العنوان الفرنسي يتحدث عن "Désordre" (اضطراب، بلبلة) وليس عن "chaos" (فوضى)

[6] www.ben-vantier.com

[7] في موضوع "جيو سياسية" الفوضى يمكن مراجعة مقالات وأبحاث: www.ben-vantier.com

[8] المرجع في (5)، ص 20 وما يليها.

[9] تامر وليس شبلي كما يتردد. نقلاً عن المؤرخ الرصين لحد خاطر في "شبلي الملاّط، شاعر الأرز"، إعداد وجدي الملاّط، الناشر جوزف رعيدي، مجموعة "منارات من لبنان" (3)، بيروت، 1999 ، ص 420

[10] عبارة تركية تعني "مختلف" بما يشير إلى رشاوى.

[11] يمكن في هذا الإطار مراجعة : PEAN (p) "l'argent noir, corruption et sous développement", Paris, Fayard 1998.

[12] العبارة الدالة لـ Hélène CARRERE D'ENCAUSSE  في كتابها الجيد L'empire Eclaté Flammarion, Paris, 1978

[13] على رغم كونه قصصياً، في الشكل ، فان كتاب CLERC (Michel)  بعنوان ,BakchichA  )(Ed. Flammarion, Paris, 1976 ينطوي على معطيات ونماذج ملفتة.

[14] ثمّة أدبيّات عدة في هذا الموضوع . يمكن مراجعة سلسلة تقارير في صحيفة Le monde الفرنسية لا سيما منها تلك الواردة في أعداد 22 و42 و62 و82 كانون الثاني 2002

[15] انظر Florence AUBENAS "les friqués du chaos"  ­Libération باريس، 6/4/2004

[16] Jacques SAPIR, "Le chaos Russe", www bibelec (1997)

[17] Transparency international, - corruption in the official arms trade, U.K., April 2002.

[18] منها مثلاً التقرير السنوي للبنك الدولي حول التنمية في العالم 2004 

[19] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التقرير السنوي 2003

[20] المرجع في (11) وفيه تركيز على دور الدول المتقدمة في رعاية مظاهر الفساد في العالم الثالث. انظر أيضاً )VINAY (A.-P. في بحث بعنوان: Les drames du tiers monde sont-elles fatales? مجلة Géopolitique العدد ,16 كانون الثاني .198

[21] تقرير "التنمية البشرية 1999"، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نيويورك، 2000

[22]  Le coût de la corruption تقرير منشور على صفحة المعلومات العامة )(Nouvelles/Média  للبنك الدولي (أيار (2005

[23] المرجع في (22)

[24]UNDP, "Anticorruption",Final vrsion, practice note,February 2004

[25] المرجع في (24) ص 6 وما يليها.

[26] وتلك نظرية مستقاة، أساساً، من بعض جوانب الفكر "الكينزي".

[27] يجدر في هذا المجال العودة إلى الكتاب الجيد LASZLO et LAUGEL (المرجع في 1) لا سيما لجهة كيفية إدارة تطور المؤسسات في ظروف معقدة وغير مستقرة. أنظر، خصوصاً، ص 116 وما يليها.

[28] يمكن العودة في هذا الشأن إلى:"La théorie de la décision", KAST (R.) , ED la Découverte, Paris 2002

[29] أنظر، في هذا الشأن تحديداً : EL_CHLOUK (G), "La productivité comparéedes pays industrialisés et des pays en développement", Université de Paris 2, Paris 1983

[30] المرجع في (3) L'économie informelle لا سيما ص 29 وما يليها.

[31] المرجع في (21) أعلاه.

[32] تقرير البنك الدولي (السنوي) عن التنمية في العالم 2004

[33] يمكن لشروحات إضافية مراجعة ز فخ العولمةس لهانس بيترمان وهارلد شومان، النسخة العربية، عالم المعرفة، الكويت .1998

[34] المرجع في (33) ص .27

[35] يمكن في هذا الشأن مراجعة "La violence au travail" B.I.T Genève 2000

[36] لتقرير السنوي حول العمل في العالم، مكتب العمل الدولي، 2003

[37] المرجع في 24 ص 4

[38] PARTANT (F.), "crise et chuchotements", Ed PUF, Paris, 1984

[39] World Bank, Good governance indicators 2000/2001

[40] الصفحة الإلكترونية للبنك الدولي Nouvelles/médias ، أيار 2005

[41] المرجع في (40).

[42] راغدة درغام ، جريدة  "الحياة" ، 1 آب 2003.

The economy of anarchy: introduction to the concept, effects and future

The researcher evokes a first the novelty of the concept “The economy of anarchy “that is secured with the establishment of the capitalist system at first, while noticing the development of this kind economy in the margin or within the colonial systems. And as he evokes remarkable experiences for “ the economy of anarchy “ throughout the 2 decades where the corruption and its investments arose clearly , he considers that the effects of this anarchy were obvious countries and regions in the world, from Argentina in America south , to Algeria in north Africa and from Russia to…. Lebanon, the demonstrations of this economy was accompanied by excessive debts that caused several economic and social crises. The researcher notices that this economic system not produced by third world and does not belong only to the countries in the process of development but it also appears to be engraved in the developed nations within globalization and in the framework of the big companies in most of the cases. The international bank works with some of the UN’S to face that problem, with continuous attempts to limit the criminal activities that are part of the economy of anarchy. But the result on this forehead remains modest, compared to he effects of globalizations that open world-wide markets in front of everyone, including the organizations and the organized bands that manage gigantic capitals while investing in various legal or illegal activities which can be hardly controlled. The researcher express his fear towards the effects of the economy of anarchy and its dangers on the world-wide economical structure and its direct repercussions that reinforce poverty, and impede the development , while inviting to deploy the organized international efforts to fight and annihilate it the general collapses in the era of organized anarchy

L’économie de l’anarchie: introduction au concept, effets et future

Le chercheur évoque en premier lieu la nouveauté du concept « l’économie de l’anarchie » lié avec l’établissement du régime capitaliste libéral, en remarquant le développement de ce genre d’économie en marge ou au sein des régimes coloniaux.

Il met en évidence des expériences remarquables pour « l’économie de l’anarchie » lors des 2 dernières décennies où la corruption et ses investissements ont clairement surgi. Il considère que les effets de ce fait paraissaient dans plusieurs pays et régions au monde, de l’Argentine en Amérique du sud, à l’Algérie au nord de l’Afrique, et de la Russie au …. Liban, les manifestations de cette économie ont été accompagnées par le développement grave des dettes, ce qui a causé plusieurs crises économiques et sociales.

Le chercheur remarque que ce régime économique n’est pas le produit du tiers-monde et n’appartient pas seulement aux pays en voie de développement mais les cas de cette économie apparaissent même graves dans les pays développés et ce, sous l’égide de la mondialisation et dans le cadre des multinationales dans la plupart des cas. La Banque Mondiale et certaines organisations de l’ONU oeuvrent à faire face à cela lors des tentatives continues afin de limiter les activités criminelles qui font partie de l’économie de l’anarchie. Mais le résultat sur ce front reste modeste, face aux effets de la mondialisation avec ce qu’elle nécessite en tant qu’ouverture des marchés mondiaux devant tout le monde, inclu les organisations et les bandes organisées qui gèrent des capitaux gigantesques en les investissant dans des activités diverses légales ou non, ce qui est difficile à contrôler.

Le chercheur exprime sa peur envers les effets de l’économie de l’anarchie et ses dangers sur la structure économique mondiale et ses répercussions directes qui renforcent la pauvreté, et entravent le développement, en invitant à déployer les efforts internationaux organisés pour le combattre et l’anéantir.