إلغاء الطائفية السياسية وإمكان العيش المشترك

إلغاء الطائفية السياسية وإمكان العيش المشترك
إعداد: د. موسى وهبه
استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية

أفترض أن الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية قد شُكِّلت بموجب أحكام الدستور، وأتأمل في ما يمكن لها أن تفعل من دون أن تخرق أحكام الدستور نفسه.

الالتباس الحيوي

يمثُل مطلب إلغاء الطائفية السياسية، في مقدّمة الدستور المعدّل وفق وثيقة الوفاق الوطني المقرّة في الطائف، بوصفه هدفاً وطنيًّا أساسيًّا يقتضي العمل على تحقيقه.

إلا أنّ هذا المثول يظلُّ ملتبسًا: فالمطلوب أولاً تحقيق الإلغاء، لا فورًا، بل وفق خطة مرحلية. والمطلوب ثانيًا تحقيقه مع الحرص على "جميع الأديان والمذاهب" وضمان «حرية إقامة الشعائر الدينية»، واحترام «نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية»(المادة 9)، والإقرار بأن للطوائف حقوقًا لا تُمسّ «من جهة إنشاء مدارسها الخاصة» (المادة 11) واستحداث مجلس للشيوخ تنحصر صلاحياته في «القضايا المصيرية» وتتمثل فيه «جميع العائلات الروحية» (المادة 22). والمطلوب ثالثًا وأخيرًا تحقيق الهدف الوطني من دون مناقضة «ميثاق العيش المشترك» وفق ما نصّت عليه مقدمة الدستور نفسها.

وينبغي ألاّ يخيفنا هذا الالتباس. فمثول مطلب إلغاء الطائفية السياسية مقطوعًا عن سيرة نشأته، ما هو إلاّ تسوية قضت، من جملة ما قضت به، أن ينفصل هذا المطلب عن سياق ظهوره للمرة الأولى، في الأدبيات السياسية اللبنانية، في البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية، حيث عُدَّ خطوة ضرورية وحاسمة في الطريق إلى العلمنة الكاملة وحيث أردف، لتأكيد مرحليَّته، بمطلب إقرار «قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية». وقضت التسوية نفسها أيضًا أن يتخلَّى الدستور عما ورد في الوثيقة في باب التدابير الانتقالية: «شطب ذكر الطائفة والمذهب عن بطاقة الهوية».

وينبغي بالأحرى أن ننظر إلى هذا الالتباس الحيوي في النص التأسيسي إيجاباً. وهو نص عليه بالضرورة، شأنه شأن كل النصوص التأسيسية، أن يكون حصيلة تسوية. وقد ظهرت حيوية هذا الالتباس على أكمل وجه، في المواقف المعلنة، في التحركات الأخيرة بمناسبة الإعراب عن الرغبة في تشكيل الهيئة الوطنية المولجة دراسة السبل الآيلة إلى تحقيق الهدف الوطني الأساسي إياه، باعتبار التشكيل استحقاقًا دستوريًّا (وفي المواقف التي سبق أن أعلنت أواسط التسعينيات المنصرمة بمناسبة الحديث عن تشكيل الهيئة العتيدة).

 

إجماع اللبنانيين سلبًا وانقسامهم إيجابًا

لو شاء المرء أن يرسم اللوحة الكاملة للمواقف المفصَح عنها، لغطّت مروحة المواقف كامل الدائرة، بحيث لا يبقى لقائل جديد إلاّ أن ينتسب إلى موقف مُعلم سلفًا. فيكون رأيه «الجديد» بمنزلة إبراز لبطاقة هويته وإعلان لنسبه، لشدة مطابقة الموقف للانتماءات السوسيولوجية والسياسية.

ومع أنه لم يبقَ طرف أو شبه طرف، ولا تجمُّع أو شبه تجمع، إلاّ وأدلى بدلوه في المناسبة، فإن المواقف على كثرتها، لا تتعدَّى تعداد الطوائف الرئيسة في البلاد أو الأطراف السياسية البارزة في هذه الطوائف. وتراها تراوح بين مؤيّد مطالب بالإسراع في التنفيذ، ومستنكر مذَكِّر، أو بالأحرى ملوّح، بالخطر المتربِّص بلبنان نفسه من جراء ذلك. وترى، بين الطرفين المتطرفين، وكما هو متوقع تمامًا، مؤيّدًا للإلغاء لا يرى داعيًا للتسرُّع، بل تراه يودّ بالأحرى أن يطمئِن الآخر ويمهله، ومستمهلاً يريد إلغاء الطائفية من النفوس قبل إلغائها من النصوص، وآخر متجاوزًا الإلغاء إلى فصل الدين عن الدولة وملوّحًا بالعلمنة الكاملة في وجه رافض مستبعد لها.

وقد يخيّل للمتابع، ولمستكشف المخبوء خلف المقروء، أن اللبنانيين ما زالوا منقسمين في العمق حول ما يسميه الدستور هدفًا وطنيًّا أساسيًا إلا أنه سرعان ما ينتبه إلى أنهم، على انقسامهم العميق متفقون، بل مجمعون في صريح عبارتهم على ثلاث:

- رذل الطائفية، باعتبارها علّة العلاّت و«المرض الذي يجب الشفاء منه»، والتخلُّص من «التشوُّهات النفسية والفكرية وحتى الوطنية» التي خلَّفتها.

- نبذ العنف والقهر كوسيلة لتحقيق الأهداف المرجوة التي لن تتحقق إلاّ بالاقتناع والتوافق والوسائل الديمقراطية.

- الإصرار على الحفاظ على التعدُّد اللبناني والتنوُّع في إطار الوحدة ما يعني أن إلغاء الطائفية السياسية لا يعني إلغاء الطوائف بحال من الأحوال.

وقد يحسب المتشائم – ولطالما حسب – أن إجماع اللبنانيين السالب هذا: لا للطائفية، لا للعنف، لا لإلغاء الطوائف، إن هو إلاّ «تكاذب مشترك». إلاّ أن المتشائم لا يذهب إلى أبعد من إعلان الرأي ولا يستطيع الإجابة عن مثل هذا السؤال البسيط: «لماذا يتكاذب اللبنانيون».

 

«ميثاق  العيش المشترك» زاوية للنظر

أود بالأحرى أن أقرأ في هذا «التكاذب المشترك» حسًّا مدنيًّا مشتركًا يمكن البناء عليه وتطويره. وأقول: إن انقسام اللبنانيين إيجابًا وإجماعهم سلبًا، إن هو إلا علامة على تمسكهم بروح الاجتماع المدني، وحرصهم المشترك على إطارهم الجامع على الرغم من انقسامهم، بمعنى حرصهم على قبول الغير مع الإقرار باختلافه عن الذات، أعني مع الإقرار بغيريَّته.

وأقول: يمكن البناء عليه وتطويره، لأنه يمكن أيضًا طمسه واستبعاده بطرائق شتى، ومنها أكثر النوايا حُسنًا وطُهرًا، هذا إن لم يجد القول لنفسه موقعًا وطنيًّا شاملاً، لا موقعًا فئويًّا يقضي وقته وعمره في ستر فئويته، وإن لم يوضح الأساسي من الأمور في صيرورته إلى الشفافية.

والزاوية الوحيدة الباقية لإطلاق القول الوطني هي تلك التي يحددها الدستور نفسه حين ينص في خاتمة بنود المقدمة على أنه: «لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». فهذا الميثاق هو الزاوية والمبدأ الذي لا يعلو عليه مبدأ آخر، والسقف الذي لا سقف فوقه فلا يتخطَّاه أي اشتراع. فالعيش المشترك، في صريح النص واحتمالاته، لا يمكن أن يعني سوى تعايش المسلمين والمسيحيين بما هم مسلمون ومسيحيون لا بما هم أحزاب وعائلات أو عشائر أو دساكر أو فئات اجتماعية مهنية أو طبقية.

هذا العيش المشترك وميثاقه، أي اجتماع المتغايرين على تغايرهم لا على تماثلهم، هو الذي يجب إذن أن يكون الحكم والمقياس الذي به تقاس المواقف قربًا أو بعدًا فتُقبل من حيث توضِّح معنى «المشترك» وتدعمه وتُرذل من حيث تناقضه وتضعفه. وهو المعيار الذي أعتمد في نقدي للتطرف والعقلانية المبسّطة، وفي سعيي إلى إعطاء مضمون إيجابي لإجماع اللبنانيين السّلبي.

 

تماثل المتطرفين

هكذا، حين يعلن اللبنانيون عن أنفسهم لا تجد أحدًا، أو تكاد لا تجد أحدًا، يناصر الطائفية. بل ترى كل واحد يعلن، على طريقته، رذله هذه البغيضة والتبرؤ منها. إلا أن لهذا التبرؤ حدودًا واحتمالات تراوح بين حد المعاملة بالمثل والإقرار بالمساواة وحد التفاوت في الإقرار بحق السلطة وتولي الأمر ووجوب الطاعة.

فأن تكون في إعلانك ضد الطائفية لا يعني أن تكون بالضرورة مع نقيضها الواحد، إذ ثمة احتمالات لا تُحصى لما يمكن أن تكون في إسرارك حين لا تكون مع الطائفية في إعلانك. ولنقل، بصورة عامة والخط العريض، أنه يمكنك أن تعلن أولاً: لا للطائفية نعم للإسلام، ويمكنك أن تعلن ثانيًا: لا للطائفية نعم للعلمنة الشاملة الكاملة. ويمكنك أن تعلم ثالثًا: لا للطائفية ونعم لإلغاء الطائفية السياسية منها وحسب، وتتنوَّع هنا إلى مرجئ ومستمهل.

ويبدو إعلانك في «أولاً» و إعلانك في «ثانيًا» على طرفي نقيض. فالـ «نعم» للإسلام بوصفها دعوة إلى إقامة حكم الإسلام السياسي، تؤسس السياسة على الشرع والنقل، في حين أن الـ «نعم» للعلمنة الشاملة تؤسس السياسة على القانون والعقل. إلا أن مثل هذا التناقض الظاهر يتحوَّل في الواقع اللبناني إلى تماثل فعلي.

والتماثل بين المتطرفين يظهر في المسائل الأساسية التي تهم الاجتماع الإنساني، ويظهر على الأقل في الموقف من الذات والغير المغاير، وفي تصور علاقة الخاص بالعام، والجزء بالكل، وفي نوع الوحدة الاجتماعية المقترحة علينا، وأخيرًا في الوسيلة الوحيدة المتبقية لتحقيق الغرض المنشود.

 

مراوغة الرافضين

يلجأ الرافضون لإلغاء الطائفية السياسية إلى المراوغة. فالمسلمون منهم الخائفون على ذهاب بعض المكتسبات التي حصَّلوها في الطائف يغلّفون رفضهم بالتضامن الوطني مع المسيحيين، والمسيحيون منهم يغلِّفون خوفهم من تكرار ما يحصل مع مسيحيي العراق ومصر ومن انتقال القيود المفروضة على ممارسة الشعائر وبناء الكنائس إلى لبنان، أقول يغلّفون هذا الخوف بمحاولة تأجيل الاستحقاق الدستوري إلى حين إلغاء الطائفية من النفوس أي إلى الأبد.

 

مناقضة المطالبين

من الواضع أن المطالبين المصرّين، وهم قوة سياسية فعلية في لبنان، يرفضون معًا وفي الوقت نفسه الطائفية السياسية والعلمنة الكاملة. فيذهب بعضهم إلى أنه لا يمكن أن ينشأ في لبنان، وفي مجتمع تعددي، دولة ذات صبغة عقائدية أو دينية أو مذهبية معيّنة إلا بالتوافق والقناعة. وبانتظار ذلك لا يسعهم إلا أن يرفضوا العلمنة بسبب «أننا محكومون بالشرع، والشرع عندنا فوق الشخص، التشريع عندنا من حق الله وحده».

ويطرح آخرون الإسلام من زاوية البحث عن النظام الأمثل لكرامة الإنسان في أي مكان. وهم إذ يرفضون الطائفية والتطييف يؤكدون أن هناك فرقًا بين الإسلام بمعناه الفكري والسياسي والعقائدي وبين الطائفة. «الإسلام ليس طائفة»، يقولون: «الإسلام فكر ونظام».

وصحيح أن إسلام الإسلاميين يعترف بالأديان السماوية الأخرى ويفسح لها حيزًا من الحياة وربما حيّزًا من الحرية النسبية في ظلِّه، إلا أن استيعابه لمللٍ لا يتم إلا بفضل تحويلها نسبيات وتحويل ذاته مطلقًا. وما يشكِّل إطار الوحدة الجامع هو مطلقه الخاص به لا مطلقاتها منفردة أو مجتمعة، ولا أي مطلق آخر يقع خارج الجميع. في أحسن الأحوال يستعيد مطلقه هو ما يناسبه من مطلقاتها. وفي سعيه إلى إقامة الوحدة الاندماجية أو التكاملية يجعل من خاصته هو العام الأعم، ومن خاص «الملل» الأخرى الخاص والأخص.

ليس هناك إذًا من «عيش مشترك» في هذه الدعوة بين متساويين على تغاير بل اتحاد بين مُستردِف ومُستردَف، بين غالب ومغلوب. ومن الواضح أن قبول الواحد لغلبة الآخر على هذا النحو، لن يحصل إلا بالتوهيم أو بالقوة والعنف. ولن يستمر إلا باستمرار ذلك. وعلى الأخص بما يناقض ظاهر الدعوة نفسها وادّعاء شرط التوافق والقناعة واستبعاد الإكراه. هذا فضلاً عن مناقضة ميثاق العيش المشترك.

 

نقد العلمانيين

تبدو المسألة أكثر غموضًا وتعقيدًا بالنسبة إلى دعوة العلمنة. فهذه على الرغم من ضمور حجم دعاتها، بفعل المتغيِّرات الإقليمية والدولية، ما تزال تجد دعاة صريحين لها أو سائرين في خطى هديها في الإصلاح الاجتماعي والطبابة السياسية «لأمراض المجتمع المزمنة». فمن الدعوة إلى «إخراج الناس من عصبياتهم الضعيفة إلى العصبية العامة... باتجاه المجتمع» إلى «هدم الأسوار بين الأفراد وبين الجماعات والطوائف، إلى الدعوة إلى النظام التوحيدي» و«المجتمع الانصهاري»، منطق واحد وعقلانية واحدة تملي الاستراتيجيات وتعيّن التدابير.

وتظهر الدعوة إلى العلمنة، بدءًا بمنزلة إطار عقلاني شامل ومتوازن، يقف على مسافة واحدة من الجميع لأنه يتعالى على الجميع باسم ملكة يزعم تقاسمها بالتساوي بين الجميع إلا أنها تتكشف في الحقيقة عن أشياء أخرى. فالعلمنة توجب، أساسًا، أن يكون الدين لله وحده، وتفصل ما بين الدين والدولة. فترى أن العلاقة الدينية علاقة عمودية بين المؤمن وربّه، وعلاقة مستقلة عن علاقة فرد بأمثاله بالمجتمع أو مغايرة لها، وفق استقلال العقل عن القلب أو مغايرته له عند الكائن البشري. وتذهب إلى أنّ للبشر أن يختلفوا في القلب والغيب والرجاء، أما أن يختلفوا في العقل، والعقل «أعدل الأشياء قسمة بين الناس»، فذلك من فساد المزاج واختلاطه، ومن مرض طارئ أو نضج غير مكتمل. وسرعان ما تعود الأمور إلى نصابها حين يحتكم الجميع إلى ما يجب أن يحتكموا إليه أو ينبّهوا إليه.

ربّما يطابق هذا التصور مرحلة من مراحل العقلانية «التنويرية» أو تصور طائفة من العلمانيين (والملحدين وغير المصنفين) وربما كان لا يناقض تصورات فئة من المسيحيين في لبنان، إلاّ أنه لا يطابق تصور فئات أخرى، بل تراه يعارض صراحة تصورات معظم الطوائف الإسلامية مثلما أعلنت هي عن نفسها.

وهكذا تتحول الدعوى إلى العلمنة في لبنان من دعوى عقلية كلية إلى دعوى فئوية ترفع خاصًا معيًّنا إلى المطلق في حين تحيل مطلقات الآخرين إلى نسبيّات. ولا يمكنها أن تجعل من دعواها وعقلانيتها إطارًا لوحدة جامعة للمتنوع إلاّ بإنزال المتنوع منزلة دنيا في تراتبية الوحدة، ونسبته إلى زمن غير الزمن المستقبل على أقل تقدير. ومن الواضح أن الاستئثار بالواجهة وبالمستقبل أمر لا يتم إلا عن طريق التوهيم أو عن طريق القوة والقهر ولا يستمر إلاّ باستمرار وسائله هذه.

 

نقد الديمقراطية المبسّطة وكل انصهارية مقبلة

أراني رحلت مرحلة العلمنة بسرعة فائقة، ولم انتبه إلى إمكان تجزئة التدابير العلمانية، وهو إمكان حاصل. قد يقول الإسلامي: «يمكن أن نكون مع العلمنة الشاملة ما لم تمس الأحوال الشخصية وحرية المعتقد»، وهذا يعني أنه لا يوافق على الزواج المدني ونظام الإرث المساوي بين الذكر والأنثى واحتمال تغيير المرء لمعتقده الديني. وهو يستند في ذلك إلى أحكام الشرع الإلهي، أي إلى نص يخرج عن دائرة التحوُّل والتغيّر في الزّمان والمكان. وهو نص لا يملك الشريك الآخر حق مناقشته فيه على أي حال... لكنه في الوقت نفسه يفسح المجال أمام المحصلات العلمانية الأخرى، كالانتخاب المنفلت من القيد الطائفي والوحدة الانصهارية وحكم الأكثرية. وهو يسكت عن إسقاط حق الولاية لغير المسلم لاعتقاده أن حكم الأكثرية في لبنان يضمن سلفًا هذا الإسقاط. ولعله لا عيب منطقيًّا في الدعوة إلى حكم الأكثرية العددية، بوصفه المطلب الأبسط للنظام الديمقراطي القائم على الانتخاب العام. إلاّ أنّ ثمة عيبًا واقعيًا يقوم على الاجتزاء من جهة وعلى تجاهل الواقع من جهة أخرى.

فالديمقراطية المبسَّطة نظام متكامل قائم على عد المجتمع مجموعة من الأفراد المتساوين، ذكورًا وإناثًا، في الحقوق والواجبات، وحريص بالأخص على حقوق الإنسان والمواطن بما فيها حريّة تغيير المعتقد وحرية الانتساب الطوعي إلى تجمعات بشرية مصطنعة، ومستند في النهاية إلى قانون وضعي يضعه بنو البشر وفق اجتهادهم الخاص وإوالية معيَّنة لا تمت بصلة إلى تعالي الشرع عن التبدل. وهكذا يتبدَّى اجتزاء النتائج من دون المقدمات عسفًا لا يبرره سوى تقديم الصلة الفئوية.

ويتجاهل مطلب الديمقراطية المبسّطة في لبنان واقع العائلات الروحية اللبنانية، وشرعة «ميثاق العيش المشترك». فيظن أن تجاوز الحالة الطائفية ممكن بجملة من التدابير الإدارية: كجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة وتشديد مركزية السلطة السياسية. وغاية طموح هذا التبسيط الوصول إلى حالة انصهارية تذوب فيها الخروقات والتمييزات وتندرج فيها الأقلية تحت وطأة الأكثرية، موفرة بذلك عناء البحث عن حلول خاصة.

وهكذا يبدو كل تبسيط نوعًا من التغليب والاستسهال مشدودًا بأنموذج الوحدة الاندماجية المتراصَّة، كأن صناعة الوطن إعداده للمناطحة العسكرية في معركة واقعة لا بد في القريب العاجل المؤجّل دومًا.

تبدو الوحدة المقترحة علينا، في جميع الأحوال، نوعًا من الجَملة (من جَمَل جمْلا وجَملة أي جمع وألصق) وهي وحدة تتسامح بتنوع ما، هذا صحيح إلا أنه تنوع في الدرجة تابع لدرجة حضور الحقيقة الواحدة وتفاوت نقائها في كل رتبة. فلا حقيقة للفرد إلا في الجماعة ولا حقيقة للجماعة نفسها إلاّ في الكل المتمثل في جماعة بعينها، أو نخبة بعينها أو رأس واحد بعينه. ولا سبيل إلى إصلاح هذه الجَملة أو التساؤل عن جدوى العناء في سبيلها. فجدواها واقعة أبدًا في الخارج منها، في القريب القريب أو الآن المقبل حتمًا، أي في صيرورتها إلى الجملانية أو التوتاليتارية كما يقول الأجانب.

 

نقد التدابير المرحلية

لا تغيب هذه الحال عن بال المطالبين بإلغاء الطائفية السياسية، مثلما لا تغيب حدود الإلغاء التي يفرضها الواقع التعددي اللبناني. فالقول: لا للطائفية نعم لإلغاء الطائفية السياسية منها وحسب، قول مؤلّف من نفيين متتابعين، أو قل من نفي واحد مكرَّر بصورة معدّلة: فهو بدءًا يرفض الطائفية ككل ثم يعدل عن ذلك ليرفضها من حيث هي سياسية وحسب. هو يبقي إذًا من الطائفية كل صفاتها الأخرى غير السياسية، وعلى سبيل المثال كونها طائفية اجتماعية وثقافية بالمعنى العريض، ومتعلقة تعلقًا ما بالدولة إذ لا  فصل للدين عن الدولة عند فئات واسعة من اللبنانيين.

وآخذاً بهذه الحدود الواقعية إنما يوصي الدستور باحترام نظام الأحوال الشخصية، ويقرّ بحق الطوائف في إنشاء مدارسها الخاصة، ويستحدث مجلسًا تتمثل فيه جميع العائلات الروحية.

وأخذًا بهذه الحدود الدستورية إنما يوصي المطالبون باعتماد التدابير المرحلية التي تمهّد بالحسنى والتدريج إلى فك الارتباط بين التمثيل السياسي والانتماء الطائفي.

وبداية، لا يبدو مطلب فك الارتباط هذا مطلوبًا لذاته بل من أجل تحقيق المساواة بين الجميع أمام القانون، وتكافؤ الفرص بما فيها فرص تولي الأمر وممارسة القدرة واستحقاق الطاعة. إلا أنه سرعان ما يتبيَّن أنه علاج لشعور طائفي بالغبن والحرمان من الحقوق المشروعة التي يجب أن تعود لمذهب ما.

ولأن الشعور الطائفي حاصل تاريخي متأصِّل في النفوس فإن التمهيد المرحلي ينصبّ على معالجة الشعور الطائفي كي لا يَحِل غُبن لاحق محل غبن سابق، أو كي يطمئن الخائف على مجرّد الوجود.

والتدابير المقترحة لمعالجة تأصل الشعور الطائفي في النفوس، بمعنى التحيّز والتعصب والاستئثار، لا تعدو كونها تدابير تنظيمية وتربوية، هادفة إلى تغليب الشعور الوطني العام على الشعور الطائفي الخاص. وتراها لا يلزمها من أجل ذلك سوى توحيد كتاب التاريخ لبناء ذاكرة وطنية مشتركة، وتنظيم التربية والتعليم على أساس نبذ التفرقة والعنصرية والعداء للآخر، وجملة أخرى من التدابير القانونية التي تبدأ بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة أو بإعادة التقسيم الإداري أو بمنع الفرز والتهجير وتغيير الملكية، وتنتهي بالتوصية على أحزاب مختلطة، وتنشيط العمل النقابي والقطاعي والمهني. أي بإحلال مبدأ آخر للتمييز ومعايير أخرى تكون لا عمودية وموروثة بل أفقية وجزئية وطوعية.

ولا يلزمها ثانيًا، بالإضافة إلى ذلك وشبهه، سوى الوقت والكثير من الوقت. ولا عيب إجرائيًّا في هذه التدابير ولا مأخذ عليها من حيث هي محاولات لتخفيف حدة الانقسام العمودي في المجتمع أو لتنويع هذا الانقسام إيجابيًّا. وإن كان ثمة من مأخذ فهو في اقتراحها كبديل مرحلي شافٍ مما نعانيه.

والوقت الطويل الذي يلزم (من 25 إلى 50 سنة حسب بعض المصادر) إنما يلزم لأحد أمرين: إما تجاوز الفرق (التخلف) الذي يفصلنا عن النموذج الليبرالي الغربي، وإما صيرورة المجتمع الواحد الموحّد في أحلامنا الجملانية، وفي الحالين تشخيص واحد: ينتابنا قصور (أو مرض) يمكن تجاوزه (أو الشفاء منه) بالطبابة أو بالتطور.

غير أن هذه التدابير المطروحة على هذا الوقت الطويل لطمأنة الخائف المتوجس تبدو غير كافية للطمأنينة وغير مرضية للمنتظر. فهي تدابير لا تملك حجة برهانية على نجاحها في ما تسعى إليه ولا تستطيع أن تحتج بواقع ماثل تحيل إليه.

فاللحاق بالنموذج الليبرالي الغربي أمر مستبعد سلفًا لاستبعاد المقدمات الواقعية التي أملت علينا الاكتفاء بإلغاء الطائفية السياسية من دون الذهاب إلى حد العلمنة الشاملة.

والرهان على عامل الوقت ليغيّر ما في النفوس ضرب من الخيال، لسببين على الأقل:

أولهما: أنّ تجربة الأنظمة الجملانية برهنت أن جيلاً كاملاً من التوحيد التربوي والسياسي والثقافي لم يوحّد شيئًا. وأن شعور الانتماء الطائفي والقومي بقي حيًّا متقدًا تحت رماد «الصراع الطبقي والأممية العمالية».

وثانيهما: أنه لم يتم إثبات اختلاف الزمن القليل القادم إثباتًا قاطعًا عن كل الزمن السابق المستطيل على طول عمر الطوائف والمذاهب، إختلافًا يسمح باستنتاجات لم تكن ممكنة في أي مكان آخر من قبل، وتصير ممكنة هنا بعد تدابيرنا المقترحة بروية وطول إمعان.

 

عود على بدء: التفكر في شروط العيش المشترك

وهكذا ترانا نعود إلى الحيرة الأولى نفسها: يجمع اللبنانيون على السلب ويختلفون على الإيجاب، وكأن كل الحلول المقدّمة لم تتقدَّم إلاّ لتثبيت الاختلاف والانقسام: فلا مطلب الحكم الإسلامي بدا مطلبًا جامعًا (هذا إن لم يكن مشروع فتنة لا يريدها أحد)، ولا مطلب العلمنة بدا قابلاً للحياة والتأييد (هذا إن لم يكن مجرّد مراوغة لم تعد تنطلي على أحد)، ولا مطلب إلغاء الطائفية السياسية استطاع، بتدابيره المؤجلة، أن يهدِّئ من روع القلق أو يطيل صبر المتعجّل.

وحين نستبعد المطلبين الأولين لمناقضتهما «ميثاق العيش المشترك» لا يبقى أمامنا سوى مطلب إلغاء الطائفية السياسية لنرى كيف نتدبر أمره فنملأه بمضمون إيجابي يخرجنا من عمومية «الدولة المدنية» من دون أن يوقعنا في مجرد فراغ: «وحدة القلب والقالب»، وتوحيد الشعب اللبناني: «وشد أواصر الوحدة الوطنية» و«تصليب الشعور الوطني على حساب الشعور الطائفي»، إلى ما هنالك من مسارب تعيدنا من حيث أتينا.

والمطلوب بالأحرى التفكر في كيف نلغي الطائفية السياسية، أو سياسية الطائفية من دون أن نمعن قدمًا في إلغاء الطوائف؟ ومن دون أن نمضي قدمًا، من ثم، في إلغاء الطائفية؟ وكيف يمكن أن نبقى على الطوائف من دون أن نلغي توازن الطوائف؟ وكيف يمكن أن نلغي سياسة الطائفية من دون أن نلغي مشاركة الطوائف مشاركة متوازنة في ممارسة السلطة وتولي الأمر وباختصار: كيف يمكن أن نلغي سياسية الطائفية من دون أن نلغي شروط العيش المشترك؟

 

لكن ما العيش المشترك؟ وما شروط إمكانه؟

وبدءًا، لا عيش مشتركاً إن لم تشترك فيه أطراف مختلفة أو متغايرة بالأحرى. وإن لم تكن الأطراف المتغايرة حاضرة ومقبولة بكل غيريّتها على قدم المساواة في ممارسة السلطة والتمتع بالحقوق.

وإذا كان العيش المشترك في لبنان هو، في الأصل، عيشًا مشتركًا بين المسيحيين والمسلمين، فإن ميثاق العيش المشترك يقضي بأن يبقى المسلمون وأن يبقوا مسلمين، وأن يبقى المسيحيون وأن يبقوا مسيحيين لا أن يتحولوا معًا شيئًا ثالثًا، ولا أن يتحولوا طرفًا واحدًا من الطرفين.

وإذا كان من الصعب تصوُّر بقاء الطوائف طوائف مشاركة على قدم المساواة من دون أن تشارك في السلطة كطوائف متساوية فإن من الأصعب تصور أسباب أخرى غير المشاركة في ممارسة السلطة للحفاظ على التوازن والمساواة.

لكن أي وحدة مجتمعة هي تلك التي تجمع متساوين ومتوازنين من دون غلبة وقهر؟ وهل يمكن تصور وحدة متينة من دون أن تكون وحدة إلغائيّة؟ وحدة لا تكون أجزاؤها مندمجة بعضٌ في بعض، ولا متكاملة في الكل، بل مختلفة وحسب؟ وحدة لا يكون فيها العام قابضًا على روح الحقيقة المضمرة بشكل متفاوت في كل جزء، بل عام يختلف عن أجزائه طبيعة ووظيفة وزمن تكوين!

 

العيش المشترك ومعنى لبنان

وليس سَوْق المسائل إلى هذا الحد تضخيمًا لها أو تعجيزًا لمطلب الحل، بل هو اقتراب بها من فكرة لبنان ومعناه الذي يُعَبَّر عنه بلغة بسيطة: وطن لتعدد الطوائف وتعايشها. وما يجب التفكر به هنا، لا ينفصل عما يجب التفكر به في جملة ما يطرحه الدستور وميثاق الوفاق الوطني. ويمكن أن ندرج الأسئلة في سياق واحد: كيف يمكن للبنان أن يكون وطنًا نهائيًا وأيضًا عربي الهوية والانتماء، طوائفيًّا وأيضًا ديمقراطيًّا. تتنابذ طوائفه وأيضًا تتعايش. لا تمييز فيه بين أبنائه وأيضًا لا غلبة لأكثرية على أقلية؟

والإشكال كله في هذه الكلمة الصغيرة: «وأيضًا»، ونجاح التفكُّر والتدبُّر هو في تحويلها من أداة عطف وإلصاق ظرفي أو قسري إلى أداة تأليف دينامي. أي في تحويلها إلى معنى: «وفي الوقت نفسه» و«من حيث هو»، فنقول لبنان وطن نهائي من حيث هو عربي الهوية، وديمقراطي من حيث هو طوائفي (وفي الوقت نفسه)، وطوائفه تتنابذ من حيث هي تتعايش (وفي الوقت نفسه) الخ...

تلك فكرة لبنان الجديرة بالاعتبار، وذاك ما يدعونا إليه على كل حال «ميثاق العيش المشترك» الذي دفعه اللبنانيون إلى مستوى الشرعية الأسمى وجعلوه مصدر كل مشروعية. ومذ أن فعلوا ذلك لم يعد بالإمكان اجتراح الحقائق بصدد الاجتماع اللبناني من أفكار نتفكرها في صفاء التجريد ونقاء القياس العقلي، ولا استلهام نماذج قائمة في غير محل. وصار علينا أن نستنبط حلولنا بأنفسنا نسند ما نستنبط بإرادة متصلة لتعايش الذات مع الغير.

وفق ذلك إذا، وطبقًا لمقتضيات العيش المشترك إنما ينبغي التفكر الآن في ما يهمنا هنا: إلغاء الطائفية السياسية من دون إلغاء الطوائف.

 

الإلغاء في ضوء العيش المشترك

أوّل ما أتساءل بصدده، في هذا الضوء لماذا ترذل الطائفية بإطلاق، فنضطر إلى إسرارها وإعلان نقيضها؟ هل نحن مازوشيين أم مجرد مراوغين؟ أليس الانتماء الطائفي نوعًا من الانتماء الاجتماعي أرقى من الانتماء العشيري وقربى الدم وخروجًا من الأنانية الضيّقة؟ ألا تشكل الطوائف بما هي عائلات روحية أشكالاً من التضامن متعددة الوظائف تطاول مختلف وجوه الحياة الفردية والاجتماعية. ألم تضفِ الطائفية على لبنان بعداً وغنى؟

ألا ندين بديمقراطيتنا «الفريدة» في الشرق إلى ما «ابتلينا» به من تعدد للطوائف، وامتناع للاستبداد امتناعاً عمليًّا؟ أليس ما يشغل العالم المعاصر هو بالأحرى: كيف يمكن تخفيف وطأة الدولة على المواطن المفرد الأعزل، وما هي الوسائط الكفيلة بردع طغيان رجالات الدولة، باسم الدولة، وما هي البدائل التي ستملأ، بما يناسب، الفراغ القائم بين برودة القانون وكليته وضمير الفرد ودخيلته؟ ألا يؤمن الاجتماع اللبناني المركب، في مزجه «القديم» بـ «الحديث»، وتنويع انتماء الفرد وأبعاده الكيانية، نوعًا من الوسائط والبدائل التي تتوسط بين الدولة والاجتماع المدني، وبين فردية الفرد وتسلط السلطان فتمنع هذا من صيرورته طغيانًا وتتيح لذاك صعدًا متنوعة للتعبير عن الذات وتحققها؟

لا يصح إذن رذل الطائفية بالمطلق، بحجة آثارها المدمّرة وحدها في الحروب «الطائفية» إذ أنّ الحروب ضمن الطائفة الواحدة كانت أقسى وأدهى على ما يبدو.

فربما كان المطلوب فحسب حل الإشكال القائم بين الانتماء إلى الوطن والانتماء إلى الطائفة، وإذا كنّا نملك حلاّ نقترحه على أبناء الطوائف المختلفة لمعالجة الإشكال الناجم عن ارتباطهم بالوطن وارتباط طوائفهم بمرجعيات روحية خارجية، فإن في مقدورنا التفكير في حل الإشكال الناجم عن الانتماء الطائفي ومطلب المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص بما فيها فرص تولي الأمر وممارسة القدرة واستحقاق الطاعة. ولأجل حل هذا الإشكال إنما اقتُرِح «إلغاء الطائفية السياسية» وعدّ تحقيقه «هدفًا وطنيًّا أساسيًا».

والحل الأمثل لهذا المطلب وفق ما تقدم من ملابسات، واستهداء بميثاق العيش المشترك، وفق ما تقدم من معنى للعيش المشترك يتمثل في:

قراءة إلغاء الطائفية السياسية بوصفه فكًا للارتباط بين التمثيل السياسي والانتماء الطائفي.

فمع الحفاظ على توازن السُّلطات واستقلالها، سوف يعني الإلغاء عدم تخصيص أي طائفة بأي منصب، بل مداولة المناصب جميعها والتناوب عليها.

من دون أن يعني ذلك الإخلال بالتوازن الدقيق لمشاركة الطوائف وحقّها في ممارسة السلطة.

ويمكن للنفوس عندها أن تبقى كما هي، بل يجب أن تبقى على اختلاف وتغاير، كي تستطيع أن تراقب وتحاسب، أن تعارِض وتُعارَض.

ويمكن حل المسائل الأخرى على النمط نفسه، والتخفيف من مأسوية السلطة العامة (جهاز الدولة) بتحويلها سلطة وظيفية إجرائية كانت أم اشتراعية، وتخليصها من «الغائيات الميتافيزيقية» أو «الاستراتيجيات التاريخية» وسائر أوصاف الدولة الرسولية.

إن الدولة «النثرية» القائمة على تلبية احتياجات الحاضر هي الوحدة الضامنة لتعايش الجماعات «الشعرية» القائمة على استلهام الماضي واستشراف المستقبل، والمتغايرة، من جراء ذلك، بالضرورة.

 

خلاصة القول

إنّ استلهام ميثاق العيش المشترك يملي على الناظر في أمور الاجتماع اللبناني، قواعد ثلاثًا:

أولاها: استهجان الصهر والإدماج والتوحيد المبسَّط بوصفها سبلاً للاستبداد.

وثانيها: استحسان التنوع والاختلاف والتغاير تحت ضغط ضرورات العيش المشترك، بوصفها مصدرًا للغنى وضمانًا للحرية، وتحقيقًا لمعنى لبنان.

وثالثها: الإقرار بلا معنى تطبيق الحقائق المجرَّدة أو المستجلبة على أصول الاجتماع الإنساني وعد هذه الأصول تابعة لإرادة المجتمعين وقدرتهم على الاستنباط...

Abolition of political confessionalism and the possibility of a collectif consensus


The call to abolish political confessionalism from the preamble of the constitution which was modified following the Taef Agreement is a national objective deemed esential to achieve.
However, it is necessary to carry out this abolition according to a well defined plan in order to implement later on with all due respect to “all the religions and confessions” this national goal without any contradiction with the provisions of National reconciliation according to the preamble of the lebanese constitution.
Nevertheless, this confusion should not frighten us. The call to abolish political confessionalism is separated from its historic background. The compromise solution consists of separating this demand from the framework of its first appearance in Lebanese political documents, on the level of the Lebanese National Movement’s program, where it was considered as an absolute necessity toward accomplishing complete laicism.
Thus it is essential to find a positive point in this vital confusion mentioned in the original document composed from a series of compromises.
The vitality of this confusion appeared completely during the last procedures in the occasion of the foundation of the national committee charged with studiying the means aimed at achieving the national objective, because it constitutes a constitutional redemption date for the foundation of the next committee. 

L ‘abolition du confessionnalisme politique et la possibilité d’un consensus collectif


L’appel à l’abolition du confessionnalisme politique dans l e préambule  de la constitution modifiée selon l’accord de Taef est un objectif national essential à réaliser.
Mais cette représentation prête a confusion: Il est nécessaire de réaliser cette abolition selon un plan bien défini. Ensuite l’appliquer avec le respect accordé “à toutes les religions et toutes les confessions” et enfin réaliser l’objectif national sans aucune contradiction avec “le document de coalition” selon le préambule de la Constitution.
Cette confusion ne doit quand même pas nous faire peur. L’appel à l’abolition du confessionnalisme politique est séparé de l’histoire de sa formation. Le compromis consiste à séparer cette exigence du cadre de son apparition pour la première fois dans les textes libanais littéralement politiques et ce au niveau du programme du mouvement national libanais, où il a été considéré comme étant une nécessité absolue vers la laïcité entière.
Il est alors essentiel de voir une positivité en cette confusion vitale dans le texte principal qui se devait d’être un ensemble de compromis.
La vitalité de cette confusion est entièrement apparue, lors des dernières procédures à l’ occasion de la formation d’un comité national chargé d’étudier les moyens visant à réaliser l’objectif national, puisqu’il est une échéance constitutionnellepromulguée  au milieu des années 90 dans le but de former le prochain comité.