إرادة وتصميم

إنجاز نوعي للقوات الجوية: Agusta Bell عادت الى الحياة
إعداد: الرقيب أول جيهان جبور - الرقيب كرستينا عباس
تصوير: الرقيب أول جورج فريحة - الجندي شربل الأعرج

«نحتفل بإعادة الحياة لمولود وُلد منذ ما يقارب الأربعين عامًا، حكمت الظروف عليه بالإعدام، لكنّنا أردناه أن يكون نومًا سريريًا إلى حين تبدّل الظروف. أدخلناه غرفة العناية الفائقة ونفخنا روح الحياة في قلبه وجسمه من جديد».
هكذا وصف قائد القوات الجوية العميد الركن الطيار زياد هيكل عملية إعادة ترميم طوافات السرب الخامس الـAgusta Bell 212 الإيطالية الصنع، خلال احتفال إطلاق المشروع في قاعدة بيروت الجوية.


بعد توقّف طوافات AB212 عن التحليق لـ٣٠ عامًا، ها هم عناصر القوات الجوية يتحدّون العوائق المادية والزمنية لينتشلوها من رقاد طويل ويسجلوا إنجازًا جديدًا في سلاح الجو اللبناني.
بكثير من العناد والإصرار وبتشجيع من ضباطهم، عمل فنيو القوات الجوية في المشروع الطموح، فبرهنوا عن جدارة عالية وكسبوا رهانًا صعبًا بنجاحهم في تأهيل إحدى الطوافات بأقل كلفة ممكنة.


اجتراح الحلول
رئيس الأركان اللواء الركن أمين العرم تحدّث في الاحتفال ممثلًا قائد الجيش العماد جوزاف عون فقال: «لطالما أدركت المؤسسة العسكرية حجم التحديات الملقاة على عاتقها، وعملت انطلاقًا من مسؤوليتها الوطنية على ضرورة الاستفادة القصوى من العتاد المتوافر، واستثمار المؤهلات البشرية في سبيل تحسين قدراتها القتالية. وما نشهده اليوم من إطلاق مشروع إعادة طوافات نوع AB212 المتوقفة عن الطيران منذ العام ١٩٩٠ إلى الخدمة، لهو خير دليل على ذلك».
وأضاف: «لا يمكن أن ننسى إنجازات القوات الجوية وتضحياتها في مختلف الميادين القتالية، فقد كانت خلّاقة ومبدعة في اجتراح الحلول، وتحديث أسلحتها، وتطوير طائراتها بإمكانات وقدرات متواضعة، استحقت لأجلها التقدير والثناء حتى من المصنّعين أنفسهم، بدءًا من تطوير الطوافات التي شاركت في حرب نهر البارد، مرورًا بأحداث عرسال في العام ٢٠١٤ وصولًا إلى دحر الإرهاب وتحرير السلسلة الشرقية في معركة فجر الجرود».


القصة الكاملة
تمّ شراء طوافات Agusta Bell 212 في الثمانينيات وتوقفت عن الخدمة في العام ١٩٨٩ بسبب الحرب، إذ حالت دون التمكن من إعادتها الى الخدمة درجة الأضرار التي تعرضت لها، إضافة إلى عدم توافر ظروف ومقومات إصلاحها سوى عبر إرسالها إلى الخارج وبكلفة عالية. «لطالما طمحت القوات الجوية الى اعادة تأهيل هذه الطوافات، وقد برهن فنيو وطيارو القوات الجوية في السنوات الأخيرة عن درجة عالية من الكفاءة والحرفية ما شكل الدافع ونقطة الارتكاز للتجرؤ على المضي في هكذا مشروع» حسب ما أكد قائد القوات الجوية في حديثنا معه. ويضيف العميد الطيار زياد هيكل «أنّ أهمية الطوافات AB212 تكمن في أنّها مزودة محركين ما يمكنّها من تنفيذ مهمات متعددة فوق اليابسة كما فوق البحر، كما أنّ آخر تقييم قامت به شركات عالمية أكد أنّ خمسًا من أصل الطوافات السبعة الموجودة صالحة للتأهيل، بينما يمكن استخدام الطوافتين المتبقيتين كقطع غيار».
ويتابع سرد الوقائع قائلًا: «تمّ تشكيل لجنة في العام ٢٠١٨ لدراسة إمكان تنفيذ مشروع تأهيل إحدى الطوافات وقد كنا أمام أحد الخيارين، إما أن يتم إرسال الطوافات إلى الخارج وبالتالي نعتمد ما يسمى «Rich Solution»، أو نقوم بإعادة تأهيلها في مشاغلنا وفق المعايير العالمية وبالاستناد إلى كفاءة وتجارب عناصر القوات الجوية لا سيما بعد إصلاح طوافات أخرى في مشاغلنا كان يتم سابقًا شحنها إلى شركات خارجية. كما انّه تبيّن، وبناءً لدراسات دقيقة، أنّ كلفة إعادة تأهيل الطوافة محليًا لا يتعدى مليوني دولار، في حين أنّ إحدى الشركات الأجنبية كانت قد حدّدتها في العام ٢٠١١ بما يراوح بين ٤ و٥ ملايين ونصف مليون دولار، من دون احتساب كلفة اليد العاملة التي تشكّل أقلّه ٥٠٪ من الكلفة الإجمالية».
ما الذي جعل تحقيق المشروع ممكنًا؟ يجيب العميد الركن هيكل عن السؤال بالقول: «إنّ خبرة الفنيين والمستوى العلمي الذي حققوه إضافة إلى الثقة الكبيرة التي اكتسبتها القوات الجوية لدى مختلف الشركات والمراجع العالمية المعنيّة بتأمين الكتب الفنية اللازمة وقطع الغيار والتراخيص المطلوبة لتنفيذ أي عمل على الطوافات، جعلت المشروع ممكنًا على الرغم من التحديات الكبيرة الموجودة لإعادة تجهيز وترميم طوافة متوقفة عن الطيران لحوالي الثلاثين عامًا».
وأشار قائد القوات الجوية إلى أنّ الهدف هو إعادة تأهيل خمس طوافات بمعدّل طوافة كل سنة، وهذه المدة قد تطول أو تقصر وفق توافر المال لتنفيذ المشروع. فالطوافات بمجملها مصابة بشظايا من جراء الحرب ويتآكلها الصدأ، وإعادة تجهيزها تتيح للقوات الجوية والجيش حيازة سرب جديد من الطوافات المزوَّدة محركين قادرة أن تخدم لما يزيد عن الخمسة عشر سنة القادمة وذلك بكلفة قليلة نسبيًا.


تقاليد
كانت البحرية الملكية البريطانية، خلال مراسم إطلاق السفينة المصنّعة محليًا، أول من اتّبع تقليد أن يشرب الملك/الملكة كأسًا من النبيذ على متن السفينة الحربية ومن ثم رمي الكأس في المياه، وذلك تمنيًا بالحظ والنجاح للسفينة الجديدة.
مع الوقت تحوّل هذا التقليد واتّبع عند إطلاق السفن والطائرات بكسر زجاجة من النبيذ وفي ما بعد زجاجة من الشمبانيا، أو رش السفينة أو الطائرة بالمياه عند وضعها في الخدمة للمرة الأولى والتمني بالنجاح والازدهار.
خلال احتفال إعادة ترميم الطوافة AB212 ووضعها في الخدمة، تمّ كسر زجاجة شمبانيا على مزلجها كتقليد للتمني بالنجاح والحظ الوافر.


أصداء وتعليقات
• «منكبر فيكُن، You Made Us Proud. هيدا دليل إنو فيه إرادة صلبة، وهيدا إنجاز يُضاف إلى سجل إنجازات نسور الجو».
قائد الجيش العماد جوزاف عون


• «أعتقد أنّ هذا المشروع أظهر روح الجيش اللبناني في أفضل حالاتها. أمام الصعوبات الجمّة التي تواجهونها، لقد تفوّقتم على أنفسكم على الرغم من المقوّمات المحدودة المتاحة لكم. إنّها لشهادة لكم على حسن المبادرة والمهنية والخبرة التي يتمتع بها رجالكم ونساؤكم».
الملحق العسكري البريطاني العقيد ألكس هيلتون


• «تأثرت بالرغبة القوية والجهود الكبيرة المبذولة لإنجاح مشروع إعادة إطلاق طائرة AB212 بعد توقفها لأكثر من ثلاثين عامًا. وبفعل المهارات العالية والشجاعة التي تتمتّع بها القوات الجوية والجيش اللبناني، تكلّل هذا العمل بالنجاح. كالعادة يقف الجيش الفرنسي إلى جانب نظيره اللبناني لرفد قيمته التشغيلية ودعمه، ويأتي هذا الدعم ضمن إطار تعزيز قدرات الجيش اللبناني والقوات الجوية اللبنانية بغية المحافظة على الأمن والاستقرار في لبنان».
الملحق العسكري الفرنسي العقيد فابريس شابيل


• «إذا لم يكن لديك ما يكفي من المقوّمات، حاول «الخروج من الصندوق» وابحث عن الحل الأفضل بغية تحقيق هدفك، ولا تفقد اندفاعك إذا اصطدمت بأناس يقولون لن يتم الأمر. في ما يتعلق بالـAB212، تتطابق جودة الأجهزة مع جودة التحفيز والمهارات، أي إنّ جودة الأجهزة تلبي جودة الدافع والمهارات».
الملحق العسكري الألماني العقيد ريتشارد ستيتن


• «إنّني معجب للغاية بالاحترافية والمرونة التي يتمتع بها شركاؤنا في الجيش اللبناني. إن تجديد طوافة من طراز AB212 هو شهادة على الإمكانات الكثيرة التي يتحلّى بها ضباط الجيش اللبناني وعناصره. الخبرة التقنية والمثابرة التشغيلية التي نلتمسها في صفوف القـوات الجوية هي من الطراز العالمي، وآمل أن تتاح لي الفرصـة لمقابلـة طاقـم الطوافـة والسفـر علـى متنهـا».
  العقيد كيفن بيريرا من عديد السفارة الأميركية


أبرز الصعوبات والتحديات
من جهته، أوضح رئيس مصلحة عتاد الجو الرائد ربيع دوغان أنّه عند اتخاذ القرار بإعادة هذه الطوافة إلى النشاط الجوي قامت المصلحة بالتنسيق مع الجناح الفني في قاعدة بيروت الجوية، بدراسة فنية ومادية للعتاد المنوي تحقيقه ومساعفته بعد الرجوع إلى مخزون العتاد الموجود في القوات الجوية، مما خفض الكلفة الإجمالية وجعلها ضمن قدرات المصلحة.
وأضاف أنّ «طوافة Agusta Bell 212 متوافرة في الأسواق العالمية منذ فترة والشركات التي تؤمن قطع البدل الخاصة بها متعددة، لذلك لم يخلُ تأمين هذه القطع من الصعوبة، بحيث تم التعامل مع أكثر من إحدى عشرة شركة محلية وعالمية».
وقال: «من الصعوبات التي واجهتنا أنّه تم تحديث معظم تراقيم العتاد، فالتراقيم القديمة التي كانت تُعتمد سابقًا في القوات الجوية لم تعد متوافرة في الأسواق. وقد قمنا بإرسال بعض المجموعات الرئيسة إلى مراكز الصيانة المرخّص لها من الشركات المصنعة OEM (Original Equipment Manufacturer) لمساعفة هذه المجموعات وصيانتها بأفضل المواصفات والأسعار ضمن فترة زمنية قصيرة. وأما أبرز التحديات فكان تأمين كلفة الصيانة وشراء العتاد من الأسواق المحلية والعالمية ضمن السلفات الموضوعة بتصرف القوات الجوية من دون إهمال احتياجات الطوافات والطائرات في القواعد الجوية الأخرى للمحافظة على جهوزيتها».


عمل بلا كلل
بلغ عدد الفنيين الذين عملوا في المشروع ١٦ عسكريًا: ٣ ضباط و١٣ رتيبًا تمّ اختيارهم وفق كفاءة كل منهم واختصاصه وخبرته. كما كان للتموين الفني والمراقبة الفنية دور غير مباشر في العمل الفني.
يوضح الفنيون أنّ التحديات التي اعترضتهم كانت كثيرة خصوصًا وأنّ الطوافات متوقفة عن العمل منذ سنوات طويلة، ولم يسبق لعناصر القوات الجوية أن قاموا بأي دورة خاصة بصيانتها أو بصيانة طوافات شبيهة لها من قبل. مع ذلك نجحوا في كسب الرهان بفضل كفاءاتهم وإصرارهم على النجاح.
وبشهادة المعنيين، برهن الفنيون منذ بداية عملهم في المشروع عن اندفاع غير مسبوق ومثابرة مدهشة إذ كانوا يسهرون لساعات الفجر الأولى في معظم الأحيان لاستكمال جزء معين من العمل، لا سيما أنّ المهمة احتاجت إلى تأنٍّ شديد وعمل متواصل، فأي خطأ كان يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأضرار بدل إصلاحها.
مع إعادة إحياء طوافة 212 Agusta Bell يُضاف إلى صفحة إنجازات الجيش إنجاز جديد لناحية التزام سياسة التقشّف ومراعاة الأوضاع العامة في البلاد، معتمدًا على جهود عسكرييه وخبراتهم وكفاءاتهم.

معايير ومواصفات
• تمّ شراء المحرك الجديد وفق شروط المركز المرخص له OEM من الشركة المصنّعة.
• القطع المستعملة ومواد الطلاء مطابقة للمواصفات العالمية.
• تمّ الارتكاز على النشرات الفنية ورسائل الحيطة الصادرة عن الشركة المصنّعة.
• تمّ الكشف على الأقسام المعرّضة للتآكل من قبل مركز MASCO التابع لطيران الشرق الأوسط بعد تأكيد الجودة من مهندسي الشركة.


بطاقة تعريف: AB212 - L557
• تم تسلمها في ٥ شباط ١٩٨١.
• وزنها من دون وقود: ٧٥٢٤ باوند أميركي (٢.٩ طنًا).
• حمولتها: ٣٢٠٠ باوند (نحو ١٣ عنصرًا مع طيار ومساعد).
• ساعات التحليق: ٧٤٠ ساعة.
• آخر رحلة: ٩ أيار ١٩٨٩.
• محفوظة في قاعدة رياق الجوية بشكل سليم.