- En
- Fr
- عربي
إنقلاب الصورة في معارك الصورة العربية – الإسرائيلية
تعتبر الحرب الأميركية على العراق الاولى في العالم بعد ثورة الإتصالات التي حققت ابعاداً تكنولوجية غير معروفة من قبل. فقد بان الاعلام سلاحاً موازياً للسلاح النووي والحروب الالكترونية والتكنو إقتصادية في أوجهها المختلفة.
وبفضل هذه المنجزات بدا الرأي العام العالمي وكأنه في قلب المعارك التي بدت أخف وطأة من حروب الاعلام بالصورة والمشاهد. فقد دفعت كثرة الصور وضراوتها ونقاوتها وسرعتها الى جعل المشاهد شريكاً فيها، وكأنه هو من يقاتل أو يقترف الجرائم أو يبكي الضحايا أو يتعاطف مع الأبرياء... إنها الحرب الكاملة في عين الدنيا.
وقد لا نبالغ في الافتراض ان صفة المتلقي التي طبعت العملية الاعلامية في عناصرها الثلاثة الى جانب المرسل والرسالة قد سقطت دفعة واحدة في تشظيات الشاشة، فغاب المتلقي الى مرسل جديد له أفعال وردود أفعال إعلامية.
وقد ظهرت الإنترنت للمرة الاولى شاشة قتالية مهمة، ،ومساحة غير خاضعة فعليا لأية رقابة سياسية بقدر ما هي معرض موسوعي مفتوح للصور التي تناقلها وتبادلها جمهور العالم.
يمكن القول في فرضية أولى بأن تبدلاً، ربما، يطول استراتيجيات الحروب ومفاهيمها العامة المعروفة، اذ تخطت الحروب الجديدة “الرقمية” المكان والميدان لتبدو حروبا بالصوت والصورة ولها وقعها المباشر في نسيج حركة الإستقطاب العالمي ودورها في تبديل التحالفات او اتخاذ القرارات وتعديلها وفقا لما تبثه الشاشات.
وتبرز الفرضية الثانية في دخول العرب الإعلامي تجربة الحرب محققين بذلك أول اختراق ملحوظ في صلابة الجدار الإعلامي الأميركي والإسرائيلي، والذي أسّس على مدى العقود السابقة لعقدة العرب الفعلية في هزائمهم المتتالية، والحجة التي كانت تستخدمها الأنظمة لتبرير عدم إيصال صوتها الى العالم.
للمرّة الأولى في تاريخ الصراعات العربية، بدا الإعلام العربي يلاحق بالصوت والصورة تفاصيل المعارك وعلى مستوى معقول من المهنية والإحتراف. وباتت الفضائيات العربية على مستوى الأحداث من حيث التغطية أو التعرية الفورية، فقد دخلت لعبة الشاشة العالمية وساهمت في إبراز الصور والحقائق التي لم تتمكن دوائر النفوذ العالمية من طمسها كما اعتدنا في السابق، فرضت الشاشة العربية مشاهد المعارك والأسرى والجرحى والقتلى من قوات التحالف وشاهدها العالم بأسره، وولّدت ردود فعل فائقة الأهمية.
هذه التجربة الجديدة المغرية التي خاضها ويخوضها الاعلام العربي في المواجهة تعني العرب كلهم، ولا تقتصر جدواها او انعكاساتها أياً تكن طبيعتها على العراق وحده أو غيره من البلدان العربية.
تطرح هذه التجربة في أهميتها الحيّز الذي تشغله الصور في استراتيجيات الحروب، فقد يمكن نسيان الحروب لكنّ الصور تبقى أدلة للتاريخ. وعندما يلتقط المصور مشهداً أو لحظة من المأساة، فإنما يحاول تأبيد اللحظة التي تجعل العين لا تنسى، وتصبح الصورة “جوهرة” قابلة للإشعاع الدائم وحافزاً على الموقف والعقل والإنخراط في العصر الرقمي.
فما هي الصورة أساساً؟ وما هو دورها كمؤشر حضاري متقدم أو متأخر؟ هل أننا نعيش عصر استرجاع قيمة الصور التي منها انبثقت الحضارات الكتابية المجرّدة؟ وما هو الفرق بين حضارتي العين والأذن؟ واذا كانت الصورة بمعانيها وأبعادها المعاصرة هي ابنة الغرب وقد كان يصعب هضمها في الشرق، فكيف تحولت إلى وسيلة للهجوم المعاكس وما هي الأسباب؟
أليس في المفارقة بين عين الغرب وعين الشرق يكمن هذا التحدي الخاص بتقنيات العصر الحديث أو العولمة التي هي من ابتكار الغرب؟ هل هي صدفة أم مهنة؟
وهل نحن بعد ما حصل في بدايات هذه الألفية الجديدة على أبواب الصراخ بنهايات العولمة أو سقوطها؟
ما علاقة الصور بالموت من حيث قدرتها على التأثير، وكيف تكون الصورة المعاصرة هي القنبلة “الرقمية” التي غيّرت كل شيء بفضل الشاشة؟
ما هي العصور الفعلية للصورة وكيف نؤّرخ لأمَّهات صور القرن الماضي تدليلاً على قيمة الصور الاستراتيجية في ذاكرات الدول؟ وكيف تخدم الذاكرة في مخزونها وتجاربها منعة المستقبل؟
هذه الأسئلة وأسئلة اخرى كثيرة تدفعنا الى طرح السؤال الأول: هل نرى الصورة أم نسمعها؟ سؤال نطرحه من واقع الغزو الأميركي للعراق وللمنطقة بحثاً عن الصورة الرمزية للحرب.
1 - الصورة المسموعة
ألحَّ أحد أباطرة الصين الأقدمين على كبير الفنانين في بلاطه بالإسراع في تهميش صورة الشلاّل المتدفق في لوحة جدارية كبرى من الفسيفساء تزيّن الجدار الغربي من قصره. والسبب عزاه إلى صورة هذا الشلاّل التي تبعث خريراً للمياه قوياً يزعجه وأصواتاً تقلقه وتحول دون رقاده[1].
قد تطربنا هذه الطرفة ¬ القصة المستّلة من تاريخ الشرق الاقصى القديم لأنها تعود الى زمنٍ لم يكن الغرب قد قرع فيه باب الشرق بعد، والناحية الغربية التي رفعت فيها اللوحة لا تعنى شيئاً من هذا القبيل. وينبع طربنا من “إيماننا” بمدى السكوت في الفسيفساء وبرودته وجماله بالطبع، وخصوصاً في شرقنا الزاخر بهذا الفن، لكنها طرفة قد تبعث فينا القلق لأمرين:
أ- لأنها تحمل منطقاً مسترجعاً يتناقض مع طبيعة الصين والشرق الاقصى بشكل عام، ولو أنه لا يتناقض مع طبيعة الأباطرة وعدد كبير من الحكام الأقدمين والمعاصرين على تعددية أنظمة الحكم في بلادهم غرباً وشرقاً.
ب - ولأنها تؤشر إلى منطق قديم جديد يتكرّر في الصراع الدولي، تبدو فيه الصين، تتحفز، في نهاية المطاف نحو صورة الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وهي اليوم مسكونة بقلق مرض السارس [2]SARS المرعب إذ تبدو هي منبعه ومصدره، الأمر الذي يزيد من عزلتها وضمور أسواقها التي أغرقت الغرب والعالم بضجيج منتوجاتها وقدراتها التنافسية وضآلة اسعارها.
يأتي المرض “الماحق” من الشرق هذه المرَّة في أعقاب “جنون البقر” ومرض “السيدا” وأمراض أخرى غربية معاصرة وكثيرة وكأنها على ارتباط كمفهوم بالموضة Mode La تدخل في أنساقها وترعب البشرية.
ويرتفع القلق الى متسويات خارقة غريبة كانت تمهّد لها وسائل الاعلام الغربية من أن نهاية العالم مرتبطة، بالوجوه السلبية لتقدم العلوم. ويتقدم مفهوم الصراع الدولي في حلَّة محشوة بالتهويل تجعل العالم مهدداً في أجناسه بالإنقراض التام، على اعتبار أن الانسان المعاصر قد أدخل نفسه في جدلية “اليوم الأخير” ومخاطره ووضعت الأرض كلها “في الميزان[3].
تندرج في هذا الإطار، تحولات التلوث التي تلف الكرة الارضية ومعضلة الأوزون، والرعب من الاسلحة الجرثومية والكيماوية وسلطات “الليزر” في الحروب المعاصرة الى ما تقدّم من أمراض، ترفع كلها من شأن النهايات والانهيارات الكلَّية. وبهذا يظهر الاختلاط بيّناً بين الديني والعلمي والاسطوري في النظرة الى مستقبل البشر.
2- “أيقونة” الرئيس الأميركي
تسوقنا هذه المسألة إلى تجلِّياتها العملية التي صاحبت الحرب الاميركية على العراق في العشرين من آذار 2003، وتستمر تداعياتها فتهزّ القارة الاسيوية والعالم إلى زمن طويل.
لماذا؟
لأن الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش قد أصابه الأرق وهو لم يخلد إلى هدأة النوم بعد عشر سنوات، إلاَّ بعد أن أزالت قواته “الرقمية” Digital الرسم الفسيفسائي الذي كان يمثّل صورة والده الرئيس الأسبق جورج بوش، والذي أقيم أمام مدخل فندق الرشيد أشهر فنادق العاصمة العراقية بغداد بعد حرب “عاصفة الصحراء” (1991). فقد أمر الرئيس العراقي آنذاك بإقامة هذا الرسم. وكان يدوس فوقه الداخلون الى الفندق والخارجون منه.
كان الرئيس الأميركي يسمع صوت اللوحة لا وقع الأقدام فوقها وحسب.
حتى أن مفتشي اسلحة الدمار الشامل في العراق كانوا يبدون ضيقاً وحرجاً لدى مرورهم فوق رسم الرئيس الاميركي.
وكان لا بدَّ من تقديس سرعة الوقت في الوصول الى الرسم (الساعة 17.00 بتوقيت بغداد) لإرسال صورة رقمية بواسطة الأقمار الإصطناعية تظهر فيها صورة الجندي الأميركي أمام الفندق بعدما أزيلت معالم وجه الرئيس الأب كلياً وبقي عنقه وكتفاه[4]. كانت تلك الصورة “أيقونة” الرئيس الأميركي الذي اخلد بعدها إلى النوم، كان لا يواجه أرقه إلاّ في الاستغراق في تأمل صورة المياه التخيلية، خلافاً لإمبراطور الصين، تتدفق من جداريات البيت الأبيض.
ألم يقل كبير مهندسي النهضة الأوروبية ألبرتي Alberti بأن “النوم لا يحضر إلاَّ عن طريق صورة المياه”[5] ؟.
يقودنا هذا الربط بين الصورتين الجداريتين الى “ربط الصورة بالعقيدة الداخلية كي نتمكن من سماعها بشكل افضل[6]. واذا ما اتخذت صورة فندق الرشيد الخط الشخصي الذي يفصل بين الحرب والسلم، فإن صوت الماء المزعج لإمبراطور الصين في الرسم الأول يحتل دور المهدئ والمعالج للغرب فينقل معالجة المشهد أيُّ مشهدمن مستوى البصر إلى مستوى البصيرة حيث تحتل صورة الأب ما يشابه العقيدة في قناعة الرئيس الإبن.
وقد يخرج مصطلح العقيدة، هنا، خارج المساحات الدينية أو العلاقات “المقدسة” ليحلّ في دوائر العلاقات العائلية وحيث العائلة ملازمة لمفهوم السلطة في أميركا، فتندفع الرؤية إلى ان تصبح نوعاً من التوسط العاطفي العميق الذي يثبت القرار بالحرب ويمضي به.
3 - الجندي “الرقمي” ورائحة الصورة
وقد يسعف الباحث التأمل ببعض التفاصيل المتعلقة بصورة بوش الأب ووقعها في نفس الرئيس الأميركي بوش الإبن.
فالصورة والعَلَم رمزان للأمة، الأول حي والثاني تاريخ، وفي الثقافة الشخصية والوطنية يرمز كلاهما الى كرامة قطب العولمة:
أ - كان فندق الرشيد مقراً للإعلام أساساً، استعمله الصحافيون الأجانب إبان “عاصفة الصحراء” (1991). وقد غادره الصحافيون الذين قصدوا بغداد في انتظار اندلاع غزو العراق ولأسباب أمنية ليعتلوا سطح وزارة الاعلام وينصبوا “خيماً” للبث الاعلامي.
ب - لماذا اختير فندق فلسطين على ضفاف دجلة بدلاً من فندق الرشيد الذي تمّ قصفه بعد بدء الحرب مباشرة في العشرين من آذار 2003. وذلك لإيواء الإعلاميين[7]؟.
ج - لماذا تعرض فندق الرشيد للنهب؟ وهل يمكن التغاضي عن الرؤية المنقولة عن أحد كبار السياسيين اللبنانيين الذي التقاه الرئيس الأميركي في منزله في واشنطن وبحضور الرئيس الأب ليهمس في أذنه ما مختصره: “ان صورة والده أمام فندق الرشيد تقلقه وأن لا أحد يقبل بمثلها أبداً”.
د - إن الصورة التي تمثل الجندي قرب فسيفساء الرشيد وقد ازيلت معالمها هي الصورة الأولى التي بثتها الفرقة العسكرية وفق تقنيات عالية الدقة. فقد ورد أن المؤسسة العسكرية الأميركية تعمل على تطوير مفهوم الجندي ووظائفه في أثناء القتال فتسميه “الجندي المنشود” أو جندي البر land warrior أو جندي المستقبل Future warrior الذي يمثل نظاماً من الاسلحة العسكرية والاعلامية متكاملاً، والذي تركِّز عليه برامج وزارة الدفاع الاميركية لتطوير الأنظمة التي تسمح لأي جندي في المستقبل من التزود بأجهزة خاصة بالتصوير الحراري في الظلام أو بالاشعة ما تحت الحمراء، كما تزوده بأجهزة خفيفة تمنحه من قدرات العولمة الاستشعار عن بعد بما فيها رصد الاخطار الكيمائية والبيولوجية والقدرة على الإتصال بطائرات الاستطلاع وبث “الصورة الطازجة” أو الحارة والتي تشتم فيها رائحة الدخان بواسطة لمسة زر بسيط Remote control وهو ما تمت تجربته للمرة الأولى[8]. إننا أمام واقع الجندي غير المرئي.
طبعاً لا تنبعث رائحة الحريق من الصورة، وإنما نقدم هذه الصورة لربطها بالحقائق الخيالية Les realités Virtuelles التي حققتها ووسائل الاتصال الحديثة، ولتبيان ما نقترح تسميته “بالجندي الرقمي” Le Soldat Numérique ابن المجتمع الاميركي الرقمي La Société Numérique Américaine.
هكذا نفهم إذن، بالمعنى الثقافي، الأسباب والظروف والدوافع التي تثير فينا صورة النبع أو الشلال الهدوء المفترض، كما تتقدم أو تتراجع صورة النيران والحرائق (الحروب)، في اثارة السخط فينا او متعة الدفء.
طبعاً يرتفع الحيّز الشخصي الذي غالباً ما تغفله الدراسات الأكاديمية، ولكن الأسئلة التي نستوحيها من صورتين متباعدتين إلى مئات ألوف الاسئلة والصور التي فرضتها الحرب الاميركية على العراق، لا تزيح الشخصي بل تجعله أكثر استغراقا وحضوراً، لأن تغيراً حصل في أغراض الحرب ومراميها.
كيف؟
4- صورة التمثال الرمزية
لقد أبطلت فاعلية الصورة وتأثيراتها النفسية والاجتماعية مفاهيم الاعلام في الحروب، على الأقل على المستوى اللغوي، فما عادت مهمة الاعلام تغطية الحروب بل رفع الأغطية وكشفها في خباياها وعوراتها وأهوالها ومسبباتها الفعلية. وهذا ما يقودنا الى الخفايا والأسرار التي قد تختزنها النزاعات الدولية والتي كان يسهل تغطيتها في أثناء القيام بنقلها إعلامياً وهو ما تسمح به الكلمة. لكن حضارة الصورة التي عادت تتقدم الكلام او تلازمه او تستغني عنه كليا قد تخضع بدورها الى تحولات وتشوهات تحدّ ربما من قدراتها التأثيرية.
فالصورة محكومة بحبل ليس طويلاً من الكذب والخداع والتضليل، بل بالكشف عن الواقع مما ينقلنا في معطى الحرب الاميركية الأخيرة على العراق إلى تراث هائل من صور صدام حسين وتماثيله الـ2380 وأشباهه وقصوره التي فاقت المئة، وكلها في الإنتظار، وكأنها تربط الحاكم مباشرة بالابطال والقديسين.
ولا ندري إن كانت جداريات قصوره تلك تمنعه من الرقاد!
قد لا نتصور بالطبع بأن تماثيل صدام تحمي بغداد أو أن شعلة الحرية تحمي نيويورك وتجعل خطواتها توقيعاً لوقع السلوك الديموقراطي الأميركي في العالم. فهناك انسحاب للاعتقادات القديمة التي كانت ترى بأن تماثيل القديسين ومنحوتاتهم الكثيرة التي بها يتماهى الرؤساء تحمي المدن أو تدفع عنها الشرور أو تشفي أهلها من البرص قديماً، أو من “السيدا” و”السارس” وغيرها من الأمراض المعاصرة المزمنة والخطيرة.
إنها صور وتماثيل ما عادت تثير فينا اكثر من النزيف الداخلي والحزن القومي، ولأنها تستلهم صور قديسين أو تماثيل لهم ما عادت تنزف أو خف دمعها أو زيتها في هذا القرن، لكنها تثقل الأذى الشخصي العميق لدينا، خصوصاً إن قفزت إلى رؤوسنا صور العراقيين مثلاً يتمتمون أمام تماثيل رئىسهم وحيدين في الظلمة والاستسلام للقدر الرهيب، لكنهم كانوا لا يقوون، بالطبع على التحديق في عيني صدام الحجرية ترتفع في تماثيله. كان جزء من العراقيين يخشى التحديق في عيون تماثيل الرئيس.
ماذا تراهم يتمتمون؟ الصلاة بطول عمره أو الصلاة للخالق ربّما يخلصهم منه؟
ليس صحيحا، ربما “ان الصورة قد فقدت سحرها وبريقها في الغرب اذ انتقلت من الحيز الديني الى الاجتماعي المألوف والشائع[9] على ما رأى الباحث الفرنسي جيزاي Giesey في كتابه “الملك لا يموت”، لأن “الملوك يموتون أينما كانوا ويندثرون” كما في العراق بلاد الاساطير والسحر والقوة. قد تكون العين المعاصرة بالمعنى الغربي، وربما العالمي، قد بلغت حدود الإشباع في هذا العصر، لشدة ما تبثه الشاشات ولدفقه، فنراها تحدق في الصورة العارية ولا تحمر اذا لم يعد يسأل احد عن العيوب في عري التماثيل التي تنتصب في ساحات الغرب إلاّ رجال الدين من الذين فرضوا إخفاء عورات التماثيل في متاحفهم أو انهم دمّروها كليّاً كما حصل في افغانستان على أيدي الطالبان.
ليس سوى المتنورين يعتقدون بأن تأثيرات الصورة تجنح نحو السقوط لكن في ميادينهم، بالطبع، وليس في ميادين العاديين من الناس حيث ما زالت تتحكم بهم عادات طمس أعين الطغاة والأعداء بالحبر الأسود أو زرع المسامير والادوات الحادة في مساحات وجوههم وحواسهم خصوصا البصرية منها.
ألم يبادر العراقيون في بغداد إلى نسيان عادة تغطية المرايا في المنازل عند موت احدهم خوفا من أن يصطحب الميت معه من تنعكس صورته في المرآة، الى الإنهيال بمختلف أنواع الأحذية على تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس، وقد اخذتهم الحمّى الجماعية التي كشفت عن الجهر في تمتماتهم ومعانيها الحقيقية؟
حتماً كان هؤلاء يغفلون أن مرآة اخرى كانت بالمرصاد، ونعني بها شاشات التلفزة العالمية التي نقلت الصورة قارعة كل بيت في الدنيا.
لقد التقى هؤلاء مع زفرة الرئيس الاميركي جورج بوش صارخاً: “لا يمكن لاحد ان ينسى صورة صدام حسين وهو يهوي في ساحة الفردوس[10].
كانت هذه الصرخة بليغة في مضمونها لانها جاءت متأخرة ثلاثة أيام عن سقوط بغداد، وهي لم تعلن من الرئيس الا بعدما أزيلت صورة الموزاييك لوالده، بالرغم من أن وسائل الاعلام العالمية كانت تؤسس لاعتبار “صورة التمثال الرمزية” هي الصورة المعبرة عن الحرب الاميركية على العراق.
كيف بدا المشهد الرمزي؟
تجمهر عراقيون حول قاعدة تمثال برونزي ضخم للرئيس العراقي صدام حسين ورشقوه بأحذيتهم “البلاستيكية”، ثم رفع أحدهم الآخر على كتفيه للوصول الى التمثال، فوضع حبلا حول عنقه تمهيداً لجرّه حافياً الى الشوارع تماما مثل المتجمهرين. وبعد محاولات فاشلة سحب جندي اميركي من جيبه علماً أميركياً ليغطي به رأس التمثال نذيراً بإعلان “إعدامه” وهو فوق رافعة دبابة اميركية، غير ان الحشود تذكرت عريها فهاجت وماجت وأصابعها ترتفع نحو العلاء تطالب بإنزال العلم الأميركي ليحلّ مكانه العلم العراقي القديم أي خلواً من عبارة: “الله أكبر” التي أضافها اليه الرئيس العراقي، في “جنوح” إلى الديني بعد “علمانية” البعث، وذلك مباشرة بعد حرب الخليج الأولى في العام 1991. وكان لا بدّ من آلية تسقط التمثال في النهاية، فوق المخطط المرسوم، فالتوى وسقط عن قاعدته مؤلفا الصورة ¬ الحدث التي ذكرت العالمم مباشرة بإسقاط جدار برلين أو سقوط عهد ستالين.
وهكذا تابع العالم عبر الأقنية الفضائية لحظة بلحظة الصورة ¬ الحدث التي هوى فيها التمثال فتدافع الجمهور الى دوسه وضربه بالأحذية.
وجاءت هذه الصورة المحورية لتعلن نهاية الحرب المحشورة في زاوية من ساحة الفردوس أمام سقوط التمثال.
وترتفع المفارقة فوراً بين مجموعات لا تنتهي من الصور التي تفرزها الاذهان لشدة تناقضها، ويتساءل الباحث لماذا صورة التمثال هي المحورية؟ وكيف فرضت مشهدها؟
5 - المحورية في صورة التمثال
الجواب البديهي السريع: لأنهم قبّلوا يديه في اليوم الأول وفي اليوم التالي ضربوه بالأحذية صورة وتمثالاً.
وهنا تتزاحم الصور متبعثرة فنرى “الصورة تتكلم”، ونرى “صور الحرب” أو “الكتابة بالصورة” أو “الحرب بالصورة” وكلها مساحات خصصتها الأقنية الفضائية ومواقع الإنترنت للصورة بشكل عام:
أ - صورة لصدام حسين في حي المنصور بين جماهير العراقيين يقبلون يده هاتفين: “بالروح بالدم نفديك يا صدام” و”بوش بوش اسمع زين كلنا منحب صدام حسين”. ولا يتوانى صدام عن حمل طفلة صغيرة ترتدي الابيض تتغنج فوق صدره، أو رفع يده بالتحية معتلياً مرتفعا وسط الجمهور كما لم يمنع الموقف الصعب بعضهم من مناداته بـ”أبو عدي[11]”.فالخوف يزيل المسافات بين الحاكم والمحكومين.
ب -صورة الفلاح علي عبيد منقاش حاملا بندقية صيد وقد اسقط بها طائرة هيليكوبتر أميركية “أباتشي” في أثناء إغارتها على كربلاء، وهي طائرة مدرعة ومصفحة لحمل القنابل. وقد صدّق الصورة الكثيرون من خلال الإعلام الفضائي. والدليل أن الرئيس الليبي معمر القذافي منح عبيد “نوط الشجاعة” فتحول الى ما يشابه الاسطورة[12] في وسائل الاعلام العربية.
ج - صور ضحايا القصف الاميركي البريطاني للعراق، خصوصاً صورة الطفل العراقي الذي لم يبقَ منه سوى “طاسة” رأسه المهمشة[13].
والواضح ان لعبة صور الاطفال بدأت منذ الحرب في أيامها الأولى فلجأت النيويورك تايمز مثلا الى نشر صورة جندي أميركي[14] يحتضن طفلة عراقية وتحتها تعليق مختصر بأن الجندي يحتضنها لأن امها قتلت في الحرب، أو مثلها صورة ضابط أميركي يداعب طفلاً عراقياً عرضها الجنرال الأميركي فنسنت بروكس، في مقر قيادته في قطر، وقال معلقاً بأن اطفال العراق يتعرّفون الى الحرية للمرّة الأولى في حياة بلدهم[15].
د - صورة استسلام قائد الفرقة 51 من الجيش العراقي مع افراد فرقته، وقد روّجت لها الفضائيات الغربية بشكل فاضح ثم أطل قائد الفرقة بمقابلة مع محطة الجزيرة من مدينة البصرة[16].
هـ - صور الجنود الأميركيين الجرحى في مستشفى البصرة وهم ممددون فوق البلاط، والتأثر العميق الذي بدا ظاهرا على صفحة الرئيس الأميركي جورج بوش، ومثلها صورة الاميركي الذي فقد ولده المشارك في حرب العراق وهو يحمل صورته الشمسية مخاطباً بوش: “لقد انتزعت مني ولدي الوحيد، وصرت بلا ولد الآن. هل انت مسرور؟ أريد من بوش ان يلقي نظرة على صورة ولدي هذه. انه ابني الوحيد[17]”. وكذلك صورة أم اميركية تتوسل الى الرئيس الاميركي انقاذ ابنها الواقع في الأسر العراقي، ووضع حد لهذه الحرب العبثية[18]. أو صور لجنود بريطانيين وأميركيين مرميين في الصحراء.
وكان لعرض التلفزيون العراقي صوراً لجثث جنود أميركيين لقوا مصرعهم أثناء معارك الناصرية جنوبي غربي العراق، او لأسرى وقعوا في قبضة المعارك نفسها[19]، الوقع الهائل في نفوس الأميركيين، وهو ما حدا بوزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد الى اعتبار عرض الصور مخالفاً لاتفاقيات جنيف،[20] وذلك مع تناسي الوزير الاميركي للصور التي عرضتها محطات التلفزة الأميركية لاسرى عراقيين وقعوا اسرى في ايدي القوات الأميركية جنوبي العراق. وقد ادَّعى الرئيس الاميركي انه لم ير صور القتلى الأميركيين (24/3/2003).
و - صورة السائق المصري الذي اقرّ بنيته قتل اميركيين إذ كان يعمل في معسكر “الاديرع” في الكويت عن طريق دهسهم بشاحنته في شمال الكويت.
والسبب كما قال انه وقع تحت تأثير الصور التي كانت تعرضها القنوات الفضائية وخصوصاً الاطفال العراقيين الذين قضوا خلال القصف الاميركي للمدن العراقية.[21]
ز - صور أول سيدتين عراقيتين نفذتا عمليتين انتحاريتين عند نقطة تفتيش في الحديثة قرب بغداد، وقد اعلنتا عن عمليتيهما في قناة “الجزيرة” ومن ورائهما العلم العراقي وقرآن كريم ورشاش، وقامتا بتلاوة وصيتيهما قبل التنفيذ الفعلي لعمليتيهما[22].
ح - صور السلب والنهب في الموصل وبغداد[23] وقد عرضتها شاشات التلفزة في العالم لتنقل صورة مرعبة عن العراقيين إذ بدا العراق غابة فعلية، وجاءت الصور مصحوبة بتحليلات وتعليقات جعلت المهمة الأساسية من الحرب وكأنها محو الماضي والتراث والتاريخ بشكل كامل.
وتختتم الصور بمجموعة صور للمطلوبين من القياديين العراقيين عرضتها القيادة الاميركية بشكل ورق للعب احتل صورتها الأولى الرئيس العراقي المجهول مصيره صدام حسين.[24]
لماذا تتمحور هذه الصور وصور كثيرة غيرها حول صورة التمثال؟
لأنها بقيت، كما يظهر، لحظات مجتزأة من الكلام أو من المساحات التصويرية التي شغلتها الحرب على العراق، وهكذا يتبدّى للباحث بأن كل ما له علاقة بهذه الصور أو بكلامها الكثير قد تحول ليشكل تاريخاً كاملاً لثلاثين سنة من حكم العراق يمكن أن يضعها الباحث تحت صورة انهيار تمثال صدام.
من هنا، تبرز اهمية اعتماد المصطلح الفرنسي او حتى اللاتيني لما يعرف بكلام الصورة، ونعني به الـLégende والتي تعرف في ترجمتها بالاسطورة.
أليس في كلام الصورة التي تختزل الحرب الأخيرة وتحتل لازمات وسائل الاعلام المرئية المسموعة مجموعة من الأساطير والخرافات الشخصية التي خففت ربّما، من حدّة التأثر في مواجهة صورة “الهزيمة” العراقية.[25]
وفي ضوء ما تقدم، وفي قراءة سريعة لربع قرن من تاريخ “عراق صدّام” أو عقاره قد نفهم ردود الفعل العراقية حيال الصورة المرتفعة للتماثيل، وتزول المفارقات من الأذهان، وتبدو ذرائع الحرب الاميركية في أساس اعلانها أكثر توهجاً من إعلان الحرب على صدام حسين ونظامه بالتحديد، مع أن واقع الأمور ليس كذلك، وهذا موضوع بحث منفصل.
فتكريس عبادة الأصنام والتماثيل تخلق فصاماً لدى الجماهير إذ ينتقل الحيز المكاني للسلطة الى مستوى المشاهد أفقياً.
“فعندما يرفع المؤمن عينيه نحو الصورة المقدسة الالهية او التمثال، فهو لا يستطيع إلاّ خفضهما، لأن نظر الخالق أو سيده هو الذي يطغى عليه. لذا يعتاد ان يخفض بصره وينحني، ولأن النظر الى الاعلى يفترض ادراك الضعف ممّن هو فوق.. فكل هندسة السلطة في التاريخ قائمة على إظهار صورة القوة عن طريق الارتفاع والملامح القوية والمذهّبة”.[26]
قد تخلق هذه العبادة الى جانب الفصام ثورة سلوكية تدميرية لا واعية محكومة بالتدمير العشوائي، وتلك المسألة لا تعود الى العراقيين بل إلى كل جماعة عانت ما عانى منه هؤلاء، ولا يعني اسقاط التماثيل العراقيين وحسب، بل ان الغرب بشكل عام، قد سبقنا الى إزالة التماثيل متنقلاً من تمثال الى آخر. وظهر الفن الجمالي العام يحتل موقعا متوسطا بين الصورتين الحجرية والضوئية.
6 - معارك الصور وانقلاب الصورة
لسنا في صدد استرجاع مشاهد الحرب الأميركية على العراق التي أخذت عنوان “الصدمة والذهول” والتي خلناها “صدمة معكوسة” بسبب من ردود الفعل على الصور والتي جعلت حقيقة الحرب ضحية صورها، بل نحن في صدد إظهار النتائج النهائية لمعارك الصور التلفزيونية التي عاش العالم من خلالها هذه الحرب كواقع يومي جديد، على الأقل، بالنسبة للعرب، وأقل ما فيها أن العنوان قد أصاب الهدف المتوخى فسقطت العراق بسقوط بغداد والتمثال، وبقيت تجربة عربية على مستوى معركة الصور تستأهل البحث.
وهنا نسوق الوقائع التالية:
أ - كانت صورة الحروب على مدى القرن العشرين الأداة الأبلغ في الترويج للحروب ورواية تفاصيل المعارك. وكان العرب في موقع متأخر في استخدام هذه الأسلحة الجديدة، ولا نغالي، اذا قلنا، ان أقصى الطموحات كان إيصال رسائل الى بريد القراء في الصحف الاجنبية أو صوت مناهض لما يحصل من أحداث. كان الإعلام العربي، في هذا المجال، “بالعربي”، لا يصل الى حيث يفترض إيصاله، ولأنه كذلك فهو كان يدور بين العرب انفسهم ليترك صوراً عامة حافلة بالتقاتل والتنافر والشرذمة وكل ما يناقض وحدة العرب.
ب - مع التقدم التكنولوجي راحت تتلاشى الفواصل الزمنية التي لا تفصل بين لحظة وقوع المعركة ولحظة بث صورها. ففي الخامس من أيار 1821 إحتضر في جزيرة القديسة هيلانة نابليون بونابرت امبراطور فرنسا الذي كانت اوروبا ترتعش أمامه، ولم يصل الخبر الى باريس إلاّ في أول تموز عبر لندن، وقد اخذ الخبر اكثر من عشرة اسابيع حتى يصل الى إعلام القراء بذلك[27].
بينما طاف خبر مقتل الرئيس الاميركي جون كينيدي وصوره العالم كله خلال خمس دقائق ومنذ اللحظة الأولى التي أصابته فيها طلقات تلك البندقية السريعة من طراز كاراكانو، وبعد ذلك ببضعة أيام كان مشاهدو العالم يعاينون حدثاً آخر هو مقتل لي أوزوالد lee oswald المتهم بقتل كينيدي[28].
وكان هذا أول حدث دولي للقرن الماضي إذ فرضت الشاشة التلفزيونية وزنها كوسيلة أساسية حيث واكب العالم دفن الرئيس عن طريق البث المباشر ومن دون توقف نهاراً كاملاً.
وقد أدّى تقلّص الزمن الى تحولات في صور الحروب دفعتها من اللهاث وراء الحدث والتعامل مع نتائجه، الى مقام القدرة على المساهمة بصناعة الحدث نفسه وتحويره أو التأثير في اتجاهاته. وباتت الصورة مسألة قيادة كما قيادة الحروب. ويمكننا القول أنه بعد أربعين عاماً أدرك العرب بدايات هذه القوة للصور في معاركهم ودخلوا فيها بشكل لافت.
ج - كانت حرب الخليج الأولى على العراق حرباً بصرية حسمتها كاميرا الـ C.N.N الأميركية، وهي بهذا المعنى بدت افتراضية غير مرئية ولا تترك آثاراً كبرى لدينا.
فقد وزّعت المحطة جيشاً كبيراً من المراسلين والمصورين من واشنطن الى بغداد، وأتقنت من خلالهم لعبة الصور الى الحد الذي جعلنا نقرأ مقالات بعنوان “حرب الخليج لم تقع[29] مثلاً تطرقت فيها الى هذه الحرب كما بدت على الشاشة التي جعلتها وكأنها لم تحصل فعلاً أو أنها وهمية، مع العلم بأن الشاشة أصبحت أكثر من مرآة بل إنها ميدان معركة.
واذا كانت الاخبار تصنع التاريخ الذي يصنع بدوره الجغرافيا فكيف نرى الى دور الأخبار المصورة التي تجعل كل صورة مبثوثة تقريراً اجتماعياً متحولاً الى مشاعر فردية سارة أو مؤلمة. إنه عصر On the spot الذي حوّل الصحافيين الى قدرات قادرة على توجيه الأحداث والمعارك، وخصوصاً في العمليات العسكرية على الأرض عندما يتراجع التحليل المكتوب عن القيام بدوره، وتتقدم الصور لنرى الأشياء تحصل فتمنحنا شعوراً بأننا نقرأ في كتاب مفتوح.
“كنا نجد من جهة الصور “النظيفة” التي تقدمها المراكز الصحافية للبنتاغون وتلح على رؤية الإصابات الدقيقة للأهداف العسكرية من على شاشة الطائرة، في الوقت الذي لعبت الـ C.N.N وحيدة في بثها المباشر لمنظر الألعاب النارية في أثناء قصف مدينة بغداد. ولم تظهر لا على شاشات الطائرات ولا على شاشة الـ C.N.N، آنذاك، صور الـ 150 ألف قتيل من العراقيين التي أورثتها هذه الحرب. وحتى في المرة التي ظهرت فيها صور لأشلاء ضحايا ملجأ العامرية في بغداد الذي قصفته القوات الأميركية[30]، فإن ادارة معركة الصور احتوت واقع هذه الصور لترويجها بأن الجانب العراقي هو الذي قام عمداً بقصف الملجأ أو أن النظام يستخدم المدنيين دروعاً للتمويه على وجود منشآت عسكرية بالقرب من المكان المقصوف.
وهنا تدخل معارك الصور في لعبة فائقة عنوانها:
كيف تجعل الصورة تكذب؟
الجواب: عن طريق الكلام والتحليل وخلق الأساطير Légendes أي باللجوء إلى “فبركة” كلام الصورة والتعليق عليها.
وبالإضافة الى ذلك، فقد تحوّلت الـ C.N.N في نشراتها الى Téléthon لنقل صورها المنتقاة عن محطتي الجزيرة وأبو ظبي واستعانت بالعديد من الصور الفوتوغرافية للشهداء وأسرى الحرب أو بصور منقولة عبر “الفيديوفون” وخصوصاً في المناطق التي وقعت تحت سيطرة القوات الأميركية والبريطانية.
وقد كان موقع المحطة على الانترنت بالغ التحيّز، إذ أفرز قسماً خاصاً من نشرته الدولية بعنوان Pictures gallery أي معرض صور، كان يبث منها الصور للمعارك يوماً بيوم. وقد قسّم هذه المعارض اليومية الى عناوين أربع:
¬ Warfare وتبث منها صور الجنود الأميركيين يقدمون المساعدات الى المواطنين.
¬ Reactions ركّزت فيها على ردود فعل العراقيين واستقبالاتهم الحارة لجنود التحالف.
¬ Pows وفيها عرض لصور المعتقلين والأسرى الأميركيين على أيدي العراقيين وليس العكس.
¬ Families of Pows وهي صور وتعليقات لردود فعل أهالي الأسرى والمعتقلين من قوات التحالف.
وقد ركزت هذه الصور بنسبة 9 لكل 11 من الصور على المساعدات التي كان يقدمها جنود التحالف الى المواطنين العراقيين. وبالرغم من تبني الـ C.N.N الكامل للسياسة الأميركية، إلا أنها كانت مضطرة أحياناً كثيرة الى إبراز وجهات النظر العربية عبر استعانتها بصور الأحداث التي تبثها المحطات الفضائية العربية (www.cnn.com).
د - غابت المسألة الديمقراطية كلياً عن حرب العراق الأخيرة، فبينما مارس الاعلام العربي ليبرالية مطلقة، لمسنا أن رقابة مشددة باتت صارخة على الاعلام الغربي.
لقد أدركت القيادة الأميركية أن نقل أنباء حربها الأخيرة وفقاً للأسلوب السابق بات أمراً مستحيلاً، والسبب أن تطور تقنيات البث المباشر بات مستباحاً في عصر العولمة، لدى جميع أقنية التلفزة في العالم، مما يحول دون التمكن من السيطرة على تدفق المعلومات والصور وتوجيهها بالأشكال المناسبة.
لهذا لجأت الإدارة الى بناء قاعدة اعلامية هائلة في السيلية في قطر، وجرى السماح لـ 500 مراسل ومصور صحفي بالإنضمام الى القطاعات العسكرية الاميركية والبريطانية التي قامت بدخول العراق.
وكان الهدف “تقديم أفضل الصور في أفضل ظروف[31]” على حد قول الكولونيل فرانك ثروب المسؤول الاعلامي في قاعدة السيلية.
هذا الدمج بين الجندي المقاتل والصحافي المصور يتقاسمان الحياة الصعبة على أرض المعركة، جعل عدداً كبيراً من الكاميرات لا ترى إلا بعيون جنود التحالف. وما خروج “عيون” الكاميرات عن المسموح به من التقاط صور تثبط عزائم الأميركيين أو ترفع من حدة التظاهر والاحتجاج على الحرب في عواصم العالم، إلاّ مسألة تبقى تحت دائرة الرقابة. ولأن صوراً من هذا الطراز، تولد ميتة إذ تقع ضحية القوانين الأميركية التي تحول دون نشرها قبل ثلاثة أيام من وقوعها، ولهذا فهي تصل متأخرة وتبطل قيمتها الخبرية والتأثيرية، بالإضافة الى أن وسائل الإعلام الأميركية لا تتحمس لنشر مثل هذه الصور التي تدينها أساساً.
كانت الصورة تركّز على الإمعان في إبراز الدكتاتور صدام حسين كما أشرنا، بتماثيله وقصوره وأشيائه العتيقة وسياراته ومقتنياته وشعبه وعراقه بهدف اسقاطه.
كما كانت تركز في عين الغرب المستلقي على فعلي الغربلة والإنتقاء للصور المفجعة من المدنيين العراقيين، والتي غالباً ما كانت من بضاعة مراسلي الأقنية العربية، فيترددون في بثها، ويبقون على الأقل فظاعة منها.
هـ - دخل الإعلام الأميركي “بيت الطاعة” لجنرالات الحرب الاميركيين.
وبان الفرق في بث الصور بين العربي والأميركي أو بين الأنا والآخر مسألة ثقافية مختصرها السؤال التالي:
هل نبث على الشاشة كل ما هو في المشهد ومهما كان قاسياً ومرعباً؟
هذا الفرق بين “كل” و”بعض” المشاهد هو الجديد في معارك الصور الفجّة إذ انصرف العرب الى بث حقائق الحرب كلها وأخبارها ومشاهدها كما هي ومن دون أي خطة، وفي هذا ربما يكمن نجاح خطوتهم الكبرى في عالم الفضاء.
وبالرغم من أن فريقي الحرب المباشرين، أميركا وبريطانيا من جهة، والعراق والعرب من جهة أخرى قد استخدما معركة الصور الى أقصى الحدود بحذق ودقة متناهيتين، وببراءة وقتال حقيقي، فإن العالم بات مقسوماً بين أميركا من جهة والعالم كله من جهة أخرى في تقديم هذه الحرب وكأنها حرب عصر العولمة الأول.
هكذا تبطل مفاهيم مثل العالم الثالث أو العالم النامي، إذ أسقطت صور الفضائيات العربية مقولات “الحرب النظيفة” وكادت تسقط في بدايات القتال صورة الحرب “الأميركية السريعة الذوبان” أو القصيرة الخاطفة التي ترسخت في الذهن العام، مع أن لا تصريحات أميركية قالت بقصرها. وأكثر من ذلك فإن الصور الصادقة والفجة التي كانت تبثها وسائل الاعلام العربية، في عصر الانفتاح الفضائي، دفعت الادارة الأميركية الى ضخ شحنات مكثفة من الإيديولوجيات والصور العدائية المقاتلة لنظام صدام حسين في الحقل الاميركي تحوّل الى نقطة إشباع راحت تتراجع وتخبو أمام ما يظهر على الشاشات العربية البعيدة الغريبة. وقد ساعد في ذلك صور الجنود الاميركيين المنهكين أو المصابين بنقص في الإمدادات ما يؤخر تقدمهم نحو بغداد، وهذا ما أيقظ في الذاكرة الاميركية صور الأيام والأشهر الأخيرة من حرب فيتنام.
بين صور العرب كلها وكما هي، وصور أميركا المقنّنة والمدروسة والمنقولة أحياناً عن “الجزيرة” (سي.ان.ان) في شريط خبر في أسفل شاشتها أو صور شاشات أوروبا غير المؤذية كثيراً لمشاعر المشاهد الأوروبي، وخصوصاً الصور الفرنسية المحايدة وغير المعبّرة تماماً
(TF1، France2، France3،Euronews) أو الصور الايطالية المنخولة نقلاً عن “الجزيرة” (محطة Ray) والبريطانية التي اعتاد أهلوها على تلقف الصور باردة متأخرة كما الطبيعة الانكليزية (B.B.S) وهي لم تكن تقدم إلا صوراً متحيزة لأميركا تماماً كما فعلت T.V.A الاسبانية، خلافاً للصور الروسية التي كانت أكثر التصاقاً مع صورة الحدث وسخونته (R.T.R).. هذه الصور في معاركها المكثفة بدا حضورها كبيراً في شوارع المدن العالمية وساحاتها حتى في الولايات المتحدة الأميركية، حيث لم تشهد حرب منذ القرن الماضي تظاهرات صاخبة واعتراضات مثل ما أورثته هذه الحرب الأخيرة الأميركية على العراق.
وفي ضوء هذا كانت وسائل الاعلام الأميركية والدمى الممثلة للرئيس الأميركي تحرق وتداس ليس في شوارع المدن العربية والإسلامية بل في المدن الأخرى من القارات الأربع التي كانت ترفع صوراً وشعائر كان لها ثقلها في ميدان المعركة. وفي هذا الإطار، وبصرف النظر عن نتائج الحرب، فإن كلاماً كمثل الذي جاء على لسان محمد حسنين هيكل بحاجة الى اعادة تدقيق مذكراته وهو يغطي وقائع الثورة الاسلامية في ايران أنه صادف “في طهران طواقم عدد من شركات التلفزة الأميركية تبحث عن مظاهرات تحرق العلم الأميركي. وكانت تلك هي الصورة المطلوبة لإظهار ان الثورة الإسلامية عدو للغرب وللولايات المتحدة... وقد صادفت (يقول) موقفاً يكاد لا يصدق، فقد وصل طاقم تلفزيوني الى طهران بمصوّريه وبعدساتهم، واللافت أنهم جلبوا معهم مجموعة من الأعلام الأميركية يسلمونها بأيديهم الى المتظاهرين كي يحرقونها أمام الكاميرات، وكان المتظاهرون متلهفين على تخاطف الأعلام الاميركية واشعال النار فيها من دون ان يخطر لهم أنهم وقعوا في شراك فخ الصور[32]. والتدقيق يطول إعادة تقسيم العالم مجدداً في عصر الإمبراطورية الأميركية التي أخذت بفنون الصور والاعلام وحيدة في وجه العالم بأجمعه.
و¬ لقد كانت محطة “الجزيرة” هي الباب الواسع الذي دخل منه الاعلام العربي عصر الفضاء، بالرغم من أنه لم يدخل تماماً عصر التراب (الحضارة الزراعية) ولا عصر الماء (الملاحة والتجارة ولو أن الفينيقيين كانوا أول من سبق خطوات كريستوف كولومبوس حول رأس الرجاء الصالح بحثاً عن القارة الأميركية)، فقد اكتسب هذا الاعلام حضوره وصدقيته منذ الحرب الأميركية على افغانستان واستطاعت الجزيرة من العاصمة (كابول) أن تكون مخزناً لصورٍ مباشرة عجزت عنها أعتى الفضائيات.
لقد تقاسم الفضاء، الى جانب “الجزيرة” في أثناء هذه الحرب الأميركية الأخيرة على العراق، أقنية “أبو ظبي” و”العربية” والـ “L.B.C و”المستقبل” و”المنار” اللبنانية. وقد ألفت الى جانب الفضائية العراقية الشاشة الكبرى “القاسية” القادرة على نقل الصور الكلية البانورامية. ولو أن تماهيات كانت واضحة على الشاشة الأميركية C.N.N في نموذجها سواء أكان من حيث الشكل أو من حيث الأنباء والعناوين في أسفل الشاشة أو في دعوة “خبراء” عسكريين متقاعدين أسقطوا في معظمهم صدقية الشاشة، الأمر الذي دفع بهم الي حصر ما يقدمونه من تحليلات ومواقف بهم شخصياً لا بقيادتهم ولا بأركان جيوشهم وهو ما تمّ اختصاره ليحتل أسفل الشاشة.
وقد لا نظلم هذه الشاشات العربية لو قدّمناها من حيث أخبارها وطرائقها C.N.N ولكن بلغة عربية وبمضمون عربي مفتون بالاستعراضية والتحريض العاطفي واللذة في الإثارة.
وقد ظهرت “مدينة الخيم” على سطح وزارة الإعلام العراقية حيث راح الصحافيون ينتظرون الحرب من هناك في خيم نصبوها مقابل قاعدة السيلية في قطر.
وبدا منذ اليوم الأول للحرب أن “الجزيرة” قد رفعت لواء الحقيقة مهما كانت قاسية وتبعتها في ذلك قناة “أبو ظبي” بينما رفعت “العربية” مبدأ التوازن الذي وصل الى حدود الإرتباك خصوصاً وأنها باشرت بثها مع اندلاع المعارك، بينما بدت الـ L.B.C على مسافة متوسطة بين القناتين، لكنها كانت تهتم بالعراق وتحاول الإستفادة الى أقصى حد من مراسلي “الحياة” وأحوالهم.
كانت شاشة “الجزيرة” نجمة الشاشات العربية وقد “قصفها” وزير الدفاع الأميركي رونالد رامسفيلد في مؤتمراته الصحافية ومثله وزير الخارجية كولن باول الذي اعتبرها “محطة تفتقر الى الموضوعية في أخبارها حتى في صورها الإستعراضية، فهي تضخّم الانجازات العسكرية للنظام العراقي وتلقى قبولاً ملحوظاً عند العرب وبعض أقنية الغرب[33]. وفي المقابل نجد وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف يستشهد بها في مؤتمراته بالقول: “كما ذكرت الجزيرة أو كما رأيتم على الجزيرة”.
تبرز عملية “إنقلاب الصورة” في كيفية تعاطي المسؤولين البريطانيين والأميركيين مع قدرات العرب المستجدة في ميدان استعمال صور الحرب وخصوصاً الجزيرة”.
فقد افتتح قائد القوات البريطانية في الخليج بريان بوريج مؤتمراً صحافياً مهاجماً فيه الاعلام العربي ومحطة “الجزيرة” التي “تعرض صوراً مروعة عن قرب[34] لجنديين بريطانيين قتلا في المعارك وقد ارتفع الهجوم الى مستوى رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي عبّر عن “غضبه على “الجزيرة” لعرضها صوراً لجنود بريطانيين قتلى وأسرى[35]”.
ولم يتردّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر من انتقاد تغطية وسائل الاعلام العربية للحرب على العراق بقوله: “كثيرون من العاملين في الصحافة العربية يشوّهون الأشياء، ويعرضونها، ويا للأسف بطريقة مثيرة... جلّ ما نطلبه صراحة هو أن يكونوا صادقين، وأن يأخذوا في الاعتبار وجهات النظر المختلفة وينظروا الى الوقائع... لقد لفتت بعض وسائل الاعلام المكتوبة اهتمامنا بصورهافي الأيام الأخيرة، أو “ادعائها بقصف مسجد”، أو قصف حي الشعب، “مدعياً أن صورة المسجد قديمة، وبأن “سبب الحادث الثاني لم يعرف رسمياً”[36].
قصف الصورة
ولشدة تأثير “الجزيرة” تعرّض موقعها على الإنترنت الى قرصنة إلكترونية[37] أو ما يعرف بـ”الهاكرز”، ويعتقد أنه جاء من جهات كبرى حرمها من إظهار صورها لأيام أربع متتالية.
وقد استدعى المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا مدير مكتب الجزيرة في باريس ميشال الكيك للإستفسار منه حول خطورة بث صور القتلى والأسرى من الجنود الأميركيين على الشاشة.[38]
كان لا بد إذاً من قصف الصورة المقلقة والمزعجة ومحاولة قتلها.
وبالرغم من صعوبة هذا الأمر فقد أغارت الطائرات الأميركية على مكاتب “الجزيرة” وقناة “أبو ظبي” ووكالة “رويترز” للأنباء في فندق فلسطين في حي الكرخ في بغداد، وقتل مراسل الجزيرة طارق أيوب وظهر جلياً مشهد النقل الأكثر حيوية حيث سال الدم على الكاميرا، وأصيب المصور الصحفي زهير العراقي[39]. وسواء أكان القصف بسبب من قوة الصورة أو لأسباب أخرى جعلت نهاية الحرب زاخرة “بالصدمة والهول”، في اليوم الثاني، وحافلة بالألغاز، فإن المستقبل هو الكفيل بفك الطلاسم السياسية والعسكرية، دون أن تفقد الصورة حضورها العربي الأول الفصيح. فالدخول الى عصر الصورة مسوولية كبرى.
7- فتح ألبومات التاريخ
من الطبيعي، ربما، أن تقصف الصورة لأنها بدأت تقتل وتجرح وتثير المشاعر الحماسية في العالم، وتضاعف المظاهرات وترفع من أصواتها. لقد غلبت على هذه الصورة المجبولة بالدم ملامح التدمير والغثيان التي تقشعرّ لها الأبدان، وتجعلنا نرتجف، وخصوصاً أمام المهارة في إبراز صور الأطفال المهشمين، الأمر الذي يستدعي البكاء والتقيؤ والإصابة بالغيبوبة والإدانات بكافة وسائل الإتصال.
صحيح أن هذه الصور نبع للكلمات التي ما عادت تجد أمكنة لها معترضة في أروقة البيت الأبيض وفوق شاشات التلفزة عموماً، فأنها كلمات كانت تساعد، كما على الدوام، في التقدّم نحو المستقبل، بينما تنشدّ الصور نحو الماضي الذي يحرّك فينا قوة المستقبل “فسرّ قوة الصورة هو من دون شك قوة الوعي في الإنسان[40].
ولا نتصوّر بأن الاهتمام بانطلاق الصورة في معارك الصور العربية¬الأميركية الأخيرة نابع من كونها معارك مستجدة في تاريخ الصراعات الدولية، لأن فتح “ألبومات التاريخ” والنبش فيها يجعلنا منذ مئة وخمسين سنة تقريباً أمام سلسلة من الصور التي غيّرت كثيراً في المعادلات والتحالفات والقرارات.
فمنذ حرب شبه جزيرة القرم (1855) كان أول ظهور للتحقيقات الصحفية المزدانة بالصور النادرة[41] وصولاً الى الحرب الأميركية على العراق ... قرن ونصف كانت الصورة الصحفية ملازمة فيها للحدث ولمجمل أحداث العالم، بالإضافة الي دورها (الصحافة) في إعادة البشرية الى الصورة وفاعلياتها بعدما كانت استغرقت في الكتابة والرموز.
وبهذا تكون الصورة قد عادت الى رحمها الأول الذي منه انبثقت الحضارات الكتابية. ألسنا في عصر نسميه بعصر الـ IMAGOS وهذا مصطلح يلحّ على الحضور البشري المعاصر نستلهمه من الـ CHRONOS أو مفهوم الزمن الذي بدا شديد الإلحاح في فكر الإنسان وحضوره البشري متوسطاً مبدأي Heros الإيروس (اللذة) والـ Tanathos التاناتوس (الألم)؟
ويقودنا فتح ألبومات التاريخ الى مجموعات كبيرة من المحطات التي تبرز الأدوار الأساسية للصور في الحروب[42].
فمن صور الحربين العالميتين الأولى والثانية وفيها صور هتلر وما ألحقه بالمانيا والعالم من آلام ومآسٍ الى صور ستالين (الذي تسلّم السلطة بعد موت لينين في العام 1924 وكان السيد المطلق في الاتحاد السوفياتي الذي امتهن تصفية معارضيه وزراعة الرعب في الأرض الآسيوية عبر ملايين الأبرياء الذين جرى تعذيبهم وقتلهم) ومثله صور موسوليني أيضاً. ونجد في هذا “الألبوم” صور قنبلة هيروشيما النووية إذ القتها القوات الأميركية فوق هيروشيما في اليابان (6 آب 1945) وحصدت بذلك مئة ألف ضحية وعشرات ألوف الجرحى والمشوّهين، الأمر الذي حذف المدينة اليابانية من خارطة العالم. ولكن النتائج هذه كانت قد مسحت عار بيرل هاربور عن وجه الولايات المتحدة التي ألقت في التاسع من الشهر نفسه (1945) قنبلة ثانية في ناكازاكي دفعت بها إمبراطورية الشمس لبلاد العم سام موقّعة نهاية الحرب العالمية الثانية من دون شروط. ونجد في الألبوم صور المجازر الإسرائيلية التي بدأت في العام 1948 واستمرت من دون انقطاع ضخ صور المآسي والمجازر من دير ياسين الى قانا اللبنانية فإلى مخيم جنين والضفة وغزة وصولاً الى انتظارات لا تنتهي يأتي آخرها “خريطة الطريق” الذي تقدمه الإدارة الأميركية ويحمل دولة فلسطينية في الـ 2005 هي أقرب الي الوهم والخيال.
وهنا تقفز صور الحروب العربية¬الإسرائيلية 1967 و1973 ومثلها تقفز آلاف الصور المرتبطة بالمخيمات والحروب اللبنانية في الكرنتينا وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وصولاً الى صورة محمد الدرة في الأول من تشرين الثاني 2000.
ونجد في هذا الألبوم مقتل لومومبا (17 كانون الثاني 1961) الذي أعلن عزمه على تحرير القارة السوداء، وتبدو صور اعتقاله ومقتله بيد الكولونيل موبوتو بتدبير ومساندة من المخابرات الأميركية.
ونجد في أزمة الصواريخ (22 تشرين الأول 1962) مجموعات قليلة من الصور وقد خلّصت العالم من كارثة نووية. فقد أعلن الرئيس الأميركي جون كيندي الحصار على كوبا لوجود صواريخ نووية روسية فوق أراضيها، الأمر الذي أنكره الروس وجعلهم في مواجهة شبه مباشرة في البحر الكاريبي. كما تواجها في مجلس الأمن، وكان عرض الصور التي تثبت وجود الصواريخ من قبل المندوب الأميركي حافزاً لتوقيع معاهدة حظر استعمال الأسلحة النووية في 28 تشرين الأول 1962. ونجد صور مقتل كيندي بعدها (22 تشرين الثاني 1962).
وتقفز الى الواجهة صور حرب فيتنام التي امتدت من العام 1961 حتى 1973 مخلّفة عشرات الألوف من القتلى الأميركيين وآثاراً نفسية قد يصعب محوها في المجتمع الأميركي، وهي الصور التي رأيناها تحضر بالتوارد في أثناء الهجوم الأميركي الأخير على العراق، فقد تضاعف الشبه بين النزاعين بعدما صارت صور القتلى والأسرى الأميركيين تسيطر على شاشات التلفزيون خصوصاً وأنها المرة الأولى منذ حرب فيتنام تدخل فيها الولايات المتحدة الأميركية حرباً تلقى هذا القدر من المعارضة الدولية. إن أقوى صورتين تقفزان من حرب فيتنام هما صورة المليون متظاهر أميركي في واشنطن ضد الحرب (21 تشرين الأول 1967) وصورة الفتاة الفيتنامية الهاربة مع أشقائها الصغار وشقيقاتها أمام دخان قذائف النابالم (8 حزيران 1972).
لقد كانت حرب فيتنام الأولى التي نقلت عبر شاشات التلفزة يوماً بيوم، وكانت قوة الصور من الأسباب الجوهرية التي جعلتها تتجاوز قوة الأميركيين في أدغال فيتنام.
على هذا المستوى كان كتاب الاعلامي الكندي الشهير مارشال مالكوهان الذي ركّز فيه على تجربة الصورة في حرب فيتنام والدور الذي لعبه التلفزيون في حسم الحرب حيث لم يعد المواطنون مشاهدين للمعارك بقدر ما بدوا مشاركين في الآراء والمواقف ومختلطين بالعسكريين.
وكان مالكوهان في كتابه هذا الذي جاء بعنوان “الحرب والسلم في القرية الكونية” (1968)
War and Peace in the Global Village هو من أطلق فكرة “القرية الكونية” والتي رددها قاطنو الكرة الأرضية من بعده وما يزالون.
ونجد صورة ثورة الثالث من أيار 1968 حيث اسقط الطلاب في خلالها الزعيم الفرنسي شارل ديغول، وصور ربيع براغ (21 آب 1968) حيث اجتاحت خلاله الدبابات السوفياتية تشيكوسلوفاكيا، وصور البؤس في بيافرا التي غدت مضرب الأمثال فور اعلان أهلها جمهورية بيافرا (30 أيار 1967) معلنين استقلالهم في القسم الشرقي من نيجيريا عن السلطة المركزية التي اجتاحتهم وحاصرتهم غذائياً، الأمر الذي أدّى الى أكبر كارثة بؤس وجوع في القرن العشرين حيث قضى أكثر من مليوني ضحية من أهالي بيافرا جوعاً.
ومن الصور المفصلية التي نجدها في “ألبومات التاريخ” صورة الخطى الأولى لنيل أرمسترونغ أول بشري على سطح القمر (21 تموز 1969)، وهي صورة أساسية ارتاد من خلالها الإنسان عالم الفضاء على مختلف المستويات، وقد التقط نيل مجموعة من الصور بعدما فتح الكاميرا ووضع الفيلم في جيبه تاركاً آلة التصوير فوق سطح القمر لأن ما حمله من صخور وأحجار جعلته يفضّل حصاة كبيرة على الكاميرا.
ونجد حروب ايرلندا الشمالية، والصور الأخيرة لمقتل سلفادور الليندي الذي انتخب رئيساً لتشيلي في 11 أيلول 1973 بانقلاب ضده مدعوماً من المخابرات الأميركية، حيث تمّ قتله وغرقت التشيلي في أعتى الدكتاتوريات التي عرفتها أميركا اللاتينية.
ونتصفح صور عودة الإمام الخميني مظفّراً الى طهران (1 شباط 1979) بعد مضي خمسة عشر عاماً من النفي، وصور اجتياح افغانستان من القوات الروسية (27 كانون الأول 1979) وصولاً الى الحرب العراقية¬الإيرانية (22 أيلول 1980) التي خلّفت أكثر من مليون قتيل من دون أن يكون هناك رابح أو خاسر من كلا الطرفين.
ونجد صور كارثة انفجار تشرنوبيل النووي (26 نيسان 1986) التي بقيت تزرع الموت ضحايا أكثر من اثنتي عشر عاماً بعد هذا التاريخ.
وبعدما هبّت رياح البريسترويكا على بلدان أوروبا الشرقية وفتحت هنغاريا حدودها على النمسا تدفق ألوف الالمان الشرقيين على المانيا الغربية مسقطين جدار برلين في 9 تشرين الثاني 1989 ليتبعهم في ما بعد تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا، ولتتوحد المانيا بعد عامين، وهي أحداث حافلة بالصور القائمة في الذاكرة وخصوصاً سقوط الجدار.
ولا يمكن إغفال “أوتوستراد الموت” الذي جاء في أعقاب غزو العراق للكويت (2 آب 1990) وردّه على أعقابه في “عاصفة الصحراء” (16 كانون الثاني 1991) وصور حرق آبار النفط (650 بئراً) قبل الانسحاب العراقي من الكويت في شباط 1991، مما أهدر 70 ألف طن من البترول وعاماً كاملاً من الجهود لإطفاء الحرائق دفع الكويت وحده ثمنها ملياري دولار للإطفائيين الأميركيين.
وقد لا تُنسَ صور مذابح الجزائر التي أرعبت العالم. ومنذ كانون الأول 1991 اعتبر فوز الجبهة الإسلامية في الإنتخابات الجزائرية ملغى مما أدخل الجزائر في حمّام من الدم وصلت تقديراته الى 80 ألف قتيل فقط في العام 1998.
قد لا تنتهي شرائط الصور التي تجسد الحروب اللبنانية من العام 1975 حتى 1990، فلا يمكن القفز فوق صور بوسطة عين الرمانة (13نيسان 1975)، وسحل الجثث والمذابح وحرق الأحياء ومذابح السبت الأسود وصور التهجير وخصوصاً حرب السنتين وعملية الليطاني (آذار 1978) والإجتياح الإسرائيلي لبيروت (1982) وصور الإسرائيلي في قصر بعبدا وصور أرييل شارون في لبنان، واغتيال بشير الجميل، والسيارات المفخخة المتفجرة. وقد تكون صور اسعاف بلدة المنصوري (3 نيسان 1996) وصور مجزرتي النبطية (18 نيسان 1996) وقانا في اليوم نفسه هي الصور القوية النموذجية التي فاقت مذابح دير ياسين والعباسية ومعركة.
إن أقل ما تستدعيه هذه الصور التي تركت مربعات الموت في قانا أنها صور هزمت عدواً وساهمت في تحرير وطن عبر آلاف الصور التي كانت تمثل المقاومة الوطنية ضد “اسرائيل” وهي التي تركت لنا صور التحرير.
لا يمكن تصوّر هذه القيم والآثار التي حملتها هذه الصور عبر هذا التاريخ الطويل.
يكفينا السؤال: ألم تساهم صورة اسعاف المنصوري مثلاً لنجلا أبو جهجاه في دفع تفاهم نيسان، وهل كان بوسع الرئيس الياس الهراوي رئيس الجمهورية اللبنانية السابق إلا حمل صور قانا والنبطية وإسعاف المنصوري الى البيت الأبيض؟
وقبل أن نقفل هذا “الألبوم” نميل الى التوقف عند صور انهيار البرجين في الولايات المتحدة لمحوريتها أولاً، ولأنها محطة كبرى قد تفتح صفحات لا تنتهي من الصور المستقبلية.
8 - إنهيار البرجين أو صورة القرن الـ21
شغلت هذه الصورة[43] التي تمثل نسف برجي مركز التجارة العالمي في واشنطن دول العالم؛ واحتلت مراكز الصدارة في وسائل الإعلام العالمية الى درجة تمكننا من اعتبارها صورة القرن الحالي الأكثر بروزاً، حتى ان عدداً كبيراً من وسائل الاعلام جعلها ثابتة في تقديم أخباره أو برامجه السياسية، على الرغم من مرور عامين على هذا الحدث¬الزلزال.
ليس سهلاً تصور نسف 500 ألف طن من الفولاذ والإسمنت المسلّح تناثرت في هباء جنوني تحت ضربات 4 طائرات مدنية أميركية تمّ خطفها واستخدامها لنسف “تمثالي” دولة العولمة الأقوى في العالم، وحيث بلغ ارتفاع البرج مئة دور ودور، وكذلك لنسف مقرّ وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”.
وقد جاء وصف هذا الحدث بـ “الجحيم” واقعياً لو تصورنا صور الذين قفزوا من النوافذ من علو 300 متراً وكان موتهم محتماً، إلى آلاف الأشخاص الذين قضوا تحت الردم من ذوي المواقع والمستويات الكبرى في العالم. بالإضافة الي المفقودين الـ 800 في البنتاغون والـ266 مسافراً على أجنحة الطائرات المخطوفة والـ265 إطفائياً و78 رجل بوليس من نيويورك سقطوا مع سقوط البرجين.
لقد اتجهت الأنظار الى بغداد العاصمة الوحيدة في العالم التي لم تندد بالهجوم، بل اعتبرته نصراً، وقد كانت محاصرة بالأعين الأميركية من الجهات كلها.
ولقد انهار البرجان وارتفعت صورة انهيارهما الى مستوى باتت الأحداث تؤرخ بها من حيث القَبل والبَعد. وليس قبلها أو بعدها سوى الصور التي رافقت الإجتياح الأميركي الأول والثاني للعراق، الأول “عاصفة الصحراء” والثاني “الصدمة والذهول”، وكان قد سبق الصدمة عملية “النسر النبيل” أو “العدالة المطلقة” على أفغانستان. لقد أقفل بوش الأب القرن العشرين على حرب بدا العرب ضحيتها وافتتح بوش الإبن القرن الواحد والعشرين بحرب بدا العرب ضحيتها أيضاً، وكان من السهل المغامرة بأفغانستان ولو أنها شكلت عبر التاريخ الشوكة المؤلمة في خاصرة المحتلين، ونعني بهما الاتحاد السوفياتي وبريطانيا.
وقد يستغرق العالم وقتاً طويلاً كي يتمكن من سحب هذه الصورة نحو الماضي على اعتبار ان رقمي الـ 11 اللذين يمثلان البرجين سيبقيان منتصبين حروباً لا تنتهي على ما أسمته أميركا بـ “الارهاب”، لتدخل العالم في مرحلة جديدة من العلاقات الدولية تطاول إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد تماماً كما حدث في أعقاب الحربين العالميتين وانهيار جدار برلين في تشرين الثاني 1989.
اللافت في هذا الحدث أن نقطة دم واحدة لم تظهر في أية صورة في وسائل الإعلام في العالم، وفي هذا مغزى كبير، بالرغم من “انهار” الدماء الموعودة كصدى لانهيار البرجين في العالم كله. وسواء تناول الإتهام بن لادن زعيم القاعدة أو الأصابع الخفية للموساد والمخابرات الأميركية[44]، فإن غبار البرجين حجب رؤية العقلاء في النظر الى خلفيات الحادث ومسبباته وتداعياته المتشعّبة السياسية والإقتصادية والفكرية والثقافية والعسكرية، وكلها تداعيات مغمسة برائحة الدم تؤسس لفكر “صدام الحضارات” وتغيير الجغرافيا السياسية.
“صحيح أن الحادث كان فرصة للمخططين الاستراتيجيين الأميركيين لاعادة ترتيب أحجار كثيرة كانت قد تبعثرت بين أيديهم على رقعة شطرنج السياسات الخارجية في السنوات الماضية، فبدأ الترتيب في أفغانستان ثم اتجه صوب العراق وايران وسوريا ولبنان وباكستان والمملكة العربية السعودية، ربما، وغيرها من البلدان التي كانت تظنّ ان علاقتها بواشنطن من القوة والصلابة بحيث تقاوم كل عوامل التعرية... هذا كلّه صحيح، لكن من غير المعقول ألاّ تقاوم هذه الدول ما يهدّد حاضرها ومستقبلها تحت وهم أن المخططات الأميركية في هذا النظام الدولي الجديد قدر محتوم لا فكاك منه، ولعنة ستحلّ بمن تريد سواء أكان موجوداً على ظهر الأرض أم مختبئاً في باطنها”[45].
ستبقى هذه الصورة التي ما ظهرت دماؤها تستسقي الدم العالمي الى أمد طويل قد يمتدّ الى عقود.
9 - الخاتمة
عندما تكون أعين العالم غارقة في ترقّب حروب “المواجهات العملية” الدائرة بين الأطراف، تدور حروب استراتيجية إعلامية خفية من نوع آخر، انها حروب الصور، وقوامها علوم النفس والإقناع، والتأثر والتأثير وتحريك المشاعر وبناء الرأي العام المحلي والعالمي على السواء, ذلك وفق اتجاهات وتخطيطات دقيقة تساهم في كسب الشرعية المبتغاة وخصوصاً عن طريق الصور.
لقد غدت الصورة, اليوم, أساسية وأداة فاصلة في أي صراع كان, عسكرياً أم سياسياً, انتخابياً أو اجتماعياً أو عاطفياً. فالصورة هي في صميم العمل الاستراتيجي الهادف الى الوصول الى الآخر, للتأثير فيه وكسبه الى الجانب المراد.
إنها عملية “اغتصاب” للرأي المكوّن مسبقاً ومحاولة جاهدة لتعزيزه اذا كان مطابقاً, أو للعمل على تغييره في حال توجب إعادة تكوينه.
واليوم, وبعدما تجاوزت البشرية شوطاً كبيراً في مجال تقنيات الصورة تحديداً, عادت الصورة بقوة لتحتل مكانها مجدداً في طليعة عمليات الإتصال ولا سيما التواصلية منها.
سلبية كانت الصور أم إيجابية, فإنما تطرح مناقشات حادة وتبقى أداة فعّالة.
والحروب على اختلاف طبعتها, ستبقى ظاهرة مستمرة.
“2003/5/16”
[1] ( VERNANT (Jean-Pierre : La mort dans les eux, paris, hachette, 1986, p.22
[2] S”v”re Acrute Respitatory syndrom
[3] أصدر آل غور نائب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون Bill Clinton في العام 1997, كتابين بعنوان: “جدل اليوم الأخير” و “الأرض في الميزان” بحث فيهما كيفية فتك المواد الكيماوية المركبة بالبشرية والنطف البشرية, ومدى مخاطر الحروب المقبلة على تحقيق أفكار القيام الدينية والأسطورية, كذلك على نسف الوجود الأرضي بالكامل.
[4] تصدرت هذه الصورة وسائل الإعلام العالمية في 12”4”2003
[5] (MICHEL Paul Henri) , la pens”e de l”on, Battista Alberti, PAris, les belles lettres, 1930, p.493.
[6] ( DEBRAY R”gis) : Vie et mort de l'image, Paris, gallimard, 1992, p.16.
[7] عقدت “قمة الحرب” في 17 آذار 2003 في قاعدة لاخيس بجزيرة تيرسيرا في أرخبيل الأزور البرتغالي وضمت الرئيس الأميركي جورج بوش ورؤساء حكومات بريطانية طوني بلير, واسبانيا خوسيه ماربا أسنار والبرتغال دوراو باروسو, واندلعت الحرب فعلياً في 20 آذار 2003 فبلغت ذروتها مع سقوط بغداد في 9 نيسان التاريخ الفعلي لنهاية الحرب إعلامياً والتي لم يعلن بوش عنها بشكل نهائي بل أكتفي بإعلان انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في 2 أيار 2003 وقد جاء إعلانه لدى احتفائه بعودة الجنود الأميركيين من الخليج على متن حاملة الطائرات “يو.آس.اس ابراهام لنكولن معتبراً أن “الحرب على الإرهاب لم تنته, متعهداً توجيه ضربات وقائية اذا اقتضت الضرورة لحماية الولايات المتحدة.
راجع: www.AFP.com وصحف 3 أيار 2003
وتبرز المصادفة في نشر وكالة الأسوشيتد برس صورة للرئيس العراقي صدام حسين لدى توجيهه آخر كلمة له الى العراقيين في 9 نيسان يوم سقوط بغداد وقد بدا التعب والإرهاق عليه, وقد أعاد قراءة احدى الجمل مرتين.
راجع صحيفة النهار, 3 أيار 2003, الصفحة الأولى.
[8] راجع www.centcom.mil
[9] ( GIESEY Ralph. E>) : Le roi ne meurt pas, Paris, Flammarion, 1987, p.38.
[10] الصحف ووسائل الإعلام 12”4”2003
[11] كان لهذه الصورة قيمة خبرية “5”4”2003”, خصوصاً وأنها جاءت في أعقاب إلقاء وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف 3 كلمات لثلاث مرات متتالية اعتبر فيه المراقبون بأن صدام قتل أو هرب.
[12] راجع صحف 24”3”2003
[13] www.aljazeera.net 22”3”2003 وهي صورة لم تبثها التلفزة العالمية, وكانت هذه الصورة الردّ الأمثل على ادعاء الأميركيين بنظافة الحرب.
[14] الأحد 30”3”2003.
[15] 5”4”2003 الجزيرة.
[16] الجزيرة 24”3”2003
[17] 26”3”2003.
[18] 27”3”2003
[19] 23 و ¬24”3”2003 www.aljazeeira.net.
[20] طرح لجوء الولايات المتحدة الي القانون الدولي الانساني علامات استفهام كبرى حول مدى الآثار التي تركتها صور التلفزيون العراقي على الرأي العام الأميركي والإدارة الأميركية بشكل عام مما شكل حافزاً للمطالبات بإيقاف الحرب. وقد وضع أسس هذا القانون الدولي الإنساني هنري دينون في العام 1846 متأثراً بالمآسي التي شاهدها في معركة سلفرينو فعاد الى جنيف وأسس اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد عرف هذا القانون الدولي الانساني في اتفاقاته وبروتوكولاته المؤلف من سبعماية مادة تعديلات مهمة أولها في 12 آب 1949 طاولت حماية الجرحى ومرضى الحروب والأسرى والمدنيين, والحق بها بروتوكول في العام 1977 تطرق الى النزاعات الدولية إثر بروز حركات التحرر في العالم.
[21] Encyclopedie En Carton 2003, Pacte de GENEVE وقد أصاب السائق لطفي البربري 15 عسكرياً أميركياً بجروح قبل أن يصاب بدوره بالإضافة الى 14 كانت اصاباتهم طفيفة. راجع جريدتي: القبس والرأي العام, الكويت 7”4”2003.
[22] السيدتان هما وداد جميل ونور الشمري, راجع الجزيرة 3 نيسان 2003.
[23] راجع وسائل الإعلام المرئية المسموعة والصحف 10 و11 و12”4”2003.
[24] لقد عرضت الصور بشكل ورق للعب في 10”4”2003.
[25] كان العراق معروفاً باسم “عراق صدام”.
[26] DEBRAY (R”gis) : ibid, p.321.
[27] عدنان المبارك: وهو عصر الإعلام أيضاً, آفاق عربية, آب 1978, ص43.
[28] وقد حقق أحد الهواة وهو ابراهام زابرودر Abraham Zapruder وهو مصمم أزياء من دالاس سبقاً صحفياً باعه بـ 150 ألف دولار رل “لايف ماثمازين”, كما احتلت صورة جيمس الت”ن James Altgens الصفحة الأولى لآلاف الصحف العالمية. راجع: Encyclop”ie Encarta 2003.
[29] (Bourdieu Jean) : Qui fait la guerre”, Le monde, PAris, 3/11/2001.
[30] محمد علي الآتاسي: حقيقة الحرب ضحية صورتها, ملحق النهار, الأحد 13 نيسان 2003, ص6.
[31] في مؤتمر صحفي له في 13”3”2003 “الجزيرة” والمعروف أن فيكتوريا كلارك مساعدة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد للشؤون الاعلامية هي وراء هذا الأسلوب المبتكر لجلب الصورة الى جانب قوات التحالف.
[32] السفير 14”3”2003.
[33] جاء انتقاده في 26”3”2003 ونجده في الصحف تاريخ 27”3”2003.
[34] صحف الجمعة 27”3”2003.
[35] المرجع نفسه.
[36] المرجع نفسه.
[37] www.aljazeera.net في 23”4”2003
[38] المرجع نفسه والتاريخ نفسه.
[39] المرجع نفسه, 8 نيسان 2003
[40] DEBRAY (R”gis) : ibid, p.78
[41] عام 1851 تمّ اختراع المحلول الكيماوي الذي ساعد في تذويب الصفائح المعدنية, وكان مساعداً على امكانية طباعة الصورة الفوتوغرافية في الجريدة. وبعد هذا التاريخ بأربع سنوات أخذت تظهر أول التحقيقات الصحفية المصورة. وكان روجرز فانتون الانكليزي أول ناشر لريبورتاج مصور كان موضوعه حرب القرم التي جرت في شبه الجزيرة شمالي البحر الأسود بين روسيا من ناحية وتركيا وفرنسا من ناحية أخرى, واستمرت هذه الحرب من 1854¬1856. وقد كان فانتون مصوراً فريداً حمل معه الى ميدان المعركة أجهزته الثقيلة بل مختبراً متكاملاً لتحميض صوره بنفسه. ولم يكن هناك بعد أشرطة للأفلام لذا كان عليه أن يعد بنفسه الكليشهات “الرواسم” ويحضّر المواد الكيماوية.
واذا كانت الصور الملونة قد ظهرت للمرّة الأولى في صحيفة “فرايبور نساتيونخ” الإلمانية, فإن الصور البدائية ما رأت النور إلا في العام 1822 حيث نجح الفرنسي Nicephore niepce نيسوفور نيبس في تجاربه تثبيتاً للصورة في غرفة سوداء على ألواح زجاجية مغطاة بمادة الحّمر أو القار Bitume de jud”e الشديدة الحساسية ليظهر في العام 1827 الصور الأولى لمناظر كان يراها من نافذة مختبره واسماها بالـ Heliographies أو الحفر الشمسي.
راجع Encyclopedie Encarta, 2003, mat: image
[42] لقد اعتمدنا في ايراد هذه الصور التاريخية على:
أبو جهجة نجلاء: اسعاف المنصوري, دار بلال للطباعة والنشر, الطبعة الأولى, 1999.
Robin (MArie Monique) : Les cents photos du si”cle, Ed. France Loisirs, Paris, 1999 وثائق الحرب اللبنانية, يوميات, صور ¬ المركز العربي للأبحاث والتوثيق, بيروت, سبتمبر 1985.
Croix noire ou le dossier du complot contre le Liban, U.S.A, Beyrouth, juillet, 1976. مجلة حرب السنتين, النهار, 1977, بيروت.
[43] www.tradecentre.w.t.c. et le Figaro Magazine, Samedi 15 sep. 2001, p.10.
[44] غور فيدال: العدو الباطني, الاوبزر”ر, لندن, الأحد 27 تشرين الأول 2002, وقد نقل المقال الى العربية طلاب السنة الرابعة في الفرع الثاني لكلية الإعلام والتوثيق ¬ الجامعة اللبنانية “اختصاص صحافة مكتوبة” وفيدال هو من أكثر الكتاب الأميركيين ميلاً للجدلية والشراسة وقد جاء مقاله الطويل هذا دراسة للقدرة الاميركية على اخفاء الحقائق والتضليل وهما سمتان أساستيتان في استراتيجيات السلوك السياسي والامني للادارات الاميركية, كما جاء في نصه.
[45] www.aljazeera.net. 11”9”2002. أيلول عام على الزلزال.