سياحة في الوطن

احتضنت رفاة أنبياء وملوك وإليها لجأ المضطهدون
إعداد: باسكال معوض

سجد وعرمتى ومليخ

مثلث آخر للجمال وروعة الطبيعة

نتابع رحلتنا في جبل الريحان لنكشف في حناياه ومرتفعاته مزيداً من الجمال والحكايات. في سجد نتعرف الى معنى السجود لله وفي عرمتى نسمع حكايات البيادر وعرمات القمح، لنتابع في مليخ حيث ثمة دلائل الى أن الإنسان سكن جوارها منذ العصر النيوليتي...

 

سجد: معبر القوافل

سجد، بلدة مترامية الأطراف تلامس حوافي حدودها العديد من القرى. فهي تمتد في النصف الشمالي من أعالي جبل عامل وتطل بجبليها الرفيع، وسجد على كامل الجنوب، وعلى الجليل الأعلى من فلسطين المحتلة، وعلى قسم من أراضي الجولان السوري المحتل وعلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط. يعود اسم البلدة الى نبي دفن على تلة في ضريح تجلله السكينة، فكلمة سجد ترتبط بمعنى السجود لله. ويحكى أن النبي المذكور هو علم من أعلام التقى والورع، وينتمي الى سلالة عريقة من الأنبياء، سكن هذه المنطقة مهاجراً من فلسطين حيث خاض معركة أسفرت عن مقتل الكثير من المهاجمين وأودت بحياة الكثيرين من مواطنيه وتابعيه. وتزيد الرواية أن المتعاركين المزهقة أرواحهم مدفونون داخل مغارة مغلقة الباب بصخرة كبيرة الحجم لا يستطيع 50 رجلاً القيام بسحبها أو زحزحتها.

 

تقع بلدة سجد ضمن سلسلة جبال لبنان الغربية، وتميزها خصائص عدة عن سائر القرى من النواحي الطبيعية، فهي وعلى الرغم من تماسكها ككتلة متراصة مزركشة كالطاووس، يزنرها من الشرق نهر شتوي هو مجرى تتجمع فيه المياه خلال فصل الشتاء. ويحيط بالبلدة من الجهة الجنوبية سفوح جبل الريحان ومزرعة الزغرين ومنحدرات الشميس والجرمق. أما الجهة الشمالية فتحاذي مروج الخيل ووادي تنس التابع لمليخ ومزرعة عقماتة الغنية بالأشجار المثمرة. وغربي سجد تقع بلدة جرجوع ونهر الزهراني، أما في الغرب الجنوبي فتقع عربصاليم التي تجمعها مع سجد أواصر نسب ومصاهرة كبيرتين. أما سهلا المأذنة والجرمق اللذان يرويهما نبع المأذنة وشقحى فهما الى الجنوب من البلدة. في القديم كان المورد الأساسي لمعيشة أهالي القرية هو عمل المكارة، حيث أنهم كانوا وسكان القرى المجاورة يؤجرون دوابهم وأوانيهم المنزلية وبعض المفروشات للقادمين من فلسطين ومصر واليمن والعراق في أيام حجهم أو ترحالهم، وبخاصة اليهود منهم الذين كانوا يأتون للحج الى مقام النبي سجد. موقع سجد الجغرافي بين نهري الزهراني والليطاني منحها أهمية منذ القدم. ولكونها نقطة وصل بين الجنوب والبقاع شكّلت البلدة معبراً للقوافل القادمة من صيدا وصور في طريقها الى بعلبك والشام، وهي كانت أيضاً محطة تستريح فيها هذه القوافل. وثمة دلائل تشير الى أهميتها في الماضي والى قِدَم التجمعات السكنية فيها، وما كانت تشهده من عبور قوافل ومسافرين، فمنطقة الخربة الواقعة في أحد نواحي سجد كانت مركزاً لتبادل البضائع. وفي منطقة الملول وجدت مقبرة قديمة العهد، أمّا الناووس الموجود في تل القلعة فهو مدفن لملك كان عظيم الشأن كما نيرون. وهو أوصى أن يحفر قبره في صخرة، وقد ظلت الصخرة على حالها لم تبدلها عوامل الطبيعة والزمن. الى ذلك وجـدت غرب البـلدة مـغارة طبيعية وفيها بقايا هياكل عظمية لأناس كانوا من الجبابرة كما تشير العظام الكبيرة الحجم. ذاقت سجد كما البلدات المجاورة لها مرارة الإحتلال الإسرائيلي وكل ما رافقه من المآسي. وقد كان نصيبها أن تهدم بيوت أهاليها فلا يظل منها أثر، وأن يتفرق سكانها في غير ناحية. بعد زوال الإحتلال، شهدت البلدة نهضة عمرانية كبيرة فارتفعت من جديد جدران البيوت التي تهدمت، وعادت الحياة الى الساحات والطرقات من جديد. رئيس بلدية سجد الدكتور مهدي ناصر الدين يقول أن تأمين المياه للبلدة كان من الأولويات الملحة، وقد حفر لهذه الغاية بئر ارتوازي وتم تجهيزه بحيث يكفي حاجات الأهالي. كما شقت الطرقات الى المنازل، وأقيمت الأرصفة على جانبي الطريق الرئيسي، ونفذت أعمال عدة بهدف تجميل مدخل البلدة وساحتها.

 

ويضـيف ناصر الدين قائلاً:

أنشـأت البلدية حديقـة عامـة في ساحـة البـلدة، ووضـعت في تصـرف الأهالي سـيارة إسـعـاف تقوم بخدمـتهم عـند الحاجة. وثمة مشاريع كثيرة يخطط المجلس البلدي لها مستقبلاً لتتحقق نهضة البلدة، غير أن التنفيذ ينتظر ازالة الألغام التي ما يزال قسم كبير منها في الأراضي.

 

عائلات سجد

تعلو بلدة سجد عن سطح البحر نحو 1180 متراً وتبلغ مساحتها 398 هكتاراً وعدد سكانها 2500 نسمة وهم موزعون على العائلات التالية: ناصر الدين، شباني، حسن، علي أحمد، عنيسي، شقور، شحادة، شرف الدين، خليل، درويش، شهاب.

 

عرمتى: أماكن وحكايات

لفظة عرمتى مشتقة من السريانية وتعني عرمة القمح أو كومة الحجارة. والاحتمال الأول يشير الى أن أراضي البلدة كانت تزرع بالقمح والخيرات، فأصبحت مركزاً تكوم فيه غمار القمح التي يحصدها الفلاح بالمنجل بيمينه ثم يحضنها الى قلبه بيساره، وهذا ما يؤكده وجود منطقة فيها تسمى البيادر، ومطحنة قديمة باتت أثراً وذكرى. غير أن القمح ليس الغلة الوحيدة في البلدة، فعرمتى رمز للخير والطبيعة المعطاء الغنية بخصوبة أرضها وبينابيعها، ومن ينابيعها الكثيرة نذكر: عين الغربة، عين الصحة، عين الحياة، عين أبو الفتوح، عين الزغيرة، عين الغزال... أما مواسم عرمتى حالياً فأهمها التفاح الذي يشتهر بطعمه المميز نظراً لانتشار أشجاره في الجبال المحيطة بها، كذلك تنتج البلدة الجوز بكميات كبيرة الى مواسم العنب والتين والزيتون التي لا تخلو منها بلدة جنوبية. للأماكن في عرمـتى أسـماء وحكايـات وذكريات. بعـضها كان جزءاً من الحياة اليومية للناس بما يحتضنه من مواسم وخيرات، وبفعـل الاحتلال تحول الى مركز عسـكري يتردد اسـمه في نشـرات الأخبار اليومية عل مر سنـوات... وبعـضها له أهمـية تاريخية ودينية، وبعضها الآخر يشكل بما فيه من مميزات طبيعية، مراكز للإسـترخاء والتنـزه والاستجمام.

● نبدأ من بئر كلاب، وهو جبل مطل على عرمتى مليء بالأشجار المثمرة البرية والمزروعة، ويمتد من أول جبل العريض الى مزرعة عقماتا المشهورة بعدم وصول الشمس الى أرضها من كثافة أشجارها. وتكثر في هذا الجبل الضخم المغاور والكهوف الطبيعية.

● أبـو ركاب، من أهـم الأماكن في البلدة، نظراً لتاريخ المقـام الذي يحـمل اسم أبو الركـب، وهو رجـل صالح هرب من المدينة والناس الى هذا الجبل تعبداً وإيمـاناً في زمن الإضـطهاد وراح يمـشي حـتى تورّمت قدماه، فمشى على ركبه، وسكان المنطقة من مختلف الطوائف يجلّونه ويقدمون له النذور.

● عـين أبو الفتح، تقـع هذه العـين أسـفل العريـض في جـبل بئر كلاب. وهي غزيرة المياه شتاءً، وتشح إنما لا تنقطع صيفاً وتتميز ببرودتها الشديدة، حيث كان أهل البلدة في القديم يملأون الأجـرار والأباريق من مياهها ويتسلون في كـزدورة مـسائية الى العـين حيـث يمضـون سهريـات رائعـة.

● طريـق الكروسة، يعرّف اسـمها عنها، وهي طريق العـربات قديماً، وطريق النـزهة والمشاوير أو حـتى الرياضة في الصباح الباكر والعـصرية أو فـي المسـاء، وتمـتد الـطريق من أول مفتـرق في عرمتى حتى مشارف بلدة الريحان.

● حرش الأفـندي، منطـقة تقـع بين عرمتى والريحـان وتكـثر فيها أشـجار الصـنوبر وتعـتبر مركـزاً هاماً وممـيزاً للتمتع بأحضان الطبيعة الرائعة في هذه الناحية من جبل الريحان، والتي تحاذيها منطقة الشحار المزروعة بشتى أنواع الفواكه.

● في آخر عرمتى باتجاه مليخ تقع بئر المطـحنة، وهي كمـا يدل اسـمها مطحـنة كانت تعـمل على الطاقـة المائيـة إلا أنها أصبـحت أطلالاً وآثاراً وطاحونـاً للذكريـات.

● أما عاضـور فهي مزرعـة قديـمة جداً تقـع خلف حرش الأفـندي، مساحتها شاسـعة جداً وتحوطها أشجار مزروعة وأخرى برية (سنديان، سرو، صنوبر وبلوط...) لتجعل منها جنة غنّاء.

وقبل أن ننهي جولتنا في أماكن البلدة ومعالمها نتعرف الى منطقة البيادر التي كانت تزخر قديماً بالسنابل الشقراء تملأ سهولها الخصبة...

تعمل بلدية عرمتى على تعزيز المقومات التي تتمتع بها البلدة طبيعياً، وهي لذلك تولي اهتمامها للشؤون البيئية والجمالية. الدكتـور ابراهـيم الحاج رئيس البـلدية يحدثنا عن منتـزه أقـيم في البلـدة وجذب المـئات من الأهـالي ومن العابرين أيضاً. إضـافة الى تجـديد منتـزه آخـر كان موجـوداً في البـلدة من قـبل ويدعى منتزه عين الصحة الذي كان يقصده أبناء المنطقة للإستراحة والإستجمام في أحضان الطبيعة. الى ذلك تم توسيع مداخل البلدة وتزفيتها وتزيينها وإنارتها تمهيداً لعودة دائمة للأهالي. وتهتم البلدية أيضاً بالناحية الدينية حيث أنها سبب أساسي لعودة الأهالي. في هذا الإطار يجري حالياً تجديد مسجد البلدة مع مراعاة بنائه القديم والأثري، كما يستكمل بناء الحسينية بشكل جديد. وفي مساع للبلدية مع الوزارات المختصة، سيتم قريباً وصل مئتي خط هاتف الى البلدة وذلك من سنترال جزين. كما تعمل البلدية على بناء مركز خاص لها لأنها حالياً تداوم في مبنى المدرسة.

 

موقع عرمتى وسكانها

ترتفع عرمتى عن البحر نحو 1070 م ويبلغ عدد سكانها نحو 8500 نسمة وهم موزعون على العائلات التالية: الحاج، منصور، أسعد، حيدر، يونس، الشامي، الحسيني، جمعة، الطيراني، برّو، جهجاه، دعجه، مروة، محسن، عبد العال، رمضان، موسى، ناصر الدين، حلال، صبرا.

 

مليخ: منطقة جذبت السكان منذ القدم

تعود لفظة مليخ لجذر سامي مؤلف من 3 أحرف "م ل ك" والتي تعني "الملك أو المُلك". أما لفظة مليخ حالياً فهي تضخيم للجذر السامي. وثمة احتمال لارتباط الإسم باسم الإله موليخ الفينيقي. في منطقة الملوك هذه نجد مادة دسمة تحكي عن آثار وأودية وجبال مقدسة كانت دوماً ملجأ للمضطهدين والهاربين من الظلم... ففي الهضبة المنحدرة مباشرة من كفرحونة الى مليخ، بالقرب من منطقة "الوطى" عُثر على قطع مختلفة الأحجام من الخزفيات والفخاريات وهي تدل على وجود بقايا آنية قديمة ملساء أو منقوشة أو مطلية. ويرجح أن تكشف الدراسات والحفريات المستقبلية عن تمركز الإنسان في جوار هذه الأمكنة منذ عصر الحجر المصقول (نيوليتي) أو ما بعده.

وفي المكان نفسه توجد جدران مقوّسة الخطوط قد تكون آثار قرية قديمة. كما أن جدران الجلالي الواقعة تجاه قرية مليخ تعود على الأرجح أيضاً للعصر الحجري المصقول. وبين بلدتي مليخ وعرمتى توجد أنقاض معصرة زيت كانت تعمل في مطلع القرن الماضي على حد قول أهالي المنطقة. لقد أثبتت الدراسات الأثرية الأولى في البلدة أنها كانت مأهولة خلال الحقبتين الرومانية والبيزنطية. وقد سمحت الأبحاث بالكشف عن سمكتين محفورتين في صخور مليخ: الأولى موجودة على الطريق الداخلية للبلدة على بعد 50 متراً غربي كنيسة مار الياس. فيما وجدت الثانية في موقع "طنس" الأثري على مدخل الوادي. ويرجح أن حفر هاتين السمكتين يعود الى بداية عصر المسيحية. ففي أثناء اضطهادهم كانت السمكة شعاراً للمسيحيين يحفرونه ليدلوا بعضهم البعض الى أماكن اجتماعاتهم. وهنالك على الأقل ثلاثة عوامل تؤكد الوجود المسيحي في مليخ خلال العصر البيزنطي:

1­- إن المصادر التاريخية والأثرية تشهد على أن مليخ كانت آهلة بالسكان بشكل متواصل خلال الحقبة الرومانية والبيزنطية.

2­- إن وادي مليخ وباقي البلدة تعتبر حتى اليوم ملجأ طبيعياً للهاربين من الاضطهاد.

3­- إن الأسماك المحفورة موجودة في مناطق غنية بالمغاور الطبيعية التي يمكن أن تستعمل كأماكن للتجمعات الصغيرة. أما أبرز معالم البلدة فهي:

 

● جبل صافي: على علو نحو 1300 متر عن سطح البحر يرتفع جبل صافي شمالي البلدة، واسمه يعود لجذر سامي وهو يعني بحسب نصوص أوغاريت جبل صافون مركز الإله بعل وبعل صافون هو في الأصل إله العواصف لذا يرجح أن الجبل سمي على اسمه لكثرة ما يحدث عليه من عواصف وزوابع. ويقال أن نبياً له مقام في مكان لا يعرفه أحد دفن في الجبل الذي يعتبره الأهالي مقدساً.

 

● وادي "طنس": جنوبي البلدة منطقة تدعى "طنس" في وادي يدعوها الأهالي "وادي طنس"، وهذه التسمية يصعب نوعاً ما تفسيرها إنما يرجح أن هذا المكان سمي نسبة لملك صـيدون الفينيقي "تينيس" الذي قتل على يد الملك الفارسي عـندما أحـرق صيدون وأهاليها الأربعين ألفاً.

وهنالك احتمال آخر عن "تاناس أو تانا" التي تشير باللاتينية الى اسم نهر نوميديا Numidie ويمكن أن يكون نسبة لوادي "طنس" الذي يمر في وسطه نهر مليخ الشتوي؛ إلا أن معقولية هذا الاحتمال ضئيل.

السيد سامي أبو ملحم رئيس بلدية مليخ تحدث عن انجازات البلدية خصوصاً البيئية منها والتي بدأت بمنع تام للصيد في أراضي البلدة وخراجها بكامله. كما اتخذت تدابير صارمة بالنسبة لقطع الأشجار والرعي الجائر وإقامة المقالع ونقل التربة، والهدف المحافظة على بيئة البلدة ونظافتها الدائمة. الى ذلك أقيمت حيطان دعم حجرية على أطراف الطرقات وتم تشجير جوانبها بأشجار تزيينية تناسب المناخ العام. كما تسعى البلدية لإقامة مداخل مميزة للبلدة وحديقة عامة كبيرة تكون نموذجاً يحتذى به، وحملة شاملة لتشجير أراضي البلدة بأنواع مختلفة من الأشجار. وقد تم وضع حجر الأساس لبناء مدرسة تكميلية في البلدة كما أقيم بئر ارتوازي يكفي حاجات أهاليها. جبل الريحان غادرناه وقلوبنا عابقة بأريجه وبشذى أرضه وترابه ورياحينه...

 

مراجع

- مقال لبهجت العنيسي

- ­ دراسة للأب شفيق أبو زيد بعنوان مليخ ­ دراسة تمهيدية تاريخية وأثرية


عائلات مليخ

يبلغ عدد أهالي مليخ نحو 4500 نسمة. وهم موزعون على العائلات التالية: أبو زيد، أبو ملحم، متى، حلاوي، قسطنطين، منتش، نصر، عبدالله، مخول، أبو زيد، داوود، زيدان، سليمان، بشير، المقدم.

تصوير: المجند عبدو أبي خالد