- En
- Fr
- عربي
جيشنا
رئيس الأركان: قيادة الجيش واعية لصعوبة الأوضاع ودقتّها
أقيم في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان في الريحانية، حفل تخريج دورة الأركان الثامنة والعشرين، التي تضم ضبّاطًا من الجيش، وآخرين من دول: الكويت ومصر والأردن والسودان وفرنسا.
ترأس الحفل رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان ممثلًا قائد الجيش العماد جان قهوجي، وحضره عدد من السفراء والملحقين العسكريين وممثلي قادة الأجهزة الأمنية ورؤساء الجامعات الوطنية والإدارات الرسمية، إلى جانب عدد من كبار ضباط الجيش وعائلات المتخرّجين.
رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان ألقى كلمة هنّأ فيها المتخرجين، ونوّه بجهود الضباط والأساتذة الجامعيين المدرّبين، وجاء في نص الكلمة:
«بالإرادة الصلبة، انطلقتم إلى درب العلى، وبالعزائم المشتعلة، سارعتم الخطى بإصرار وثبات، وبالصبر والكدّ والمثابرة، تمكّنتم من ترويض الصعاب وتحمّل الأعباء الجسام، حتى استحققتم بكلّ جدارة، النجاح المميّز الذي نحتفل وإياكم به اليوم. هذا النجاح الذي سيترك بصماته الواضحة في مسيرة حياتكم العسكرية، وفي مختلف المراكز والوظائف التي ستشغلونها في المستقبل، كما في هذه الكلية التي ستضيف صفحة مضيئة إلى سجلّ إنجازاتها المتواصلة، معنونة باسم دورتكم، دورة الأركان الثامنة والعشرين.
أيها الضباط المتخرجون
لقد أثبتت التجارب البعيدة والقريبة، أن الجيوش تبنى بالمبادىء والمعنويات والثقة، قبل العديد والتسلّح والتجهيز، وكم من جيشٍ صغيرٍ في العالم استطاع أن يهزم جيشًا كبيرًا، بفضل كفاءة ضباطه وجنوده، والتزامهم المطلق عقيدتهم الوطنية والعسكرية. ولنا في هذا المجال خير مثال على ذلك، وهو الجيش اللبناني، الذي استطاع على الرغم من إمكاناته المتواضعة وصعوبة الظروف، أن يدافع عن الوطن في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب، ويحافظ على وحدته ومسيرة سلمه الأهلي، وسط الرياح العاتية التي ما انفكّت تعصف بالبلاد من كلّ اتجاه.
أيها الضباط المتخرجون
إن التدريب هو عصب الجيوش، وهو العنصر الأكثر أهمية في تحديد كفاءتها القتالية، وبقدر ما يكون وافيًا وشاملًا واحترافيًا، بقدر ما يؤدي دوره في توظيف القدرات والطاقات والوسائل في الاتجاه الذي يقود إلى تحقيق أفضل إنتاجية ممكنة.
إن قيادة الجيش تضع باستمرار هذا المجال الحيوي، في أعلى درجات اهتماماتها، وذلك من خلال سعيها الدؤوب إلى تطوير وسائل التدريب ومناهج التعليم، وإخضاع العسكريين كافة وبصورة متواصلة، لدورات تدريبية في الداخل، في مختلف الاختصاصات والمستويات، وبإشراف فرق تدريبية من الجيش ومن بعض الدول الصديقة، كذلك السهر على اتباع أكبر شريحة منهم، دورات دراسية في الخارج، بما يكفل مواكبة التطور العلمي والعسكري والتكنولوجي الذي يشهده عالمنا المعاصر.
أمّا على صعيد هذه الكلية بالتحديد، فالقيادة تسهر على مواكبة مهمّاتها التدريبية لحظة بلحظة، وتحرص أشدّ الحرص على رفدها بالوسائل التقنية والطاقات البشرية الكفوءة، وهذا ما جعلها بشهادة مسؤولي الجيوش الصديقة، تتبوأ مكانة مرموقة بين كليات الأركان في المنطقة والعالم.
أيها الضباط المتخرجون
إعلموا أن الوحدات العسكرية هي دائمًا على صورة قادتها ومثالهم، فالضابط القائد الذي يعي واجباته ووظائفه، كموجّه ومدرّب وصانع قرار، هو الأكثر أهلية لجعل وحدته أشدّ تماسكًا وقدرة على تحقيق النصر في الميدان. وممّا لا شك فيه أن دورة الأركان بما تشتمل عليه من معلومات وتقنيات عسكرية عالية، تشكّل السلاح الأمضى في يد الضابط القائد، الذي يستخدمه على المستوى الشخصي، في سبيل إدارة القوى ومعالجة المسائل الطارئة بصورة علمية ومن مختلف جوانبها، وصولًا إلى تقدير الموقف الصحيح، ثم اتخاذ القرار المناسب في المكان والزمان المناسبين، كما يستخدمه على مستوى الوحدة من أجل تنسيق عمل أركانها، وتنشئة أفرادها، وصقل مهاراتهم التقنية والقتالية، وتأمين تكامل الأدوار في ما بينهم.
أيها الحضور الكريم
في الوقت الذي نحتفل فيه بتخريج دورة الأركان هذه، يمرّ لبنان باستحقاقات محلية داهمة، في محيط يشهد أزمات متلاحقة وأحداثًا متسارعة، ترخي بظلالها على واقعنا المحلي بشكل أو بآخر، لا سيّما على الصعد الأمنية والإقتصادية والإجتماعية.
إن قيادة الجيش واعية تمامًا لصعوبة هذه الأوضاع ودقّتها، وواعية كذلك لدور الجيش الأساسي في الحفاظ على استقرار لبنان، أيًا تكن الاحتمالات والتحدّيات، وقرار القيادة في هذا المجال: لا تفريط بمسيرة الأمن والاستقرار مهما بلغت التضحيات، ومن غير المسموح لأي جهة كانت، استغلال التجاذبات السياسية وتعثّر عمل بعض المؤسسات الدستورية للعودة بعقارب الساعة إلى الوراء. لذا أدعوكم كضباط قادة أينما كان موقعكم الوظيفي، أن تكونوا على مستوى المرحلة، وعلى قدر المسؤوليات التي ستلقى عليكم، ومثالًا في الولاء للجيش والإلتزام بثوابته العسكرية والتفاني في خدمة لبنان.
ختامًا، باسم قائد الجيش العماد جان قهوجي، أتوجّه إليكم بالتهنئة الخالصة والتشجيع المستمرّ، وأخص بينكم رفاقًا من دولة الكويت وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية السودان ودولة فرنسا الصديقة، استحقوا بجهودهم ومناقبيتهم شرف تمثيل جيوشهم خير تمثيل، ولن أنسى بالتأكيد توجيه الشكر إلى الضباط والأساتذة المدرّبين، كما إلى عائلاتكم التي كان لها نصيب وافر من الصبر والأعباء الإجتماعية والحياتية، في ظلّ انصرافكم إلى متابعة التدريب.
زرعتم بالعرق والجهد بذور العطاء، فحصدتم العلم، وبالعلم تسمو الجيوش والأوطان».
وكان الاحتفال قد استهلّ بكلمتي طليع الدورة وممثل الضباط العرب والأجانب ومن ثمّ ألقى قائد الكلّية العميد الركن علي مكّة كلمة شكر فيها قيادة الجيش على ما وفرته للكلية من مساعدات تدريبيّة، داعيًا المتخرجين إلى استثمار ما اكتسبوه من معارف عسكرية عالية، للارتقاء بأداء وحدتهم في مختلف المجالات. وقال:
«إن أبرز مهمّات الكلّية وفق ما هو وارد في نظامها الداخلي، ما يلي:
- إعداد الضباط لتولّي المسؤوليات في قيادة مختلف الوحدات العملانية واللوجستية، أو العمل في أركانها لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية التي تفرضها البيئة التكتية أو العملياتية.
- تفعيل قدرات الضبّاط المتدّربين على البحث والتحليل وتقويم قدراتهم المهنية والشخصية، لإبراز أهليّتهم للاضطلاع بالمسؤوليات المستقبلية.
إن تحديد مهمات كهذه للكلية، يهدف إلى إتاحة المجال واسعًا أمام القادة المتخرجين بعد زهاء سنة من الكدّ والعناء، لأن يكونوا قادرين وبكل ثقة على تنفيذ المهمات التي ستسند إليهم بنجاح، وذلك وفق ظروف ومفاهيم بالغة التعقيد والتشابك، بالإضافة إلى التغيير المستمر والسريع في المواقف والمعطيات، ارتباطًا بالتقدم الهائل في التكنولوجيات المستخدمة في هذه الحروب، ما يفرض تحديات هائلة وآنيّة على كلّ قائد مسؤول. لكلّ ذلك، تهدف الكلية في مناهجها وبرامجها إلى إعداد الضابط القائد للعمل بفعالية، بناء على عدة أسس، أهمها المعرفة ذات المستوى العالي، التي تتناسب مع متطلبات المعركة العصرية وتقنياتها، كذلك تأمين الحافزية المطلقة لأفضل أداء شخصي ضمن الفريق، وصولًا إلى الوحدة التي تعمل تحت قيادة الضابط الركن المتخرّج».
وأضاف العميد الركن مكّة:
«إن حرص قيادة الجيش على تأمين وتقديم المستوى الأفضل من التعليم للضباط، قد حدا بالكلية إلى السعي الدائم لتطوير أدائها، ووفق توجيهات العماد قائد الجيش، يجري تحديث المناهج وأساليب التعليم، كذلك التجهيزات اللازمة المرتبطة بهما، عبر جهود مكثّفة تبذل من قيادة الكلية مع المعنيين في التعليم العالي في لبنان، سواء الجامعة اللبنانية أو الجامعات الوطنية الأخرى، التي تنتدب نخبة أساتذتها للتدريس وإلقاء المحاضرات المتنوّعة. فبفضل هؤلاء الأساتذة والكادر العسكري التدريبي، أصبحت الكلية ورشة عمل لا تهدأ، مكّنتها من ترسيخ نفسها في مصاف أفضل كليات الأركان المرموقة في جيوش العالم، وأتاحت لها استقبال كوكبة من ضباط الجيوش الشقيقة والصديقة، من بينهم في صفوف هذه الدورة، ضباط أشقاء من المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية السودان ودولة الكويت وجمهورية مصر العربية، ومن دولة فرنسا الصديقة لأول مرة، حيث تميّز هؤلاء الضباط جميعًا، بالمسؤولية والجدية والنشاط على الرغم من بعدهم عن بلادهم وعائلاتهم، فكانوا عند ثقة الكلية وقياداتهم العسكرية.
«أنتم معقد الأمل والرجاء، وشهاداتكم التي تتسلمونها اليوم، هي حبة بركة منبتها أرض لبنان الطيّبة، ولا شكّ في أن جذورها العلمية والعسكرية، ستمتد عميقًا في هذه الأرض، فكما أقسمتم يوم تسلّمتم السيوف على القيام بالواجب كاملًا حفاظًا على الوطن، جددوا اليوم التزام هذا القسم، لتكونوا على قدر تطلعات جيشكم الذي يخوض غمار التجارب الصعبة في هذه المرحلة بالتحديد، حفاظًا على وحدة الوطن واستقراره، واجعلوا من المعرفة التي تزوّدتم بها، منارة لكم ولجنودكم على طريق الشرف والتضحية والوفاء.
أيها القادة المتخرجون
كلّما ازداد الوضع صعوبة، كلّما ازدادت حاجة الوطن إلى الجيش، وبالتالي ازدادت الأثقال على أكتافكم، فوظّفوا علومكم وخبراتكم وقدراتكم لرفع أداء وحداتكم. ليكن وطنكم دائمًا في قلوبكم وأحداق عيونكم، وتمسكوا بالولاء المطلق لمؤسستكم، لأنها سياج الوطن وضمان وحدته وسيادته واستقلاله.
ختامًا، أهنّئكم وأهنّئ عائلاتكم بمناسبة هذا التخرج، وأتوجّه بالتحية إلى الضبّاط المدربين والأساتذة الجامعيين، الذين كرّسوا جهودهم وأوقاتهم لرعايتكم وإحاطتكم بالمعارف على أنواعها، كما أشكر جميع الحاضرين بيننا اليوم على مشاركتنا بهجة هذا الاحتفال، ولن أنسى بالتأكيد أن تعتبروا هذه الكلية دائمًا بمنزلة داركم العلمية، وأحد بيوتاتكـم العســكرية التي قدّر لهــا أن تجمــع بين رسـالتي الجنديــة والمعرفــة، وأن تــمضـي قــدمًـا علـى طــريـق المجـد والعلـى.
وفي ختام الاحتفال جرى توزيع الشهادات على المتخرّجين وأقيم حفل كوكتيل في المناسبة.