- En
- Fr
- عربي
توجيه وإرشاد مهني
في ظل وضع اقتصادي متردٍّ وسوق عمل محدود نسبيًا وضياع كبير في التوجيه الهادف والفعّال، يبقى السؤال الأبرز لدى الطلاب في نهاية المرحلة الثانوية: إلى أي اختصاص أتّجه؟ قد لا يكون الجواب سهلًا إذا أخذنا بالاعتبار أنّ الأمر يتطلب مراعاة عدة عوامل ليكون الخيار صحيحًا. هنا يؤدي الإرشاد المهني دوره.
كريستيل صابر
الإرشاد المهني هو نوع من الاستشارة التي يقدمها أصحاب الاختصاص لتحديد واستكشاف المهن الأكثر ملاءمة لبدء حياة الطالب المهنية في الاتجاه الصحيح. وبحسب الجمعية القومية للإرشاد المهني في الولايات المتحدة الأميركية هي عملية مساعدة الفرد على اختيار مهنة له وإعداد نفسه لها، والالتحاق والتقدّم بها…
ويُعَدُّ الإرشاد المهني إحدى الخدمات أو البرامج النفسية والتربوية التي تساعد الفرد على معرفة استعداداته وميوله وقدراته، وتنميته لاختيار المهنة التي تناسبه وتتلاءم مع حياته وظروفه وإمكاناته، بشكلٍ يمكِّنه من تحقيق النجاح في حياته المهنية، وإعطائه المعلومات الكافية عن المهن الموجودة في بيئته، وشروط الدخول إليها والإعداد لها والارتقاء فيها، وإطلاعه أيضًا على الدراسات المهنية المتوافرة؛ وذلك بهدف مساعدته على اختيار المهنة المناسبة له والضامنة لمستقبله، وتعليمه كيفية مواجهة المشكلات التي تعترضه.
تهيئة الطلاب لاتخاذ قرارات صائبة
عن أهمية الإرشاد المهني في المدارس وأبرز التحدّيات التي قد تعرقل إرشاد الطلاب في لبنان، تقول كريستيل صابر المرشدة المهنيّة والمدرّبة في مؤسّسة «وزنات» للاستشارات والتدريب، إنّ أهميّة الإرشاد المهني والأكاديمي تكمن في تهيئة طلاب المرحلة الثانوية بنوعٍ خاص لصنع قراراتٍ تتعلّق بمستقبلهم، خصوصًا وأنّ المهن على أنواعها، وأسواق العمل على توزّعها الجغرافي، والمنافسة غير المسبوقة الموجودة بين العالمين الافتراضي والواقعي، كلّها عوامل تفرض على الطالب أن يكون مستعدًا لمواكبتها واتّخاذ قرارات صائبة لا يندم عليها لاحقًا، والوصول إلى الرضى الوظيفي الذي يبحث عنه وينعكس إيجابًا على حياته.
أما الصّعوبات التي تعرقل هذه العملية بحسب المرشدة صابر فهي عديدة: أوّلها، إنّ برامج الإرشاد المهني والأكاديمي في لبنان ما زالت تخطو خطواتها الأولى، ما يتطلّب وعيًا من إدارات المدارس. كذلك فإنّ عدد المؤهّلين لإعطاء هذا الإرشاد محدود جدًا محليًا؛ ذلك أنّ هذه المهمّة الجديدة نوعًا ما على سوق العمل المحلي Career and College Counselor، تتطلّب قدرةً على إجراء أبحاثٍ دائمة للبقاء على بيّنة من أحدث المعلومات المتوافرة عن المهن والاختصاصات والجامعات.
ولا يستطيع شخص أن يمتلك كل المعلومات الضرورية التي تخوّله الإجابة عن تساؤلات الطلّاب حول مستقبلهم؛ إلا أنّ العمل كفريقٍ متجانس هو أساس النجاح في مهمة الإرشاد المهني والأكاديمي.
الدعم المطلوب
وأخيرًا يتطلّب الإرشاد دعمًا مباشرًا من مؤسسات المجتمع الأهلي ومن مؤسسات الدولة، خصوصًا وأنّ قدرة المؤسسات اللبنانية على استيعاب الراغبين من طلاب المرحلة الثانوية وإعطاءهم فرصة لإجراء الـ Shadowing تظليل الوظيفة، هي إحدى الطرق التي يمكن للطلاب من خلالها فهم الخيارات المهنية، إلا أنّ القدرة محدودة نسبةً إلى أعداد الراغبين. أضف إلى ذلك أن هناك عددًا من المهن غير معروفة بالشكل الكافي أو حتى غير موجودة في لبنان، مثل خبير الذكاء الاصطناعي أو خبير هندسة البترول.
وعن الوسائل المعتمدة في الإرشاد المهني والخطوات العملية التي يُفترض أن تُتخذ لمساعدة الطلاب في اتخاذ قرارات مهنية مدروسة، أوضحت صابر أنّ المرشد يقوم بمساعدة الطالب الثانوي على اختيار تخصّصٍ ما أو مهنةٍ ما، بناءً على اختبارات وأساليب وأُسس مهنية يتّبعها معه لمعرفة قدراته وميوله وطموحاته وخصائصه الشخصية. يتم بعدها المواءمة بينها وبين سوق العمل، لمعرفة مدى ملاءمة الطالب لتخصّص معين أو مهنة ما تُشعره بالرضى الوظيفي محقّقًا ذاته عمليًا.
وفي سياق متّصل، يتم تنفيذ البرنامج المهني والأكاديمي في المدارس من خلال خطوات عديدة، تتمثّل أُولاها بتنفيذ منهاجٍ محدد في الصفوف المدرسية الأربعة الأخيرة، حيث يقدم المرشد حصصًا وسط تفاعل كبير وفرصًا لطرح الأسئلة من قبل الطلاب. يمتد هذا البرنامج لمدة أربع سنوات ويشمل مواضيع أساسيّة حول المهن والاختصاصات والمهارات المطلوبة لاتخاذ القرار الصائب. كلّ ذلك من شأنه أن يساعد الطالب على اكتشاف مواهبه ومزايا شخصيته ومهاراته لوضعه في المسار الصحيح لاتخاذ القرار المهني المناسب والاختصاص الجامعي الموائم لهذه المهنة.
اكتشاف المهارات والمزايا الشخصية
أمّا الخطوة الثانية، فهي لقاءات فردية يُجريها المرشد مع كل طالب من الصّفين الأخيرين بحضور أحد الوالدين أو كليهما؛ ذلك لأنّ الأهل في لبنان شريك أساسي في صنع القرارات المتعلّقة باختيار الجامعة. في هذه اللّقاءات الفردية التي تتكرر بحسب الحاجة، يطرح الطالب الأسئلة، ويجيبه المرشد ثم تنعكس الأدوار بهدف اكتشاف مهاراته، التي ترشده إلى المهن التي تتطلّب هذا النوع من المهارات.
أمّا الجانب الثالث لعملية الإرشاد المهني والأكاديمي، فهو كناية عن معرضٍ جامعي في الحرم المدرسي لطلاب الصفوف الثّانوية بحضور الأهل، ما يقدّم فكرةً وافيةً للطلاب عن الاختصاصات المتوافرة في كل جامعة والأقساط الجامعية وبرامج المساعدات المالية… إلى ما هنالك من تفاصيل معينة، يحتاجها الطالب قبل اتخاذ قراره.
ثمة عوامل عديدة يجب أخذها بالاعتبار في عملية الإرشاد، وهنا تشدّد المرشدة صابر على أهمية عامل المزايا الشخصية الذي يتقدّم على سواه؛ لأنّ النجاح في المهنة يتوقّف إلى حدٍّ كبيرٍ على مزايا الفرد، فإذا أراد أحدهم أن يكون مديرًا للعلاقات العامة، من الطّبيعي أن تكون من ضمن مزايا شخصيته صفات معينة كالجرأة، والرّغبة في شبك علاقات إيجابيّة مع الناس والتفاعل معهم، واستسهال التّعرف إلى أشخاصٍ جدد، إضافةً إلى لغة جسدٍ إيجابيّة والإصغاء بفعاليّة للآخر.
في غياب الشغف تقلُّ حظوظ النجاح
أما العامل الثاني فهو الشّغف لأنّه من الضروري أن يكون كل راغب في ممارسة مهنة معينة متمتّعًا بشغفٍ كبيرٍ قابلٍ للتّنمية، أي إن تحرّك عواطفه ومشاعره العميقة. وبالتالي، فإنّ من الخطورة بمكان أن ينتقي أحدهم مهنةً، لأنها مهنة أحد الأبوين كي تستمر وراثة «الشركة العائلية»؛ ففي النهاية تبقى حظوظ النّجاح في المهنة قليلةً نسبيًا في ظلّ غياب الشغف والرغبة. ويتمثّل العامل الجوهري بضرورة انتقاء مهنةٍ تتوافر لها فرص العمل في البلد، الأمر الذي يلعب دورًا محوريًا في هذا السياق، خصوصًا لجهة محدودية المهن في لبنان. وكل هذه من شأنها أن تُؤخَذ بالاعتبار عند صُنع أيّ قرارٍ يتعلّق بالمهنة.
استراتيجيات مُساعدة
هل من استراتيجيات يمكن استخدامها مع الطلاب الذين يواجهون صعوبات في اتخاذ القرارات المهنية؟
بطبيعة الحال هناك استراتيجيات عديدة ومنها فتح حوار بين الطالب الثانوي والمرشد ما يتيح لهذا الأخير فرصة التّعرف على مهارات هذا الطالب من خلال أسئلة يستشفّ، من مضمون الجواب عليها ولغة الجسد ونبرة الصوت وطريقة الجلوس وحركة اليدين والنظرات، الكثير حول اهتمامات الطالب الحقيقية، والشغف الموجود في داخله.
كذلك هناك استراتيجية الـ Shadowing أي إرسال الطالب لقضاء عدة أيام مع صاحب مهنة يتوق لدراستها، وخلال هذه المرحلة يراقب الطالب ذاته وانفعالاته وتفاعلاته ونمو شغفه وقدرته على فهم ما يدور حوله في عالم تلك المهنة واستيعابه؛ ومن ثم يُشارك الطالب انطباعاته فيتم الغوص معه في نقاشات أكثر عمقًا وحسمًا.
أمّا الاستراتيجية الثالثة، فهي اللجوء لإخضاع الطالب لاختبارات شخصية ومنها Personality Test، الذي يعطي صورة أوضح عن شخصيته، وآخر خاص مبني على مفاهيم امتحان العالمي RIASEC
Realistic, Investigative, Artistic, Social, Enterprising, Conventional، الذي يهدف إلى اكتشاف شخصية الطالب (واقعية، أو استقصائية، أو فنية، أو اجتماعية، أو مبادرة، أو تقليدية)، ما يحب وما يستطيع فعله، إضافةً إلى اكتشاف ما لا يحب ولا يقدر على فعله.
هذه الاستراتيجيات الثلاث تساعد الطالب على اتخاذ القرار الصحيح لجهة اختيار المهنة والاختصاص الجامعي في الكلية المناسبة.
إنّ السعي الجدّي للحفاظ على الموارد البشرية وتنمية قدرات الشباب من خلال توجيههم إلى الاختصاصات والمهن المناسبة، لا ينبغي أن يكون مسؤولية الأهل فقط، إنما أن يكون أيضًا من أولويات مؤسسات الدولة والمجتمع، لأنّ إعداد الشباب للمستقبل هو إحدى أهم الركائز الأساسية التي يقوم عليها الوطن.