تواصل وثقة

استراتيجية التواصل 2025 تضحيات تحفظ السيادة وترسم المستقبل
إعداد: ندين البلعة خيرالله

في عصرٍ باتت فيه المعلومات سلاحًا مؤثّرًا في الصراعات الحديثة، يدرك الجيش اللبناني أنّ قوّته لا تُقاس بالعتاد والتدريب فحسب، بل أيضًا بقدرته على التواصل الفعّال مع المجتمعَين الداخلي والدولي. من هنا، تأتي ”استراتيجية التواصل 2025“ كتحديثٍ ضروري لمسارٍ بدأه الجيش منذ سنوات، وتحديدًا منذ إنشاء مديرية التخطيط للتواصل الاستراتيجي في العام 2022، والتي وضعت الأسس لنهج حديث في إدارة الصورة الإعلامية للمؤسسة العسكرية، وتطوير آليات التواصل الفعّال مع مختلف الفئات.

في ظلّ التحديات التي يواجهها لبنان، تتجه أنظار اللبنانيين نحو الجيش، الحصن الأخير للوطن، وحامي السيادة والاستقلال والحدود، والركيزة الأساسية للصمود الوطني في وجه المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، تتمحور السردية الاستراتيجية للجيش اللبناني لهذا العام حول شعارٍ جامع: «وطن يستحق التضحية، أمن يحفظ السيادة، ووحدة ترسم مستقبلًا أفضل».

هذه الاستراتيجية ليست مجرد خطة إعلامية، بل رؤية متكاملة تهدف إلى ترسيخ الثقة بين الجيش والمجتمع، وتعزيز الشفافية، وتطوير أدوات التواصل بما يضمن الحفاظ على صورة المؤسسة العسكرية كمصدرٍ للاستقرار والالتزام الوطني. وفي ظل تسارع الأحداث إقليميًا ودوليًا، يواصل الجيش اللبناني تطوير نهجه في التواصل، مستندًا إلى إرثٍ من المهنية والانضباط، ومواكبًا أحدث الأساليب لضمان إيصال رسالته بوضوحٍ ودقة. ففي زمن الأزمات، يصبح التواصل الفعّال درعًا إضافيًا يحمي الوطن، ويعزز قدرة الجيش على الصمود والتعافي ومواجهة التحديات، مهما اشتدّت الظروف.

 

استراتيجية التواصل 2025: رؤية في قلب التحديات

تنطلق استراتيجية التواصل 2025 من السياق العام والتهديدات الدولية والإقليمية والمحلية، إذ يواجه العالم تحديات متسارعة تُلقي بظلالها على أمن الدول واستقرارها، ولبنان ليس بمنأى عن هذه التحديات.

محليًا، بدأ لبنان مرحلة جديدة مع عودة انتظام المؤسسات بعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وهو حدث محوري يُعيد ضبط المسار المؤسسي ويحدد المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الجيش اللبناني، بالإضافة إلى تعيين العماد رودولف هيكل قائدًا للجيش. وقد شدّد الرئيس في خطاب القسم على الدور الجوهري للمؤسسة العسكرية في حماية الوطن، معتبرًا أنها الركيزة الأساسية التي سيُبنى على أكتافها مستقبل لبنان، مما يضع على عاتق الجيش مسؤوليات إضافية تتطلب جاهزية دائمة ونهجًا مدروسًا في التواصل مع الشعب والشركاء الدوليين. كذلك أكّد العماد هيكل أنّ مواصلة الجيش أداء دوره الضامن للوطن يستلزم تضافر الجهود والتمسّك بالثوابت الوطنيّة، مشدّدًا على أنّ وحدة اللبنانيين والتفافهم حول جيشهم كفيلة بتجاوز العقبات مهما عظمت.

وبناءً على هذه المستجدات، خضعت استراتيجية التواصل 2024 لعملية تقييم معمّقة، إذ تبيّن أنها تشكّل أساسًا صلبًا للاستمرار، مع الحاجة إلى بعض التعديلات التي تواكب المتغيرات الجديدة. ومن هذا المنطلق، تتمحور استراتيجية التواصل للعام 2025 حول تعزيز سمعة المؤسسة العسكرية، وإظهار صورتها الإيجابية، وترسيخ العلاقة مع الشعب اللبناني، إلى جانب توطيد الشراكات الإقليمية والدولية، بما يضمن دعم الجيش في تنفيذ مهماته الدفاعية والأمنية والإنمائية.

تستند هذه الرؤية إلى موقع الجيش الوطني في المجتمع اللبناني كمؤسسة جامعة تحظى بثقة اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم. من هنا، تحدد القيادة الغاية النهائية لأنشطة الجيش في مجال التواصل الاستراتيجي بوضوح: الجيش اللبناني مؤسسة وطنية جامعة، متماسكة، شفافة، وموضع ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي. تتحقّق هذه الغاية عبر أربعة خطوط جهد وأربعة أهداف هي: حماية لبنان وسيادته، وخدمة الشعب اللبناني، والمحافظة على التقاليد والقيم الوطنية والاستعداد للقتال. وتشكّل هذه الخطوط القاعدة الأساسية التي تنطلق منها نشاطات الجيش، إذ تُحمَّل المواضيع الأساسية لهذه الخطوط في الرسائل الموجهة إلى الجماهير المستهدفة، بغية التأثير في مواقفها وسلوكها، وضمان تفاعل إيجابي مع أهداف المؤسسة العسكرية. وفي ضوء التطورات الراهنة، أُضيفت رسائل استراتيجية جديدة مستوحاة من الإطار العام للمرحلة المقبلة، وأبرزها الحفاظ على السلم الأهلي، وتطبيق القرار 1701، كجزءٍ من التزام الجيش بضمان الاستقرار الوطني ومنع أي انزلاق نحو الفوضى.

 

وسائل التواصل

تعي المؤسسة العسكرية أهمية الاستفادة من مختلف منصات التواصل لمواكبة التطورات في هذا المجال والحفاظ على تفاعل إيجابي مع الجماهير الداخلية والخارجية، أي الشعب اللبناني والدول الشقيقة والصديقة. وسائل التواصل المستخدمة حاليًا تشمل الموقع الإلكتروني للجيش اللبناني، وتطبيق LAF News، بالإضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي إكس، وفيسبوك، وإنستجرام، ويوتيوب، وتطبيق واتساب. كما تستخدم المؤسسة الوسائل المكتوبة والمسموعة من مجلات ولوحات توجيهية وبرنامج الجندي الإذاعي، ويمكن استخدام وسائل أخرى في المستقبل بهدف إيصال الرسائل إلى جماهير أوسع ودعم مهمة الجيش.

من جانب آخر، للجندي كفردٍ دور أساسي في تشكيل صورة إيجابية للجيش اللبناني في المجتمع، وذلك من خلال انضباطه ومهنيّته وتفانيه وتضحياته، بالإضافة إلى طريقة تفاعله مع المواطنين عبر مختلف النشاطات وسلوكه اليومي الذي يتميز بالاحترام والنزاهة والشجاعة.

رسالة الجيش اللبناني…

ثقة، وحدة ومستقبل مشترك

 

يُثبت الجيش اللبناني عامًا بعد عام أنّه الركيزة الثابتة للوحدة الوطنية، وحجر الزاوية في مسيرة النهوض والتعافي. وفي وطنٍ يواجه تحديات متلاحقة، يبقى الجيش المؤسسة الوحيدة التي تجمع اللبنانيين حولها، مستمِدًّا قوته من ثقة الشعب، والتزامه الثابت حماية السيادة، وتعزيز الاستقرار.

من هنا، تأتي استراتيجية التواصل 2025 كنهجٍ يعكس التزام الجيش مبادئ الشفافية، والقدرة على التكيّف والصمود، والتفاعل الدائم مع المجتمع. فمن خلال رسائل واضحة ومتّسقة، لا يقتصر دور هذه الاستراتيجية على توضيح جهود المؤسسة العسكرية في الدفاع والأمن، بل يمتد ليشمل دعم السكان، وترسيخ القيم الوطنية، والحفاظ على الجهوزية لمواجهة أي طارئ.

في تبنّي هذه الاستراتيجية، يجدّد الجيش اللبناني التزامه الراسخ حماية الوطن وخدمة شعبه، مُذكّرًا الجميع بأنّ قوة لبنان لا تكمن فقط في قدراته العسكرية، بل في وحدته، وقيمه، وقدرته على مواجهة الأزمات والتغلّب على الصعوبات. واليوم، مع كل هذه التحديات، يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن أن يساهم كل فرد في المجتمع اللبناني في تعزيز هذه الثقة وترسيخ مفهوم الأمن المشترك؟