- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
تشير المعلومات المتوافرة عن واقع كيان العدو في الوقت الراهن، حتى من المصادر الاسرائيلية نفسها، إلى انه يقف عند مفترق طرق تاريخي مليء بالتناقضات، إذ انه بالرغم من القوة العسكرية الهائلة التي يملكها، لا يزال يعاني نقاط ضعف بنيوية وتحديات جدية في الداخل والخارج. فهو على سبيل المثال يواجه حالة نضوب في مصادر الهجرة مما يضعه أمام مأزق ديموغرافي حقيقي، وبالتالي تتطور الاوضاع السكانية خلافًا لمصلحته داخل حدود فلسطين التاريخية.
ان المجتمع الصهيوني الاسرائيلي، على الرغم مما احرزه من تقدم على صعيد تشكيل شخصية مجتمعية اسرائيلية خاصة به عبر الخدمة في الجيش واستخدام اللغة العبرية في التعليم والمؤسسات والعيش المشترك والضخ الاعلامي التعبوي لايجاد ثقافة يهودية مشتركة، والتوحد بوجه التهديدات والمخاطر والتحديات الخارجية، فإن هذا المجتمع لا يزال يحمل طابع المجتمع الاستيطاني. هذا الطابع لا يتجلى من خلال نشاط المستوطنين فيه وحسب، بل من خلال بروز الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بخاصةٍ اثر طغيان المهاجرين الروس بلغتهم وصحفهم واحزابهم وعاداتهم، مما أدّى إلى تفعيل الانقسام الاتني، الطائفي، والطبقي بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين بالاضافة إلى صراع المتدينين والعلمانيين.
وقد برز مؤشر خطير جداً في هذا المجال وهو تزايد ثقل المتدينين المتطرفين وأهميتهم في الواقعين السياسي والاجتماعي للدولة، هذا فضلاً عن الانفصال الكلي والتمييز العنصري الفاضح ضد العرب الذين يشكلون أكثر من 20% من سكان الكيان.
في هذا السياق ايضًا يجب الاشارة إلى تزايد الممارسات العنصرية والتعصب داخل الكيان، الأمر الذي تجلى في انفلات المشاريع الاستيطانية من عقالها على حساب المواطنين العرب واراضيهم وحقوقهم، وفي اصدار العديد من القوانين العنصرية التي تستهدف استلاب مقومات الشخصية القومية والثقافية للعرب وهدمها وفرض «الاسرلة» عليهم مثل قانون «المواطنة والولاء» الذي يلزم طالبي الجنسية الجدد من غير اليهود، بإعلان الولاء لاسرائيل كدولة «يهودية وديمقراطية»، أي الاقرار بالجمع ما بين المتناقضات حيث لا يمكن لأي دولة في العالم أن تكون حكراً لدين واحد وديمقراطية في الوقت نفسه. كذلك الحال بالنسبة إلى قانون الاستفتاء على الانسحاب من القدس الشرقية والجولان، الامر الذي يقطع الطريق على أي اتفاق سلام في المستقبل ويظهر الطابع العدواني الاستيطاني المتطرف للقوى المهيمنة في اسرائيل، هذه القوى تدخل في مواجهة مفتوحة مع ما يسمى المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة الام الحاضنة والراعية لهذا الكيان وسياساته غير السلمية والقائمة على الغطرسة والاستفزاز والتحدي لدول المنطقة وسائر دول العالم.
في هذا السياق تقول الوزيرة السابقة شولاميت الوني: «في احلامنا السوداء جدًا في الأيام الصعبة لقيام دولة اسرائيل، لم يخطر ببالنا أن من يسمون أنفسهم تلاميذ جابوتنسكي، سينشرون الرعب من خلال قوانين عنصرية ومجنونة لتدمير جهاز القضاء ومنع تطبيق العدالة الاجتماعية وبناء العلاقات الانسانية، كما يحتمه أي مجتمع ديمقراطي تجاه كل رجل وامرأة وطفل، من حيث الاصل والعنصر والدين والجنس... وبدلاً من الدولة اليهودية الديمقراطية اقاموا لنا دولة يهودية يسيطر عليها التعصب الديني والعرقي...».
ويقول الكاتب الاسرائيلي الوف بن في صحيفة «هآرتس» ايضًا : «إن اسرائيل تعيش في ذروة تغير اجتماعي غير مسبوق يأتي هذه المرة من داخلها وليس من هجرة خارجية، حيث ينمو مجتمع مختلط من ثلاث قوميات هي: العلمانيون والمتعصبون الدينيون والعرب. وإذا كان للتعدد والتنوع الاجتماعي والتربوي سحره في الدول الطبيعية، فإنه في اسرائيل مشكلة لأن لهذه الفئات رؤى واحلامًا واهدافًا متناقضة وتفتقر بالتالي الى القيم الوطنية والاخلاقية المشتركة والموحدة، فالعرب والمتدينون المتعصبون معفيون من الخدمة العسكرية في الجيش، وهذا الخلل الاجتماعي المفروض وغير المرحب به من سائر الفئات يخلق شعورًا من الغبن، الأمر الذي يتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد واقع المجتمع والجيش على حد سواء. وفكرة ما كان يسمى في الماضي «جيش الشعب» أي الجيش الذي يشكل عماد الحياة والكينونة في الدولة وأداة الصهر والتقارب الاجتماعي والإنساني منذ أيام بن غوريون، قد اخذت بالتصدع. أما الجيش الذي كان يعتمد الخدمة الالزامية والاحتياطية ويشكل عامل تقريب بين الوافدين من دول مختلفة ومن المدن والضواحي ومن الاغنياء والفقراء والعلمانيين والمتدينين، فقد اخذ يتغير وراحت الهوة بين من يؤدون الخدمة العسكرية وبين من يتهربون منها، وبين من كانوا يحتلون المراتب الأولى في الجيش والمجتمع، تتسع وتتفاقم، وبات أبناء المستوطنات والمدارس الدينية المتطرفة هم المتقدمين على ما عداهم».
ويقول الجنرال آفي زامير رئيس شعبة الطاقة البشرية في هيئة الاركان العامة : «إن تصدعًا كبيرًا قد وقع في نموذج جيش الشعب والواجب يقتضي عدم اتاحة المجال أمام توسيع هذا الصدع». ويضيف ان 50% من الذكور الملزمين بالخدمة العسكرية بين عمر 18 إلى 40 سنة لا يخدمون حاليًا، لا في الخدمة النظامية ولا الاحتياطية، ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 60% العام 2020 وأن ابرز أسباب ذلك هو «التهرب لأسباب دينية». وتفسير كل هذه التداعيات والتحولات في واقع المجتمع الاسرائيلي إنما يعود إلى حقبة الستينيات حين بدأت عملية الانتقام التاريخي الديني من الحركة الصهيونية العلمانية. ذلك أن هذه الحركة كانت قد تمردت على الدين مع انها استخدمت الاساطير الدينية من اجل المشروع الصهيوني، وانتقام التاريخ جاء عندما احتل الصهاينة العلمانيون الاماكن المقدسة ولا سيما في القدس، فقوي العامل الديني وظهر على السطح بفظاظة وتمكن من تغيير توازن القوى السياسية داخل الحركة الصهيونية. فحتى ذلك الحين اعتقد العلمانيون أن يدهم هي العليا لكن منذ العام 1967 والانتصار الكبير الذي حققه الصهاينة أخرج المارد من القمقم. وكانت النتيجة طغيان الصهيونية الدينية التي احسّت بأنها هي الصهيونية الحقيقية وقادت بالتالي الحملة المسعورة للتوسع الاستيطاني السرطاني على حساب الاراضي والمجتمعات العربية، وبعد هذه السيطرة الدينية على المشروع الاستيطاني ببعديه المادي والمعنوي جاءت الخطوة التالية للسيطرة على الجيش ولو في وقت متأخر. فالعام 1967لم يكن هناك ضباط برتبة عميد ولواء ممن يضعون القلنسوات الدينية المزركشة على رؤوسهم بعكس اليوم حيث العديد من الضباط الكبار برتبة لواء وعميد وعقيد إنما يأتون من هذه المجموعات المتعصبة.
وهكذا يتحول المشروع الصهيوني الحالي إلى مشروع مزدوج، فهو موجه اولاً إلى تحقيق ما يسمى ارض اسرائيل التاريخية، أي انه لا يقف عند نهر الاردن بل يشمل دولة الاردن ايضًا، ولا مجال للفلسطينيين فيه، وهو قابل للتمدد الدائم حيثما أمكن بما يشبه الطفرة القومية. والمشروع موجه ثانياً نحو التطهير العرقي، الامر الذي يعتبرونه انبعاثًا جديدًا أي بمعنى تحويل المجتمع اليهودي من مجتمع مختلط ومتنوع (ديني - علماني) إلى مجتمع يهودي صرف، وعلى هذا الأساس يوزعون المناشير التي تدعو إلى تحرير عكا ويافا ونابلس واللد والرملة وسواها من جديد.
على هذا الاساس نجد أن حكومة نتنياهو الحالية في افقها الاستراتيجي تقوم على أربعة عوامل مركزية هي: التعويل الكامل على القوة العسكرية، وهيمنة السياسة الداخلية على السياسة الخارجية، وتحول مستمر في تركيبة المجتمع، من مجتمع علماني إلى مجتمع متدين ويميني، وانعدام وجود رؤية إسرائيلية موحدة لكيفية حل الصراع. وبالتالي فالمشروع الآخذ بالتجذر داخل كيان العدو ليس مشروعًا معاديًا للعرب وحسب، وإنما هو مشروع عنصري الغائي يرمي إلى تغيير المجتمع اليهودي نفسه، وذلك من طريق المزج ما بين القدرات المالية الكبرى المتأتية من التبرعات والمساعدات الرسمية والشعبية الخارجية وبين المشروع الايديولوجي الجهنمي الذي لا يقف عند حدود دولية ولا عند خط اخضر أو ازرق أو احمر.
إمرأة قائد لـ«شعبة الموارد البشرية» في جيش العدو الإسرائيلي
بتاريخ 26/5/2011، أصدر جيش العدو الإسرائيلي بيانًا أعلن فيه أنّه للمرة الأولى، ستُرفّع امرأة، وهي الكولونيل أورنا باربيفاي، إلى رتبة لواء وستُسلّم قيادة «شعبة الموارد البشرية» في الجيش. باربيفاي تبلغ من العمر 49 عامًا. هي إحدى النساء الثلاث اللواتي يحملن رتبة كولونيل، وكانت حتى الآن تتولى قيادة قسم الموارد البشرية للقوات البريّة. حائزة إجازة في العلوم الاجتماعية ودراسات عليا في إدارة الأعمال، وهي متأهلة وأم لثلاثة أولاد.