قضايا إقليمية

اسرائيل في مواجهة تحدّيات أمنها القومي
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

يعتبر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عموس يادلين أن اسرائيل تواجه حاليًا تحديات اساسية كبرى في مجال أمنها القومي، وهي الآتية:
1- البرنامج النووي الإيراني واحتمال تحوّله فجأة إلى برنامج عسكري.
2- اتفاقات السلام مع كل من مصر والأردن وإمكان تعرّضها لخضات قوية على ضوء التحولات الدراماتيكية في العالم العربي.
3- تطورات الوضع في سوريا وإمكان تحوّله إلى حرب أهلية دامية مع ما يحمله ذلك من احتمالات انفجار الجبهة الشمالية.
4- العلاقات مع الفلسطينيين واحتمالات تطورها وذلك على مستويين: مفاوضات الســلام والتحــدي العســكري في قطاع غزة.
ويرى يادلين أن الحكومة الاسرائيلية التي اختارت موقفًا سلبيًا، هو موقف الانتظار والترقب والمراقبة والاستخفاف بالمخاطر، قد تجاوزت الحقبة المضطربة الماضية من دون أحداث أمنية ذات خطورة على أمنها القومي، على الرغم من التغيرات الجيوسياسية العنيفة من حولها، في حين أن كبار المسؤولين الأمنيين فضّلوا التركيز على الملف النووي الإيراني على أنه الموضوع الأهم والأشمل والمتقدم على كل ما هو سواه، والذي بات يتطلب حلًا عسكريًا معقدًا بعد فشل كل الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، بل والأمنية لثني ايران عن تقدّمها إلى الأمام في هذا البرنامج.
من ناحية اخرى أشار افيف كوخافي الرئيس الحالي للاستخبارات العسكرية (امان)، في تقريره السنوي الذي سلّمه إلى رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، إلى أن «الشرق الأوسط أصبح أقل استقرارًا وأكثر إسلامية». وأضاف: «إننا نقدّر أن دولة إسرائيل ستواجه في العام المقبل محيطًا إقليميًا غير مستقر وأشد إسلامية من السابق، وهي تتعاطى مع سلسلة أزمات، إقليمية وداخلية، ترفع منسوب الحساسية لدى كل اللاعبين، وقد تقود، حتى من دون تخطيط مسبق، إلى اشتعال الوضع».
ويتابع كوخافي: «الهزة في الشرق الأوسط كان يفترض أن تبرز القيمة الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة الى الولايات المتحدة والغرب، لكنها لم تفعل. ولا يمكن التهرّب من الانطباع بأن الولايات المتحدة ترى في إسرائيل بخطواتها المستقبلية خطرًا استراتيجيًا أكثر مما تراها حليفًا استراتيجيًا. فالصورة التي أعطيت لحكومة إسرائيل الحالية في أوروبا وفي الولايات المتحدة بالغة القسوة... لكن من ناحية إسرائيل، هذا إخفاق دبلوماسي مدوّ.
على ضوء ما تقدم تفيد التقديرات بأنّ تحوّل الشرق الأوسط إلى معقل للإسلام السياسي الراديكالي الجهادي، المرتكز إلى دعم جماهيري ملموس، قد وضع حدًا لتوقعات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وإنشاء علاقات استراتيجية امنية واقتصادية وثقافية مع دول مركزية في المنطقة. كذلك فإنّ غياب التقدم في العملية السياسية أضرّ بالمكانة الدولية والإقليمية لإسرائيل وعرّض للخطر الاستقرار الأمني الذي نعمت به في المرحلة المنصرمة على الأرض. وبالتفكير في نظرية الأمن القومي والعلاقات الخارجية الإسرائيلية، يرى الباحثون الإسرائيليون أن الهزة الشرق أوسطية تثبت أن التغييرات المحتملة في المنطقة ليست دومًا متوقعة وأن وتيرة التغيير قد تكون أسرع بما لا يقاس، من قدرة إسرائيل على الاستعداد والاستيعاب في مواجهة الوضع المتغير. ولهذا الفهم أثر مباشر على سلسلة الخطوات المفترض بإسرائيل اتخاذها لحماية أمنها القومي. كذلك فإن التحديات في الحلبة العالمية والإقليمية أمام إسرائيل تشدد على الحاجة الحيوية والعاجلة لمواجهة القضايا الحاسمة على جدول الأعمال الداخلي الإسرائيلي سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. وفي هذا الإطار فإن تقدير ميزان منعة إسرائيل يظهر صورة بائسة لفجوات آخذة في التوسع تتعلق ليس فقط بالفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وإنما بشروخ وخلافات أساسية على صورة دولة إسرائيل (اي اسرائيل نريد؟ خصوصًا في مجالي العلمنة والتدين) وعلى سلطة القانون فيها. وبالتالي فإن هذه الشروخ تهدد أسس الديموقراطية الصهيونية وتضر بالمنعة القومية.
وفي الواقع الشرق أوسطي المتغير، نجد أن نظرية العزلة تحت شعار «شعب لوحده يعيش» يمكنها أن تبدو جذابة لإسرائيل، لكنها ليست استراتيجية قادرة على البقاء. ففي هذا الوقت تحتاج إسرائيل إلى رؤية استراتيجية تعتمد على المبادرة والتحرك وعدم الاكتفاء بالانتظار وإلى تقديرات موقف واقعية، وإلى تحديد أهداف على أساس نظام أولويات واعية وقدرات تحقيق عبر فحص البدائل، واستغلال القدرات والموارد والسعي لزيادتها. ففي السنوات المقبلة قد تشهد خريطة الشرق الأوسط تغييرات لا يمكن اعتبار سلامة الوحدة الإقليمية لعدد من الدول من جرائها أمرًا مضمونًا، وفي معظم الحالات، ستكون لهذه التغييرات المحتملة آثار أمنية إقليمية واضحة.
لقد تعاملت الاستخبارات الاسرائيلية مع العقدين الأخيرين على أنهما وفّرا لإسرائيل نافذة للتطور، لأن التقديرات الأمنية في الغالب كانت تشير إلى تدني احتمالات الحرب الشاملة، لكن الآن يمكن القول إن هناك تحديات أمنية أخرى ستنجم عن تقلص مظاهر التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر في عهد ما بعد مبارك، حيث يرى الكثير من العسكريين الإسرائيليين أن صحراء سيناء ستمثل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل في ظل تراخي قبضة الأمن المصري فيها، مما يعني زيادة معدلات تهريب السلاح إلى غزة وتعاظم نسبة المتسللين من العمال الأجانب من مصر إلى إسرائيل، وهي الظاهرة التي باتت تمثل قنبلة ديمغرافية موقوتة في إسرائيل. وبكل تأكيد إن هذه التحديات تفرض إضافة موارد لمواجهتها، ولعل قرار حكومة نتنياهو بناء جدار اسمنتي على الحدود بين مصر وإسرائيل بكلفة ملياري شيكل (455 مليون دولار) لمواجهة عمليات التهريب، يشكل مثالًا على كلفة التحديات المستجدة بعد الثورات العربية. ومما يفاقم من تأثير زيادة النفقات الأمنية الناجمة عن التحولات المرتقبة في بنية الجيش حقيقة إنها تأتي في ظل عدم حدوث أي تغيير على مستوى التهديدات الاستراتيجية على إسرائيل أو التي كانت قائمة قبل اندلاع الثورات العربية، لا سيما البرنامج النووي الإيراني ومتطلبات مواجهته وتسلّح حزب الله وتحدي حكم حماس في الجنوب وإمكان اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. وهذا يشي بحجم التحدي الذي ينطوي عليه اضطرار الجيش لإدخال تحولات بنيوية على تركيبته مع كل ما سيسفر عنه ذلك من زيادة النفقات الأمنية.
ويرى المحللون الاسرائيليون أن إسقاطات الثورات العربية على الصعيد الاسرائيلي لا تتمثل فقط في زيادة نفقات الأمن بشكل كبير، بل أن هناك مخاوف من أن تسهم هذه الثورات في تقليص معدلات النمو وبروز مظاهر الركود الاقتصادي، مما سيجد ترجمته في تراجع إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي بشكل كبير. كذلك هناك من يرى أن زيادة النفقات الأمنية ستمس بمكانة إسرائيل الدولية، وستجعل الغرب (وخصوصًا الولايات المتحدة) ينظر إليها كعبء، وذلك بخلاف الاستنتاج الذي وصل إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زعم بأن التحولات في العالم العربي تفرض على الغرب تقديم الدعم المادي لإسرائيل، على اعتبار أنها تمثل «واحة ديموقراطية واستقرار في منطقة غير مستقرة»، الأمر الذي يمثل خدمة استراتيجية لهذا الغرب. إن الوفاء بكل هذه المتطلبات يفضي إلى النتائج الدراماتيكية الآتية:
1- زيادة كبيرة على حصة ميزانية الأمن من كل من الموازنة العامة وإجمالي الناتج المحلي.
2- تطبيق سياسة اقتصادية تقشفية وتقليص الاستثمار الحكومي في مجال الخدمات المدنية.
3- فرض ضرائب جديدة وتقليص مخصصات الضمان الاجتماعي.
4- توسيع قاعدة القوى البشرية في الجيش وتعاظم العبء على قوات الاحتياط مما يؤدي إلى إصابة المرافق الاقتصادية بالشلل.
5- تراجع معدلات النمو وتعاظم مظاهر الركود الاقتصادي، وازدياد معدلات البطالة.
6- تراجع إجمالي الناتج المحلي.
7- تراجع إسرائيل كبيئة جاذبة للهجرة اليهودية، لا بل ارتفاع معدلات الهجرة العكسية.