قضايا عسكرية

الأبعاد الاستراتيجية للمناورات العسكرية في المحيط الهادئ
إعداد: شارل ابي نادر
عميد متقاعد

تنفّذ غالبية الدول مناورات عسكرية بشكل إفرادي أو بالاشتراك مع أكثر من جهة. وتكون المناورات دورية محددة التاريخ وفق جدول معروف، أو استثنائية تجرى استجابة لحدث طارئ. وعادة ما تحاكي الدول المعنية عبر هذه المناورات الإجراءات العسكرية والميدانية، التي تتخذ في معركة محتملة أو حرب، سواء كانت حربًا محدودة أو واسعة.

 

أهداف المناورات العسكرية
يمكن تحديد أهداف المناورت العسكرية وفق الآتي:
- استعمال أسلحة جديدة، وذلك على سبيل تجربة هذه الأسلحة والتدرب على استعمالها وتعريف الطواقم بمميزاتها وإمكانات الاستفادة منها في الميدان، أو تطويرها لناحية تصحيح الأخطاء وتدارك النواقص، فضلًا عن منافسة سلاح يملكه جيش آخر.
- التدريب على إدارة المعارك، يتم خلال المناورة تدريب القادة وضباط العمليات وضباط الميدان على إدارة منظومة القيادة والسيطرة، وعلى تنسيق الأعمال والأوامر بين وحدات مختلفة، تابعة للجيش نفسه أو لجيوش متعددة في أثناء المعركة.
- التعرف إلى الميدان، عادة ما تنفذ المناورات في ميادين المعارك المنتظرة، على حدود الدول أو في مناطق الاشتباك المحتملة، وخصوصًا في البحار أو المحيطات الاستراتيجية التي تتضارب فيها مناطق النفوذ والمصالح القومية للدول.
- العرض وإرسال الرسائل العسكرية والسياسية والاستراتيجية، فهذا الهدف يعتبر من أبرز أهداف المناورات العسكرية، ويتم تحقيقه عبر عرض القوة الذي يظهر في المناورة، من أسلحة ووحدات وقدرات عسكرية وتكتيكية.
تتوزع ميادين المناورات في العالم وتنتشر بشكل موازٍ لمناطق الصراع. فمن الشرق الأوسط حيث الصراع التاريخي مع العدو الإسرائيلي إلى الخليج الذي يشهد صراعًا بين إيران وبعض الدول الخليجية. ومن شرق أوروبا حيث الحرب الباردة بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلى المحيط الهادئ والصراع الاستراتيجي الخفي بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، فضلًا عن الصراعات المحلية بين دول غرب وشمال غرب هذا المحيط.
من بين الصراعات التي يشهدها عالمنا قد يكون الصراع المتعدد الأقطاب في المحيط الهادئ الأهم بأبعاده الاستراتيجية، وقد تكون المناورات العسكرية التي يشهدها هذا المحيط الأشد حساسية، لذلك سوف نعرض أهمها في ما يأتي:

 

مناورات أميركية – يابانية
غالبًا ما كانت المناورات المشتركة بين الدولتين المذكورتين تجري في جزيرة أو أكثر من جزر غرب المحيط الهادئ، وفي ظل الانتشار الواسع للقواعد العسكرية الثابتة وللقطع البحرية المتحركة للعديد من الدول في تلك المنطقة الاستراتيجية. تتميز هذه المناورات بحساسيتها إذ إنّ احتمال حصول احتكاك خطر بين الأطراف يبقى قائمًا بصورة مستمرة.
كانت هذه المناورات تجري إجمالًا في مناطق قريبة من جزر متنازع عليها بين الصين من جهة واليابان أو فيتنام أو تايوان من جهة أخرى، أو في مناطق تشهد توترًا بين الولايات المتحدة الأميركة وكوريا الجنوبية واليابان من جهة، وكوريا الشمالية من جهة أخرى. ومن المتوقع إعادة النظر في هذه المناورات بعد التطور الإيجابي الأخير،على صعيد التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية حول البرنامج النووي والصاروخي للأخيرة.
تتضمن الأهداف غير المعلنة للمناورات الأميركية-اليابانية، توجيه رسائل مبطنة لكل من الصين وروسيا، إذ إنّ الميدان الذي تجري فيه يعتبر ميدانًا مشتركًا لأي صراع أو مواجهة مباشرة بين هذه الدول الثلاث العظمى. كما أنّ مستوى الأسلحة والقدرات العسكرية المستعملة في تلك المناورات يتخطى ما تحتاجه المواجهة مع كوريا الشمالية، ليصل إلى مستوى قدرات مناسبة لحرب عالمية أو لمواجهة نووية خطرة.
يشترك في هذه المناورات بالإضافة إلى آلاف العناصر من القوات البحرية في الدولتين، حاملات طائرات ومدمرات أميركية ومدمرات وقاذفات صواريخ وطرادات قاذفة أميركية ويابانية، وغواصات متخصصة بالحرب النووية. ويتمّ إشراك وحدات وقطع بحرية من تلك المتمركزة أساسًا في القواعد الأميركية في المحيط الهادئ، وأخرى من مناطق أبعد.
 
مناورات أميركية منفردة في بحر الصين الجنوبي
تُجري القوات البحرية الأميركية منفردة، مناورات حساسة في بحر الصين الجنوبي وعلى مسافات قريبة جدًا من الجزر الصينية في البحر المذكور. من هذه المناورات تلك التي جرت في 27 -5 -2018، إذ اقتربت سفينتان حربيتان تابعتان للبحرية الأميركية مسافة 12 ميلًا بحريًا من جزر في بحر الصين الجنوبي تزعم بكين سيادتها عليها. وقد ذكر مسؤولان أميركيان أن المدمرة «هيغنز» وطرّاد الصواريخ الموجهة «أنتيتام» نفذا مناورات قرب جزر تري ولينكولن وتريتون ووودي، الواقعة ضمن جزر باراسيل التي تطالب فيتنام وتايوان أيضًا بالسيادة عليها.
تشكّل هذه العملية «الروتينية» أحدث محاولة لمواجهة ما تراه واشنطن مساعيَ صينية لتقييد حرية الملاحة في المياه الاستراتيجية. وقد أتت في ظرف حساس، بعد أيام على إلغاء وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) دعوةً كانت وجهتها إلى الصين للمشاركة في تدريبات «حافة المحيط الهادئ» أو «ريمباك»، وهي عبارة عن مناورات بحرية شبه دولية، تجري كل سنتين وتشارك فيها عشرات من الدول التي تمتلك قدرات بحرية متوسطة وما فوق، ولها مصالح أو مواقع أو نقاط تأثير في المحيط الهادئ.
في المقابل أظهرت صور التقطها قمر اصطناعي أنّ بكين نشرت صواريخ أرض – جو أو صواريخ «كروز» مضادة للسفن محمولة على شاحنات، في جزيرة وودي. كما نشر سلاح الجو الصيني في حزيران المنصرم قاذفات قنابل على جزر ومناطق شعاب مرجانية في المنطقة، في إطار تدريبات أقلقت فيتنام والفيليبين.
وتعمل بكين لاستصلاح شعب مرجانية تسيطر عليها في المنطقة منذ سنوات، إضافة إلى تشييدها منشآت مدنية وعسكرية في البحر المتنازع عليه مع الفيليبين وبروناي وماليزيا وفيتنام، علمًا أنه يُعتبر ممرًا حيويًا لقوافل الشحن، كما يحوي احتياطات ضخمة من النفط والغاز.
 
مناورات أميركية - كورية جنوبية
كانت هذه المناورات تتميز بكونها الأكثر حساسية من بين مناورات المحيط الهادئ، إذ إنّها تأتي كردٍ مباشر على البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية، والذي طالما أخذ ابعادًا مزدوجة، أولًا في الصراع التاريخي بين الكوريتين والذي مرّ بمراحل متقدمة نحو المواجهة الخطرة، وثانيًا في المواجهة المفتوحة بين الأميركيين والمجتمع الدولي من جهة وكوريا الشمالية من جهة أخرى.
خلال شهر نيسان الماضي، نفّذت الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية مناورة مشتركة باسم «فرخ النسر»، بعد أن أجّلت لمدة شهر تزامنًا مع الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية. وقد شارك في المناورة، 300 ألف جندي كوري جنوبي، إلى جانب 11 ألف وخمسمائة جندي أمريكي. وأشارت معلومات إلى مشاركة سفينة «يو أس أس واسب البرمائية الأميركية» متعددة المهمات، والتي تحمل مقاتلات «إف-35 بي» الشبح، وحاملة الطائرات «يو أس أس بونهوم ريتشارد».
بمعزل عن النزاعات المتأرجحة والمصالح المتغيرة بين دول المحيط الهادئ، تقوم كوريا الجنوبية وبشكل دوري بتنفيذ مناورات عسكرية بشكل منفرد، تحاكي الدفاع عن جزر متنازع عليها مع اليابان. وهذا الأمر يعقّد المشهد ويلقي الضوء على تضارب المصالح وتداخل أهداف المناورات بين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية أنفسهم.
وقد أصدر البنتاغون في الآونة الأخيرة قرارًا يقضي بتعليق المناورات العسكرية الأميركية المقبلة والمشتركة مع كوريا الجنوبية، والتي كانت مقررة بين نهاية آب وأوائل ايلول المقبلين، وذلك تعبيرًا عن حسن نية تجاه كوريا الشمالية على خلفية الحوار المفتوح معها حاليًا حول برنامجها النووي. أعطى هذا القرار انطباعًا عامًا مفاده أنّ المناورات العسكرية التي تجري في المحيط الهادئ، ستبقى مرآة عاكسة بدقة للنزاع الاستراتيجي المتأرجح ولصراع المصالح المتضاربة بين دول المحيط المذكور، وخصوصًا دول شمال غربه، ومن ضمنها طبعًا الولايات المتحدة الاميركية، نظرًا لموقعها ولما تملكه من قواعد وقدرات عسكرية في تلك البقعة الحساسة من العالم.

 

المراجع:


- http://www.aljazeera.net
- http://www.alhayat.com
- http://arabic.rt.com/world