- En
- Fr
- عربي
موضوع الغلاف
هنّ نموذج للإرادة والإصرار، ورمز للقوة والعطاء. رسالتهن التضحية وبذل الذات، يؤدّينها باندفاعٍ وفرح ضمن عائلاتهن الصغيرة حيث الزوج والأولاد، والأخرى الكبيرة التي تحتضن الوطن بأسره. يضعن راحتهن وسلامتهن على المحكّ في سبيل الوطن، ومن أجل أن يترعرع أطفال هذا الوطن في بيئة تنعم بالأمن والسلام. هنّ النساء «العسكريات» والأمهات القويات، انتمَين إلى مؤسسة عريقة تغرس في نفوسهن حس المسؤولية والانضباط والقدرة على التحمّل لتأدية رسالتهن كما يجدر بالمتميزات.
عندما نحتفل بعيد الأم، لا بد وأن نلحظ هذه الفئة الخاصة من الأمهات، مسلّطين الضوء على التحديات التي تواجهنها خلال مسيرتهن الشاقة في خدمة الوطن، هنّ المؤتمنات على تربية جيل المستقبل وتنشئته على المواطنية الصالحة، والساهرات على خط الدفاع حفاظًا على أمن المجتمع واستقراره.
تحديات متواصلة
تواجه المرأة في الجيش تحديات فريدة تبدأ لحظة ارتدائها البزّة العسكرية حيث تجد نفسها في مواجهة ضغوطات المجتمع التي تفرض عليها إثبات أهليتها في موقع يُعتبر ميدانًا تقليديًا للذكور. هذا التحدي تتطلع إليه غالبية الجنود الإناث كفرصةٍ لتحقيق الذات كما هو الحال مع المعاون نيفين داغر التي تقول: «تمكنت في فترة قصيرة نسبيًا من تحقيق أهدافي في المجال العسكري، حيث تابعت عدة دورات في أمن وحماية الشخصيات، كما شاركت في تدريب دورات للإناث، وانضممت إلى منتخب الجيش اللبناني للرماية، إضافة إلى مشاركتي مرتين في بطولة كأس الأرز للأفواج الحدودية».
اندفاع المعاون داغر تماثله حماسة غالبية الصبايا اللواتي يلتحقن بالمؤسسة العسكرية راغبات بتحصيل ما أمكن من العلوم والمعارف العسكرية، والتقدم قدر الإمكان في المجال العسكري بهدف خدمة الوطن على أفضل وجه. لكن اندفاع السنوات الأولى قد يتأثر بالتغيرات التي تطال الحياة الشخصية للإناث في الجيش لا سيما بعد الزواج والإنجاب. ولعلّ التحدي الأكبر الذي يواجه الأم العسكرية هو التوفيق بين متطلبات الخدمة ومستلزمات الأمومة. فكيف يمكنها عدم التقصير بأي من الواجبَين، وهل يمكن الإبقاء على التوازن بينهما؟ تقول المعاون داغر: التحديات موجودة في مختلف المهن والوظائف، وفي الجيش نحن الأمهات محظوظات بقيادةٍ تراعي حاجات العسكريين وتدعم متطلبات الأمومة. وتروي في هذا الإطار تجربتها الشخصية حيث تم تشكيلها بعد الإنجاب إلى فوج الحدود البرية الأول ما سهّل تنقلاتها بين منزلها ومركز الخدمة. وتضيف: «تمكنت من الاندماج والتكيف بسرعة إذ قمت بتوظيف مهارات التدريب التي اكتسبتها سابقًا في مهمتي الجديدة كمدربة في الفوج». وتتحدث في المقابل عن تضحيات لا بد وأن تقدمها المرأة العاملة في جميع المجالات بما فيها السلك العسكري، إذ تفرض عليها أمومتها الوجود إلى جانب أطفالها في سنوات الطفولة الأولى، ما يحرمها بعض الفرص على الصعيد الوظيفي، مشيرةً إلى أنها حُرمت متابعة دورة اختيارية في مجال التدريب والتوجيه TMT لعدم قدرتها على النوم خارج المنزل وترك ابنها الذي كان حينها طفلًا.
دعم العائلة
للمعاون أول شيرين أيوب وهي أم لولدين، تجربة مغايرة في هذا المجال، إذ تروي أنّها اضطرت إلى ترك عائلتها لمتابعة دورتَي تدريب في الولايات المتحدة الأميركية في العامين ٢٠١٧ و٢٠٢٠. لم تكن التجربة سهلة تؤكد شيرين، فأثناء الدورة الأولى التي استمرت حوالى السبعة أشهر، كان ابنها البكر بالكاد أتمّ عامه الأول وقد فاتتها بالتالي محطات مهمة في رحلة نموه، من بينها أولى عباراته وأولى خطواته. أما في الدورة الثانية فكانت قد أصبحت أمًا لولدين لم يكمل أصغرهما عامه الثاني، ولذا فإنّ التجربة حينها لم تكن أسهل من الأولى. وتوضح أنّه على الرغم من صعوبة الموقف، فإنّ التضحية كان لا بد منها لأنّ الدورتين أساسيتان لوظيفتها كمدرّبة للغة الإنكليزية في الفوج المجوقل، ولم يكن بالإمكان الاستغناء عنهما. وتضيف: «لولا دعم زوجي ووقوفه إلى جانبي لم أكن لأتقدم وأتمكن من تحقيق طموحي في المجال العسكري».
في إطار مماثل، تؤكد الرقيب أول رنا حسين أهمية دعم العائلة الذي يمكّن المرأة العسكرية من التوفيق بين خدمتها العسكرية وواجباتها تجاه عائلتها. وتروي تجربتها في هذا المجال فتقول: «تفرض عليّ ظروف الخدمة في فوج الحدود البرية الأول أن أؤمّن يوم خدمة في الأسبوع أبقى خلاله في الثكنة حتى الساعة الخامسة، الأمر الذي لم يكن ممكنًا بالنسبة إليّ لولا دعم زوجي وعنايته بطفلنا البالغ السنة والنصف من العمر في أثناء غيابي عن المنزل». وتنوّه أيضًا بدور والدة زوجها التي تعتني بالطفل يوميًا إلى حين عودة الوالدين إلى المنزل.
عسكرية وأم وأنثى
خلال معركتها لإثبات ذاتها كشريك مساوٍ للرجل داخل المؤسسة العسكرية، تواجه المرأة في الجيش تحديًا موازيًا على الصعيد الشخصي، إذ يتعيّن عليها ألّا تُضيع هويتها كأنثى في أثناء سعيها لتأكيد حضورها الفاعل في المجتمع العسكري. بمعنى آخر يجب أن تكون قادرة على الفصل بين دورها داخل الثكنة كـ «أخت للرجال» وبين حياتها الخاصة حيث يفترض أن ترتدي ثوب الأنوثة كما تفعل أي زوجة وأم. في هذا الإطار تقول الرقيب أول حسين: إنّ قوة المرأة لا تلغي أنوثتها، وهذا ما أثبتته النساء العسكريات اللواتي نجحن كزوجاتٍ وأمّهات في موازاة نجاحهن في السلك العسكري. بدورها، تؤكد المعاون أول أيوب أنّ عائلتها تفتخر بها كامرأة عسكرية وكأنثى وأم في الوقت نفسه. وتقول موضحةً: «عندما أمرّ إلى المدرسة بلباسي العسكري لاصطحاب ابني البكر (ثماني سنوات)، أراه يفتخر بي أمام رفاقه معجبًا بتميّزي عن باقي الأمهات، وغالبًا ما يطلب منّي أن آتي بالبزّة العسكرية إلى الاحتفالات المدرسية.» وتضيف: «هذا من حيث الشكل الخارجي، أما من حيث المضمون فلا أعتقد أنّ الحياة العسكرية تلغي أنوثة المرأة وإنّما هي تقوّي شخصيتها وتصقلها، ما يساعدها على تعزيز دورها في المجتمع.»
بين الأمومة والجندية قيم مشتركة
في إطارٍ مماثل، تؤكد الرقيب أول لارا نخلة من فوج الأشغال المستقل، أنّ دور المرأة في الجيش لا يتعارض مع دورها كامرأة وأم بل على العكس، فإنّهما يكملان بعضهما البعض، خصوصًا وأنّهما يقومان على قيم مشتركة كالتضحية والعطاء وبذل الذات. وتضيف قائلةً: «هذه القيم تتجلى في تعامل المرأة العسكرية مع محيطها، الأمر الذي يعزّز صورتها في المجتمع، لذا ترى المواطنين ينظرون إلينا في البزة العسكرية نظرة اعتزاز وفخر وتقدير، ويُسمعوننا التعليقات الإيجابية والداعمة، ما يزيدنا حسًّا بالمسؤولية واندفاعًا لمواصلة مسيرتنا وأداء دورنا تجاه المؤسسة والوطن بأفضل ما يمكن».
الأمر نفسه تؤكده الرقيب أول ندين معوض من اللواء الثاني عشر إذ تشير إلى أنّ المجتمع ينظر إلى المرأة العسكرية بصورةٍ إيجابية انطلاقًا من الدور الذي تضطلع به. فهي في منزلها الزوجة والأم التي تخدم عائلتها، فيما تحمل في الثكنة مسؤولية وطنية تفرض عليها، إلى جانب واجباتها الإدارية، التدريب المستمر والمشاركة في النشاطات والمهمات العملانية، ما يتطلب منها قدرة جسدية ومعنوية بالإضافة إلى قوة الشخصية، وهي صفات يحترمها المجتمع في المرأة. وتضيف قائلةً: «إنّ عبارة الله يحميكِ يا وطن، التي نسمعها دائمًا من المواطنين تعني أنّهم يدركون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، والتضحيات المطلوبة منا كأمهات عسكريات لا سيما في أثناء الحجز أو الخدمة في فترة المناسبات والأعياد حين تنعم الأمهات عامةً برفقة عائلاتهن، فيما نسهر نحن في مراكز الخدمة على أمن الوطن وراحة المواطن».
المثل الصالح
إنّ نظرة احترام المجتمع للنساء في البزة العسكرية لا تنطلق من دورهن المميز وحسب، بل أيضًا من القيم والمبادئ التي ترفدهن بها المؤسسة العسكرية والصفات التي يكتسبنها في الجيش، والتي تجعل منهن مثالًا صالحًا في محيطهن وعائلاتهن.
في هذا الإطار، تقول الرقيب أول معوض: «اكتسبت من الحياة العسكرية روح المسؤولية والتضحية والقوة، وهي صفات أحب أن ينشأ أولادي عليها ويلتزموها لأنّ المسؤولية سرّ النجاح في كل عمل يقوم به المرء، وهي الطريق إلى الانضباط والتمتع بضمير حي».
بدورها، توضح الرقيب أول نخلة أنّ القيم والمبادئ التي تكتسبها المرأة في الجيش مثل الانضباط واحترام النظام والوقت، تنعكس تلقائيًا على حياتها المدنية وعلى تنشئة أولادها، حيث تُنمّي لديهم حسّ المسؤولية والاحترام منذ الصغر وتساعدهم على أن يصبحوا في المستقبل مواطنين مسؤولين تجاه مجتمعهم ووطنهم.
كل الشكر والامتنان...
من مسيرة تبدأ بسعي لإثبات الذات وتنتهي بسنوات من العطاء والتفاني في سبيل الآخرين، تشكّل رحلة الأم في المؤسسة العسكرية مصدر إلهام وفخر لا لعائلتها فحسب، بل لكل الإناث، إذ يستقين من تجربتها كل قيمة صالحة، إن على صعيد تضحياتها اللامتناهية أو إرادتها الصلبة أو ولائها اللامحدود لوطنها. هذه القيم التي تغرسها الأمهات العسكريات كل يوم في أذهان الأجيال الناشئة، تعزز في داخلها حب الوطن والولاء للخدمة العامة، تمنح المرأة في الجيش كل الحق، بالشكر والامتنان من كل فرد من أبناء الوطن.
كل الشكر والامتنان...
من مسيرة تبدأ بسعي لإثبات الذات وتنتهي بسنوات من العطاء والتفاني في سبيل الآخرين، تشكّل رحلة الأم في المؤسسة العسكرية مصدر إلهام وفخر لا لعائلتها فحسب، بل لكل الإناث، إذ يستقين من تجربتها كل قيمة صالحة، إن على صعيد تضحياتها اللامتناهية أو إرادتها الصلبة أو ولائها اللامحدود لوطنها. هذه القيم التي تغرسها الأمهات العسكريات كل يوم في أذهان الأجيال الناشئة، تعزز في داخلها حب الوطن والولاء للخدمة العامة، تمنح المرأة في الجيش كل الحق، بالشكر والامتنان من كل فرد من أبناء الوطن.