نحو مجتمع أفضل

الإدمان والشخصية هل تحدّد سماتنا النفسية مصيرنا مع الإدمان؟
إعداد: د. ايلي عطاالله
طبيب متخصص في الأمراض النفسية والعقلية

الإدمان اضطراب نفسي شائع، يرتبط غالبًا بالكحول والمخدرات مثل الحشيش أو الكوكايين أو الهيرويين. يُعرَّف الإدمان بأنّه طريقة استهلاك منتج ما بطريقةٍ تُفقِد المرء السيطرة، فيقضي وقتًا كبيرًا في التفكير بمادة إدمانه والسعي للحصول عليها واستهلاكها والتعافي من آثارها، وقد ينتهي به الأمر في إهمال مسؤولياته الأسرية أو الاجتماعية أو الدراسية أو المهنية بسبب إدمانه. ومع مرور الوقت، يعتاد المدمن على المادة ويحتاج إلى كميات متزايدة منها. وإذا انقطع عنها، قد يواجه أعراض انسحاب شديدة تترافق عادةً مع رغبة ملحّـة في العودة إلى استهلاكها.

يُشار إلى أنّ هناك أشكالًا من الإدمان على السلوكيات مثل ألعاب الفيديو أو ألعاب الحظ، لكنّها ليست محور هذا المقال. 

 

اضطرابات الشخصية

مَن هم الأشخاص الأكثر عرضةً للإدمان؟ أثبتت الدراسات أنّ الوقوع في الإدمان يتأثّر بعدة عوامل وراثية وبيولوجية ونفسية مرتبطة بالفرد والمادة والبيئة الاجتماعية. وتؤدي سمات الشخصية دورًا بارزًا في احتمال الوقوع في الإدمان. فالشخصية تحدّد البصمة النفسية للفرد التي تختلف بين شخصٍ وآخر، وهي تؤثر في طريقة تفكيره وتفاعله مع الآخرين، وتصرفاته، وتنظيم عواطفه، وهي تتكوّن نتيجة عوامل وراثية وتجارب حياتية.

يعاني هذا الاضطراب الأشخاص الذين تكون سمات الشخصية لديهم جامدة وغير مرنة وغير قابلة للتغيير مما يؤدي إلى عدم قدرتهم على التكيّف مع مواقف الحياة المختلفة. ويشكّل هذا الاضطراب أحد العوامل التي تزيد من احتمال التعرض لاضطرابات نفسية أخرى مثل الإدمان. من ضمن سمات الشخصية التي تزيد من خطر الوقوع في الإدمان: البحث عن أحاسيس قويّة، عدم تجنّب الخطر، الاندفاع، الموقف المتمرد، وصعوبة التحكم بالعواطف، إلى جانب تدنّي الثقة بالذات، والقلق، وصعوبات في التفاعلات الاجتماعية وضعف مهارات التأقلم مع الضغوطات النفسية (coping strategies).

 

أمثلة عن العلاقة بين المواد المسبِّبة للإدمان والشخصية

تختلف المواد المسبِّبة للإدمان وتأثيراتها على شخصية المدمن. فالقنّب، على سبيل المثال، هو المخدّر غير المشروع الأكثر استهلاكًا عالميًا، إذ يمنح مستخدميه شعورًا بالنشوة والهدوء وتغييرًا في الإدراك الحسّي، مع الإحساس بتباطؤ الوقت.  ويؤدي الإفراط في استخدامه إلى مشكلات تنفّسية وصعوبات في التركيز وتراجع الحافز، وأيضًا إلى خطر تطوير اضطرابات نفسية مثل الفصام. أما الكحول، الذي يُعدّ منتجًا قانونيًا، فيلجأ البعض إليه للاسترخاء وتخفيف التوتر، أو كوسيلة لتعزيز الثقة بالنفس والانخراط في العلاقات الاجتماعية، نظرًا إلى تأثيره المهدّئ على الدماغ. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الاستهلاكات المزمنة والمفرطة للكحول إلى تشمُّع في الكبد، ومشكلات في الذاكرة، وتلف في الجهاز العصبي (مما يؤدي إلى صعوبات في الحركة مثلًا )، وأمراض القلب، وأورام خبيثة.

وبالنسبة إلى المنشّطات، مثل الإكستاسي (ecstasy)، والأمفيتامينات (amphetamine)، والكابتاغون (captagon) وغيرها، فإنّ البعض يلجأ إليها لرفع مستوى الطاقة والشعور بالنشاط وتعزيز الثقة بالنفس أو لتحسين الأداء الجنسي. وهي تحظى بشعبية خاصة بين الأفراد ذوي الشخصيات المندفعة والباحثين عن الإثارة. وقد يستخدم بعض الأشخاص هذه المواد للتخفيف من أعراض الاكتئاب أو القلق، رغم ارتباطها بمخاطر صحية كأمراض القلب، والنوبات الكهربائية (seizures) والسكتات الدماغية، وارتفاع درجة الحرارة، أو نوبات الذهان الحادة (psychosis).

في الختام، لا بدّ من الإشارة إلى بعض التأثيرات السلبية للمخدرات على الصحة مثل المضاعفات الجسدية والاضطرابات النفسية، بما في ذلك الإدمان، وما يسبّبه من عواقب وخيمة على حياة الفرد ومن حوله. ومن المهم التأكيد على أنّ التوقف عن تعاطي المواد المسببة للإدمان والتعافي منها ممكن من خلال طلب المساعدة المتخصصة. في الواقع، يوجد في لبنان عديدٌ من الجمعيات التي تضم فرقًا متعددة التخصصات لمرافقة الأشخاص الذين يعانون الإدمان في عملية التعافي وإعادة التأهيل.