- En
- Fr
- عربي
تجارب ناجحة
بعد مسيرة سنوات طويلة من العمل والكد، ينتظر المرء مرحلة التقاعد ليمضي فسحة هادئة من العمر قد يستسلم فيها للراحة والاهتمام بعائلته، وقد يمارس هوايات يحبّها أو سوى ذلك... لكنّ الأستاذ عبدالله ضاهر يُقدّم لنا نموذجًا آخر. نموذج مفعم بالطموح والرغبة بالتطور ولو في خريف العمر... وها هو بعد منتصف الستينيات من عمره يعود ليحتضن حلمًا راوده سنوات طويلة، فيتجه إلى مقاعد الدراسة لتحقيقه، وبنجاح باهر!
تمسّك الأستاذ عبدالله ضاهر بحلم الدراسة الجامعية. ظروف الحياة حالت دون تحقيق هذا الحلم سابقًا. الأستاذ المتمرّس في تعليم مادة الرياضيات، ومادتَي الفيزياء والكيمياء للمرحلة المتوسّطة، على مدى ٤٥ عامًا بين التعليم الرسمي والخاص، تابع مسيرته العملية في التعليم الخاص بعد أن تقاعد من القطاع الرسمي. لكن ما يتّقد في نفسه من طموح وشغف جعله يجمع بين التعليم والتعلّم. فقد عاد إلى مقاعد الدراسة الجامعية طالبًا جديًا، مدفوعًا بقناعة راسخة مفادها أنّ «العلم تطوّر ورقيّ وحضارة». وهذه القناعة جعلته يسهر لمتابعة تعليم أولاده الأربعة مرحلة فمرحلة، وهو يكرّر الأمر نفسه مع أحفاده الستة.
المسيرة مستمرة
بعد ثلاث سنوات من الدرس والمثابرة، وفي التاسعة والستين من عمره، نال إجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية، متخطيًا كلّ الظروف الصعبة التي واجهته على أكثر من صعيد. فهو من جهة ما زال يعمل، ومن جهة أخرى يعيش كل الظروف الصعبة التي تلقي بضغوطها على اللبنانيين. أكثر من ذلك، كان الأمر غريبًا بعض الشيء في البداية. كان يسمع بعض التعليقات غير المشجّعة من محيطه كونه رب منزل وجدّ، وهو أصبح في عمرٍ لا يعود فيه المرء عادة إلى مقاعد الدراسة، ناهيك عن الواجبات الاجتماعية وغيرها من الأمور والظروف التي تعيق الانصراف إلى الدرس والمثابرة في التحصيل... لكن على الرغم من كلّ ذلك، وبإرادته الصلبة، وبتشجيع كبير من أهل بيته ومن طلابه ومن زملائه في الدراسة، وحتى من الأساتذة ومن إدارة الجامعة، استطاع تخطي كلّ العقبات، وبات الأستاذ عبدالله ملهمًا لكُثُرٍ تناسوا أحلامهم، وهو اليوم بصدد المتابعة لينال شهادة الماجستير.
خُيّل إلى بعض معارفه أنّه يسعى إلى غمار السياسة وهذا ما حدا به إلى الدراسة وتحديدًا في اختصاص الحقوق والعلوم السياسية، من جهته كان يبتسم ويهز رأسه متعجبًا. بالنسبة إليه تطوير المعرفة سبب كافٍ للاندفاع وتحصيل المزيد من العلم، خصوصًا أنّه يلاحق حلمًا حالت الظروف دون تحقيقه في مطلع الشباب.
إياكم أن تستسلموا
من أين أتى بالجَلَد لمتابعة الدراسة والغوص في المحاضرات وفي اختصاص بعيد من ذلك الذي مارس فيه وهو مهنة التعليم؟ إنّه الشغف بالعلم معطوفًا على إرادة صلبة. من ناحية أخرى فإنّ كونه أستاذ رياضيات، سهّل الأمور إلى حد ما، فالمنطق الذي اتّبعه في شرح الدروس العلمية ساعده في اعتماد منهجية مناسبة لدرس المواد والمحاضرات التي كانت تُعطى في الجامعة، لا بل أنّه تميّز وتفوّق محققًا أفضل العلامات.
خلال السنتين الأخيرتين كان مضطرًا لمتابعة التعليم والتعلّم عن بعد، لم يكن أمرًا سهلًا في بادئ الأمر، فهو لم يكن يملك المعرفة الكافية تكنولوجيًا، لكن هذه عقبة أخرى تغلّب عليها بمساعدة المحبين الذين يحيطون به.
إذًا تغلّب الأستاذ ضاهر على عدة عقبات وحقق حلمه، فما هي الرسالة التي يحب أن يوجهها إلى شبابنا الذين يواجهون ظروفًا صعبة ومحبطة يقول: «صحيح أنّ الظروف التي نمرّ بها صعبة وقاسية، ولكن إيّاكم والاستسلام، كافحوا وتسلّحوا بالعلم ثمّ العلم. ما من شيء صعب أمام الإرادة الصلبة والمواظبة على العمل. فلنكن جميعًا مثل الجنود الذين يحمون بلادهم في أصعب الظروف، ولنحمِ أحلامنا وطموحاتنا، فلا شيء مستحيل إذا تسلّحنا بالعزم والإرادة»!