- En
- Fr
- عربي
الإرهاب الصهيوني ودوره في قيام الدولة العبرية
نظراً لأهمية الأعمال الإرهابية الصهيونية وأهدافها, نفرد لها قسمين: القسم الأول حيث نعالج الإرهاب الصهيوني بشكل عام ونقدم نبذة عن زعماء الإرهاب الصهيوني من حيث نشأتهم وأعمالهم وأساليبهم في ممارسة الإرهاب. ونعرض في القسم الثاني المنظمات الإرهابية الصهيونية المسلّحة وتطوّرها بالتفصيل.
زعماء الإرهاب الصهيوني: النشأة والأساليب
يلاحظ أنّ معظم الذين حاولوا فلسفة الإرهاب ونادوا به, لم تكن لديهم الرغبة في ممارسته بصورة عملية, فنجد أنSTIRNER الذي كتب يمجد الأنانيةEGO (وهي بحق منح ترخيص للإرهاب), لم يبدِ أي رغبة في التصريح للإرهابيين. ونجد أن “سيرجى نيتشاييف”, بالرغم من أنه لم يرتكب سوى جريمة قتل واحدة بيده, إلا أنه نادى باستخدام الإبتزاز كأمر واقع مألوف.
ورغم أن “مايكل باكوتين” من أشدّ المحرّضين على الإرهاب, إلا أنه لم يمارسه بنفسه, في حين أن موست لم يؤذِ أحداً بيديه على الإطلاق.
ومع كل ما سبق من وصف لحال القائلين بالإرهاب فلا يمكن نعتهم بالنفاق, ذلك لأنه غالباً ما يفشل فيلسوف في أن يتصوّر رد الفعل على الحجج التي ينادي بها. إلا أن الصورة تختلف عند مفكري الإرهاب الصهيوني الأوائل, فنجد ابراهام شتيرن لم يكتفِ بالتبشير والوعظ بالإرهاب وإنما مارسه ممارسة عملية, وانتهى به الأمر أن دفع حياته ثمناً لهذه الممارسة, وكان أحد قادة منظمة LAHOMEY HERUIH الإسرائيلية والمعروفة في أوساط الشرطة البريطانية باسم عصابة “شتيرن”. وكانت هذه الأوساط تعتبرهم مجرمين. و”شتيرن” هذا كتب يوماً يقول: الإنسان الذي يذهب مستهدفاً قتل إنسان آخر لا يعرفه, عليه أن يؤمن فقط بشيء واحد وهو أنه بهذا الفعل سوف يغيّر مسار التاريخ.
أما الصهيوني الروسي الأصل فلاديمير جابوتنسكي فقد أصرّ على وجوب قيام اليهودي بالدفاع عن نفسه, وصار المحرّك الأول لنشأة منظمة الهاغاناهHaganah التي راحت تشتري السلاح بسرية من أي مكان متاح. وكان جابوتنسكي يحثّ أعوانه على الإرهاب, مؤكداً لهم أن العالم لن يحترم اليهود إلا إذا أثبتوا أنهم بالإرهاب وسفك الدماء يدافعون عن أنفسهم وكيانهم.
ومن الضروري أن نذكر ما حدث من إنشقاقات في منظمة الهاغاناه مما أجبر فلاديمير جابوتنسكي على الإنسلاخ بمجموعته التي عُرفت باسم Revisionists) المتطهرون), وحتى هؤلاء انقسموا واختلفوا, فجماعة منهم وهم “المعتدلون” كانوا ينادون بشنّ الحرب على أعداء فلسطين اليهودية فقط, و”المتطرفون” نادوا بشنّ الحرب الشعواء حتى ولو أدى الأمر إلى ممارسة الإرهاب. وقد سُميّ الجانب أو الجناح المتطرف بقيادة “جابوتنسكي” وتابعه “ديفيد رازيبل” بـ”المنظمة الوطنية المسلحة” وبالعبرية “أرغون” وكانت قبل قيام دولة إسرائيل تتخذ اسم IRA.
يعتبر إبراهام شتيرن قائدها الرئيسي, وهو ولد في بولندا عام 1907. وفي ظل حالة الإضطراب التي رافقت عن “ثورة أكتوبر” عام 1917 وما أحدثته من آثار في جميع أنحاء أوروبا, إضطر شتيرن إلى سلوك طريق طويل وشاق عبر أوروبا متجهاً إلى سواحل المتوسط. ومن أحد الموانئ الإيطالية حيث تجمعات اليهود, إنتقل إلى فلسطين, مقصده الأخير, حيث راوده حلم تحويل هذا البلد إلى دولة .. “إسرائيل المستقلة”. وقد تخطت رؤيته رؤية “جابوتنسكي” إذ كان ينادي بأن الدولة الإسرائيلية يجب أن تصير واحدة من القوى العظمى والدول الكبرى.
كان عمر شتيرن عندما وصل إلى فلسطين 15 عاماً وقد التحق بالجامعة العبرية لدراسة اللغات من يونانية ولاتينية وعبرية, وكان من الذكاء بحيث أن أساتذته اليهود أشادوا بعبقريته, ومنحته الجامعة شهادة في الفنون, واستطاع إجادة اللغات التي تعلّمها مما ساعده على كسب عيشه بإعطاء دروس لزملائه الطلبة المتأخرين. وفي عام 1928 فاز بمنحة دراسية لمدة عام في إيطاليا وهناك جذبته شخصية وسياسة “ موسيليني “ مما جعله عند عودته من إيطاليا يصمم على أن يجعل من إسرائيل إمبراطورية فاشية كبرى تمتد أراضيها من النيل غرباً إلى الفرات شرقاً ـ كما تخطط له الصهيونية.
وسرعان ما راح “شتيرن” ينادي بشنّ الحرب على جيش الإنتداب البريطاني وعلى العرب معاً, معتبراً أنه لا ينبغي أبداً على منظمة “أرغون” أن تلتزم بضرورة إخطار ساكني المباني بمغادرتها قبل أن تقوم بنفسها وتدميرها, معتبراً ذلك سخفاً تنادي به جماعة “الهاغاناه”. وفي عام 1939, كان هدف بريطانيا أن يسود نوع من الهدوء يتيح لها حرية الحركة في هذا الوقت الدقيق من التوتر الدولي السائد مع ألمانيا, فكانت لا تريد إثارة غضب العرب وتعلن أنها حامية لهم وللإسلام, مع علمها بان مفتي القدس على اتصال بالألمان.
لكن وعد بلفور عام 1917 الذي قال بإنشاء وطن قومي لليهود, عجز عن بثّ الطمأنينة في نفوس اليهود المتطلعين لإنشاء دولتهم, بسبب القيود المفروضة على عدد اليهود المهاجرين. فكان أن انضمت المنظمات اليهودية التي تسمّى بالمعتدلة إلى فصائل مسلّحة تنادي بإعلان الحرب على بريطانيا. وسرعان ما قام جابوتنسكي بإرسال الأسلحة لمنظمة “الأرغون”, أما شتيرن فقد كانت مهمته الأساسية تسهيل تهجير يهود دول أوروبا إلى فلسطين وأهمها دول وسط أوروبا وهي التي كانت تتطلّع للخلاص من اليهود. وكان هتلر النازي يريد إشعال الحرب ضد بريطانيا ويتمنى أن تنشب حرب في الشرق الأوسط. وقامت بولندا بإنشاء معسكرات خاصة يتدرب فيها اليهود قبل توجههم إلى فلسطين. وكان “شتيرن” يهدف إلى شن حرب واسعة على بريطانيا العظمى لأنه حتى برغم يقينه بأن “هتلر” وألمانيا النازية يعتبران من الأعداء الرئيسيين لليهود في الشتات, إلا أن بريطانيا من وجهة نظره وقناعاته تعتبر العدو الرئيسي الظاهر للصهيونية وذلك لسياساتها المزدوجة.
ويقول شتيرن إن الإرهاب فُرض عليه فرضاً, ولذا أسرع بإنشاء إذاعة سرية يذيع منها على أعوانه من منظمة “الأرغون زفاي ليومي” الذين قاموا بارتكاب أعمال ذات طابع إرهابي, فتمّ تدمير مبنى سينما “ريكس” ومبنى فندق الملك داوود, وكانا من المباني التي يستخدمها ضباط وجنود بريطانيون, وقد قُتل عدد منهم كان أوكل إليهم حماية العرب من اعتداءات اليهود.
ولكن الشرطة والجيش البريطانيين لم يدم عجزهما طويلاً إزاء هذه الأعمال التي أحرجت بريطانيا أمام العالم, فأعدّوا خططاً محكمة وسرعان ما نجحوا في القبض على قيادات المنظمات الإرهابية اليهودية. وكان من بين المعتقلين “شتيرن” نفسه.
وفي 3 أيلول 1939 أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا واضطرت أن تواجه جميع الوكالات اليهودية ومنظماتها بإجراءات حاسمة كرفض السماح باقتراب السفن المحمّلة باليهود. ولم يعد أمام هذه السفن وركابها سوى العودة إلى الموانئ التي أبحرت منها.
التقط بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية الخيط وأسرع بتقديم عرض بتجنيد 30 ألف يهودي للحرب تحت قيادة بريطانيا, ورفضت بريطانيا العرض.
واتجهت الحركات الإرهابية ولا سيما منظمة شتيرن إلى مواجهة الموقف بمزيد من الإصرار على القيام بأعمال العنف المسلح, وأعيد إحياء جماعة شتيرن عبر جهود “ازرائيل شيب” الذي كان معروفاً باسم دكتور إيلداد . وفي بداية شهر أيلول 1942 هرب إيزاك يتزرنسكي وعضو آخر من جماعة شتيرن يدعى شاؤول من معسكر اعتقال المزرى MAZRA وانضمّ إليهما فريدمان يللين حيث تنكروا في زي ضباط بولنديين فأمكنهم التحرك بسهولة. وسرعان ما نشأت جماعة F.F.I Freedom Fighters For Israel مناضلو إسرائيل الأحرار وهدفها تحرير فلسطين من البريطانيين, واتخذت هذه الجماعة من الإرهاب وسيلة وسياسة, معتمدة أساليب “منظمة الأيدي السوداء” الصربية في الإغتيالات. كما أنشأت شبكة اتصالات بين القيادات والخلايا, وصندوق تمويل بطرق الإبتزاز على غرار عصابات شيكاغو الأميركية وإرهاب رجال الأعمال الذين يتقبلون صاغرين الإبتزاز وأيضاً باتباع أساليب أخرى من بينها سرقة البنوك. والمثير أن أفراد هذه الجماعة كانوا يتخفّون بارتداء أزياء رجال الجيش البريطاني يسرقونها من المخازن والمستودعات. وسرعان ما ظهرت صحيفة سرية بإسمHAZIT كانت برغم سريتها توزّع بشكل واسع. وقد ظهرت فيها مقالات لـ”فريدمان يللين” وغيره من المعتقلين.
ومن الجدير بالذكر أنه برغم تعدّد المنظمات التي نشأت, لم تظهر منظمة واحدة بمثل هذا التنظيم الدقيق, وكانت إجراءات انتقاء وقبول أعضائها معقّدة وعلى عدة مراحل, حيث يتمّ الترشيح من قبل إثنين من قدامى الأعضاء, ثم يتمّ الإختيار من خلال الردود على عدة أسئلة, ويعقب ذلك تحريات مكثفة عن سلوكيات وأخلاقيات المرشح, ويلي ذلك إطلاعه على الأساليب التنفيذية للعمل وأساليب التعذيب التي قد يتعرّض لها في حالة القبض عليه, ويسلّم بعد ذلك إلى جوشيا كوهين لتدريبه على الأعمال القتالية والتجسسية.
وضع فريدمان في معسكر الإعتقال خطة محكمة للهرب الجماعي, ونجحت الخطة وتم تنفيذها في شهر تشرين الثاني 1943 عبر نفق تمّ حفره بدقة متناهية. وبعد الهرب الجماعي صارت الحركة تنظيماً له لجنة مركزية تولّى فريدمان فيها مسؤولية ومهام الدعاية الخارجية بما فيها إجراء المقابلات والمؤتمرات مع مندوبي الصحافة الأجنبية ووكالات الأنباء, وتولى الدكتور إيلداد تحرير وكتابة أغلب مقالات الهازيتHAZIT , وتولى شامير منصب منفذ العمليات Operational executive)). ونجح فريدمان في عقد هدنة مع منظمة الهاغاناه التي رضيت أن تظل محايدة بدلاً من معاونة البريطانيين ضد “جبهة مناضلي إسرائيل الأحرار”. وكان الشرط الوحيد أن تقبل الـجبهة بحصر عملياتها وكذلك توزيع صحيفتهاHazit)) بمناطق محدودة.
وفي عام 1944 تولّى مناحيم بيغين منصب القائد الجديد لحركة الأرغون ليومي, وعندما بدأ يستشعر قرب انتهاء الحرب بهزيمة ألمانيا الهتلرية, أصدر بياناً جاء فيه: “ها قد أوشكت الحرب على النهاية بعد أربع سنوات, ومع ذلك لم نحصل على الإعتراف الدولي, ولم يتأسس لإسرائيل جيش وطني خاص بها, والدولة البريطانية خانت الشعب اليهودي, ولا يوجد أساس أخلاقي من أي نوع لتواجد بريطانيا على أرض إسرائيل, وأبواب الوطن لم تفتح بعد ولم يعد هناك ما يسمى بالهدنة بين الشعب اليهودي والإدارة البريطانية أو الحكومة البريطانية التي سلّمت أشقاءنا إلى هتلر... وعليه فإن شعبنا في حرب مع هذا النظام... حرب حتى النهاية”.
ولم يحدث اتفاق بين جماعة الـجبهة ومنظمة “الأرغون” على طبيعة هذه الحرب الواردة في بيان مناحيم بيغين, إذ اتجهت جماعة الـجبهة إلى التركيز على الأعمال الإرهابية المباشرة من قتل الجنود البريطانيين ورجال الشرطة أينما وجدوا واغتيال كبار الضباط الإنكليز, بينما اتجهت منظمة الأرغون إلى التركيز على العمليات التخريبية, وبصورة رئيسية تفجير المباني والمنشآت التي تستخدمها القوات البريطانية. وقامت المنظمة بإنشاء محطة إذاعة تبثّ منها النداءات التحريضية لطرد البريطانيين.
وتلى ذلك الخطة التي وضعها شامير لقتل المندوب السامي البريطاني السير هيرالد ماكميلان, إلا أنه برغم توفّر الإستخبارات عن تحرّك وخط سير موكب المندوب السامي البريطاني, فقد فشلت المحاولة, وأسفرت عن مصرع اثنين من حرسه الخاص, وأصيب المندوب السامي البريطاني بجرحين طفيفين.
إزاء هذا الفشل اضطر شامير للإختفاء. ومع ذلك اتجهت أنظاره إلى ما هو أبعد من المندوب السامي البريطاني, أي اللورد “موين “ الوزير البريطاني المقيم في القاهرة. وبالرغم من أن اللورد كان معروفاً برجاحة عقله واتزان تصرفاته, فقد أشاع اليهود أنه ضد السامية وذلك لكي ينجحوا في تجنيد بعض العناصر اليهودية التي كانت تعمل في المكاتب البريطانية في القاهرة عن طريق بثّ روح الفداء في نفوسهم لدرجة أنهم استطاعوا أن يحبّبوا إليهم الموت في سبيل إسرائيل.
وبرغم معارضات البعض فقد تمّ التخطيط لعملية الإغتيال في تشرين الثاني 1944 اعتماداً على اثنين من رجال أعضاء منظمة الــجبهة من العاملين في الجيش البريطاني وفتاة يهودية تعمل سكرتيرة في أحد المكاتب البريطانية, وقام “شامير”, وبنفس الدقة, بالتخطيط لهروبهم فور الإغتيال.
ونجحت عملية اغتيال اللورد “موين” التي كان مقدراً لها أن تصيب عصفورين بحجر واحد: إنذار بريطانيا من جهة, وإلصاق التهمة بالمصريين من جهة أخرى, إلا أن أحد رجال البوليس المصريين من الذين كانوا يتحركون في سرية تامة وراء موكب “اللورد موين” استطاع القبض على الإثنين وهما: “بت زوري”-22 عاماً و”الياهو حكيم “- 17 سنة وقد تمّت محاكمتهما وإعدامهما.
واشتد الصراع المسلح بين القوات البريطانية ومنظمة الأرغون وزادت العمليات الإرهابية ضدّ مواقع وضباط وجنود إنكلترا مما جعل العالم يدرك, خصوصاً بعد اغتيال “اللورد موين”, مدى فشل بريطانيا وإخفاقها في حفظ النظام والقانون في فلسطين المنتدبة عليها بتكليف من عصبة الأمم.
وهكذا يتبيّن أنه “بفضل” الأعمال الإرهابية أمكن تحقيق الحلم الصهيوني بإنشاء دولة إسرائيل... وهذا بصرف النظر عمّا إذا كان الإنشاء شرعياً أم لا... عادلاً أم لا... فالواقع يقول: إن إسرائيل نشأت بفضل الإرهاب... وهذا ما حصل في الواقع.
وقد أشرنا إلى شرط مسبق لنجاح أي حملة إرهابية مخططة لتحقيق استقلال شعب, ولانتصار ثورة قومية قادرة على ملء الفراغ الذي يحدث إثر عملية إرهابية, وهذا الشرط قد توفّر في إسرائيل حيث كانت الوكالة اليهودية قد تأسست واختارت كوادرها ودربتهم على تولّي الحكم والإمساك بسرعة بزمام الأمور وتحويل الهاغاناه إلى جيش قومي نظامي مستعدّ لحفظ النظام والدفاع عن أراضي الدولة الوليدة.
ولو افترضنا انه لم يكن هناك عمليات إرهابية فإن الحكومة البريطانية كانت ستقوم بتنفيذ ما سمّي “بالكتاب الأبيض” ولأصبحت فلسطين دولة عربية جديدة ذات سيادة تعيش فيها الأقلية اليهودية ككلّ الأقليات في دول العالم. ولا ننسى حلم اليهود بإنشاء وطن قومي في فلسطين التي يعتقدون أن الله في عهده القديم قد وهبها لهم. وواقع آخر ملموس شعر به العالم, هو ما عانته فلسطين من فراغ للمؤسسة السياسية أي الدولة وفقدانها النظام والقانون.
ويضاف إلى ما سبق عامل نفسي لعب دوراً هاماً في سير الأحداث, وهو مشاعر التعاطف العالمي نحو اليهود نتيجة لما نشروه عن معاناتهم المزعومة على يد النازية الهتلرية.
ومع ذلك فقد انتهى الأمر بإعلان يأس بريطانيا من الإنتداب وتحويل المشكلة برمتها إلى الأمم المتحدة عام 1947, والتي اقترحت تقسيم فلسطين بين العرب واليهود. وفي عام 1948 أعلنت بريطانيا رسمياً انتهاء انتدابها.
الصهيونية ركيزة الإرهاب في الشرق الأوسط
أولاً : الصهيونية من خلال مبادئ “ تيودور هرتزل “
1- فكرة ودعوة وحركة :
مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة هو “تيودور هرتزل” (1860 ـ 1904), وهو أثّر على الحركة من خلال أفكاره, وزاد عليها ودعمها عدد من زعماء الصهيونية الذين خلفوه.
أ- مقومات الصهيونية:
تستمد الصهيونية مقوماتها من مصادر يهودية وغير يهودية متأثرة باتجاهات رئيسية أبرزها:
1- الأفكار اليهودية.
2- انتظار مجيء المسيح المخلّص.
3- الفكر اليوتوبي Utopian .
4- التوسعية.
5- الإتجاهات الصليبية (نسبة إلى الحروب الصليبية).
6- الإيمان بالتحالف مع الإستعمار العالمي للوصول إلى الهدف.
7- الإنتهازية بالتكيّف مع الأوضاع والمتطلبات الاستعمارية.
8- انها حركة تفكير نكوصية ـ رجعية ـ تدفع حركة التاريخ إلى الوراء, من تأسيس دولة دينية ـ عنصرية ـ متحالفة مع الإستعمار العالمي, في الوقت الذي تدعي فيه أنها حركة تحررية.
9- النزعة الاستيطانية التي تلاقي هوى في نفوس اليهود لاعتيادهم على العيش في “غيتو”.
10- السمة الجديدة وهي الإنفصالية بالنسبة للدول الأم, ورفض الفكرة الإندماجية وهي فكرة تقدميّة قال بها عدد من زعماء اليهود معارضين بها الحركة الصهيونية.
11- العزف على محنة اليهود, وهذه قالها هرتزل عام 1895, وعزف على أنغامها كل قادة الصهيونية ووصلوا إلى القمة بتسويق معاناتهم المزعومة على يد ألمانيا النازية.
ب - عوامل نجاح الحركة الصهيونية:
أجمعت الشروح الصهيونية على وجود خمسة عوامل أدت إلى نجاح الحركة الصهيونية في إقامة دولتها وهي:
1- الفكرة.
2- القيادة الفاعلة.
3- شعب من البنائين.
4- التنظيم الفعال.
5- البيئة الدولية الملائمة.
2- الإرث السابق للصهيونية:
أ - الحركة الصهيونية هي وريثة امتداد لأفعال اليهود ضد المسيحيين عند ظهور السيد المسيح, حيث قاموا بصلب المئات وإحراقهم أحياء, وحرّضوا الحكومات الوثنية عليهم.
ب- في الجزيرة العربية نجد أحفاد يهوّذا قد عاثوا في الجزيرة فساداً, وحرّضوا القبائل العربية بعضها على بعض, وأخذوا يغذّون الإقتتال بالفتن والأموال حتى يجعلوا من أنفسهم سادة على الجزيرة العربية. ثم حاولوا أن يوقفوا زحف الإسلام, فلمّا طردهم النبي (ص) من الجزيرة دخل بعض اليهود الإسلام لدسّ “الإسرائيليات” في التاريخ العربي وتشويهه. وفتنة “عبد الله بن سبأ” مشهورة وآثارها باقية حتى اليوم. فهو أسّس نظام تأليه الإنسان... لشقّ صفوف المسلمين. وقد قام اليهود بأمر مشابه لتحريف الديانة “المسيحية”.
3- استخدام الصهيونية للمبادئ الموضوعة
أ- وضعت الصهيونية يدها على الأفكار الدينية وقامت باستغلالها بشكل كامل, فأصبحت الصهيونية وكأنها امتداد للديانة اليهودية, وكل ذلك بعد أن ربطت بين التعاليم الدينية والفكرة القومية والمفاهيم السياسية الأخرى. وبهذا أضفت الشرعية الدينية على أهدافها وغاياتها, وأهمّها احتلال أرض الآخرين والتوسع على حساب دولة قائمة في المنطقة, واستعانت بأي شيء وكل شيء لتحقيق مآربها ومنها التحالف مع الدول الإستعمارية الكبرى, وإنشاء المنظمات الإرهابية المسلحة.
ب- حدد “بيدنشتين” وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي أرض “إسرائيل الميعاد” بالقول: إن على الشعب الإسرائيلي أن يقلّل من استهلاكه, وأن يتكتّل وراء زعمائه استعداداً للساعة الفاصلة التي تُمحى فيها الدول العربية من الوجود”.
ج- كان “ليفي أشكول” يعتقد أن أملاك إسرائيل الموعودة جزء من كلّ من العراق وسوريا وكل الضفة الغربية, وشرق الأردن.
د- سخّرت الصهيونية جميع الوسائل التي تمكّنها من الاحتفاظ بالأرض وإكراه أصحابها على قبول الأمر الواقع فحصلت على:
1- الدعم والحماية من الدول الكبرى.
2- جلب الأموال الأجنبية للإستثمار في إسرائيل .
3- توظيف وسائل الإعلام التي تسيطر عليها لخلق وهم على أساس أنه حقيقة في أذهان الرأي العام العالمي.
هـ - اعتمدت الحركة الصهيونية على ان حدود أرض الميعاد في الكتب غير محددة, لذلك فهي قابلة للتوسع. وقد وصل الوهم بالصهيونية إلى حدود واسعة للدولة: من النيل إلى الفرات, وحتى العالم كله بشكل غير مباشر, بمعنى السيطرة المالية والإعلامية على مختلف الشعوب.
و كان “بن غوريون” من أبرز التوسّعيين الصهيونيين ويعتمد في سياسته على نصوص في التوراة تنصّ على أن كل مكان تدوسه بطون أقدام اليهود, يصير ملكهم.
ثانياً : النصوص الدينية اليهودية والإرهاب :
1- النصوص الدينية :
أ- حدّد “التلمود” في الفصل السابع تحت عنوان “المسيح وسلطان اليهود”:
1- مسؤولية وعمل كل يهودي بأن يبذل جهده لمنع القوة والملكية عن باقي الأمم, حتى تستمر السلطة والقوة لليهود وحدهم, وحتى لا يتحول اليهود إلى أسرى أو منفيين.
2- أكّد “التلمود” أن اليهود يعيشون في حرب مع باقي الشعوب, وينتظرون مجيء المسيح “الحقيقي” ليتحقّق النصر, فيقبل هذا “المسيح” هدايا كل الشعوب ويرفض هدايا المسيحيين.
3- ستكون الأمة اليهودية في هذا الوقت في قمة الثروة بحصولها على جميع أموال العالم.
4- سيدخل الناس دين اليهود أفواجاً, ما عدا المسيحيين, فيهلكون لأنهم “من نسل الشيطان”...
5- ستكون أمة اليهود التي تقوم بمجيء إسرائيل, الأمة المتسلطة على باقي العالم.
ب- وجاء في التوراة, سفر يشوع:
قال يشوع لقادته الذين اتجهوا إلى مصر: “تقدّموا واخطوا بأقدامكم على رقاب الملوك...”
جـ- وفي التوراة ـ سفر الثنية ـ الإصحاح 7 ـ متحدّثاً عن اليهود:
1- إنهم شعب مقدّس فوق كل الشعوب.
2- لا ينبغي أن تأخذهم بغيرهم من الشعوب شفقة.
3- الرب سيطرد الشعوب الأخرى من أمام الشعب اليهودي قليلاً قليلاً, حتى لا يتمّ الأمر بسرعة فيتكالب عليهم الأعداء.
4- الرب سيوقع بالشعوب الأخرى اضطراباً عظيماً يكون سبب فنائهم.
د- وفي التوراة ـ الإصحاح 25 ـ سفر اللاويين ـ نبوءة تقول بأن اليهود يتملّكون أبناء الشعوب الأخرى ولأبنائهم من بعدهم عبيداً أبد الدهر, أما التعامل بين بني إسرائيل فيتمّ بدون عنف.
هـ - وفي التوراة ـ الإصحاح 33 ـ سفر التكوين ـ يحدّد التوسّعية الإسرائيلية بالقول بأن الرب كلّم موسى أن يعبر بنو إسرائيل الأردن إلى أرض كنعان ويطردوا كل سكانها ويملكون الأرض ويسكنونها, وحذّر من التراخي في الطرد لأن من سيبقى سيكون شوكة في العين.
و- وفي التوراة ـ الإصحاح 9 ـ سفر المزامير يقول: إن الرب الساكن في صهيون يطالب بالدماء.
ز- وفي التوراة ـ الإصحاح 6 ـ سفر يشوع ـ أمر بإهلاك أهل المدينة من رجال ونساء وأطفال وشيوخ والدواب بحدّ السيف, وأن ُتحرق المدينة بما فيها, إلا الذهب والفضة وآنية النحاس والحديد فتدخل خزانة بيت الرب.
2- التحريف والتزييف:
أ- ألصق اليهود بالكتب المقدسة اليهودية مثل ـ التلمود والتوراة ـ روايات مزيّفة أبرز ملامحها:
1- إدّعاء أنهم شعب الله المختار.
2- ان فلسطين هي أرض الميعاد.
3- إباحة الزنا والرشوة والقتل والغدر لتحقيق المآرب, وتكوين وتضخيم الثروات والغزو والاحتلال والسيطرة.
ب- تعتمد العقيدة الدينية اليهودية على ما احتوته التوراة والتلمود والكتب اليهودية الأخرى من تعاليم ونصوص, وهي كتب تمّ تزييف بعضها, وتمّ تفسير البعض الآخر على هوى اليهود المتطرفين والحركة السياسية اليهودية التي عرفت باسم “الصهيونية”. وهذه النصوص المحرّفة أو التي أسيء تفسيرها ترى لليهود حقّ في امتلاك فلسطين وإقامة دولة يهودية باعتبار أن هذه الأرض هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب إبراهيم ونسله بوصفهم شعب الله المختار. وجعل التلمود فلسطين نقطة الإرتكاز للسيطرة على العالم باعتبار العالم كلّه لبني إسرائيل رمز العزة الإلهية.
جـ- النصوص السابقة أو تفسيرها الخاطئ يؤديان إلى نتائج غاية في الخطورة مثل:
1- إن شعب الله المختار هو فكرة تعكس عنصرية اليهود وغطرستهم ورغبتهم الشديدة في امتلاك كل شيء.
2- إن الفكرة السابقة تؤدي إلى أن يصبح اليهود أو منظمتهم الصهيونية مستعمرين ومهيمنين وإمبرياليين.
3- حضّ اليهود على تكوين وتضخيم الثروات بأية وسيلة للسيطرة على العالم بوصفهم الشعب المختار.
وقد ردّد رجال الكنيسة المسيحية بأن اليهود هاجموا آباءهم وأنبياءهم وأفكارهم ورفضوا رسالة المسيح فتحوّل ميراث تلك العصور إلى المسيحيين الذين أصبح من حقهم إقامة مملكة روحية تضمّ الجنس البشري جميعاً, ولذلك أصدر المجمع المسكوني في الفاتيكان وثيقة رسمية تكذّب دعوى الصهيونية بامتلاك فلسطين باعتبارها أرض الميعاد, واعتبر الجميع أن الأرض الموعودة قد تحققت تماماً بمجيء السيد المسيح وقيام الكنيسة وبذلك فقد اليهود أية صفة في حق ميراث الوعود الإلهية الموجهة لإبراهيم ونسله من بعده وأصبحت ميراثاً للمسيحيين الذين وعدهم الله بعهد جديد.
د- هذا هو السبب في قيام الحركة الصهيونية لتمسك بالوعود المقدسة بيد وبالعوامل السياسية باليد الأخرى, وتلعب بهما لمصلحة الإستعمار واليهودية معاً.
3- الأحزاب وستار الدين:
أ- يوجد في إسرائيل أكثر من 15 حزباً سياسياً تدين بالإشتراكية أو التطرّف إلا أنها جميعاً تربط عقائدها بما جاء بالتوراة المحرّفة.
ب- في إسرائيل ستة أحزاب دينية متطرّفة وهي: موشا ـ كاخ ـ شاس ـ المفدال ـ أغودات يسرائيل ـ وتأمي. وجميعها تتمسّك بحرفية التوراة المزوّرة والمحرّفة وتقوم بكل الأعمال الإرهابية من قتل وإرهاب باسم الدين, وخصوصاً وأن الإصحاح السادس من سفر يشوع في التوراة المحرّفة يأمرهم بقتل كل من في المدينة من أعدائهم من رجال ونساء وأطفال وشيوخ ودواب بحد السيف وإحراق كل ما في المدن بالنار.
ثالثاً : الزعامة الإرهابية لإسرائيل
1- الزعامة الرسمية:
أ- مناحيم بيغين (الذي اصبح رئيساً للوزارة) قام إبّان عمله في المنظمة الإرهابية بقتل جنود وضباط من سلطة الانتداب البريطاني في فلسطين, وشارك في نسف فندق الملك داوود في القدس الذي كان يضمّ قادة الجيش البريطاني. وقد اعتبرت بريطانيا “بيغين” إرهابياً مجرماً مطلوباً من العدالة البريطانية ووزّعت صوره وأوصافه على جميع الموانئ والمطارات في دول الكومنولث.
ب- هناك أيضاً ثلاثة إرهابيين معروفين تولّى اثنان منهم رئاسة الوزراء وهما بن غوريون وإسحق شامير والثالث هو يهوشا كوهين, واتّهم الثلاثة بالتخطيط والمشاركة في تنفيذ عملية اغتيال الكونت فولك برنادوت وسيط الأمم المتحدة في فلسطين عام 1949, وكانت الأمم المتحدة والدول الأعضاء تعتبرهم مجرمين. ومع ذلك زاد نفوذهم داخل الإدارة الأميركية والحكومات البريطانية والأوروبية بعد ذلك.
ج- التحقيق في مذابح صبرا وشاتيلا عام 1982 أسفر عن إدانة الجنرال “شارون” والضباط الإسرائيليين الآخرين الذين نفّذوا المجزرة. لكن التبرير الإسرائيلي كان من النوع المضحك المبكي: “إن مثل هذه الأعمال تقع أثناء العمليات العسكرية وهي غير مقصودة”.
د- بن غوريون هو الذي أشرف على معظم عمليات الإرهاب في فلسطين وخارجها في البدايات, وشارك في تنظيم العصابات الصهيونية الإرهابية, وكان يتمسّك بما جاء في الفصل السابع من التلمود ويردّده قائلاً إن على كل يهودي أن يبذل الجهد في إبقاء السيطرة لليهود وحدهم”. وكان يرى ضرورة السيطرة على الأمم المتحدة وتنظيماتها واعتماد كل الأساليب من الترغيب والترهيب من أجل دعم النفوذ الصهيوني وإتاحة الظروف للتأثير على القرارات الدولية.
2- المذابح ضد الأسرى المصريين (1967)
تفجّرت فضيحة كبيرة إثر اعتراف مسؤول إسرائيلي بإقدام القوات الإسرائيلية خلال حرب حزيران 1967 في سيناء على قتل عدد كبير من الأسرى من الجنود المصريين إعداماً بعد استسلامهم, وجرى دفن جثثهم في مقابر جماعية. وبالرغم من بشاعة الجريمة على مختلف المستويات الإنسانية والقانونية والدولية, إلا أن كل ما أقدمت عليه الحكومة الإسرائيلية (برئاسة شيمون بيريز يومها) هو... الوعد بدراسة الأمر. وبالطبع فإن الحكومة المصرية لم تتلقّ أي خبر بشأن نتيجة هذه الدراسة المزعومة.
3- الإرهاب النووي:
تشكّل القوة النووية الإسرائيلية تهديداً إرهابياً لمنطقة الشرق الأوسط برمّتها, خصوصاً وأن الترسانة النووية الإسرائيلية بنيت خلف الستار ورغم أنف القوانين الدولية والإتفاقيات والمواثيق, مع الإشارة الى رفض تل أبيب الدائم التوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية ومعاهدة المحافظة على الشرق الأوسط خالياً من هذا النوع من الأسلحة المدمّرة.
4- إرهاب المعارضة الدينية:
أ كان الحاخام مائير كاهانا يمثّل أقصى اليمين اليهودي في أميركا, وشارك عام 1968 في تأسيس رابطة الدفاع اليهودي في نيويورك التي تحوّلت إلى أداة ضغط فعّالة على الإدارة الأميركية.
ب- إنتقل “كاهانا” إلى إسرائيل عام 1971 وعرض عليه كلّ من حزب حيروت اليميني بزعامة “مناحيم بيغين”, والحزب القومي الديني بزعامة “يوسف بورغ” الإنضمام إليهما, لكنه فضّل تأسيس حركته الخاصة التي عرفت بإسم “كاخ” ـ وتعني “الطريق” ـ وقد ضمّت الحركة التي تحوّلت إلى حزب عشرات من اليهود الشبان الذين اعتنقوا فكرة إرهاب العرب, واتّسم فكرهم وسلوكهم بالعنصرية. واتسع نطاق هذه الحركة في الثمانينيات بعد أن خسر حزب العمل (لأول مرة منذ إنشاء دولة إسرائيل) زمام الحكم في انتخابات 1977 والتي أتت بكتلة الليكود وانتخبت “كاهانا” عضواً في الكنيست عام 1984.
ج- أصدر “كاهانا” كتاباً بعنوان “الفكرة اليهودية” أوضح فيه معتقداته ومبادئ حركة “كاخ” على النحو التالي:
1- إن أسلوب العنف هو الأفضل في التعامل مع العرب.
2- وجود العرب على أرض إسرائيل يلوّث جوهر اليهودية, لذلك فإن طردهم ضروري من أجل الخلاص.
3- ضرورة تدمير المسجد الأقصى (الذي وصفه بأنه أقيم فوق أنقاض المعبد اليهودي الثاني).
4- الدعوة إلى ضمّ الضفة الغربية إلى إسرائيل كضرورة توراتية.
5- اعتبار أن الشعب اليهودي يرقى فوق مستوى البشر.
6- اليهودي مكلّف بتعليم باقي الأجناس الطهارة والقداسة.
7- الديمقراطية وحقوق الإنسان هي قيم لا معنى لها في اليهودية الأصلية, وبقاء اليهود في أميركا يعرّضهم لخطر الذوبان في المجتمع الأميركي, وبالتالي فهو يدعوهم للعودة الى إسرائيل حتى لا يفقدوا هويتهم وينصهروا في “الأفران الأميركية”.
8- إن إسرائيل بشكلها الحالي ليست دولة يهودية وهي لن تصبح كذلك بالمفهوم الديني إلا إذا عاد إليها جميع اليهود من أنحاء العالم وخرج منها العرب.
9- إن الفلسطينيين “حشرات” ينبغي إخراجهم أو قتلهم.
جـ- شكّل “كاهانا” في الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً سرياً لتوجيه أعمال العنف ضد العرب الأميركيين, وكان مسؤولاً عن اغتيال “أليكس عودة” رئيس لجنة منع التمييز ضد العرب الأميركيين عام 1985, كما شكّل تنظيماً في إسرائيل أسماه “الإرهاب ضد الإرهاب” وكانت عملياته موجّهة ضد العرب في إسرائيل.
د- إغتيل “كاهانا” في الولايات المتحدة عام 1990, وقام أحد المتطرفين اليهود بعد ذلك متأثراً بأفكاره, وهو “باروخ غولدشتاين” الطبيب اليهودي المهاجر من أميركا إلى إسرائيل, بارتكاب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل خلال شباط 1994.
5- التحالف الصهيوني الاستعماري:
أ- استطاعت التنظيمات الصهيونية قبل إعلان قيام الدولة اليهودية وبعده أن تقيم صلات وثيقة مع الدوائر الإستعمارية العالمية بحيث أصبحت الصهيونية مرتبطة عضوياً بالإستعمار العالمي تعيش على قوته وأمواله وتقدم غطاء وخدمات لوجوده, ما يجعل إسرائيل وأجهزتها القمعية ذراعاً طويلة وغير مباشرة للإستعمار تتيح له دوراً فعالاً وغير مباشر. وبطبيعة الحال تقوم هذه العلاقة العضوية على قناعة بهذا التحالف الإستراتيجي وفي إطار تبادل المنافع.
ب- صار لإسرائيل في نظر الدول الإستعمارية ولاسيما أميركا دور مهم, وصار من مصلحة الإستعمار أن تبقى إسرائيل ويشتدّ ساعدها لتقوم بدور البوليس الإستعماري في الشرق الأوسط.
جـ- وضعت إسرائيل يدها على “كنز سياسي” هو تخويف الولايات المتحدة بالمدّ والخطر الشيوعي, وكانت تضرب حركات التحرّر الوطني العربية تحت هذا الزعم وبمباركة من الولايات المتحدة الأميركية.
دـ كان على الولايات المتحدة أن تعتمد على قوة مخلصة للتصدي للتوسع والنفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط, وأتت هذه القوة المخلصة مجسّدة بإسرائيل.
رابعاً: ممارسات إرهابية:
1- إرهاب ممثلي الأمم المتحدة:
كان من أبرز أدوات الإرهاب الإسرائيلي, قبل وبعد قيام الدولة اليهودية, الهجوم على الشخصيات العامة التي لا تستجيب لرغباتها وابتزازها. وحين لا ينجح الأمر يكون الإغتيال هو النهاية.
أ- كورت فالدهايم:
كان سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة (1972- 1982). وقد حاول أن يكون منصفاً بين أطراف النزاع في الشرق الأوسط فرفض إستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية, وأوضح موقفه إبّان التحضير للقرار رقم (338), وبعد ذلك جرى الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية دولياً ودعي عرفات لإلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة. إثر ذلك وجّهت رئاسة المؤتمر اليهودي العالمي تهمة النازية للسكرتير العام للأمم المتحدة. وتساءلت الصحافة العالمية: ترى لماذا سكتت الحركة الصهيونية عن ملاحقة فالدهايم طوال سنوات رئاسته السابقة للأمم المتحدة ولم تحرّك ساكناً إلا بعد أن قام حزب الشعب في بلاده بترشيحه لانتخابات الرئاسة؟
(والجدير بالذكر أن النمسا كانت مركزاً لتهجير يهود شرق أوروبا إلى إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت تقوم بخدمة الهجرة,وكان تولّي فالدهايم رئاستها يزعج المؤتمر اليهودي العالمي).
ورغم مساندة الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل في هذه الهجمة الإرهابية الشرسة ضد فالدهايم, فإنه قاوم ونجح وقال قولته المشهورة “انه لا يخوض المعركة ضد الاشتراكيين النمساويين بل يخوضها ضد أطراف دولية عديدة تجمع بينها الأقنعة الصهيونية”, وقد وقف الرأي العام النمساوي مع فالدهايم وأبدى دهشته من وقاحة الصهيونية التي تريد أن تختار للنمسا رئيسها المقبل.
ب- داغ همرشولد:
مثال آخر هو “داغ همرشولد” السويدي الذي انتخب سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة عام 1953 ثم أعيد انتخابه لمدة خمس سنوات أخرى عام 1958, وقد خلف السكرتير العام السابق النرويجي الأصل “تريغفلي” الذي خضع لتأثير الصهيونية.
قام “بن غوريون” بتهديد “همرشولد” بشكل أقرب إلى التصريح منه إلى التلميح ليدفعه إلى تعديل مواقفه والتغاضي عن الاعتداءات الصهيونية وإهمال تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وقد انتهز فرصة لقائه بهمرشولد فقدّم له “يهوشا كوهين” الذي كان قد اغتال الوسيط الدولي الكونت برنادوت, على أساس انه “آخر الإرهابيين في إسرائيل”, كما قال متصنّعاً المزاح, إلا أن همرشولد فهم الإشارة لكنه لم يغير أسلوبه.
ج- اغتيال الكونت برنادوت:
عام 1948 أطلق ثلاثة من الإرهابيين اليهود النار على سيارة الوسيط الدولي الكونت “فولك برنادوت” الذي قتل على الفور, وأعلنت عصابة “شتيرن” الصهيونية مسؤليتها عن هذا الإغتيال الإرهابي رداً على المواقف “غير المنحازة” التي وقفها الوسيط الدولي.
عام 1986 توفي “يهوشا كوهين” في إحدى المستوطنات الإسرائيلية عن 64 عاماً, وجاء في إعلان نعيه تعداد لمآثره وأعماله من اجل إسرائيل, ومن جملتها أنه كان واحداً من الذين قتلوا الكونت برنادوت. أما الرجلين الآخرين اللذان شاركاه في تنفيذ عملية الإغتيال فكانا “مناحيم بيغين واسحق شامير”, وقد تولّى كل منهما بعد ذلك منصب رئيس الحكومة في أسرائيل.
كان “خطأ” برنادوت أن الأمم المتحدة قررت عام 1947 تقسيم فلسطين, ومع بداية عام 1948 بدأت القوات البريطانية بالإنسحاب فاندلعت الحرب بين العرب واليهود, وأعلنت العصابات الصهيونية الإرهابية قيام دولة إسرائيل وبدأ الجيش السرّي المشكل من المنظمات الإسرائيلية المسلحة أعماله ضد السكان العرب أصحاب البلد الأصليين. وهنا تدخلت الجيوش العربية من الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق عند حدود التقسيم.
كان هدف إسرائيل تجاوز حدود التقسيم ووضع العالم أمام الأمر الواقع. وقامت الأمم المتحدة بتعيين الكونت برنادوت وسيطاً دولياً لتنفيذ قرار التقسيم وإقرار الهدنة بين الطرفين. ونتيجة خرق إسرائيل لاتفاقيات الهدنة وتجاوزها حدود التقسيم, وضع برنادوت مشروعاً للسلام يقضي بإعادة الأراضي العربية المحتلة, فكان رد المنظمات الإرهابية الصهيونية إغتيال الوسيط الدولي وهكذا يكون الإرهاب أداة إسرائيل قبل وبعد قيام الدولة لتحقيق الهدف.
د الميجور هانس:
مثال آخر على الإرهاب الصهيوني وهو ما حدث للميجور “هانس” السويدي الأصل, الذي عيّن في جهاز المراقبة الدولية في فلسطين عام 1958, وتبيّن خطورة الفساد والتجسس وإفساد موظفي الأمم المتحدة على يد الأجهزة الإسرائيلية. وقد تمكّن “هانس” من تحجيم نشاط إسرائيل التجسسي والتخريبي وسبب مضايقات شتى لأجهزتها الإستخبارية, حتى اذا عجزت عن إستمالته وإسكاته, إتّخذت القرار بتصفيته, وراحت تراقب تحرّكاته حيث علمت مسبقاً برحلة يزمع القيام بها من تل أبيب باتجاه بيروت, فدبّرت حادث طرق قرب طبريا حيث انزلقت به السيارة وتدهورت وأصيب الميجور “هانس” إصابات بالغة وخرج من الحادث... مشلولاً.
هـ الجنرال فون هورن:
مثال آخر هو ما حدث للجنرال “فون هورن” السويدي الأصل الذي عمل كبيراً لمراقبي الأمم المتحدة في الشرق الأوسط. وقد هاجمه مندوب إسرائيل في مجلس الأمن, وهاجمته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية بسبب موقفه إبان عرض شكوى الدول العربية. وكان سبق أن تعرّض الجنرال هورن للتهديد واتهمته الصحافة الإسرائيلية بإحراز وسام “الصليب الحديدي الألماني” أثناء حرب هتلر المزعومة لإبادة اليهود. وبالطبع فإن الجنرال كان بريئاً من هذه التهمة.
كرّرت إسرائيل تآمرها من جانب آخر عندما اتصل ممثلها في الأمم المتحدة “برالف بانش” واتهم الجنرال هورن بأنه عميل للمخابرات العربية يمدّها بالمعلومات العسكرية والسياسية والإقتصادية. ورد بانش مطالباً بأدلة حسّية فوصلته رسالة مغفلة دون توقيع ومذيّلة بعبارة “اليد المنتقمة”. وكانت الرسالة تهدّده بالقتل وقد سلّمها للشرطة الإسرائيلية.
2- ممارسات إرهابية أخرى:
أ- الإرهاب الصهيوني في الجامع الأقصى:
لا تخفي إسرائيل مخططها الرامي الى هدم المسجد الأقصى بزعم أنه مقامٌ على منشآت دينية يهودية. ولطالما أقدم جنود الإحتلال الإسرائيلي على إطلاق النار على المصلّين المسلمين تحت قبة الصخرة, وحاولوا مراراً إحراق المسجد بمشاركة وزراء وضباط كبار في الجيش.
ب- الإعتقالات التعسفية:
إعتمدت إسرائيل منذ نشأتها أسلوب “الإعتقال الإداري” أو إلقاء القبض على العابرين إعتباطاً تحت حجج أمنية مبهمة. وبموجب ذلك زجّت الألوف في السجون التي امتلأت بالمواطنين الفلسطينيين لغير ما ذنبٍ اقترفوه... بل لمجرّد اعتبار السلطات المحتلّة أنّ هؤلاء يمكن أن يشكّلوا خطراً على الأمن في البلاد.
والأغرب من ذلك أن السلطات الأمنية تقوم غالباً باختطاف أشخاص وإخفائهم ثم وبعد مدة ـ تطول أو تقصر ـ تعمد السلطات الحكومية الى إصدار قرار رسميّ بالإعتقال. وهذا ما جرى آلاف المرات ولاسيما في حزيران عام 1991 حين اجتاحت قوات العدو الأراضي اللبنانية تحت جنح الظلام وقامت بجريمة اختطاف المواطن اللبناني الشيخ عبد الكريم عبيد على أساس أنه عضو عامل في أحد التنظيمات اللبنانية (حزب الله). ثم وفي شهر آب التالي أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي قراراً حكومياً... باعتقال الشيخ عبيد. وكان هذا الإنتهاك لحقوق الإنسان ولحدود دولة مستقلّة ذات سيادة, وللقوانين والأنظمة... مجرّد نقطة في مسلسل طويل لا زال متواصلاً.
ومعروف عن الشرطة الإسرائيلية تهاونها حيال الإعتداءات التي ينفذّها إسرائيليون ضد العرب عموماً داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة, وممارستها التمييز العنصري ضد العرب في شكل فاضح.
خامساً: بعض أدوات الإرهاب الصهيوني:
1- السيطرة على الإمكانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية:
إرتكزت الصهيونية على عدة أدوات للوصول إلى أهدافها, وإذا نظرنا إلى بعض الحركات السياسية والإقتصادية العالمية, يسارية كانت أم يمينية, نجد اليهود مندسّين في قياداتها. وترتبط الحركة الصهيونية بكل هذه التنظيمات وتؤثّر عليها من وراء الستار. ومن يعارض من أفراد هذه التنظيمات يكون مصيره التشهير أو الإغتيال.
وتجتهد الصهيونية لمنع الدول العربية من الإستحواذ على عناصر القوة عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً, ومن ذلك كانت حربها على لبنان ومؤمراتها المتواصلة ضده في تغذية المشاعر الطائفية وإحداث الشرخ بين أهاليه ورفضها حتى الآن القرارات الدولية بإعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وبالإنسحاب التام من جميع الأراضي اللبنانية ولا سيما في مزارع شبعا.
2 الإستعانة بالتنظيمات شبه العسكرية:
تزامن تشكيل التنظيمات العسكرية الإسرائيلية على شكل عصابات مسلحة مع تشكيل الأحزاب اليهودية المنظمة بعد وإبّان إقامة الدولة. وقد بوشر تشكيل هذه التنظيمات المسلّحة في وقت مبكر في مدينتَي “فلنا” و”أوديسا”.
أ- تشكّلت أول منظمة شبه عسكرية في فلسطين باسم الحراس (هاشومير), وكانت على صلات وثيقة بالحزب الإشتراكي الصهيوني الذي تأسس في مدينة الرملة عام 1907, وكان أبرز أعضائه “دافيد بن غوريون” و”إسحق بن زفي”.
ب- وحدث تطور كبير بعد ذلك ـ عام 1919 ـ إذ تمّ إنشاء حركة اتحاد العمال “هستدروت” وحزب الأخوة العمال السياسي “أشدوت هافودا” وقد ضمّ هذا الحزب كل الإتجاهات الإشتراكية في فلسطين.
ج- دعمت الحركة الصهيونية أداتها العسكرية, فأنشأت عام 1920 “رابطة الدفاع اليهودية” أي “الهاغاناه” التي أخذت تدعم اتصالاتها بالخارج وتشتري السلاح وخصوصاً من النمسا.
د- من داخل الهاغاناه قامت حركة “هاكيبوتز” التي عملت على تمويل جهازها عن طريق السطو. وعلى سبيل المثال قامت في عام 1923 بقطع الطريق على قافلة قالت إنها من المهربين واستولت على 15000 جنيه إسترليني ذهباً, واستخدمت حصيلة السطو لشراء أسلحة, وقد تمّ تدريب هذه المجموعة خارج فلسطين.
هـ- في الثلاثينات أصبحت “الهاغاناه” منظمة شبه عسكرية بتوجّه إشتراكي, ولذا اقتربت كثيراً من الهستدروت ذات التوجه الإشتراكي أيضاً.
و تطوّرت “الهاغاناه” فأصبحت لها قيادتها المحترفة المدربة في الخارج ومصادر أسلحتها المستقلة واتصالاتها الخارجية, وراحت تتحوّل إلى جيش نظامي بمرور الوقت. حدث هذا فعلاً عام 1948 بعد أن غادرت القوات البريطانية فلسطين وتركت المجال مفتوحاً أمام الصهيونية والدول التي ترعاها لتغتصب فلسطين بقوة السلاح والدعم الخارجي.
ز- تكونت داخل “الهاغاناه” مجموعة متميّزة وذلك أثناء الخلافات والنزاع المسلّح بين المنظمات شبه العسكرية الصهيونية وحكومة الإنتداب, وكذلك خلال المواجهات مع السكان العرب. هذه المجموعة سمّيت “بالماخ” وكانت شديدة التطرف.
ح- تبنّت البالماخ تكتيكاً هجومياً على عكس الاستراتيجية المعلنة للهاغاناه التي تقوم على الدفاع, وراحت البالماخ تهاجم القرى العربية.
ق- قامت داخل “الهاغاناه” أيضاً منظمة يمينية أكثر تشدداً تسمى “اتسل ETZEL في عام 1937, وهي التي هاجم أعضاؤها, بالإشتراك مع رجال من الأرغون, فندق الملك داوود في القدس, ونفذوا أيضاً مذبحة دير ياسين. وكان من أبرز قيادات إتزل “مناحيم بيغين”.
ي- قامت منظمة “ليحي” شبه العسكرية وهي التي عرفت أحياناً باسم “عصابة شتيرن”, وكان مجالها في المدن وليس بين القرى, وضمّت عدداً كبيراً من المتطرفين من الجانبين اليميني واليساري وكانت مسؤولة عن اغتيال المندوب السامي البريطاني في الشرق الأوسط اللورد “موين” واغتيال الكونت “برنادوت”.
4- القيام بعمليات إرهابية داخل الدول الأخرى:
مثال صارخ آخر على إرهاب دولة إسرائيل هو قيامها باختراق حدود دولة مستقلة أخرى أيضاً هي تونس والوصول ـ بقوات إسرائيلية ـ إلى مقرّ منظمة التحرير هناك واغتيال أحد قادتها ـ خليل الوزير ـ أبو جهاد, والإعلان تفاخراً عن مسؤوليتها.
5- الإرهاب الفكري والتعقّب:
عندما تجرّأ كاتب فرنسي مرموق وفيلسوف له قدره هو “روجيه غارودي” وبحث في “أرض المحرمات” وألف كتاباً أراد به وجه الحقيقة بعنوان “الأساطير المؤسِّسة للسياسية الإسرائيلية”, أقامت إسرائيل الدنيا على رأس الفيلسوف الفرنسي لأنه شكّك في عدد الذين زعمت الصهيونية أنهم ذهبوا ضحية النازية.
وتعرّض غارودي للإضطهاد والمحاكمة من قبل منظمة تحت السيطرة اليهودية تحمل اسم “منظمة مكافحة العنصرية”.
6- مجتمع إرهابي متطرّف:
حرصت إسرائيل دائماً على تنفيذ جرائمها الأبشع في حقّ العرب والإنسانية, تحت سحابة كثيفة من دخان التعمية, مالئة الأجواء والموجات الإعلامية بكلام معسول عن السلام وحماية حقوق الإنسان. ولعلّ أحد الأمثلة الصارخة في هذا الصدد, وهو غيض من فيض, ان العدوان الوحشي على لبنان والذي بلغ ذروته في مجزرة قانا (18/4/1996) بأوامر مباشرة من رئيس وزراء إسرائيل يومها “شيمون بيريز”, انما حصل قبل أن يجفّ حبر كلمات بيريز نفسه في مؤتمر شرم الشيخ (13/3/1996), أي بعد حوالي شهر واحد من المؤتمر الذي اظهر نفسه فيه “حمامة سلام” ودعا الى “المضي قدماً في عملية السلام, وإن مستقبل السلام لا بد ان نبذل في سبيله الجهود, وأن نتضافر للقضاء على قوى الشرّ والإرهاب.”. ومجزرة قانا ضدّ المدنيين اللبنانيين الملتجئين الى مخيم الأمم المتحدة, وضدّ الأمم المتحدة ذاتها وما تعبّر عنه وترمز اليه, كانت عملاً إرهابياً تاماً حتى أن صحيفة “إنديبندنت” البريطانية كتبت مطالبة بالتحقيق مع المسؤولين الإسرائيليين عن مصرع أكثر من مائة مدني لبناني, جلّهم من النساء والشيوخ والأطفال.
والمستغرب ان هذا العمل الإجرامي البشع لم يتسبّب بانهيار شعبية رئيس الحكومة بيريز, بل رفع من رصيده الشعبي والسياسي وأعطاه أمام الإسرائيليين (وحسب الصحافة الإسرائيلية) مظهر “الرجل الذي يضرب في كل اتجاه وبلا تردّد لحماية المواطن الإسرائيلي”.!.
وعلى كل حال فالتطرّف والإرهاب هما صفتان ملازمتان للسياسة الإسرائيلية تجاه العرب, وقد تحوّلتا الى صفتين ملازمتين للمجتمع الإسرائيلي برمّته, ما يفسّر ارتقاء الحالة الشعبية السياسية لهذا المجتمع نحو المزيد من التشدّد والتطرّف.
7- إرهاب الدولة:
بينما العالم كله ينادي بالحرب على الإرهاب, وتتحرّك الجيوش الجرّارة محاولة ردّ غائلة الإرهاب وكبح الأخطار التي يمثلها, تمارس إسرائيل الإرهاب الصريح بالأيدي الرسمية من خلال أجهزتها وجيشها, وهي التي قامت أساساً كدولة, بالإرهاب, أولاً وأخيراً. ليس ذلك فحسب بل أن الجهات الرسمية الإسرائيلية لا تتردّد في الإعلان عن أنشطتها الإرهابية وعمليات الإغتيال الإجرامي التي تنفذّها والتباهي بها. وسلسلة الذين قتلهم الإرهاب الإسرائيلي الرسمي المنظّم داخل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وخارجها, تكاد لا تنتهي, بدءاً بالأوروبيين والأميركيين الذين اعتبرتهم الصهيونية مسؤولين عن قتل اليهود, وصولاً الى العرب من فلسطينيين ولبنانيين. الذين ما برح القتل الإسرائيلي المعلن ناشطاً بصددهم, من دون وازع من ضمير أو مانع من قانون. وليس مستغرباً من كيانٍ قام أساساً على الإرهاب, أن يواصل ممارسته والبناء عليه. أما الحديث الإسرائيلي عن الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان, فليست كلها أكثر من ثوب إعلامي... بات مهلهلاً على كل حال.
المراجع
ـ كتاب “الفاشية” لموشي دايان, ترجمة جوزف صفير, يوميات قادة العدد ـ دار المسيرة
Han HALEUI, Israel de la terreur au massacre d'état, Papyrus- Paris
ـ “دور الجيش الصهيوني في التجمّع والإقتحام ـ خالد حميد النعيمي دار الطبّاع دمشق 1989
ـ الإرهاب: التهديد والردّ عليه: إيريك موريس, الهيأة المصرية العامة للكتاب
ـ “خيار شمشون”: إسرائيل, زميركا والقنبلة سيمور هرتش مكتبة بيسان بيروت
ـ “الإرهاب الدولي” أحمد محمد رفعت وصالح بكر الطيّار مركز الدراسات العربي الأوروبي
ـ “الإرهاب السياسي”: دراسة تحليلية عبد الناصر حريز مكتبة مدبولي القاهرة
ـ الإرهاب والعنف السياسي محمد السمّاك دار النفائس بيروت
ـ العنف السياسي: فلسفته, أصوله وأبعاده. تيد هندريش ترجمة عبد الكريم محفوظ وعيسى طنوس
ـ الررهاب الدولي: الأسطورة والواقع نعّوم شوموسكي ترجمة لبنى صبري. “سينا” للنشر