- En
- Fr
- عربي
الإرهاب بين التأريخ والتشخيص
المقدّمة
تشكّل قضية الإرهاب والتطرّف اليوم إحدى أبرز المعضلات التي تواجه الدول على اختلافها، ذلك أنّ الإرهاب لم يعد ظاهرة مجرّدة ومنعزلة، بل أضحى مشكلة تستهدف أمن المجتمعات كلّها وحياتها وسكينتها، وهو باب خطر لإشعال أنواع شتّى من الصراعات واستحضار أكثر المحطات التاريخية إيلامًا في الحضارة الإنسانية، ومواجهته تستدعي إجراء تغييرات في سلوك الأفراد والجماعات والدّول، والبيئات المنتجة للعنف.
على أنّ السؤال المهم في هذا الإطار هو: متى يصبح موضوع مواجهة الإرهاب وتداعياته موضوعًا يتجاوز النظريات وشرح النتائج، ومتى يصبح الإتجاه أكثر وضوحًا نحو إيجاد آليات وديناميات لمواجهة العنف، ويحظى بقبول مجتمعي يستفيد من حجم المآسي الإنسانية للصراعات المسلّحة، وما يترعرع بجانبها وينمو من مظاهر إرهابية؟
في المقابل، ما هي الأشكال المحفّزة لمواجهة أنماط السلوكيات الداعمة للإرهاب في مجابهة العنف الآخر الذي تمارسه السلطات أو المجموعات المهيمنة، وإرساء علاقات سليمة وأكثر فائدة في تحقيق مصالح المتنازعين وتقويض المتطرفين بينهم، وهو أمر ظهر في تجارب تاريخية عديدة عرفتها أوروبا في العصور الوسطى قبل أن تنتقل إلى حالة السلم ونِعَم البحبوحة؟
أمّا الجانب الأهم الذي يسعى هذا البحث إلى الإجابة عنه، هو: متى يتّم التنبّه إلى أنّ التسويات العادلة والمتوازنة والتي تراعي مصالح الفئات المتنازعة جميعًا تفضي إلى رحاب سلمية وتمنع الفضاء الذي يمكّن الإرهاب من الخروج من قمقمه؟
والقضية الثالثة: متى تتوقّف الدول التي لها مصالح معيّنة في دول مجاورة، عن تقديم الدعم الخارجي الملموس للمجموعات الإرهابية مهما اختلفت مسمّياتها، وتشرع من دون مواربة، عبر مواثيق أو حتى أعراف، في الكفّ عن نظرية المؤامرة التي تساق ضدّ الجار الأضعف، وإجراء إصلاحات بنيويّة في اقتصادها وبناها التحتية ومكافحة تصدير الأسلحة والعناصر وتمويل برامج تحمل مسمّيات إعانة النازحين، وهي بعكس حقيقتها، وإدراك ثقافات المجتمعات المحلية وأولوياتها.
أمّا القضية الرابعة التي يجب أن لا نسقطها في سياق تحليل هذه الظاهرة، فتكمن في البحث عن الوسائل المحفّزة لإشراك المجتمعات المحلّية والبيئات المنتجة للعنف في بناء مقوّمات السلم والديموقراطية واستعادة الحقوق ومواجهة تداعيات ما خلّفه الاستعمار من تركيبات سلطويّة هشّة ومواجهة الصراعات القبلية والعشائرية والطائفية والمناطقية.
من هنا، فإنّ أهمية هذا البحث تكمن، ليس فقط في تحديد المفاهيم التي شاعت في الكثير من الأدبيات والدراسات، والتي عجزت عن تقديم تعريف وتفسير لظاهرتي العنف والإرهاب الفردي "والدولي"، وخصوصًا عندما يتعلّق الأمر بالإرهاب السياسي الذي يمارس بقرار دولة أو مجموعة دول، إنّما تفكيك هذه الظاهرة والتوصّل إلى تحديدات لها بخلاف التحديدات العامة التي قد لا تصيب في الكثير من الأحيان.
أولًا: إشكاليات البحث
إنّ هذا النسق في طرح القضية، سوف يفتح الطريق لعملية فهم الإشكاليات وطرح مقاربات تؤدي في ما تؤدي إليه، إلى مواجهة هذه الظواهر في أبعادها التاريخية والسوسيولوجية والنفسية، ولن يتم ذلك إلّا بالإبتعاد عن الجدل العقيم حول المسببات والنتائج واقتصار الحلول على العناوين من دون التوغّل في عمق المشكلة، وابتعاد الكتّاب والخبراء عن فكرة الغوص في الجدل البيزنطي حول الأساس الفكري لانطلاقة منهجية عمل المجموعات الإرهابية المختلفة من دون إسقاط أهميّة فهم عمل هذه المجموعات وضرورتها، والتوجّه أكثر نحو فهم أعمق لتقويض كل مُعطى يؤسس لولادة الحالات الإرهابية المنعزلة منها والمتمدّدة، وهذه القضية بالتحديد تستدعي النظر في بعض الإشكاليات، وهي:
١- غرق الكثير من الباحثين في طرح قضية الإرهاب وفق المفهوم الغربي، الذي له غاياته غير البريئة، لأنّه يبتعد عن فهم الظاهرة وبيئتها التي نشأت فيه، ما يكرّس انطباعًا خاطئًا، يقوم على أنّ الارهاب ملازم فقط لديانات من دون أخرى، ولمجتمعات من دون أخرى، مع أنّ الوقائع التاريخية حافلة بالأدلة الدامغة، وتثبت عكس ذلك [1].
٢- غالبًا ما اقتصرت الأبحاث في هذا الشأن على دراسة أنشطة الجماعات مثل: "نوعية الأسلحة ، ونوعية الجماعات"، من دون النظر إلى البيئات التي هيأت الظروف لنضوج هذا الفكر، وإهمال سلوكيات السلطة تجاه معارضيها وعلاقاتها مع مواطنيها، وقضايا الأمن والانتظام العام، العدالة، التنمية الاجتماعية والاقتصادية...
٣- في دور الأطراف الخارجية التي يترتّب على تدخلاتها في خصوصيات جيرانها، نتائج كارثية تفضي إلى تدخّلات عسكرية واحتلالات واجتياحات[2].
٤- الجدل حول شرعية ولا شرعية الإرهاب: إنّ المقاربات كلّها لفكرة الإرهاب تحاول الفصل بين الإرهاب الثوري المشروع، والإرهاب العنفي المتفلّت، كما تتبنى إطارًا زمانيًا مكانيًا ينظر إلى اللحظة الآنية من عمر الصراع من دون العودة إلى التاريخ وعبره، وهو فصل متعمّد له غاياته، فيجعل من إرهاب ما إرهابًا مشروعًا ومن آخر إرهابًا مرفوضًا، وهو فصل غير علمي.
٥- الإشكاليّة المتعلّقة بالإرهاب المكاني، أي محاولة حصره في بقعة جغرافية واحدة من دون سائر المناطق من العالم، أي ملازمته للبيئة العربية وحدها، لنشهد اجتهادات تجعل من الإرهاب السّلَفي الجهادي الأخطر من دون غيره، وهذا وليد وجهات نظر ليس إلّا، وتسقط نماذج إرهابية أفرزتها المجتمعات الغربية عبر تاريخها المديد، ما يترتّب على ذلك من تشخيص خاطئ للظاهرة، وخلط غير علمي بين الأسباب الكامنة للإرهاب والنتائج التي أفرزها[3].
على هذا الأساس تبقى الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه الموضوع مقصّرة ويشوبها الكثير من النواقص، على اعتبار أنّه ليس بإمكان أي باحث أو مؤرخ أو متتبع للتطوّر التاريخي للإرهاب، رصد السيّاق التاريخي له، لأنّه أضحى متلازمًا مع تطوّر إرهاصات الفكر الإنساني منذ نشأته باعتباره وسيلة مفضّلة لدى أفراد ومجموعات ضدّ كتل بشرية مضادّة ونقيضة لتحقيق أغراضها السياسية؛ فالإرهاب بهذا الشكل هو إذًا ظاهرة ملازمة للحياة البشرية، مثلها مثل ظاهرة الحروب والأوبئة والمجاعات والنزوح القسري، ظاهرة لازمت الإنسان منذ نشأته وتبصّره بأمور حياته ووجوده، والأخطر من ذلك كلّه أشكال بقائه واستمراره ككائن.
الثابت الوحيد هو أنّ الإرهاب أضحى وسيلة من وسائل الإكراه والعنف المتفلّت من الضوابط والأعراف والقوانين كلّها، ومنتشرًا في أرجاء العالم بطوله وعرضه، لا وجود لديه لأهداف ثابتة ولا لقواعد متّفق عليها، كما لا ضوابط قانونية ولا أحكامًا، بل هناك سمات متشابهة، لذلك اتفق على تعريفه بهذا الشكل أو ذاك في القوانين الجنائية والوضعية الغربية وغيرها: "بأنّه تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف والرعب، ويكون موجهًا ضد أتباع ديانات بعينها، أو مناصري سياسات ما، أو أهداف أيديولوجية، وفيه استهداف متعمّد لشخص أو جماعة، يتجاهل بوسائله سلامة المدنيين وغير المدنيين وأمنهم، وهو أيضًا مرتبط بالأعمال العنيفة غير المشروعة، وذروته حروب الإبادة والاحتلال".
وهو إلى جانب ذلك كلّه، وفي بعض أطواره يتوجّه ضدّ الدولة ومؤسساتها، وكل النسق الاجتماعي والوضعي القائم، ويتمثّل غرضه في هذه الحالة بإشاعة الرعب والذعر لدى شخصيات مادية ومعنوية، ولدى عامّة الناس، فيقترن بالعنف غير الموصوف المتفلّت من القواعد والأصول كلّها، بما فيها: التفجير، وتدمير المنشآت العامة والخاصة، وتحطيم السِّكك الحديدية والقناطر والجسور، ومحطّات القطار والمطارات وأنفاق المترو، وتسميم مياه الشرب ونشر الأمراض المعدية والقتل الجماعي.
ويتضمّن النشاط الإرهابي مواضيع: "التنظيم، التمويل، التخطيط، التحضير، التنفيذ، كما يرتبط بالتحريض والتعبئة من أجل ارتكاب الفعل الإرهابي، وتنظيم المجموعات والخلايا وتأليفها، وصولًا إلى المشاركة والإنتماء إلى هذه المجموعات".
إنّ تجنيد الأشخاص، والتسليح، وتدريب الإرهابيين، والمشاركة الإعلامية ترويجًا وتعبئة وتحريضًا، وتأسيس القاعدة الماديّة واللوجستيّة لتنفيذ العمل الإرهابي مباشرة أو بصورة غير مباشرة، هو في لبّ العمل الإرهابي مهما تنوّعت شعاراته.
في هذا السياق يحدّد المرصد العربي للتطرّف، مسألة الإرهاب: "بأنّه كل عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية". وقسّم المرصد، الإرهاب إلى أنواع رئيسة، أبرزها:
• الإرهاب الفردي: وهو فعل يرتكبه الفرد لأسباب عديدة للحصول على مبتغاه بشكل يتعارض مع القانون والمفاهيم الاجتماعية السائدة، كجرائم الشرف والثأر وغيرها".
• الإرهاب الديني-المذهبي: يعتمد على ممارسة أساليب الإرهاب الفكري، والضّغط النفسي، التسفيه والتحقير، العنف الجسدي، التكفير الفردي أو الجماعي، الإفتاء بهدر دم إنسان أو جماعة أو طائفة لأسباب دينية أو مذهبية، وهو يعتمد أساليب التخريب، التهديد، التنكيل، التعذيب، الذبح وغيرها من الأشكال"[4].
• الإرهاب الجماعي غير المنظّم: وهو الذي تقوم به عصابات غير منظّمة لتحقيق مآرب خاصة مستخدمة أساليب التخريب والنهب والسطو المسلّح.
• الإرهاب الجماعي المنظّم :وهو الإرهاب الذي تمارسه جماعات منظّمة تموّلها وتشرف عليها مؤسسات أو هيئات، أو أجهزة مخابرات، أو دول، ذلك سعيًا لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو مذهبية.
• الإرهاب الدولي: هو الإرهاب الذي تمارسه دولة واحدة أو أكثر عن طريق تسخير إمكانياتها الدبلوماسية أو العسكرية والاستخباراتية وطاقاتها كلّها لتحقيق أهداف سياسية، بهدف الاستيلاء على مكتسبات أو ثروات غيرها من الدول، ويتّخذ أشكالًا عديدة كالضغط الدبلوماسي، الحصار الاقتصادي، استخدام القوة العسكرية، استهداف منشآت البنى التحتية، القتل المنظّم للمدنيين، الاغتيال السياسي المنظّم، الحصار غير المبرّر.
وقد استقر الرأي على القول بأنّ الرّكن المعنوي في الجريمة الإرهابية يتجلّى في غاية الإرهاب بحدّ ذاته، وهو توظيف الرعب، والفزع الشديد لتحقيق مآرب سياسية أيًا كان نوعها[5].
لكنّنا كثيرًا ما نجد أنّ هناك من يخلط دائمًا بين الإرهاب والعنف السياسي، ذلك أنّ كلاهما في مكان ما يرمي إلى تحقيق أهداف سياسية وغايات يجب أن يتم إخضاعها لصفة النبل، فالعمل الإرهابي يهدف إلى تحويل الأنظار إلى قضايا تهم الإرهابيين، بينما القيّمون على العنف السياسي يهدفون إلى تحقيق أهداف إزاحة خصومهم في السياسة، والتحريض، وممارسة ما يسمح وما لا يسمح به القانون واستغلاله.
لقد شهد الإرهاب أشكالًا مختلفة وتركّزت دوافعه في نواح سياسية وأخرى اجتماعية، وظهر تواطؤ العديد من الحكومات، وضلوعها مع منظّمات وشبكات إرهابية، وتعاونها التام معها لتقويض الاستقرار في دول مجاورة، أو بين فئات اجتماعية ومواطنين من دول أخرى أو ممارسة ابتزاز الدول للحصول على مكاسب معيّنة، بحيث انتشرت الشبكات عبر العالم، من خلال تمويل الدول والاستفادة من الإنترنت، وجمع المعلومات والتزوّد معدّات تقنيّة متطوّرة .
ووفق المادّة السادسة من نظام محكمة "نورنمبرغ"، يصنّف الإرهاب باعتباره جريمة ضدّ الإنسانية، لأنّه يعتمد القتل العمد مع سبق الإصرار، كما الإفناء والاسترقاق، وهو كل فعل لا إنساني يرتكب ضدّ السكان المدنيين، وكل اضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية إثنية[6].
ويدخل في هذا السياق مفهوم الإبادة الجماعية سواء أكانت إبادة كليّة أو جزئيّة، أو قتل أفراد أو مجموعة، وإخضاعها بصورة عمديّة لظروف حياة تؤدي إلى الإفناء الجسدي، ونقل الأولاد قسرًا، وفرض إجراءات تهدف إلى إماتة الجنس البشري، والحد من النسل، نشر العدوى الاصطناعية، إهلاك الناس، والقرصنة أي مهاجمة السفن، والاستيلاء على الطائرات المدنية، وكسر الحصار المفروض على دولة، والإضرار بالأسلاك التلغرافية والسلكية والكابلات البحرية، وتجارة الرقيق والمخدرات، والتجسّس أو التآمر ضدّ مصلحة الدولة أي نقل كل أنواع المعلومات التي تلحق ضررًا بأمن البلد القومي، ونقل المواد المشعة وغيرها، والهجوم الإلكتروني، وكلّها جرائم إرهابية يحاسب عليها القانون الدولي"[7].
إلى ذلك قد تتوسّع دائرة النشاط الإرهابي إلى ما هو خطر وفتّاك، حين تستطيع الجماعة المتطرّفة تحقيق بعض الانتصارات، أو تمتلك وسائل العنف والقوّة غير التقليدية، وعندها نراها تلجأ - سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي أو الدولي، إلى استخدام الإرهاب الفكري أو النفسي أو المادي وكل ما هو مسوّغ وغير مسوّغ، ضدّ كلّ من يقف عقبة أمام تحقيق أهدافها[8].
بناءً على هذه المعتقدات التي تتحوّل إلى دوغمائيات وباراديغمات وجمود فكري، يتم في خلاله غسل أدمغة الأفراد كما الجماعات الإرهابية من خلال تنمية اتجاهات بالغة السلبية إزاء مجتمعاتهم ودولهم من ناحية، والتشجيع على عملية الانقلاب العنيف عليها.
إنّ الطريقة الفضلى لتحقيق ذلك تجري من خلال برنامج للحشد والتعبئة عبر تغذية مشاعر أعضاء الجماعات الذين تم تجنيدهم بكراهية الواقع الاجتماعي الذي يعيشون فيه، تمهيدًا لإقناعهم بإستراتيجية الانقلاب على الأوضاع، وإقناعهم بالقيام بالأفعال الإرهابية المنوط بهم تنفيذها[9].
إنّ الإقرار بوجود ظاهرة الإرهاب كأمر طبيعي، ليس هدفه التقليل من حجم المشكلة وخطرها، وإنّما وضعها في سياقها الصحيح الذي يساعد على فهمها. وكونها ظاهرة طبيعية لا ينفي عنها صفة أنّها ظاهرة مرضيّة لا صحيّة. وإذا كان القضاء عليها بصورة مطلقة مطلبًا صعبًا، فإنّ الحدّ منها وتقليص أخطارها وآثارها السلبية على المجتمعات يبقى أمرًا مطلوبًا بصورة مستمرّة.
ثانيًا: مجتمعات الإرهاب وبيئته
الثابت في تحليل الظواهر الإرهابية أنّ الكثير من الممارسات المتشدّدة في العالم العربي يجد من يؤيده ضمنًا، كما أنّه من المؤسف أكثر أنّ هناك "لوبي" يعمل بهدف الإساءة إلى صورة المشرق والعرب بكل أطيافه، عاداته وتقاليده ودياناته وأسس مجتمعه، لنجد أنّه يحتكر وسائل إعلام ودعاية ويستثمر في مراكز بحوث تعمل ليلًا ونهارًا لتحقيق هذا الغرض، ويجنّد مفكّرين بهدف العمل على إشاعة صورة سوداوية قاتمة مظلمة غير حضارية عن عالمنا العربي، وهو يتجاهل الكثير من مظاهر التطرّف التي بدأت تجتاح عددًا من الدول الغربية التي نجحت فيها أفكار وأحزاب سياسيّة متطرّفة في زيادة رقعة حضورها الشعبي وتأثيرها السياسي في فرنسا مثلًا، إلى النازييّن الجدد في ألمانيا، والمحافظين في الولايات المتحدة الأميركية إلى البوتينيّة كمظهر شاذ للتدخّل الخارجي.
لقد عجزت المجتمعات العربية عن اجتراح آليات الخروج من هذه الظاهرة، لذلك لا يمكن القول أنّ الإرهاب هو مشكلة تلقّحت بها مجتمعاتنا العربية من جينات غريبة أو دخيلة أو مستوردة، بل الأصح القول أنّه يحمل بذورًا تاريخية. وتنتشر على أرضنا التربة الخصبة لتمدّد هذه الأفكار بفعل التمزّق والصراعات التي حصلت منذ أن تشّكل هذا العالم العربي، وما تعرّض له من حملات وغزوات وفتوحات، وإلى أنّ يتجاوز هذا العالم سلسلة عقده التاريخية، فإنّ هذا المسار لم تنجُ منه أوروبا والغرب في أزماتهما التاريخية الأكثر حرجًا.
أمّا اليوم، فنرى كيف تتمّ محاولة طمس وقائع تاريخية دموية، وتشويه الكثير من الصفحات السوداء التي جرى في خلالها إبادة ملايين البشر في جميع القارات.
لقد تحوّل الإرهاب بحجم انتشاره وتمدّده واختراقه للحدود والجغرافيا السياسية، إلى ظاهرة لا يمكن حصرها وحصر نتائجها وتداعياتها وآثارها في إطار معين، بل تحوّلت إلى أكثر الحالات خطرًا على البشرية وعلى النظم الاجتماعية والسياسية، ومقوّضًا فعليًا للقيم الأخلاقية والدينية والحضارية للمجتمعات الإنسانية، بل أصبحت الآفة التي باتت تحتاج إلى جهود جبّارة للقضاء عليها واستئصالها.
ثالثًا: الإرهاب المعاصر
هذا وحفل التاريخ المعاصر بالكثير من التجارب العنيفة التي مارستها مجموعات إرهابية اعتمدت خلالها على أساليب فتّاكة وغير اعتيادية لتحقيق أهدافها. ويقسّم الخبراء والمتخصّصون في علم الإرهاب المعاصر، هذا الإرهاب إلى نحو مئتي نوع، أمّا الأكثر انتشارًا فهو:"الإرهاب السياسي، الإرهاب العرقي– القومي، الإرهاب الديني، الإرهاب الجرمي".
إلى ذلك صبغت بعض الحركات الإرهابية أسلوبها بطابعها الخاص، الذي أصبح امتيازًا لها من دون غيرها... فالحرب الإيرلندية مثلًا في العام 1922 والتي خاضها الجيش الجمهوري الإيرلندي، لوّنت مفاهيم الإرهاب بثلاثة مصطلحات جديدة، من بينها: الإرهاب الإنتقائي، والإرهاب المستمر عبر الزمن، وعمليات الخليّة[10].
ويقصد بالإرهاب الانتقائي مجموعة الأفعال الإرهابية التي تنفّذ ضدّ رؤساء الدولة لإجبارهم على الرحيل من البلاد أو السلطة، حيث أصبح لاحقًا يمارس بحق المدنيين والموظفين غير الرسميين في الدولة. أُضيف أيضًا إلى سلسلة تطوّر استخدام الإرهاب كوسيلة، انتشار مبدأ يعتمد على فكرة أنّ إحداث تغيير ما في المجتمع، لا يمكن أن يتم، إلّا باستمرار أفعال الإرهاب لفترة طويلة من الزمن، ذلك أنّه ومع مرور الأيام، ستنكسر إرادة الدول المستهدفة وحكّامها، وفي نهاية المطاف سوف يسعى هؤلاء السادة الحكّام للفرار والبحث عن مكان آمن يلجأون إليه.
أمّا بالنسبة إلى إرهاب الخليّة فقد ألغت المركزيّة في تنفيذ الأعمال الإرهابية، ما حال دون اكتشاف موقع منظمة الإرهابيين وتدميرها، ذلك أنّ لكل خليّة هدفًا أو موضوعًا خاصًا بها، وكل خليّة تعلم عدد أعضائها ومهمّاتها الخاصة بها.
في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية استمر الإرهاب الثوروي المنظّم كأداة لإنجاز مهمة التحرّر الوطني، ولإنهاء حكم الاحتلال والانتداب والاستعمار في دول العالم الثالث، فتحوّل الإرهاب الإنتقائي من استهداف للمسؤولين في الدولة إلى استهداف المدنيين المتعاطفين مع الاحتلال والعملاء والمخبرين.
وفي أواخر العام 1960 دخل الإرهاب مرحلة جديدة من التطوّر والاستخدام. ففي ذلك العام توسّع نطاقه ليضحى دوليًا، وتركّز نشاطه في الشرق الأوسط بين خطف طائرات، وتفجير سفارات، وخطف دبلوماسيين. في حرب 1967 التي هزمت فيها إسرائيل العرب، واستولت فيها على مرتفعات الجولان، والقدس الشرقية، والضفّة الغربية وقطاع غزة، وصحراء سيناء، انتهى استخدام الحرب التقليدية، ونشأت الحركات التحررية الثوروية لمواجهة إسرائيل المحتلة (عمليات منظمة التحرير والجبهة الشعبية وغيرها من الفصائل).
وعلى العموم مهما اختلفت التقويمات وبرزت التعليلات، بشأن مشروعيتها أو لا مشروعيتها، ولا سيّما نوعيّة الفعل الإرهابي وتأثيراته، فإنّه من الواضح تمامًا أنّ المجموعات والمنظّمات الإرهابية تتبنّى أفكارًا وتصوّرات متشدّدة قوامها رفض النظم والمؤسسات والمجتمعات وعدم الاندماج فيها والسعي إلى تقويضها واقتلاعها، لأنّها جماعات تعيش على هامش المجتمعات وترفض الانخراط فيها أو الانصياع لنظمها القانونية والاجتماعية والثقافية، فضلًا عن أنّها تعمل للعنف والتشدّد كوسيلة لتحقيق ما تؤمن به من أهداف وتصوّرات، على أنّ أغلب أعضاء هذه التنظيمات هم من فئة الشباب[11].
إنّ تزايد دور هذه المجموعات وتصاعد وتيرة عملها الإرهابي وزيادة نوعيّة هذه العمليات وحدّتها وحصولها على أسلحة غير تقليدية حينًا وتقليدية حينًا آخر، واستخدام الترويع والتخويف، تظهر أنّ هناك مخاوف من أن تتمكّن جماعات التطرّف وبالأساليب التي قد تستخدمها من الوصول إلى كوارث لا يمكن تصوّرها، ما سيكون له تداعياته ونتائجه الخطيرة، عبر تقويض المجتمعات وصولًا إلى استخدام أساليب محدّثة وابتكارها في الهجمات الإرهابية كالهجمات الإلكترونية والكيميائية والبيولوجية.
ولا شكّ أنّ الأكثر انتشارًا اليوم هو الإرهاب التكفيري الذي يمكن تسميته "بالإسلام الحركي"، غير المحصور في الزمان والمكان المحدّدين تحت شعار الجهاد العالمي، والذي انتشر بعد كسر حواجز الخوف ضدّ الأنظمة السياسية التي مارست أشكالًا من العنف على مجتمعاتها، بل أصبح الجهاد محاولة لإرساء البديل السلطوي، فذاع صيته وانتشر بعيد الحرب الأفغانية التي أظهرت إمّا تورّط أو قصور الأجهزة الأمنية عن ملاحقة هؤلاء، وإمّا تجنيدهم بغية إبعادهم[12].
فبالإضافة إلى الاعتماد على التعبئة الدينية كوسيلة لهزيمة ما سمّي بهمجية الدول الكبرى، والتي انتشرت بعيد ما أحدثه الخواء الفكري - الأيديولوجي إثر انهيار النّظم القومية والاشتراكية وتقويض حلف وارسو، ما سمح بتبرير إقامة الإمارات والدول القائمة على الشريعة كقانون ودستور كهدف لأي جهاد في بقعة جغرافية محدّدة، انتشرت بقوّة فكرة الشباب المجاهد من كل بقاع الأرض على الساحات المفترضة في أفغانستان والشيشان وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين ومصر...
رابعًا: التقسيم المعتمد للإرهاب
قسّمت غالبية الدراسات التاريخية في العلوم السياسية والاجتماعية، الإرهاب إلى أنواع، أبرزها:
• الإرهاب السياسي: الذي يعتمد التهديد باستخدام العنف ضدّ رموز سياسية ويهدف إلى تغيير النظم الدستورية القائمة ويسعى في الغالب إلى استقطاب الرأي العام وجذبه بالاستناد إلى الدعم الكامل ذلك أنّ عزلته عن بيئته تعني مقتله، كما يلجأ في الغالب إلى استخدام الإعلام كوسيلة للتعبير عن هويته. لقد عانت أوروبا عقدًا من الزمن النشاط الإرهابي، حيث عملت مجموعات إرهابية أوروبية وشرقية متوسّطة مع بعضها لجلب الاهتمام باتجاه القضية الفلسطينية. ففي ألمانيا تحالفت جماعة الجيش الأحمر ذاته(جماعة ألمانية) مع جماعة أيلول الأسود(جماعة فلسطينية)، وفي فرنسا تحالفت المجموعة الثوروية للعمل المباشر(جماعة فرنسية) مع جماعة الجيش الأحمر وفرق الجيش الأحمر(جماعة ايطالية)، وفي اليابان تحالف الجيش الأحمر الياباني مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبحت كوبا أرضًا لتدريب الجماعات المختلفة.
• الإرهاب العرقي - القومي: يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى الممارسات الإرهابية العنيفة التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معيّنة من البشر بشكل مختلف وقهرها وإبعادها، وذلك باللجوء إلى استخدام العنف لتبرير التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية تبرر شعور فئة بالتفوّق عبر سلوك إقصائي يعتمد التمييز بين البشر على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي، حيث يتم إبراز الفروق الجسمانية بين المجموعات المختلفة، والإثنية والثقافية، ويهدف هذا الإرهاب عمليًا إلى ممارسة أعمال انفصالية وتهديد وحدة أراضي بلد معيّن بالدعوة إلى الاستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي. إنّ أبرز مثال على ذلك ما نجده في الأعمال العنيفة للجيش الجمهوري الإيرلندي، وحزب العمال الكردستاني، ومنظمة "إيتا" في إيطاليا، والباسك في إسبانيا، والتمرّد في الشيشان الذي أدّى إلى عمليات إرهابية في المدن الروسية (بيسلان، مسرح موسكو)، الصرب ضد الكروات والبوسنيين، والصراع في كوسوفو، وجبهة تحرير "كيبيك" في كندا، "التاميل" في سيرلانكا، وأونيتا في أنغولا.
• الإرهاب الديني: هو الإرهاب القائم على أساس دوافع وأهداف يغلب عليها الطابع الديني. ويحتلّ مكانة مهمة وحسّاسة خصوصًا في خلال العقدين المنصرمين، إذ تشير الدراسات في هذا المجال إلى أنّ الباعث الديني "بشكل عام" كان العامل الرئيس للإرهاب حتى بداية القرن التاسع عشر الميلادي؛ وليس هناك أدنى شك في أنّ الإرهاب الديني يحمل طابعًا عقائديًا وهو ثمرة ونتيجة للتشدّد والغلو، وهذا التشدّد يرجع إلى أنّ هؤلاء المتشدّدين يأخذون من الفقه ومن الشرع حَرْفيته، ويقفون عند اجتهادات الأولين، والجمود على متون النصوص، من دون الرجوع إلى النصوص الكلّية للشرع، وتحرّي مقاصده وغاياته، وتحقيق مصالحه العامّة وتلمّس روحه ومضمونه، والبحث عن حكمه ومغزاه.
إنّ هؤلاء المتشدّدين في الدين يفرضون أفكارهم وآراءهم ظنًّا منهم أنّهم على صواب، وفي المقابل لا يقبلون رأيًا مخالفًا لهم، فهم يطبّقون مقولة "من ليس معنا فهو ضدّنا"، وهو ما يؤدي إلى انتشار ما يسمّى "الإرهاب الفكري". ومن هنا يمكن القول بأنّ هناك علاقة وثيقة بين الإرهاب الفكري والتشدّد الديني؛ فالتشدّد والغلو في الدين يؤديان إلى الإرهاب الفكري، الذي يفضي إلى الإرهاب الجسدي (قتل وتدمير وتخريب وتخويف الأبرياء). تثبت التجارب أنّ المنظّمات والحركات الدينية ارتبطت وريديًا بالحركات الإنفصالية، كالحركات الإنفصالية في كشمير، وتنظيم القاعدة وطالبان، حركة أبو سيّاف، أنصار الإسلام في العراق، عصبة الأنصار، حزب التحرير، أرومسينريكي في اليابان.
• إرهاب الجريمة: يتحدّد على أساس قيام مجرمين بواسطة العنف بتصفية خصومهم وإبادتهم وتكون الجريمة مستوحاة من تجارب تنظيمات إرهابية ولكن بهدف جرمي... عمليًّا إنّ من يمارس هذا النوع من الجرائم المنظّمة، هم العصابات من منشأ عرقي واحد في الغالب، مستخدمين الترهيب كوسيلة فعّالة لإخافة ممثّلي السلطة وقوى النّظام العام وتصفية أهدافهم بالإعتماد على الخطف والاغتيال والقتل وفرض الخوات على منافسين في مجال المال والأعمال، أمّا أبرز أشكاله فتكون عبارة عن جرائم منظّمة مدفوعة الأجر عبر قتلة محترفين... وأبرز مثال "المافيا الإيطالية والكولومبية والروسية".
وغالبًا ما نلحظ أنّ المنظّمات الإرهابية كثيرًا ما تلجأ إلى هذه العصابات كي تمارس أدوارها، فتحلّ محلّها وتقوم بتمويلها واستخدامها. والعكس صحيح إذ أنّ هناك الكثير من العصابات كثيرًا ما تطرح شعارات عامّة سياسية وتغطّي نفسها بهذه الأضاليل كي تحوز اهتمام وتأييد وجذب مناصرين لها، ولكنّها في واقع الأمر عصابات ترتدي أزياء ثوروية بشعارات فضفاضة براقة. هذه المجموعات تتعاون مع قريناتها من دول أخرى تمارس الإرهاب السياسي والإيديولوجي وتتخفّى أحيانًا وراء مطالب سياسية[13].
يمكن إدراج عصابات سرقة التحف والآثار الفنيّة والسيارات، والقرصنة البحرية وتهريب المهاجرين غير الشرعيين والإتجار بالبشر ضمن هذه المنظومة.
• الإرهاب البيولوجي الوبائي: يتلخّص في محاولة استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية (ما سمّي بهجمات ورسائل الجمرة الخبيثة، الكوليرا، الطاعون، فقدان المناعة)، نشر الفيروسات المختلفة (الجدري)، والمواد الإشعاعية المخصّبة، ويعمل للإستيلاء على أسلحة مختلفة ومصانع ومؤسسات تصنيع للمواد السامة والخطرة (الإرهاب الكيميائي يهدف إلى تصنيع مواد كيميائية كغاز السيرين والخردل والكلور)، والتي تشكّل خطرًا غير مسبوق على حياة المدنيين الآمنين وقد استخدمت ذلك منظّمة أو طائفة "أوم اليابانية في الهجوم على نفق طوكيو في العام 1995، ولذلك فإنّ هذا النوع من الإرهاب يحمل أهدافًا سياسية.
• الإرهاب المعلوماتي: ويهدف إلى استخدام جميع المصادر المعلوماتية من وسائل التواصل الإجتماعي وسواها من أجل التخويف والحرب النفسيّة والتضليل والتجنيد لأغراض تعبويّة - تحريضيّة وسياسية. غالبًا هو قليل الكلفة مقارنة مع غيره، أمّا أهدافه فهي إلحاق أضرار بأنظمة الهاتف والاتصالات والقيادة والسيطرة، أو اللجوء إلى "Cyber terrorism" (قطع شبكات الاتصال في المؤسسات واختراقها وقرصنتها وتعطيل أنظمة الدفاع الجوي وإخراج الصواريخ عن مسارها والتشويش واختراق النّظام المصرفي وشلّ حركة الملاحة الجوية وشبكات الطاقة المختلفة).
• الإرهاب الدولي: يهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن الدوليين وإلحاق الأذى بالمجتمع الدولي، ولا شكّ في أنّ الانقسامات الدولية والنزاعات تسهم إلى حد بعيد في انتشار هذا النوع من الإرهاب وتمدّده، وأنّ العامل الرئيس في ذلك يكمن في تعاضد المنظمات الدولية وتعاونها وتحالفها بما فيها العصابات المنظّمة.
إنّ عولمة الإرهاب أدّت في ما أدّت إليه إلى ولادة منظمات إرهابية عابرة للقارات، وأسهم في ذلك الدعم الذي تتلقّاه هذه المجموعات من دول ولوبي مالي نافذ لتحقيق أغراض محددة. وبعد انهيار الإتحاد السوفياتي نجد أنّ نشاط هذه المجموعات توجّه نحو الولايات المتحدة وروسيا وبلدان أوروبا التي أصبحت العقبة الرئيسة في مواجهة هذه التنظيمات في سعيها لتوسيع تأثيرها على مجتمعات ودول محدّدة.
إنّ أخطر ما في هذه المشكلة هو وجود دول راعية للإرهاب الدولي، دول مدرجة في القائمة ويفرض عليها عقوبات صارمة أحادية الجانب، من بين هذه الدول المدرجة في اللائحة إيران والسودان وسوريا وكوبا وغيرها. وقد بدأ إصدار القائمة في 29 كانون الأوّل 1979 حيث اتّهمت بعض هذه الدول بدعمها للجماعات الإرهابية وتهريب الأسلحة، وتوفير غطاء لعمليات استخباراتية، وخلق حالة من عدم الاستقرار وزرع الإرهابيين ودعمهم، وتوفير الأسلحة والتدريب والتجهيز والتمويل[14].
• إرهاب الذئاب المنفردة: برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة الهجمات الإرهابية التي ينفّذها أفراد. فمنذ ما يقرب السنة ونصف السنة انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ظاهرة الذئاب المنفردة، وكانت السمة البارزة لهذه الهجمات أنّ أغلبها كان ينفّذ بطريقة صلفة ودموية وفي الغالب أمام الكاميرات والشاشات، الأمر الذي دفع موقعًا إلكترونيًا يسمّى "الخلفيّة العلميّة للسّلوك الإرهابي" إلى نشر دراسة دقيقة حول كيفية تحول بعض الأفراد إلى ذئاب منفردة تقوم بعمليات إرهابية وسط المجتمعات، من دون أن يتنبّه إليها أحد وقد طرحت الدراسة مجموعة من المؤشرات على تصاعد ظاهرة الذئاب المنفردة، إذ أشارت إلى أنّ هجمات تلك الذئاب آخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة والعديد من الديمقراطيات الأوروبية الغربية (مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا)، وهي الدول التي شهدت وفق إحصاء هذا المرصد ما يقرب من مئة وثماني وتسعين هجمة إرهابية نفذتها الذئاب المنفردة، في الفترة الواقعة بين الأعوام (1970-2000)[15].
يمكن الإشارة إنطلاقًا ممّا تقدّم إلى أنّ تقسيم بعض خبراء الإرهاب المعاصر الهجمات الإرهابية إلى أربعة أنواع ، وفق اتصال منفّذيها بشبكة إرهابية أو أكثر، يصبح تقسيمًا واقعيًا ومنطقيًا، وإن كان يحتاج إلى تدقيق وتمحيص ومتابعة، وإلى عناصر ابتكار جدّية في تتبّع أشكال هذه الهجمات وما تهدف إليه، كل ذلك من أجل فهم أفضل لأسباب التشكّل والتكوين والتأثير والفعل لهذه المجموعات، فالعالم اليوم قلق وخائف جديًا من هذه الظواهر، مع تكرار ظاهرة الحروب المحلية والتوغّل في العنف والدمار والتهجير والتطهير العرقي وتفريغ المناطق، ولذلك فإنّ هذا التقسيم يبقى الأكثر ملامسة للواقع والتجربة:
1- الفئة الأولى تضم الهجمات التي يكون منفّذها قد تلقى تدريبًا لدى التنظيم أو الجماعة الإرهابية.
2- الفئة الثانية تضم منفّذي الهجمات الذين يتواصلون مع مخطّطين للهجمات لدى تلك التنظيمات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهي الأكثر رواجًا اليوم.
3- الفئة الثالثة وتضم منفّذي الهجمات الذين يتواصلون مع إحدى الجماعات المسلّحة عبر شبكة الإنترنت، لكنّهم لا يتلقّون تعليمات محدّدة عن الهجوم وموعده بل تترك لهم حرية التوقيت وطبيعة المهمة.
4- الفئة الرابعة وهي تضم هجمات الذئاب المنفردة، التي تنفّذ هجماتهما من دون الاتصال بأي شبكات إرهابية سواء على الإنترنت أو على أرض الواقع، وهي مأخوذة بأفكار ثأرية انتقامية[16].
خامسًا: لبنان والإرهاب
لا شكّ في أنّ لبنان شهد موجات عدّة من التطرف والإرهاب، وتحديدًا منذ بداية السبعينيات حيث برزت فيه أنماط من الإرهاب قلما عرفها التاريخ المعاصر لهذه الدولة التي تآكلتها الحروب ومزّقتها الانقسامات، حتى دخل تعبير "اللبننة" كمصطلح استخدم على نطاق عالمي للدلالة على حجم الصراع الداخلي وآثاره التي احتدمت، وأخذت أشكالًا خطيرة، واستخدمت فيها وسائل وأساليب شتى، إذ شهد العنف السياسي في تلك الفترة أشكالًا عدّة ومظاهر رهيبة بأنواعه طائفية ومذهبية، ومناطقية وأهلية... فانتشرت أعمال الخطف والقتل والاغتيال وخطف الطائرات وتفجير السيارات والإبادة الجماعية، وقد خلّفت الحرب آلاف المفقودين والمعوّقين والجرحى.
وإذا كان موضوع بحثنا لا يهدف إلى الاستدلال على المسارات التاريخية لمجريات الصراع اللبناني الداخلي، فإنّ هناك الكثير من المؤلّفات والموسوعات التي تناولت هذه الحقبة، لكن لا بدّ من التوقّف عند أنماط مستجدة خصوصًا في العقدين الأخيرين، من جرّاء عدم القدرة على إجراء إصلاحات بنيوية في النّظام وفي فلسفة المجتمع اللبناني الطائفي، من شأنها أن تخفّف من مكامن الإرهاب المحلي والمستورد، إضافة إلى السعي لمنع تحوّل لبنان إلى مصدر ومصدّر للإرهاب للقتال في ساحاته الإقليمية كلّها، والإلتحاق بكل المنظومات الإرهابية يسارها ويمينها، الأصولي منها والجهادي، خصوصًا وأنّ هذا الارهاب الذي ارتدى ثوبًا آخر بُعيد حرب مخيّم نهر البارد والذي حوّل لبنان من أرض نصرة إلى أرض جهاد، إرهاب نهل مصادره من حركة الشّباب المجاهدين في أفغانستان، وتأثّر بعض الشباب اللبناني في السّبعينيات والثّمانينيات بفكر حسن البنّا وسيد قطب، إرهاب يتغذّى من التجييش الأعمى لبعض خطباء المنابر للقتال في الساحات كلّها من سوريا إلى بلوشستان.
ولأجل ذلك يبقى بحثنا قاصرًا غير مكتمل، من دون النظر إلى كل أشكال تجلّيات الإرهاب في لبنان، إلّا أنّ تمدّد الحركات الجهادية وتوسّعها وتوسّع دائرة نشاطاتها في الآونة الأخيرة بات أمرًا مقلقًا ولافتًا ويحتاج إلى تروٍّ في بحث مكامنه، خصوصًا بعد غزو العراق، وبدء الثورة السورية، والنزوح السوري وتورّط أطراف لبنانيين في الصراع السوري الداخلي من مختلف المشارب، وسعي الحركات المنضوية في ظل هذه الشعارات إلى استخدام ساحات شتّى لانتشار أفكاره وفق الحاجة والمتطلّبات، فتحوّلت إلى حركات ملتبسة يدور حولها الكثير من الشبهات بما خصّ أدوارها، والجهات المغذّية والمموّلة، فلا يمكن إسقاط الاتهامات الكثيرة بحق هذه الدولة أو تلك حول أدوارها في إطلاق هذه الحركات واستخدامها في لبنان وخارجه (مجموعة شاكر العبسي وفتح الإسلام في مخيّم نهر البارد، الدولة الإسلامية في العراق والشام، الحركة الإسلامية الصومالية، وغيرها من المجموعات الأخرى)، فتعاظم دور هذه المنظّمات وأصبحت عامل تفجير خطير، ومركز استقطاب للكثير من الذين استهوتهم فكرة قتال الشيطان الأكبر وأدواته في أي ساحة وأينما كانت، خصوصًا خلال السنوات الثلاث الماضية.
على هذا الأساس دخل لبنان في حلقة العنف وتحوّل إلى مركز نشاط لهذه المنظمات فنشطت الجماعات الإرهابية فيه، على الرغم من أنّ تيارات الفكر الجهادي - السلفي التي ظهرت في الخمسينيات، لم تستطع أن تبني شعبية حول طروحاتها، ولم تستطع مأسسة نفسها ومرد هذا الفشل يعود أساسًا إلى عدم التحاق قسم كبير من أبناء الطائفة السنّية المتمركزين في المدن الرئيسة (بيروت، طرابلس، وصيدا)، إضافة إلى التنوّع والإختلاط في الأرياف السنّية[17].
ويطرح الباحث سعود المولى على سبيل المثال في معرض تحليله لأسباب ضعف هذه الحركات ووهنها، إشكالية تحوّل طرابلس كمدينة هي أشبه بالمهد لهذه الحركات، مبينًا الأسباب التاريخية والإجتماعية لهذا النشوء، ويسأل: لماذا كانت طرابلس بالذات هي مهد نشوء الحركة السلفية، كما كانت مهد نشوء الجماعة الإسلامية وحزب التحرير وحركة التوحيد وغيرها من الحركات الإسلامية السياسية؟
يجيب المولى بأنّ خصوصية طرابلس تعود إلى أسباب تاريخية سوسيولوجية، فطرابلس المرتبطة اقتصاديًا وتجاريًا بالداخل السوري الذي لا ترضى أبدًا بفصل لبنان عن سوريا، وبقي ذلك الموقف ظاهرًا وخفيًا في آن معًا أساس الكثير من الأمور، مثل وجود نقابات مهن حرة في طرابلس مستقلة ومنفصلة عن بقية نقابات لبنان الموحدة في نقابة واحدة مركزها بيروت.
ويضيف: كانت طرابلس مركزًا للحركات المطالبة بالوحدة مع سوريا في العشرينيات والثلاثينيات، واستمرت على هذا الموقف حين رأت البرجوازية البيروتية ضرورة الاستقلال اللبناني بعد العام 1936 [18].
وبعد أحداث الضنية الشهيرة والتي شهدت اشتباكات بين الجيش وقوى الأمن من ناحية وبين بعض المعارضين من ناحية أخرى، حيث كان معظم عناصر مجموعة الضنية من المنتسبين فكريًا إلى السلفية، جاء توسّع هذا الفكر على حساب العديد من التنظيمات الإسلامية. إلّا أنّه بات لاحقًا من دون مرجعية حيث هناك أكثر من جمعيّة وأكثر من أمير حاولوا تنطّح هذه المهمة، فتقاسموا الحالة السلفية بحسب المنطقة والمسجد والحي، وإن جرت مؤخرًا محاولة لإعادة التوحيد عبر رابطة تضم جمعيات هذا التيار ورموزه ومعاهده، وهناك إتحاد يضم جمعيات ومعاهد ورموزًا سلفية[19].
بعد أحداث مخيّم نهر البارد ودورات العنف في طرابلس وغيرها من المناطق، شرّعت الأبواب أمام توسّع الحركات المتطرّفة، وذلك على خلفيّة الاحتقان المذهبـي، فظهرت الحركة السلفية التي بقيت في إطار الدعوة، وسعت إلى مقاتلة الجيش.
أغلب الظن، فإنّ هذه الحركات تبقى حركات معزولة ولا قيمة فعليّة لها وغير فعّالة، وفعاليتها تتبدّى فقط في وجود الدعم اللوجستي والمادي، وهي شروط يمكن توفيرها عبر مصادر متنوّعة وأجهزة إقليمية وحتى دولية إضافة إلى الدعم المالي الذي قد توفّره جماعات مختلفة من الداعمين والمسلمين والهيئات المختلفة التي يتم استيلادها كالفطر وهي جمعيات مظهرها إنساني - ديني بحت، وبعضها في جوهره له خلفية تنظيمية لشبكات تستطيع التخريب وممارسة الإرهاب، كما لها مصادرها الخارجية من قبل المؤيدين والمناصرين المنتشرين في دول عدّة، وتلفت مصادر مختلفة إلى تلقّي هذه الحركات الدعم من جمعيات شقيقة غير رسمية، أي لا تحمل الطابع الرسمي، إلى جانب جمعيات وشخصيات منتشرة عبر العالم.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المجموعات تبقى تحت الرقابة، وتبقى دينامية حركتها واضحة، على الرغم من التأثيرات الكثيرة التي تتركها في بيئتها، والتي تؤدي في الغالب إلى لجوء بعضها إلى تبنّي الفكر الجهادي والدعوة إلى القتال في ساحات الجهاد المختلفة، كل ذلك على الرغم من أوجه الاختلاف في ما بينها، وظهور تناقض صوري وأحيانًا بنيوي في عقيدتها، ومحاولتها أن تنأى بنفسها عن فكر القاعدة أو لاحقًا "داعش"، ولكن مقارباتها تتماهى مع شعارات بعض التنظيمات المتشدّدة (الموقوفين الإسلاميين، التحريض الصريح والخفي والمبطن ضدّ الجيش، التشكيك بالدولة).
هذه الظواهر وغيرها، تشير إلى أنّ التحديات السياسية والأمنية آخذة بالتحوّل إلى أولوية في عمل الأجهزة المختلفة، وهي موضع مراقبة واهتمام من أجهزة عربية ودولية ترى فيها عامل تفجير لا بدّ من تقويضه ولجمه، خصوصًا وأنّ عناصر جديدة ستدخل على وقع التداعيات التي أطلقتها الأحداث السورية في لبنان.
سادسًا: ماذا عن تنظيم "داعش"؟
لقد سبق للدولة اللبنانية أنّ سجّلت في تقاريرها، مغادرة عشرات الشبان للإلتحاق "بداعش" وسواه، منهم من حمل سلاح "الدولة الإسلامية"، ومنهم من نفّذ عمليات إنتحاريّة في الموصل، وقسم آخر لا يزال ينتظر.
حتى فترة غير بعيدة اقتصر عمل "داعش" في شمال لبنان على تأمين خروج عشرات الشبان. هم يدخلون مدرسة للإعداد الفكري والتثقيف الديني، ويخضعون لدورات عسكرية ويُمنعون من العودة إلى لبنان حتى لا يجري توقيفهم، ويرجح أنّ من يقوم بأعمال التجنيد هم أشخاص من جنسيات سورية وعراقية وفلسطينية.
اليوم هناك نقاش واسع حول وجود القاعدة في لبنان، فالبعض يضخّم والبعض يقلّل من أهميّة هذا الوجود، إلّا إنّه من الثابت أنّ وجودها خارج المخيّمات الفلسطينية في لبنان غير معروف وهو عرضة للملاحقة المتواصلة من قبل قوى الأمن والجيش، التي نجحت في الكشف على العديد من الشبكات. لكن الأمر يبدو مختلفًا داخل المخيّمات الفلسطينية، حيث يمكن القول أنّ الإسلاميين هناك، مخترقون من قبل تنظيم القاعدة بأسماء متعدّدة، كما أنّهم مخترقون من قبل أجهزة استخبارية إقليمية متعدّدة لاستخدامهم في الصراعات اللبنانية الداخلية وتوظيفهم فيها، وهذا الاختراق في حالتيه يشكّل تهديدًا خطيرًا للأمن الوطني والوحدة الوطنية اللبنانية على مدى طويل[20].
إنّ الجهد الكبير الذي يبذل لتقويض هذه المجموعات التكفيرية-الجهادية واستئصالها في مهدها قد يفرض عليها تكتيكات مختلفة ومتنوّعة، يتراوح بين العنف والإرهاب بأوجهه التي نراها، وهي ذات بعد ترويعي، وصولًا إلى الحرب الناعمة ذات التأثير السيكولوجي النفسي، فتعتمد على الإستمالة والجذب من أجل التعبئة والحشد وإرسال المقاتلين إلى ساحات الجهاد في كل بقع الأرض، من دون أن تظهر للعيان أو تترك أي بصمات، في حين أنّ الأسلوب الثاني يقوم على إرغام العدو المفترض على الرضوخ من خلال تدمير إرادته ومعنوياته بصورة شبه مباشرة وعلنية".
"إنّ الوسائط والأدوات المستخدمة في هذه الحرب أصبحت في متناول الجميع من دون استثناء ودخلت إلى كل البيوت عبر التواصل الاجتماعي، وهذه تقتضي جهدًا وبحثًا مطوّلين لتبيان جميع عناصره ومقوّماته".
لا شكّ في أنّ هذا الاستقطاب لهؤلاء لا يختلف بين بيئة وأخرى، على الرغم من أنّ المؤثرات في البيئة اللبنانية تكاد تكون أقل لاعتبارات عدة أبرزها التفاعل والاندماج والعيش المشترك في البيئات اللبنانية بعضها ببعض، ووجود عامل مناعة اكتسبتها الفئات المختلفة بفعل الحرب الأهلية ونتائجها الكارثية على المجتمع اللبناني.
على الرغم من ذلك، فقد حاولت بعض المجموعات استغلال البيئات المنعزلة المنغلقة للتوغّل والتسلّل، بالاعتماد على ممارسات وسلوكيات وتكتيكات التنظيمات المختلفة ومعارف الجهاديين وتجاربهم، بعد أن قاتلوا في أفغانستان والعراق وغيرهما، وهؤلاء تركوا بصماتهم ، كما أورثوا معارفهم لشبان أوفياء تحوّلوا إلى أمراء بين أفراد جلدتهم، وإن لم تتجاوز أعدادهم أعداد أصابع اليد.
في نهاية هذا البحث يمكن تلخيص سلوكيات الجماعات والتيارات ذات النزعة المتطرّفة للوصول إلى بعض الاستنتاجات وأهمّها:
١- إنّ جذور الجماعات المتطرّفة والمسلّحة مثل تنظيم "داعش" والمجموعات الأخرى، عادة ما يرجع إلى فراغ السلطة، أو غياب الحكومة أو أي سلطة مركزية، مثل حالتي العراق وسوريا، وضعف انتشارها أحيانًا كما في لبنان، ففي حالتنا اللبنانية عمد هؤلاء إلى ملء الفراغ عبر إنشاء إمارات-غيتوات خاصة بهم جرت مكافحتها بعمليات نوعيّة للجيش، أعادت الأمن والاستقرار إليها وبثّت فيها مظاهر الحياة.
٢- تؤثّر هذه الجماعات على العقول، فهي تستغل تكاسل الناس عن التفكير بشكل منطقي، فتقوم بتقديم إجابات سهلة وشعارات فارغة وحلول مبسّطة لجميع الأمور، وتدّعي بأنّنا "نحن من يمتلك الإجابة عن كل شيء ويمكننا حلّ جميع المشكلات".
٣- هذه الجماعات المسلّحة تستغل رغبة أفراد الفئات المهمشة في الإنتقام من المجتمع، وخصوصًا الذين لم يحصلوا على فرصة للتعليم، ولم يتمكّنوا من إيجاد وظائف، وفقدوا أسرهم، وافتقرت مناطقهم إلى التنمية البشرية المستدامة.
٤- هذه الجماعات الخطرة تحمل رسالة جاذبة لأفراد كل من الفئات المهمشّة والمتميّزة، فهي تستغل نقاط الضعف والشعور بالأنانية الموجود لدى البعض.
٥- إنّ سلوكيات هذه التنظيمات تظهر أنّها جماعات شجاعة ولن تتوقّف عن ترويع الناس. تكمن رسالتها في أهميّة لاعتماد الذات، وليس في اكتساب الدعم، تخبر هذه الجماعات العالم "نحن على حق، ونحن مختلفون، وسننال منكم جميعًا"، كما يعتقد أعضاؤها أنّ لديهم قضية يدافعون عنها.
٦- من المحتمل أنّ قليلًا من المنتمين إليها هم غير مبالين بعواقب أفعالهم وتداعياتها، فمن وجهة نظرهم أنّ الجميع ممّن ليس منهم كفّار وبذا يعتقدون أنّهم يخوضون حربًا مقدسة ستدخلهم الجنة، وهم لا يبالون بالخسائر البشرية التي تنجم عن أعمالهم.
٧- يستغلّون الدين لإشباع ميولهم الفوضوية، فهم يعتقدون أنّهم يخوضون حربًا يباح فيها كل شيء، ثم يقومون بتشويه النصوص الدينية، ويستخدمونها خارج سياقها، ويدمّرون ما يخالفهم أو يعارضهم لتبرير عمليات القتل والتعذيب والوحشية التي يرتكبون.
٨- واضح تمامًا أنّ بعض الإرهابيين غير المنتمين لجماعة ما يشتركون مع الجماعات المسلحة في بعض الخصائص، مثل القتال من أجل دعوة دينية أو إلهية. وينطبق على هذه الحالات الفردية مصطلح اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، حيث تكون أفكار الأشخاص وآراؤهم المصابة بهذا الاضطراب مشوبة بالخلل والعدوانية، ويفتقرون إلى الشعور بالتعاطف، ويتّصفون بالتعجرف والاندفاع، والاستخفاف برغبات الآخرين، ولا يعيرون اهتمامًا إلى ما هو صواب أو خطأ، ويتعاملون بجفاء ولا مبالاة مع الآخرين، وعادة ما يكون هؤلاء مدمنين على المخدرات وكثيرًا ما يخالفون القانون في تصرفاتهم.
الخلاصة
إنّ الدراسات كلّها حول جذور الإرهاب ومكافحته لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج ملموسة، إلّا إذا توافرت إرادة سياسية ومجتمعية حازمة تقوم على بذل جهود جماعية على المستوى المحلي، عبر تعزيز أقصى درجات التعاون والتنسيق بين مكوّنات المجتمع مع الأجهزة الأمنية، وأيضًا بين صنُّاع القرار والدول الإقليمية لتبادل سريع للمعلومات الأمنية الاستخباراتية. إلّا أنّ القضاء على هذه الظاهرة يتطلّب وقتًا طويلًا نسبيًا، لذلك فإنّ الإستراتيجيّة المطلوبة لمحاصرة الظاهرة وتقويضها، يجب أن تعتمد على إجراءات عاجلة وأخرى بعيدة المدى، كما يجب أن تقوم على مقاربات سياسية واجتماعية – اقتصادية جديدة لأسباب الظاهرة منها أنّ تلك لا تنحصر فقط بتحديد المسبّبات الاجتماعية والاقتصادية، بل أن تتعداها إلى تحوّل نوعي في تقويض الخطاب الديني وأي خطاب آخر، يشرعن هذه الظاهرة ويعتبرها سياقًا طبيعيًا ناتجًا عن ردّات فعل على أخرى مشابهة لها.
لقد بات من الملحّ مجابهة هذا الخطاب التبريري، بخطاب متماسك واضح له أبعاد ومقاربات إيديولوجية، وإعلامية وقانونية - ردعية، إضافة إلى أهمية البحث في تقويض الوسائل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الإرهاب في المجتمعات الضيقة والمنغلقة والمنطوية، إلى تحديد آليات مواجهة الخطاب المتطرف والعنيف في مكان نشأته وتكونه وتبلوره، يضاف إلى كل ذلك دعم الباحثين في دراسة واقع التنظيمات الإرهابية وتشخيصها بشكل علمي وممنهج إسهامًا في وضع الأسس النظرية والعملانية لفهم أعمق للظاهرة وتشخيص طبيعتها وأشكال المعالجة، وتعزيز التعاون الأمني-الإستعلامي والمخابراتي بين القيّمين كافة على مكافحته، كما تحديد البعد القانوني للظاهرة عبر وضع تشريعات حازمة لمجابهة أشكال العنف كلّها ذلك أنّ الإرهاب يهدّد استقرار الدولة و مؤسساتها وأمن الأشخاص والممتلكات و يمثل خطرًا على المصالح الحيوية للدولة، إضافة إلى تجريم تمويل الإرهاب وتشكيل التنظيمات الارهابية، مع مراعاة المواثيق الدولية للحقوق المدنية والسياسية.
خلاصة القول، يظهر ممًا تقدّم أنّ تعقد ظاهرة الإرهاب يستلزم مقاربة متعدّدة الأبعاد والتخصصات، تجمع بين ما هو ديني ومعرفي، وبين ما هو تاريخي وثقافي وحقوقي وسياسي وأمني، إلى الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، كما إلى آخر الأبعاد المتشابكة في هذه الظاهرة البشرية. وهذا يستلزم استيعاب العوامل المرتبطة بها، بدل الاكتفاء فقط بردها إلى التكوين الذاتي للإرهابيين أو ثقافتهم أو دينهم. والصحيح كما رأينا من خلال البحث أنّ التشخيص يقتضي التوازن في التناول بين الاهتمام بالعوامل المنشئة والمساعدة والمكوّنة، وبين المسؤولية المباشرة لمرتكبي الأعمال الإرهابية.
الملاحق
المراجع العربية
الكتب:
1- أحمد الموصللي، موسوعة الحركات الاسلامية في العالم العربي وايران وتركيا، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الاولى، بيروت 2014.
2- جاسم سلطان، أزمة التنظيمات الاسلامية: الأخوان نموذجًا، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الاولى، بيروت 2015.
3- جهاد عودة ..د.محمد عبد العظيم الشيمي .د. أيمن زكي: .مدخل لدراسة الارهاب في مصر والمملكة العربية السعودية، تجارب استراتيجية، المكتب العربي للمعارف، ص57.
4- جان بوديار، روح الإرهاب، ترجمة بدر الدين عمر زكي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010.
5- روجيه غارودي، الاصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها، تعريب خليل أحمد خليل، باريس، دار عام ألفين، 2000.
6- علي حرب، الارهاب وصُناعه: المرشد- الطاغية- المثقف، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2015.
7- فكري عطا اللـه عبد المهدي، الإرهاب الدولي: المتفجرات، دار الكتب الحديث، 2000.
8- فؤاد ابراهيم، داعش من النجدي إلى البغدادي: نستلجيا الخلافة، مركز أوال للدراسات والتوثيق، بيروت 2015.
9- كريستينا هلمتش، القاعدة نهاية تنظيم أم انطلاقة تنظيمات؟، ترجمة فاطمة نصر، دار زاد بوكس للنشر Zed Books، القاهرة، 2011.
10- معتز محي عبد الحميد، الإرهاب وتجدد الفكر الأمني، عمان دار زهران للنشر والتوزيع 2014 .
الدوريات والمواقع الالكترونية:
1- عبدالخالق حسين، أسباب نشوء الحركات الإسلامية المتطرفة، الحوار المتمدن-العدد: 811 – 2004، المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني.
2- هبة حرب، سلفيو لبنان: كلٌّ يُغنّي على أميره، صحيفة المدن الالكترونية ، 30-06-2014.
3- صحيفة العرب اللندنية 26 تموز 2016.
4- الجماعات السلفية في لبنان. صحيفة الشرق الأوسط . نقلتها صحيفة دنيا الوطن. 4 حزيران 2007.
5- المرصد العربي للتطرف والارهاب . للمزيد من التفاصيل على الرابط:
http://arabobservatory.com/?page_id=3364
6- ادريس عمر: العلاقة بين التطرف الديني – الايديولوجي والارهاب . مجلة الحوار المتمدن .9-3-2011. للمزيد من التفاصيل على الرابط: http://www.ahewar.org
7- لمعرفة المزيد عن واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها في العالم يمكن الرجوع إلى موسوعة مقاتل على الرابط: http://www.moqatel.com/openshare/behoth/siasia2/erhab/sec04.doc_cvt.htm
8- سعود المولى، السلفية والسلفيون في لبنان، الخميس 2 أيار 2013، للمزيد من التفاصيل على الرابط: http://saoudelmawla.blogspot.com/2013/05/blog-post.html
9- عبد الغني عماد اسلاميو لبنان بين منهج المشاركة وايديولوجيا التكفير، مجلة الرأي الآخر، للمزيد من التفاصيل على الرابط:
http://www.rai-akhar.com/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=247&Itemid=84
المراجع الروسية وترجمتها:
1- Московский государственный университет имени М.В.Ломоносова, ПРОФИЛАКТИКА (ПРЕДУПРЕЖДЕНИЕ) ЭКСТРЕМИЗМА И ТЕРРОРИЗМА. Методическое пособие пропагандистов
Под общей редакцией Л.Н.Панковой, Ю.В.Таранухи. МоскваУниверситетскаякнига, 2010.
1- جامعة الدولة في موسكو، جامعة لومونسوف، تجنب التطرّف والإرهاب ومخاطرهما، كتب ارشادات تحت إشراف وتحرير بانكوفا لينا نيقولايفنا، تارانوخين يوري فيكتوروفيتش، دار الكتب الجامعية في موسكو ،2010.
2- Отдел (военного комиссариата Республики Татарстан по Спасскому району, муниципального) ПЛАН ПРОВЕДЕНИЯ ЗАНЯТИЯ С ГРАЖДАНСКИМИ ЛИЦАМИ ПО ПРОТИВОДЕЙСТВИЮ ТЕРРОРИЗМУ. г.Болгар – 2015.
2- قسم اللجنة العسكرية في جمهورية تاترستان، محافظة سباسك. خطط السلوك لمواجهة الارهاب من قبل المواطنين. مدينة بولجار، 2015.
3- КосовЮ.В. Международный терроризм как глобальная проблема [Электронный ресурс]. URL: http://anthropol-ogy.ru/ru/text/kosov-yuv/mezhdunarodnyy-terrorizm-kak-globalnaya-problema (дата обращения: 07.03.2016).
3- كوسوف يوري فلاديموريفيتش، الارهاب الدولي كمشكلة دولية، للمزيد من المعلومات على الرابط السابق.
4- О противодействии терроризму [Электронный ресурс] : федер. закон от 6 марта 2006 г. № 35-ФЗ (ред. от 31.12.2014). Доступ из справ.-правовой системы «КонсультантПлюс».
4- مكافحة الارهاب، مجلة القانون الفديرالي، 6 آذار 2006ـ العدد 35.
5- А. А. Королев, доктор исторических наук, профессор, заведующий кафедрой истории Московского гуманитарного университета Научная монография ТЕРРОР И ТЕРРОРИЗМ В ПСИХОЛОГИЧЕ-СКОМ И ИДЕОЛОГИЧЕСКОМ ИЗМЕРЕНИИ: ИСТОРИЯ ИСОВРЕМЕННОСТЬ М.: Московский гуманитарный университет, 2008.
5- كارالوفالكسندرافيتش، الإرهاب والإرهابيين في المقاييس النفسية والايديولوجية، التاريخ القديم والمعاصر، جامعة موسكو للعلوم الانسانية 2008.
6- Цыганов В. Электоральный медиа-терроризм//Свободная мысль. 2007. №12. С. 79-80.
6- تسيكاناف فلاديمير، الميديا الالكترونية والارهاب، مجلة الافكار الحرة، العدد 12.
7- Неклесса А. Феномен 11 сентября и движение к нестационарной системе мировых связей // Россия. XXI. 2002. №4. С. 5-6.
7- نيكلاسا الكسندرا، ظاهرة 11 ايلول، الثابت والمتغير في العلاقات الدولية، مجلة روسيا على اعتاب القرن الواحد العشرون، 2002.
[1]- خلال الثورة الفرنسية مثلًا مارس روبيسبر ومن معه، كسانت جيست وكوثون العنف السياسي على أوسع نطاق. فمن أصل سبعة وعشرين مليون فرنسي وهو عدد سكان فرنسا في ذلك الوقت، فقد قطعت هذه المجموعة أربعين ألف رأس انسان بالمقصلة، واعتقلت ثلاثمائة ألف آخرين. السناتور جوزيف ماكرتي في الولايات المتحدة (1950-1954) باتهاماته الخيانية قد زجت بالآلاف في السجون.
[2]- الاجتياح السوفييتي لأفغانستان في أواخر كانون الأوّل عام 1979. التدخّل الأميركي في فيتنام الذي بدأ عام 1965، وفي العراق 2003.
[3]- يذكر التاريخ محاكم التفتيش كأعظم نقطة سوداء في التاريخ الأوروبي الحديث، وما جرته من ويلات وفظائع، وهي محاكم كان شعارها القسوة والاضطهاد والتعذيب والقهر لأعداء الكتلة، حيث استخدمت كل الأساليب في التجسس والقبض على الهراطقة ومن تشاء وتجبرهم على الإقرار بإلحادهم، وتوقع بهم عقوبة الموت.
[5]- فكري عطا اللـه عبد المهدي – الإرهاب الدولي – المتفجرات – دار الكتب الحديثة 2000 – ص 13.
[6]- محاكمات نورنمبرج هي عبارة عن ثلاثة عشرة محاكمة عُقدت لمقاضاة قادة ألمانيا لأعمالهم العدوانية أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م). أجريت المحاكمات من عام 1945م إلى عام 1949م في نورمبرج، بألمانيا، حيث كان الحزب النازي ينظم اجتماعاته بقيادة أدولف هتلر الذي حكم ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.
[7]- - تربط تشريعات الولايات المتحدة الأميركية الإرهاب بالأفراد فحسب، والاتجاه الفقهي السائد يذهب إلى تعريف الإرهاب بأنّه نشاط موجّه ضدّ شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أو من الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة. وقد سنّ المشرّع الأميركي عدّة قوانين لمكافحة الإرهاب، منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات في العام 1971، كما سنّ الكونغرس إجراءات عقابية تفرض على البلدان التي تعاون الإرهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذًا في العام 1976. وقد عرفت وزارة العدل الأميركية عام 1984 الإرهاب بأنّه سلوك جنائي عنيف يقصد به وضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف. بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تعريفه بأنّه عمل عنيف أو عمل يشكل خطرًا على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة. غير أنّ المشرع الأميركي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون العام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 أيلول 2001 وخصوصًا ما يتعلّق بمكافحة تمويل الإرهاب.
[8]- إدريس عمر: العلاقة بين التطرف الديني – الايديولوجي والإرهاب . مجلة الحوار المتمدن.
.9-3-2011 .http://www.ahewar.org
[9]- إدريس عمر-المصدر نفسه.
[10]- تأسّس الجيش الجمهوري الإيرلندي في العام 1919 مستلهمًا مرجعيته الإيديولوجية من الحركات الفدائية التي كانت تنشط منذ القرن التاسع عشر ضد الاحتلال البريطاني، واعتمدت المنظمة أساليبها القديمة في التفجير والإغتيالات.
[11]- د. معتز محي عبد الحميد .الارهاب وتجدّد الفكر الأمني. عمان دار زهران للنشر والتوزيع 2014 .ص 5.
[12]- للمزيد انظر الجدول رقم 2.
[13]- جهاد عودة، د.محمد عبد العظيم الشيمي .د. أيمن زكي: .مدخل لدراسة الإرهاب في مصر والمملكة العربية السعودية، تجارب إستراتيجية، المكتب العربي للمعارف، ص57.
[14]- - لمعرفة المزيد عن واقع التنظيمات الإرهابية وانتشارها في العالم يمكن الرجوع إلى موسوعة مقاتل على الرابط:
http://www.moqatel.com/openshare/behoth/siasia2/erhab/sec04.doc_cvt.htm
[15]- - صحيفة العرب اللندنية 26 تموز 2016.
[16]- التصنيفات التاريخية للارهاب في الجدول رقم (1).
[17]- الجماعات السلفية في لبنان. صحيفة الشرق الأوسط . نقلتها صحيفة دنيا الوطن. 4 حزيران 2007..
[18]- سعود المولى، السلفية والسلفيون في لبنان .http://saoudelmawla.blogspot.com/2013/05/blog-post.html، الخميس 2 أيار 2013.
[19]- - هبة حرب، سلفيو لبنان: كلٌّ يُغنّي على أميره، صحيفة المدن الالكترونية، 30-06-2014.
[20]- عبد الغني عماد، إسلاميو لبنان بين منهج المشاركة وإيديولوجيا التكفير، مجلة الرأي الآخر.
.http://www.rai-akhar.com/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=247&Itemid=84
Terrorism History and diagnosis
In absence of political and local support and cooperation, all studies examining the origins of terrorism and the various strategies to combat it will not amount to any tangible results. A form of alliance, organization and cooperation between the authorities and local citizens, as well as neighboring countries, is imperative to facilitate the gathering and transmission of intelligence regarding terrorist groups and agents. However, completely eradicating, or, at the very least, absolutely quarantining, the phenomenon of terrorism, is a process that requires a long period of time, with long term strategies supported by several immediate interventions. Furthermore, it is necessary to denote new variables that play a role in the rise of the phenomenon of terrorism, other than the political, social and economic issues that are mostly attributed to it, such as the religious speeches and texts that tend to normalize the acts of terrorism as a valid response for the spread of other phenomenae pushed into society through globalization.
It is crucial to counteract and silence religious speeches that justify any acts of terror or violence, and replace them with secular speeches based on more rational and logical ideologies, opposite to the extremist and close-minded mentality that binds the mind of the masses and forces them to comply through violence and fear.
Nonetheless, it would not only be through violence but also through psychological warfare that the offensive of these forms of speeches will be launched, by targeting its source and enlightening the receivers of its poisoning thoughts. It is important to create laws that legalize drastic and force-driven countermeasures against terrorism and the indictment of any support or monetization that give it momentum, as it destabilizes local security and the affairs of the state, and threatens the health of the citizens and affects their quality of life.
Terrorism is not to be attributed solely to the mentality and religious beliefs of those who practice it, but also to the various factors that come into play to encourage otherwise normal citizens to engage in such a form of heinous criminal activity. All the various sciences should be used in tandem to diagnose, locate, understand, combat, and ultimately prevent, terrorism in all of its forms.
Le terrorisme et l'extrémisme, entre l'histoire et le diagnostic
Le Liban comme d'autres pays arabes possède la caractéristique de l'incorporation, de la conformation et du jugement qui a influencé l'évolution et la pénétration de l'idéologie terroriste et de l'extrémisme et ainsi elle a aggravé la situation intérieure, et elle a empêché jusqu'à présent de trouver des priorités claires pour lutter contre le terrorisme à tel point que les efforts visant à celaparaissent traditionnels et inutiles.
De ces points de vue traditionnels, c’est la persistance de la crise de l'identité et des formes de communication teintée de méfiance de la civilisation occidentale, principalement pour des raisons d'intérêt historique et le manque de confiance entre les deux civilisations, de plus, les guerres et les conflits internes ont révélé la profondeur de l'idée du doute et de l'incertitude dans la culture arabe, en plus d'un grand nombre de défaillance des systèmes dans le traitement de cette question avec l'aide de l'ingérence étrangère, et ainsi toute tentative de résoudre ce dilemme entrent en collision avec une quantité énorme d'obstacles.
Donc le plus important est l’obstacle du pluralisme sectaire et ethnique, cette diversité a une grande influence sur les régimesrégnant et sur les relations entre les groupes, ce qui crée une crise d'identité, ce qui empêche de construire des états stables et exacerbe le terrorisme comme un moyen de régler ces conflits et sont tous devenus à l'origine de nombreux conflits et de guerres.
L’autre obstacle est inhérent à la gravité de l'intervention extérieure qui ouvre la porte à toutes sortes de conflits, cette intervention illustre parfaitement le manque de volonté de résoudre les difficultés rencontrées par l'environnement incubateur à travers le dialogue, et c’est un environnement caractérisé par la faiblesse, la fragilité et la confusion.
Les expériences démontrent l’exposition interne et les défis structurels dus à cette structure, et qui mettent en évidence la faiblesse des régimes et leur incapacité totale à lutter contre le terrorisme, ce qui est institutionnalisée dans les états djihadistes de style "Daesh" et l'Etat des talibans et d'autres.
Et bien qu'il n'y ait pas insurmontable pour faire face à ce fléau, la première condition pour cela est de fournir les conditions nécessaires et de trouver des solutions équitables aux problèmes sociaux de la pauvreté et du chômage, et le rassemblement de la communauté pour répondre à ces risques.