- En
- Fr
- عربي
رحلة في الانسان
على الرغم من تناقض الآراء حول تحديد مفهوم الإرهاب على المستوى المحلي الضيق، هنالك إجماع على اعتباره استخداماً مقصوداً للعنف والتخويف أو الترهيب، لتحقيق أهداف ذات طابع سياسي أو عقائدي. وباعتبار أن الإرهاب المعاصر لا يقتصر على منطقة دون أخرى، كونه يتّخذ من العالم مساحة لا محدودة لتفجير أحقاده، فهو قد تحول بإرادة صانعيه إلى قنابل بشرية ذكية وموقوتة، تتوافر فيها المعطيات العقلية عامة لاختيار الهدف بدقة متناهية، وتكبيد من تعتبره عدواً لقضيتها أكبر قدر من الخسائر المادية والبشرية.
والإرهاب يبحث عن الأضواء، لإثارة البلبلة وإحداث الرعب الجماهيري الذي هو مقصده الأساسي. إنه يسعى إلى السيطرة على النفوس من خلال نشر وقائع إنجازاته المخيفة. أما هدفه من وراء ذلك فهو التسلل إلى مقومات الصمود لدى الرأي العام، ودفعه إما إلى الاستسلام والهروب، أو إلى التسلح بردّات الفعل السلبية المتمثلة بإثارة النعرات الطائفية والعقائدية وبالتالي اللجوء إلى فوضى العنف التي تخدم المخططات الإرهابية الدخيلة.
الإرهاب إذن يتسلّح بالإعلام لتسويق غاياته. وفي سبيل نشر الخبر قد تقع وسائل الإعلام، وأحياناً من دون قصد، في فخ غايات الإرهاب المقصودة، وتخدم بالتالي أهدافه المرجوة. وفي هذا السياق بعض ما حققته الأبحاث العالمية في مجال الربط بين الإرهاب والاعلام على الصعيدين النفسي والاجتماعي.
كيف يخدم الإعلام الإرهاب؟
حسب الباحثين النفسيين في هذا الحقل، فإن محركي العمليات الإرهابية قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقاً أنها لن تترافق والدعاية الإعلامية الكافية للاعلام عن الخسائر التي ألحقوها بأعدائهم. أما هدفهم الأساسي من وراء ذلك، فيتمثّل بخلق أجواء التأزم والفوضى والانهيار. وهي أجواء تفسح المجال أمام انتشار الشائعات المغرضة، وخصوصاً التي تؤلب الرأي العام ضد السلطة المحلية وتثير خوف المواطنين إنطلاقاً من شعورهم بعجز الأجهزة الأمنية عن حمايتهم. ومن هنا، جاءت التوصيات العالمية بضرورة محاربة الإرهاب بالسلاح النفسي ذاته الذي فرضه على المجتمعات المحلية
والعالمية منذ عقود، بقصد إخضاع الرأي العام للأمر الواقع. وهذا يعني إعادة صياغة التوجهات المنطقية للعلاقة الطبيعية بين الإعلام والمجتمع، وخصوصاً في ظل الإمتداد الواسع لما يسمى برسالة الإرهاب العالمي المعاصر.
ما هي رسالة الإرهاب؟
كما يؤكد الباحثون في علم النفس الإرهابي، فإن للإرهاب رسالة معيّنة يسعى من خلالها إلى نشر وتعميم أفكار ومعتقدات تتعلق بقضية يراد توضيحها من أجل تبرير العمل الإرهابي. وحسب المعطيات المستمدة من الواقع، فإن محتضني المنظمات الإرهابية، هم رؤوس محركة لجماعات تمّت برمجتها وفق مخططات معيّنة، وذلك إثر إستغلال نقاط ضعف أفرادها تجاه أفكار وعقائد سياسية ودينية محدّدة. واللافت أن محركي هذه الجماعات يعملون على تطويعها واستخدامها لاجتذاب التأييد والتعاطف الجماهيري من جهة، ولتأليبها ضد من تعتبرهم أعداء القضية من جهة ثانية. وكما سبق وأشرنا، فإن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه، هو إضعاف القوى الأمنية واستقطاب الدعاية الإعلامية لإكتساب السيطرة على الرأي العام.
متى يكون دور الإعلام سلبياً؟
إن المشاهد المأسوية التي تنقلها وسائل الإعلام بشكل متكرر ومبالغ فيه، تشكّل بحدّ ذاتها خطورة وخدمة للهدف الإرهابي. وهذا ينطبق على نقل بعض الأحاديث المتشنجة المتعلقة بالعمليات الإرهابية، والتي من شأنها إثارة الرأي العام أو إحداث الرعب في النفوس.
مثلاً، القنوات التلفزيونية التي تبالغ في تصوير الممارسات الإرهابية الوحشية، أو نقل ردات الفعل المأسوية لآثار العمليات الإرهابية، قد تزيد من تأزيم الوضع من دون أن تقدّم حلولاً عقلانية أو طروحات بنّاءة. وهذا من شأنه الدفع إلى المزيد من التطرف والرغبة في الإنتقام للخروج من الأزمة.
فالمعروف أن معظم وسائل الإعلام يتنافس على النقل الفوري للحدث المتعلق بالإرهاب من أجل تحقيق الكسب الإعلامي وبالتالي استقطاب أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين. وهو من الناحية الإعلامية توجّه إيجابي وخصوصاً على صعيد التوعية الجماهيرية وإثارة الصحوة واتخاذ تدابير الحيطة والحذر، إضافة إلى إحداث حالة من اليقظة والتأهب في صفوف المسؤولين ودفعهم إلى ممارسة مسؤولياتهم بالسرعة المطلوبة. إلاّ أن المبالغة في تصوير الأضرار، والنقل المقصود لوجهات نظر الإرهابيين، والتي يقصد بها إثارة الخوف والنعرات الطائفية، قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية قد لا تُحمد عقباها. ومن هنا ارتأى خبراء عالميون في علم النفس والإجتماع تزويد وسائل الاعلام الحريصة على أمن مجتمعاتها، اقتراحات من أجل تصويب الخبر وبالتالي تفويت الفرص المتاحة لتحقيق الأهداف الإرهابية. وهنا أهمها:
• التعامل مع الخبر بموضوعية تامة مع التعرّف إلى كيفية التحكم بنشره وتوقيته.
• الابتعاد قدر الإمكان عن الإثارة في طريقة نشر الأخبار المتعلقة بالأحداث الإرهابية. وينصح بالتعامل معها كأحداث مأسوية عادية لمنع الإرهاب من إكتساب صفة البطولة.
• اتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر أحاديث تتناول الأحداث الإرهابية وخصوصاً تلك التي توصل الآراء المؤيدة لوجهات نظر الإرهابيين إلى الرأي العام. وهو تدبير من شأنه منع الإرهاب من استغلال الإعلام للبروز.
• التركيز على البرامج التي تظهر وحشية الإرهاب ودناءته مهما كان هدفه وانتماؤه.
• التنسيق مع القوى الأمنية في ما يتعلق بنشر وقائع الأحداث الإرهابية مع الأخذ بالاعتبار الدراسة المسبقة لتأثير نشرها في الرأي العام.
• إن إخفاء الحقائق يضعف بدون شك صدقية الاعلام، ومن هنا ضرورة التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يؤمن إيصال الحقيقة، ومراعاة عدم تأثيرها سلباً في نفوس المواطنين.
• الأخذ بالاعتبار أن الاعلام رسالة نبيلة هدفها نشر الخبر مع المحافظة على اللحمة الاجتماعية وتعزيز دور المؤسسات الوطنية بغض النظر عن الميول الفردية للإعلاميين. والأهم هو تفويت الفرصة على الإرهاب للإس