دراسات وأبحاث

الإنفاق العسكري في العالم ما بين الأمن الدولي والإقتصاد السياسي
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

كل منّا يدفع سنوياً 4.5 دولار للتنمية والسلام و255 للتسلّح!

 

يمكن تعريف الإنفاق العسكري لأمة ما، أو لدولة، بأنه الميزانية أو الموارد المالية المخصّصة لتعزيز القوى المسلحة لهذه الدولة أو الأمة وصيانتها وديمومتها، وتعكس هذه الميزانية كيفية ومدى تدارك التهديدات والمخاطر التي تواجهها، أو حجم الوسائل والقوى التي تنوي استخدامها لذلك، كما أنها تعطي فكرة حول كمية النفقات التي تنوي صرفها في السنوات القادمة، لشراء السلاح، أو زيادة القوات.

 

الإنفاق العسكري العام 2009
استـــنـاداً الى الـكــتــاب السـنـــوي لمعهد ستوكهــولم الـدولي لأبحـاث السلام «Stockholm International peace research Institute (Sipri)» فإن حجم الإنفاق العسكري في العالم قــد بلغ العــام 2009، حوالى 1.531 تريليون دولار (أي ألف وخمسماية وواحد وثلاثين مليــار دولار (حسب قيمة الدولار العام 2008)، وهذا يشكّل زيادة 6٪ عن معدل الإنفاق للعام 2008، وزيادة حوالى 49٪ عن العــام 2000.
من جهة أخرى يشكّل هذا الإنفاق نسبة 2.7٪ من الدخل القومي العالمي، (GDP) للعام 2009.

 

الإقتصاد السياسي للأمن الدولي
يعتبر بعض المحلّلين الإستراتيجيين أن العالم خاض سباقاً للتسلّح خلال فترة الحرب الباردة ما بين حلفي الناتو (NATO)، ووارسو (WARSOW)، بزعامة كل من الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوڤياتي السابق، وقد أدّى هذا السباق الى زيادة الإنفاق العسكري في العالم بشكل عام، وفي كل من الإتحاد السوڤياتي والولايات المتحدة بشكل خاص. ارتفع هذا الإنفاق خلال فترة سبعينيات القرن الماضي، وتزايد مع بداية الثمانينيات بعد أن أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغن عن مبادرته الإستراتيجية (حرب النجوم)، ليردّ فيها على التفوّق الكمّي للإتحاد السوڤياتي في الصواريخ الإستراتيجية والأسلحة الذرية ولردم الهوّة بين القطبين المتنافسين.
زاد الإنفاق العسكري الأميركي في تلك الفترة عن 8٪ من الدخل القومي الأميركي في حين كان الإتحاد السوڤياتي قد تجاوز نسبة 16٪ من دخله القومي في الإنفاق على التسلّح، ولأن الدول الكبرى تعيش هاجساً وجودياً في منع الخصم من إحراز تفوّق نوعي أو كمّي، فقد زاد الإتحاد السوڤياتي من معدل إنفاقه العسكري ليردّ على المبادرة الأميركية، وهذا ما شكّل بداية النهاية لانهياره الإقتصادي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبالتالي انهياره السياسي والأمني، والعسكري، ثم انهيار عقد الإتحاد ككل مطلع التسعينيات من القرن نفسه. ولكن يمكن ملاحظة أن الإنفاق العسكري العالمي في فترة الحرب الباردة بلغ الذروة وزاد حجمه على ألف وخمسماية مليار دولار كمعدل سنوي، ولكن مع انتهاء هذه الحرب، فقد انخفض حجم هذا الإنفاق، مع بقاء الولايات المتحدة الأميركية فحسب كأكبر دولة تنفق على التسلّح، ولكن منذ مطلع القرن الحادي والعشرين عاد حجم الإنفاق العسكري الى الإرتفاع الى مستويات الحرب الباردة وربما أكثر.

 

الدول الأكثر إنفاقاً على التسلّح
استناداً الى كتاب «سيبري» (Sipri) السنوي للعام 2010 فإن الدول الأكثر إنفاقاً على التسلّح هي الآتية:
• الولايات المتحدة الأميركية: تعتبر الأولى عالمياً من حيث إنتاج الأسلحة وبيعها واقتنائها، كما أنها الدولة الأولى في العالم في حجم إنفاقها العسكري الذي بلغ العام 2009 حوالى 700 مليار دولار، ما يشكّل نسبة 46.5٪ من حجم الإنفاق العالمي، وبمعدل 4٪ من دخلها القومي، وهي بذلك تتفوّق على جميع دول مجموعة G8 مجتمعة (وهي مجموعة الحوار والشراكة الاقتصادية)، وتضمّ من بين الدول الأقوى اقتصادياً في العالم الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا وروسيا. كما أنها تتفوّق في إنفاقها على خصومها مجتمعين، وهي تكاد تساوي في إنفاقها نصف الإنفاق العسكري في العالم.
• الصين: احتلت الصين المرتبة الثانية في العالم في إنفاقها العسكري بمعدل 6.6٪ من حجم الإنفاق العالمي للعام 2009، وبما يعادل حوالى 100 مليار دولار.
• فرنسا: تحتل فرنسا المركز الثالث بمعدل 4.2٪ أي بحوالى 63مليار دولار من الإنفاق العالمي البالغ 1.53 مليار دولار للعام 2009.
• بريطانيا: يوازي إنفاقها 3.8٪ من حجم الإنفاق العالمي، أي حوالى 57 مليار دولار.
• روسيا الإتحادية: ومعدل إنفاقها العسكري للعام 2009 كان 3.5٪، أي ما يوازي 53 مليار دولار. وبعد ذلك تأتي مجموعة من عشر دول مجموع إنفاقها مجتمعة حوالى 20.7٪ من الإنفاق العالمي أي حوالى 310 مليار دولار، أما بقية العالم فيبلغ إنفاقه مجتمعاً حوالى 14.7٪ من الحجم العالمي أي ما يقدر بحوالى 220 مليار دولار.
ويمكن هنا ملاحظة ارتفاع الإنفاق العسكري في كل من:
- الهند 67٪ - المملكة العربية السعودية 67٪ - كوريا الجنوبية 48٪ - فرنسا 7٪ -  البرازيل 30٪ ، وهذه الزيادة المئوية قياساً على حجم الإنفاق العسكري في كل من هذه الدول العام 2009، (مقارنة بإنفاقها العام 2000).
أما في إسرائيل فقد ارتفعت موازنة الإنفاق العسكري من 9 مليار دولار العام 2000 الى حوالى 13 مليار دولار العام 2010 و14 مليار العام 2011. وتعتبر إسرائيل من الدول المصدّرة للأسلحة والمستوردة لها في الوقت نفسه. وهي من ضمن الدول العشر الأولى في العالم في هذا المجال.

 

السلاح تجارة مربحة
«إن كل مدفع صنع، وكل بارجة حربية أبحرت، وكل صاروخ أطلق، يعني بالمحصلة النهائية لصوصية وسرقة من أولئك الجائعين الذين لا يجدون غذاءهم، وأولئك الذين يبردون ولا يجدون الثياب التي تكسوهم، فالعالم مع السلاح لا ينفق المال فحسب، إنه ينفق عرق عماله، وعبقرية علمائه وآمال أطفاله، وهذه ليست طريقة للحياة بمعناها الحقيقي. فتحت ضباب التهديد بالحرب، تصلب الإنسانية فوق صليب من فولاذ». (دوايت أيزنهاور، الرئيس السابق للولايات المتحدة 1952 - 1960).
يرى البعض أن تجارة السلاح هي سبب رئيس في انتهاك حقوق الإنسان، ذلك أن بعض الدول ينفق على التسلح و«العسكر»، أكثر مما ينفقه على التنمية الإجتماعية والبنى التحتية، والرعاية الصحية لمجتمعاتها. لكن وكما أن الدول تحتاج الى ضمان أمنها في هذا العالم المتقلّب ولها الحق في ذلك، فإن من حقوق الشعوب والمجتمعات ايضاً أن يخضع اقتناء السلاح الى معايير تراعي حاجاتها الى التنمية والرعاية.
يرى بعض المصادر أن أرباح بيع السلاح تبلغ سنوياً ما بين 45 و60 مليار دولار تقريباً، ويذهب حوالى 3/2 كمية السلاح المباع الى الدول النامية. كذلك يمكن ملاحظة أن البائع الأكبر للسلاح في العالم هو الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة - روسيا - فرنسا - بريطانيا والصين)، فهذه الدول الخمس مجتمعة بالإضافة الى ألمانيا وإيطاليا، استحوذت على أكثر من 80٪ من سوق بيع السلاح ما بين العامين 2001 و2008، كما أن قسماً لا بأس به من الأسلحة المباعة ذهب الى أنظمة تنتهك فيها حقوق الإنسان، وهذا ما تدّعي الدول الكبرى حمايته!!؟

 

إنتاج الأسلحة
يعتبر «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (سيبري(Sipri  أن الشركات الكبرى المئة الأولى في العالم للعام 2008 (خارج الصين) تابعت تقدّمها في بيع السلاح، الذي ازداد حوالى 39 مليار دولار ليبلغ 385 مليار دولار، وعلى الرغم من أن الشركات الأميركية المنتجة الأسلحة بقيت تهيمن على باقي الشركات الكبرى، فإنه للمرة الأولى تتفوّق الشركة البريطانية (BAE) في مبيعاتها وتسجّل أعلى نسبة من مثيلاتها الأميركيات، وغيرها في العالم.

 

الإنفاق العسكري والأزمة الإقتصادية العالمية
كان للأزمة الإقتصادية العالمية التي بدأت مع نهاية العام 2007 تأثيرها القليل نسبياً على الإنفاق العسكري العام 2009، ذلك أن الحكومات لجأت الى تخفيض نفقاتها وتعزيز الإنفاق على القطاع العام لاحتواء حالة الركود والكساد الإقتصادي وتأجيل تخفيض العجز، لذلك وبما أن الإحتياط المخصّص للنفقات العسكرية كان ضئيلاً نسبياً، لم تتأثر هذه النفقات بالأزمة، كذلك فإن بعض الدول ذات الموارد (نفط، غاز) حقق أرباحاً إضافية لارتفاع أسعار هذه السلع، وهذه الأرباح الإضافية دفعتها ثمناً لأسلحة جديدة أو تسديداً لعقود قديمة متفق عليها، وبذلك لم تتأثر بالأزمة الإقتصادية في إنفاقها العسكري بل يمكن ملاحظة أن هناك دولاً ضاعفت من إنفاقها العسكري لحماية مواردها هذه خوفاً من التهديد والمخاطر الداخلية، أو الخارجية، ولذلك فإن 9 من الدول العشر الأولى المرتفعة الإنفاق العسكري زادت من هذا المعدل العام 2009.

 

الحق للأقوى؟!
تسعى الدول لتحقيق أمنها، وحماية حدودها ومواردها، وشعوبها، وحفظ كبريائها الوطني والقومي، في عالم تسود فيه شرعة «الحق للأقوى»، لذلك فهي دائماً تنفق على إعداد قواتها المسلّحة وتجهيزها بالوسائل الكفيلة بالدفاع عن نفسها ضد أي عدو أو خطر محتمل، كذلك يسعى بعض الأنظمة في العالم للاستعداد العسكري لمواجهة أي خطر داخلي، قد يأتي من داخل الدولة نفسها، أو خطر أعمال إرهابية تهدّد الكيان والشعب والسلطة، لذلك فهي تخصّص جزءاً من ميزانياتها الوطنية للإنفاق العسكري، ولتلبية هذه الحاجة أو الضرورة، فالأمن عنصر أساسي في بقاء الدول واستمرارها، والأمن لا يتحقّق في عالمنا إلا باستخدام القوة ووسائلها المادية من أسلحة وقوات عسكرية مختلفة، للدفاع أو للردع. ولكن من اللافت في عالم اليوم الدور الأساسي الذي تلعبه تلك المجمعات الصناعية العسكرية «Military - Industry Complexes» في الدول الغنية والقوية في العالم في توجيه السياسات الكبرى هنا وهناك، ودور مراكز الأبحاث التابعة لها في اختراع، أو تسعير بؤر للنزاع في أرجاء العالم، أو بين الدول، لتأمين استمرار بيع السلاح لهذه الأطراف، بل تلعب احياناً دوراً رئيساً في افتعال النزاعات والحروب، وذلك من خلال تأثيرها «المادي»، والمعنوي في بعض أركان الأنظمة في هذه الدول، سواء لعقد الصفقات المربحة، أم لتأجيج الخلافات بين بعض الدول، أو بين فئات الشعب الواحد نفسه وهذا ما يؤمن ازدهار مبيعاتها، وأرباحها، وتنمية اقتصادها، حتى أن هذه «المجمّعات الصناعية العسكرية» تملك من القوة والنفوذ في بعض الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعلها تؤثر بشكل فاعل على قرارات الحرب والسلام في العالم، وذلك عبر أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، أو عبر دعم بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية، وهذا ما حذّر منه ذات يوم من العام 1961 الرئيس الأميركي السابق دوايت أيزنهاور في خطبة الوداع، عندما حذّر الشعب الأميركي من خطورة هذا النفوذ على سياسة الولايات المتحدة ودورها إذا كانت تريد فعلاً أن تكون زعيمة العالم الحر وقائدة له نحو السلام والإزدهار، وقد أثبت الواقع هذه الرؤيا. إن كلفة طائرة «F22» واحدة حوالى 100 مليون دولار وهذا يكفي لتشجير 4900 كلم2 من الأرض الجرداء أو المتصحّرة، مما يحفظ البيئة، ويزيد من إمكان الأرض تقديم الغذاء. كذلك فإن ميزانية الأمم المتحدة السنوية، بفروعها جميعاً لا تتعدى 30 مليار دولار وهي لا تتعدى 1.5٪ من حجم الإنفاق العسكري في العالم، وفي حين يدفع كل إنسان على هذا الكوكب 4.5 دولارات لخدمة السلام والتنمية والقضاء على الفقر عبر الأمم المتحدة (قيمة الميزانية)، فهو يدفع 255 دولاراً بدلاً عن نفقات التسلّح في العالم... فأي عدالة هذه؟! فبدلاً من القضاء على الفقر ببعض هذه الميزانيات والنفقات وإطعام مليار جائع في العالم، يزداد السلاح ويتكدّس ومعه يزداد الفقراء، ومع تنامي الفقر يتنامى التطرّف والأصولية والإرهاب، وهذا يدفع الى زيادة الطلب على شراء الأسلحة، فكأنما هذا هو المطلوب لتستمر عجلة الإقتصاد في الدول الكبرى الغنية!

 

المراجع:
- www.Books.Google.com.lb:
military expenditure the political economy of international security.
- www.Google.com:
sipri year book 2010 the military expenditure.
- www.Google.com:
Arms trade.