- En
- Fr
- عربي
قضايا إقليمية
التجربة والعبرة
لا يزال الفلسطينيون يعيشون صراعاً يومياً مع الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يزالون محرومين منذ العام 1967 من أبسط متطلبات الحياة الطبيعية في المجالين العملي والانساني. والمجموعات البشرية الأكثر معاناة في هذا المجال هي تلك التي قدّر لها العيش قهراً على مقربة من المستوطنات ومن الحواجز الواقعة تحت السيطرة المدنية والعسكرية التامة لاسرائيل، والتي تشكل أكثر من 50% من الضفة الغربية حيث يحرم الفلسطينيون من الخبز والكرامة. ففي بعض مناطق الضفة تكاد توجد مستوطنة عند كل ربوة لها طريقها الخاص المؤدي اليها، وهي تحاط بالأسوار ونقاط التفتيش مما يعيق حركة الفلسطينيين في سعيهم لكسب عيشهم أو التواصل العائلي مع الأقرباء والأصدقاء. والعنف الذي يتعرضون له من جانب المستوطنين يثني الكثيرين منهم عن الذهاب الى أراضيهم لزراعتها أو لرعاية أغنامهم أو لجني حصادهم، هذا إذا أبقى لهم هؤلاء المستوطنون ما يجنونه أو يكسبونه.
كما يواجه الفلسطينيون أيضًا مشكلة كبيرة في قلة عدد التصاريح الخاصة بالبناء التي تصدرها سلطات الاحتلال، مما دفع العديد من العائلات التي تتكاثر أعدادها بشكل طبيعي إلى البناء من دون ترخيص والمخاطرة بتعرض ما يبنونه بعد وقت وجيز إلى الهدم، الأمر الذي يرغم بعضهم على الرحيل بالإكراه. وفي هذا السياق تقول منسقة اللجنة الدولية للحماية في إسرائيل والأراضي المحتلة: «إن العنف الذي يرتكبه المستوطنون يخلق حواجز غير مرئية تعيق المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. والصعوبات الإدارية في الحصول على تصريح للبناء أو تطوير البنية التحتية في بعض المناطق الريفية تخلق هي الأخرى حواجز غير مرئية. ويمكن أن تأخذ الحواجز غير المرئية شكل المناطق العسكرية المغلقة ومناطق اطلاق النار حيث يصعب فيها رعي الماشية... وهذه الأمور مجتمعة تخلق حواجز غير مرئية للسكان الذين يعيشون في المناطق الريفية من الأراضي المحتلة».
أمام هذا الواقع, تعيش عائلات فلسطينية كثيرة حالات من المعاناة والرعب والاضطهاد تتمثل في هجوم المستوطنين على مساكنها وأملاكها ومزارعها، فيتم تحطيم النوافذ والأبواب تارة أو تقطيع الأشجار المثمرة تارة أخرى، أو منع الناس من الذهاب إلى أعمالهم أو إلى المستشفيات والمدارس، أو قطع الكهرباء والماء عنها. ووسط هذا الحصار العسكري، يصدر بين حين وآخر تقرير شامل لمنظمة العفو الدولية حول مجمل الأوضاع في الأراضي المحتلة فيكشف أشكالاً من معاناة الشعب الفلسطيني المظلوم، والتي من أبرزها حالات الإذلال والقهر عند الحواجز المنتشرة في كل أرجاء الضفة الغربية والتي لا تستثني الأطباء وسيارات الإسعاف والصحافيين. وفي هذا السياق فإن إحدى العقوبات المنتشرة على نطاق واسع عند نقاط التفتيش، ابقاء الفلسطينيين لساعات طويلة من دون أي وقاية من الشمس أو المطر، وتعريضهم في بعض الأحيان حتى إلى إطلاق النار الذي قد يصل إلى القتل. ويتمتع الجنود الصهاينة الذين يقتلون أو يجرحون المواطنين الفلسطينيين بالحصانة والحماية القانونية، وفي أسوأ الاحتمالات لا يحكم عليهم سوى بأيام معدودة من التوقيف الشكلي الذي لا يلبث أن ينتهي بالافراج عنهم بل وربما تهنئتهم على سلوكهم العدواني، بينما يقدّم الفلسطينيون الذين يعصون أوامر الجنود أو ينتهكون تدابير حظر التجول إلى المحاكم العسكرية، ويحكم عليهم بدفع غرامات مالية وبالسجن الفعلي لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وفي كثير من الأحوال يقوم الجنود الصهاينة بايقاع العقاب الفوري على الفلسطينيين بالضرب أو مصادرة مفاتيح المركبات أو بطاقة هوية السائقين أو اطلاق النار على عجلات السيارات. وتتحدث منظمة العفو الدولية عن أنه من المستحيل على الفلسطينيين أن يعيشوا حياة طبيعية مع الحواجز الكثيرة التي تقطع أوصال الضفة الغربية، ومع جدار الفصل العنصري الذي حوّل القرى العربية إلى معازل تعاني الإختناق الاقتصادي والاجتماعي، علمًا أن عدد سكان هذه القرى المعزولة يصل إلى 200 ألف مواطن. ويذكر مبعوثو الأمم المتحدة أن الكثير من هذه العائلات المحاصرة بات يعاني البؤس والفقر المدقع وسوء التغذية المزمن.
وتؤكد منظمة العفو الدولية أن اسرائيل تعرقل امكان حصول الفلسطينيين على أي عمل مهما كان وضيعاً وتمنعهم أيضاً من الحصول على مياه نظيفة وكافية. وهذه الإجراءات ادت أيضاً إلى ارتفاع حاد في الأسعار وإلى صعوبات جمة بوجه تصدير المنتجات، مما يعرض المحاصيل والأطعمة إلى التلف. ويضطر بعض العائلات إلى بيع الممتلكات والاقتراض من الأقارب والأصدقاء لشراء الغذاء بالدين. وفي الوقت الذي تتزايد فيه أعداد من هم في سن العمل (15 سنة) تتراجع فرص العمل وتزداد البطالة. كذلك تتحمل المرأة الفلسطينية عواقب كل ذلك داخل المنزل وخارجه. ففي مجتمع اعتاد فيه الرجال أن يكونوا الكاسبين التقليديين للقوت واعتادت المرأة التي تعمل خارج المنزل أن تفعل ذلك في مجالات تتطلب المهارة، اضطر المزيد من النساء إلى تأدية أعمال وضيعة أو أعمال غير منتظمة وبأجر زهيد، الأمر الذي زاد من حدة التوتر والمشاكل داخل الأسر وأفضى إلى حالات عديدة من النزاع والطلاق.
هذه الأوضاع المزرية تتفاقم بفعل اجراءات الاعاقة الاسرائيلية، ولا سيما نقاط التفتيش الأمنية والعسكرية على الطرق الرئيسة والفرعية التي تشمل الكتل الاسمنتية والبوابات الحديدية والسواتر الترابية بالاضافة إلى الخنادق. وفي تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الانسانية العام الماضي، تبين أن العدد الاجمالي لهذه الحواجز ونقاط التفتيش قد وصل الى أكثر من خمسمئة بالإضافة إلى جدار الفصل الذي تجاوز طوله السبعمائة كلم وبعمق 20 كلم داخل أرضي الضفة الغربية، مع ما رافق ذلك من طرد للفلسطينيين من أراضيهم والاستيلاء عليها كجزء مكمل للمشروعات الاستيطانية اليهودية في مجمل أنحاء الضفة، ولا سيما القدس والتي ضمت حتى الآن أكثر من 200 مستوطنة في داخلها أكثر من 530 ألف مستوطن يهودي. يضاف إلى ما تقدم ما يسميه الفلسطينيون بالطرق الالتفافية أو الطرق البديلة بحسب المصطلح الاسرائيلي، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم خاضع للاستخدام الاسرائيلي المطلق وغالباً ما يستخدم لأغراض عسكرية، وقسم سمح للفلسطينيين بسلوكه لكن بترخيص رسمي، وقسم يسمح للفلسطينيين باستعماله بشكل حر ولكنه يخضع للتفتيش وبالتالي لابتزاز الجنود وأساليبهم المختلفة في الاعاقة والاذلال خلافًا للاعلان العالمي لحقوق الانسان وخلافاً لما يحاول الاسرائيليون اشاعته عن جيشهم بأنه جيش «أخلاقي»، وهو بكل تأكيد عكس ذلك تماماً.